فرحة الإنسان في يوم عرسه فرحة ما بعدها فرحة..، فهي يوم في العمر كما يقولون، لكن من تعرس في القرية فالفرحة فرحتان وذلك ما للأعراس من نكهة خاصة في الأرياف.. فرحة مع إيقاعات الطبول وبرع الرجال وسعادة الأطفال.. ففي القرية تشدك منى علي وهي تزغرد وتغني عبر المسجل وأيوب يدندن.. ليشكلا ثنائياً لايفترقان في كل حفلات الأعراس الريفية ومن لا يستمع لهذين العملاقين في زفافه فإن عرسه لا طعم له ولا لون.. وإذا كنت شاباً عازباً وتخلل إلى أذنك صوت منى علي لجارٍ لك عريس شدك الشوق للزواج.. حينها كان الله في عون أبيك.. طيب رشاد من صحيفة «الجمهورية» يصطحبكم في جولة استطلاعية مع أجواء فرائحية عرائسية ريفية فإلى الاستطلاع: أصالة يروق للكثير من الناس الحضور ومشاهدة أعراس القرية عكس المدن ويستغلها البعض مناسبة للترويح عن النفس من ضوضاء المدينة وصخبها اللامنتهي، فمع كل دعوة عرس ريفي تبتهج النفس وتنشرح وهي تشاهد مجموعة من الطبالين أصحاب (الضربة) كما يسميهم من يسكنون البادية أو القرية وهم يشكلون إيقاعاً خاصاً، فحين تقرع طبولهم تهتز الأجساد وتتمايل مع تلك الإيقاعات على شكل برع بلدي ورقص لحجي وتارة صنعاني وقتها يتنافس الصغار والكبار بشكل ثنائي تارة وبشكل جماعي تارة أخرى فيما المشاهدون يرتصون بشكل دائري وهم يتفرجون لمن في الحلقة (الوسط) وهم يبترعون ويرقصون ويبتهجون والكل يصفق ويصفر.. فلتك الطقوس مكانة خاصة في قلوب الريفيين فهم يستمدونها من تراثهم الأصيل لذا فإن كل بيت قروي لا تخلو في أعراسها من تلك الطبول أو تلك الطقوس. مسابقة في الكثير من القرى تبدأ دعوة أصحاب الطبول من اليوم الأول كما لو أنهم يعلنون للجميع بعرس وعريس قادم.. فيبدأون بقرع طبولهم منذ اليوم الأول فمع بدء قرعها يتهافت نحوها كل أطفال القرية وشبابها فيحجزون مساحة مناسبة للبرع والرقص حتى وقت متأخر من الليل. في الصباح الباكر يعاود الطبالون ضرب طبولهم فيجتمع كبار السن بجنابيهم فيدخل اثنان ويبترعان بشكل مسابقاتي طويل ومثير تنتهي بفوز أحدهم فالمتعب منهم يستسلم ويعيرونه (بالشائب) في إشارة إلى ضعفه وهرمه. استقبال بعد الساعة الحادية عشرة صباحاً يتوافد المعزومون إلى بيت العريس أو (الحريو) بالبلدي زمراً وجماعات وما يشدك هو طقوس الاستقبال لك ولمن معك بطريقة كرنفالية كما لو أنك ملك ومجموعة من الناس بقيادة العريس ووالده يصطحبهم قارعو الطبول في مجيئهم إليك في استقبال حار ويقفلون عائدين معك إلى بيتهم ويرتصون بشكل دائري لتشاركهم برعهم ورقصهم وإن كنت لا تجيد البرع فقد ودفت.. وبعد البرع يدعونك لتناول وجبة غداء دسمة يتبعها تخزينة قات وإن كنت من غير المخزنين فقد ودفت مرة أخرى. بعد جلسة مقيل طويلة وخاصة بعد صلاة العصر يعاود الطبالون قرع طبولهم ليجتمع الناس ويستأنفوا برعهم حتى أذان صلاة المغرب وأحياناً يرتاح الجميع ما بين صلاة المغرب والعشاء ليستأنفوا برعهم من جديد إيذاناً بانطلاق الفوج أو الموكب نحو بيت العروس أو (العروسة).. وما يلفت الانتباه هو أن لكل مناسبة في العرس الواحد في قرع الطبول إيقاعاً خاصاً، ففي وقت ذهابهم لأخذ العروسة إيقاع يختلف عن بقية الإيقاعات وعند الوصول إلى بيت العروسة يبدأ الطبالون بتغيير إيقاعاتهم إلى إيقاع البرع وتكون تلك الفترة القصيرة هي بمثابة مهلة يستغلها الشباب للرقص والبرع أمام بيت العروسة حتى خروجها فيتغير الإيقاع تلقائياً وتركب العروسة السيارة الخاصة بها بمعية عريسها. ابتداع في بعض القرى ابتدع الشباب طريقة مثيرة يبتهجون بها فهم يتقدمون سيارة العرسان بصحبة الطبالين ويرقصون ببطء حتى وصولهم إلى بيت العريس في صورة جميلة والعريسان يشاهدانهم بفرحة انتظراها منذ زمن. وبعد وقت طويل يصل الجميع إلى بيت العريس فيطلب الشباب من الطبالين استئناف الرقص للمرة الأخيرة دون تعب أو كلل من الطبالين والراقصين. شجون أن تعيش جواً عرائسياً في الريف فتلك هي قمة المتعة والإثارة والشجون.. بهكذا قول افتتح عبدالله المصنف استطلاعنا عن الأعراس في الريف اليمني مضيفاً: كم تروق لي تلك الأجواء وكم يشدني الحنين إليها خاصة حين أبتعد عن القرية وأذهب للمدينة وكم تزعجني أصوات المكبرات في الأعراس التي تنتهجها المدن.. وكلما صاحبها الصخب تذكرت قريتي وأستغلها فرصة وقت عودتي إليها في إجازة الأعياد والتي عادة كما يقول المصنف تكون مواسم للأعراس. ويوافقه الرأي عيسى طارش لكنه يختلف معه في بعض العادات السيئة التي باتت تسيء إلى مجتمع القرية البسيط، وذلك من حيث ما يسمى بالمجابرة حيث يرى طارش أن تلك العادات أصبحت للكسب المادي فقط وابتعدت عن معناها الجوهري في مساعدة الفقراء. متعة يستمتع الكثير بمشاهدة البرع خصوصاً مع كبار السن وهم يبترعون بجنابيهم.. حمدي البراق هو الأكثر متعة حين يرى ذلك المشهد الرائع مع الشيوبة كما يحلو له تسميتهم وينبه إلى أنه يفكر أكثر من مرة بتصوير تلك المشاهد مع هؤلاء في إشارة منه إلى توثيق ذلك ولكنه يفشل في كل مرة معترفاً بالإهمال والتقصير من جانبه ويشير البراق إلى أن عدم توثيق ذلك معناه وأد لكثير من العادات التي باتت تنحسر وتغيب بدعوى المدنية الزائفة التي باتت تلتهم كل العادات الجميلة في القرية حد وصفه.