طاشت نظرتها المذعورة في المكان الضيق، ما زال فمها الصغير يعبر عن الهلع الذي ألمّ بها، جسدها يرتجف بشدة مع ازدياد منسوب الصراخ بينهما، وشراسة النقاش، الذي سرعان ما يتحول إلى اشتباك بالأيدي والأرجل، لايملان الحديث عن الأمر ذاته في كل مرة. حاولت «نور» الصغيرة ابنة الأعوام الستة استيعاب ما يجري، إنما قطع استيعابها انقطاع ذلك الضوء الضئيل، وقد أخذت الشمس تلقي نظرتها الأخيرة على مهاتراتهما الجنونية لذلك اليوم. اشتد خوفها مع حلول الظلام، في الوقت الذي كان فيه الرجل الغاضب قد اتخذ أسلوباً مغايراً في النقاش، وبدأ ينهال على المرأة المستفزة ركلاً ورفساً، في محاولة لإسكاتها، وفرض ما يرغمها عليه. باتت نور تتخبط في زوايا الحجرة الضيقة، تبحث عن منفذ يقودها إلى مكان أكثر أمناً من ساحة المعركة، التي اختارها والداها لهما. ابتلعت دموعها الحارة الخائفة، وأنفاسها المتقطعة، جعلت تهرع حافية القدمين عبر درج المنزل، وأصواتهما الظالمة تطاردها، فتعثرت في شق على الدرج، لتكمل طريقها دحرجة، حتى تصل إلى باب المنزل الذي كان مشرعاً على مصراعيهِ. عندما وقفت هي هناك، تهم بطرق الباب المقابل لمنزل الفتاة الصغيرة، في حين سقطت الفتاة مغمى عليها، فأخذتها من على الأرض، ثم قامت بتفقد جسدها، فوجدته سليماً، ضمتها إلى صدرها، وهناك انسابت قطرات البلل من سروال الفتاة الصغيرة، حينذاك انتابت الجارة الشابة غصة حزن وألم، وقد قررت ألا تكون الزوجة المنتظرة للأب المسكين.