كان هو طبيب يدلف إلى الثلاثين من عمره وكان يقيم في فندق شيراتون صنعاء حيث يعقد مؤتمر للطب النفسي، وكان يلبس الهندام اللائق بالمناسبة وبالمكان، وكان يرضي مشاعره أنه ولما يصل بعد إلى الثلاثين كانت شهرته قد طبقت الآفاق واسمه معروف في كل أنحاء اليمن. التقى بإحدى جميلات صنعاء التي كانت كتلة من الرقة والعذوبة والرقي وكانت صحفية تغطي وقائع المؤتمر، سألته عن شيء معين بخصوص المؤتمر فأجابها ثم سألها وسألته وكان كل واحد منهما يحاول أن يجعل الحديث ممتداً لا ينقطع بسرعة، وكان يحاول أن يُحبّر ويتجمل في حديثه وأن يقتني الراقي من الألفاظ والعالي من التعابير وكانت هي تفعل الشيء نفسه، لقد كان كل منهما يحاول أن يقدم نفسه للآخر في أجمل صورة، وكانت تسري من داخله عاطفة جياشة تلون حديثه بمشاعر غاية في الرقة وكان يتمنى أن تعلم أو كان يعي أنها تعلم أن حديثه وعواطفه مرسلة مباشرة من قبله إلى قلبها وكان يشعر في المقابل أنها تصنع نفس الشيء حديث تحرص على أن يكون في أرقى مستوى مخلوط بعاطفة جياشة لا يمكنها إخفاؤها. كان كل منهما يحاول أن يقدم نفسه للآخر في أجمل صورة يستطيع، وامتدت هذه العاطفة ملاقية بين عقليهما وقلبيهما ومشاعرهما التي كانت تذوب رقة، قدر كل واحد أن يوصّل للآخر أحلى درجات العاطفة المشبوبة بالحب، ونجح الاثنان تماماً في إرسال هذه العواطف إلى الآخر واستقبالها منه. وقفاً كثيراً ولكن ليس إلى الحد الذي يخرجهما عن وقار المكان والمناسبة عرفته باسمها واسم أسرتها وعرفها باسمه واسم أسرته وكان عليهما الانصراف كل إلى شأنه، لقد كانت ومضة جميلة من عشقٍ راقٍ نظيف حتى أنه منع نفسه من السؤال عن رقم هاتفها وعن إمكانية اللقاء مرة أخرى وفعلت هي كذلك فهذه لحظة يجب ألا تتلفها توابع أو تفاصيل تفقدها بريقها المتجدد وهكذا ولّى كل واحد منهما وهو يحمل حباً طارئاً وإعجاباً غامراً جدد عليهما الكثير من المشاعر. لقد حدث هذا في عام اثنين أو ثلاثة وثمانين ومازال الطبيب وقد تخطى الخمسين من عمره يتذكر ومضة الحب هذه ولا يشعر بالندم قط لاحتفاظه بها على قصر مدتها ولطافتها وإنما ظلت بالنسبة له نوراً يومض أحياناً وسط حياته فيملؤه بالحزن والشجن مرات وبالطهر والتفرد مرات. وبعد كل هذه السنوات لا يدري إن كانت الشابة الصنعانية لا تزال تذكر هذا الموقف وتحتفظ بهذه الذكرى في إحدى حنايا قلبها.