طلبت مني النيابة الكشف عن شاب قام بقتل صهره زوج أخته،وعند المقابلة الأولى وجدت الجاني هادئاً تماماً وغير نادم على فعلته وكان جوابه في المقابلة الأولى وفي كل المقابلات التي تلتها كلها لا يتعدى جملة واحدة أو جملتين، فقد كان دائماً يردد:لقد أخذ حقه ، أو إن حقه معه ، يقصد القتيل ، وأنه أخذ الجزاء الأوفى لعمله على يد صاحبنا الشاب . وبعد انكباب تام ودراسة مثابرة للقضية كي أعيد تجميع خيوطها في سياق واحد متصل استعنت بروايات كل من لهم علاقة، وبدراسة ملف القضية عدة مرات حتى خرجت القصة على النحو الآتي: كان الشاب قد تخرج منذ سنوات من كلية الشرطة، وتم تعيينه مديراً لناحية في إحدى المناطق وصرفت له الدولة سيارة حكومية وعينت له بضعة نفر من الحراس فكانت أبهة الوظيفة أكثر من قدرة شاب صغير على تحمل مسئولياتها فحدث في يوم من الأيام أن الشاب ذهب للقاء بعض الضباط في موقع حكومي، ولما لم يسمح له بالدخول بسرعة فإنه فقد القدرة على ضبط نفسه واندفع في شجار عنيف اشترك فيه حراسه وحراس الطرف الآخر وانتهى الشجار نهاية مريرة فقد أطلق صاحبنا الضابط الشاب النار على احد حراس الطرف الآخر فأرداه قتيلاً وكان أن خرج من هذه الفعلة بصعوبة متناهية وفقد وظيفته ولم يبق له من بهرجة المنصب إلا راتبه ومسدس يحمله في كل وقت حتى يذكر الجميع بأنه مازال ضابطاً من ضباط الدولة . مرت السنوات على هذا الحال، حتى أخذت الأحداث اتجاهاً آخر فالشاب لم يعد أحد يعامله كما اعتاد عند بداية حياته العملية وإنما كان يعامل بقدر من الإهمال واللامبالاة. كانت له أخت متزوجة من رجل كهل يبدو أنه كان على قدر لا بأس به من الثراء فقد كان صاحب دكان وكان من الواضح أن حياته ميسورة، وكانت أخته هذه أيضاً أكبر منه في السن وحدث أن مرضت أخته فطلبت من أختها الصغيرة( التي كانت أصغر الجميع، أي إنها كانت في حدود العشرين) الإقامة عندها لمعاونتها في مرضها وحتى تهتم بتدبير شئون صهرها الكهل الميسور الحال وتلبية طلباته حتى لا يشعر بأن مرض زوجته قد أضر بمسار حياته من قريب أو بعيد. ظلت الأمور تسير على هذا النحو لأسابيع أو شهور حتى ضاق أخوة الشابة الصغيرة ذرعاً بهذا الوضع فمضوا يشكون للضابط سيء الحظ باعتبار أنه الأقدر على أن يطلب من أمهم أن تبادر لإصلاح الوضع وإعادة صغيرتها الشابة إلى المنزل. أرسلت الأم وهي القائمة على شئون الأسرة بعد وفاة زوجها وعائل بيتها قبل عدة سنوات ، أرسلت إلى الصهر الكهل تطلب منه أن يبادر الجميع بالعودة إلى بيت الأسرة ، فعبأ الكهل السيارة التي أقلتهم عائدين بكل الهدايا المعتادة في القرى وكانت الهدية كبيرة تكشف قدرة الرجل وتقديره لأم زوجته ، لقد عاد هو وزوجته وصهرته الشابة الصغيرة وبقى عندهم مُرحباً به من الجميع. حضر صاحبنا الضابط لزيارة أمه وأخواته في الصباح ، فوجد الكهل وزوجته والشابة الصغيرة متحلقين على مائدة الإفطار ، وغادرت الزوجة بعد أن نالت كفايتها من الطعام وبقي الكهل وصهرته الشابة يحتسيان القهوة وهما ذائبان في عالم خاص يتجاذبان أطراف حديث ناعم خافت يفصلهما عن كل ماحولهما، حتى أنهما لم ينتبها لدخول الضابط ولا لوجوده طول هذا الوقت فقد كانا يحلقان في سماوات قرمزية ويعيشان لحظات تقطعهما عن العالم وتدخلهما في حال من الحميمية المشوبة بالرغبة المحرمة والتي يحاول كل واحد منهما التغطية عليها دون جدوى. وبينما كان الضابط يتابع هذا المشهد المستفز والذي يسيل فوق مشاعره واعتداده بنفسه ويسحق كرامته ويذبح مشاعر الأخوة في وجدانه كانت أمه تتابع المشهد بطريقتها الخاصة ومن خلال مشاعر مختلفة تماماً تغلب عليها رغباتها الدفينة التي كانت تحاول إخفاءها ، فكان يرضيها أن تقوم بنتها الشابة بدور العاشقة نيابة عنها ، وأوصلت الأم العجوز الأمور إلى الذروة عندما طلبت من صهرها أن يخصي لها الجدي بمساعدة الشابة ، حدث كل هذا والضابط جالس لا يأبه به أحد ، بل ربما لم يعد أحد يدرك أنه مازال موجوداً . قام الكهل والشابة بالإمساك بالجدي لخصائه، وبدأ الاثنان يتحدثان حديثاً يحمل أحط الإلماحات على شاكلة أن الجدي ليس فحلاً بما فيه الكفاية ، وأنه هناك رجال أكثر فحولة منه والكثير من الكلمات التي تداعب أعمق الغرائز المحطة ، كل هذا وهما مستغرقان تماماً ومأخوذان بهذا المشاعر المتأججة والتي أصرت الأم العجوز على أن يكون الجدي وخصاؤه هو الرمز المجسد لها. قام الضابط وأسند ظهره إلى الحائط واقفاً خلف الكهل الشبق الذي كان مضطراً إلى أن يطأطئ رأسه ويمده إلى الأمام حتى يتقن عمله الذي هو فيه ، فما كان من الضابط الشاب إلا أن أخرج مسدسه وأطلق على فقا رأس الكهل رصاصتين كانتا كفيلتين بالإجهاز عليه من وقته ، وصرخت الشابة وحاولت مهاجمة أخيها ولكنه ضربها ضرباً شديداً، وعندما اعترضته أمه النزقة محاولة منعه من مغادرة المنزل ضربها هي الأخرى ضرباً شديداً وغادر وسلم نفسه إلى قسم الشرطة الذي أرسله إلى البحث الجنائي ومن ثم إلي ، فاكتفى بجملته الواحدة وهي أن الرجل قد أخذ حقه أو ( حقه معه ) كما كان يردد . كان راضياً تمام الرضا عمّا عمله ، وأظن أنه لم يكن لديه خيار آخر فقد أنهى سماجة القصة والحياة ، وأحسن أنه أنصف وأنه حتى إذا أعدم فإنه قد أوصل لكل ذي حق حقه.