كنت أرنو إلى قسمات وجهه خلسة.... وهو يقلّب أوراق الجريدة، التفت نحوي، ونظر إليّ بشيء من الاستغراب،أحسست بالارتباك.... سرت في جسدي رعشة قوية تغلغلت في كياني، حاولت الهروب من التحديق في عينيه، كيلا أتورّط أكثر فلم أعد قادرة على الإبحار في بحر مجهول الأعماق، لكنّ نظراته المؤثّرة المفعمة بالشوق والحنين أيقظت روحي الكئيبة، وأعادت إليها الإحساس بالحياة. تنهّدت في أعماقي، نظرت إلى السماء، وإلى تلك الشعلة المضيئة التي تشتعل في وجدان الكون. أصبحت غير قادرة على التمييز بين الليل والنهار، والحقيقة والخيال، لقد أصبح كلّ شيء مختلطاً خلال الشك واليقين. لفظ اسمي بعذوبة ودفء، فسرى في المكان لحن موسيقي لا أجمل ولا أعذب..... كانت كلماته تنعش روحي، وتملؤها أماناً وأملاً، أحسست أنّ العالم بكلّ ما فيه قد تلاشى من حولي، وأنّ عينيه هما الشيء الوحيد الذي بقي لي في هذا الوجود. عندئذ انتابني إحساس طفوليّ غريب كأنّني ولدت من جديد، ومرة أخرى ارتشفت كأس العشق القديم. شعرت باشتعال عواطفي، وبنيران الشوق تلتهب في قلبي...... تأمّلته تمنيّت أن أغوص إلى أعماقه، وأتمازج مع روحه...أتوه في فضاء عينيه الواسعتين. لست أدري كيف استطاع ذلك الحبّ العميق الجارف أن يتسلّل إلى أعماقي... ويوقد النيران في صدري رغم كلّ محاولاتي اليائسة للتمرّد عليه ذلك الحبّ القويّ الذي كان ينمو في قلبي دون أن يكترث لمصيري، ولثورة عواطفي.... فجأة أحسست باختلاج الألم في نفسي، فها هو القدر يتلاعب بي من جديد، وتلك الحقيقة المؤلمة ماثلة أمامي رغم محاولاتي الجديّة لتجاهلها، والهروب منها... ربما أكون نسيتها أو تناسيتها لبعض الوقت. أأقول إنّه قدري الذي سار بي بخطوات بطيئة تجاه مدن الضياع؟ أم هي المصادفة العمياء التي وضعتني في طريقه على الرغم من احتلال امرأة أخرى حياته. كان من الصعب على عقلي استيعاب فكرة وجود تلك المرأة، رغم أنّ أعماقي كانت تدرك تماماً تلك الحقيقة المؤلمة لكنّ مجرّد التفكير بها كان يجعلني أشعر بفراغ عميق يفصل بيننا، فكنت دائماً أحاول تشويه تلك الفكرة كي لا يشتدّ ألمي. فأيّ سكرة عمياء تلك التي أغشت عينيّ، ورمت بي بعيداً في عالم الخيال، والأوهام فصوّرتني ملكة على عرش القمر أقبض بيديّ الكواكب والنجوم، ومن ثم صحوت منها على يقظة الألم الذي أعادني إلى الواقع، فشعرت بخطيئتي، وبالذنب تجاه تلك المرأة. احتقرت نفسي، وكرهت أنانيّتي ربما كان عليّ أن أكون أكثر واقعيّة كيلا أنزلق في منحدر الوهم شيئاً فشيئاً. أخفضت رأسي خجلاً، ومشيت متعثّرة ساخرة من ذاتي بعد أن أدركت خيبتي العمياء.