القراءة ظاهرة اجتماعية - سيكولوجية معقدة، وقد كانت في الأساس موضوعًا من المواضيع التي تبحثها التربية، وقد ظلت المشاكل المتعلقة بالقراءة مدة طويلة من الزمان من اختصاص رجال التربية وحدهم.. عقد مؤتمر علمي في موسكو، بعنوان سيكولوجية القارىء والقراءة والعمل المكتبي الببليوغرافي، حيث ظهرت مجموعة من التقارير والدراسات التي تعكس الميل إلى استخدام مفاهيم علم النفس الاجتماعي وطرائقه في الدراسات والأبحاث القرائية التجريبية، فقد قامت الباحثة ت. نيفسترويفا بدراسة تجريبية لسمعة الكاتب بصفتها عاملاً مؤثرًا في علم النفس القرائي على تقويم واستيعاب المؤلفات الأدبية. وقامت الباحثة غ. براغينا بوضع مواصفات لخصائص التواصل بين القراء في الصفوف العليا المدرسية. كما أجرت الباحثة غ. أولتروغيفا دراسة تجريبية استخدمت فيها منهج السوسيومتريا في دراسة العلاقات بين القراّء في الجماعات الطلابية. كما توصل الباحث آ. ميلر إلى نتيجة عن الإمكانات العلاجية للأدب الروائي، وذلك من خلال إظهار تبدل دافعية القراءة والإدراك الفني أثناء مرض القارىء. وكانت أبرز مسائل سيكولوجية القراءة وعلم النفس القرائي التي طرحت في المؤتمر هي: - المسائل النفسية-الاجتماعية للقراءة وعلم النفس القرائي. - سيكولوجية القارىء. - التحليل النفسي للنص ولعمليات القراءة. - المسائل النفسية-التربوية للقراءة عند الأطفال. - سيكولوجية العمل الببليوغرافي والمكتبي. - تعليم القراءة الدينامية كطريقة شمولية لتطوير فعالية القراءة[6]. 2. 2. في أوروبا وأمريكا: لقد أدى نمو الأهمية الاجتماعية للكلمة المطبوعة في عالمنا المعاصر إلى ظهور عدد كبير من البحوث والدراسات في بلدان أوروبا وفي أمريكا بشكل خاص. وخلال الثمانين سنة الأخيرة نشر في العالم أكثر من 40 ألف بحث علمي مكرس لقضايا القراءة، وعقدت عدة مؤتمرات دولية نظمتها (IRA الرابطة الدولية للقراءة). وتعالج هذه الدراسات دوافع القراءة، واهتمامات القراّء، واتجاهات القراءة الأدبية للأجناس الأدبية المختلفة. وتركز هذه الدراسات بصورة خاصة على الجانب السيكولوجي للقراءة وللقارىء، دون ربطهما غالبًا بمضمونهما الاجتماعي، أي تنظر إلى القراءة كظاهرة نفسية، وإلى القارىء كنمط نفسي قرائي معين، وتبين موقفه من القراءة. وفي عام 1974 صدرت في ألمانيا (الغربية) موسوعة خاصة مكرسة لسيكولوجية القراءة ومسائلها Lesen- Ein Handbuch [7]. وهي مرجع أساسي يعالج بشكل عميق أهم جوانب سيكولوجية القراءة ومسائلها، ومن أهم مميزاتها توفير أعداد كبيرة من المراجع والتوثيق الدقيق لها، وانتقاء أهم مسائل سيكولوجية القراءة مثل تصنيف القراءة والقراّء، وتربية ثقافة القراءة، ونشوء وتطور الدراسات القرائية. لقد كان علماء التربية أول من اهتم بالقراءة كمسألة علمية، حيث بدأوا بدراسة سيكولوجية القراءة منذ أوائل القرن العشرين، غير أنهم ركزوا الاهتمام في البداية على دراسة الآليات الخارجية للقراءة سعيًا إلى تحديد العلاقة بين انتقال النظر على النص المطبوع، ومعرفة الكلمات والجمل وفهم المادة المقروءة؛ كما حاولوا تحديد تأثير طراز الخط وحجم الأحرف، وطريقة ربطها، وتوزيع النص على الصفحة ... الخ، على معرفة الكلمات وسرعة القراءة وعلى إدراك معنى النص المقروء. ويرى عالم النفس الأمريكي م . تينكر M.Tinker أن محصلة هذه المرحلة “السيكولوجية الأولى” من دراسة القراءة اقتصرت بصورة أساسية على اكتشاف ثلاثة عوامل مؤثرة في إدراك النص، وهي: 1. إن الحرف الأولى من الكلمة أهم - من أجل فهم النص - من الأحرف الأخيرة أو المتوسطة. 2. إن طول الكلمة هو أهم معيار لشكل الكلمة القواعدي وبالتالي لمعناها. 3. إن مراعاة السياق يسهل إلى حد كبير إدراك المعنى الدقيق للكلمات المتعددة المعاني. وجنبًا إلى جنب مع الدراسات السيكولوجية والتربوية للقراءة، سارت الدراسات السوسيولوجية، التي انتشرت منذ الثلاثينات في الولاياتالمتحدة ومن ثم في أوروبا. وكانت تجرى هذه الأبحاث بطلب من دور النشر، وهدفها دراسة سوق الكتاب ووضعيته وإمكان توسيعه، أي إظهار: أي الفئات الاجتماعية التي تقرأ بصورة دائمة ومكثفة، وما هي الكتب الأكثر طلبًا. وعلى سبيل المثال: بطلب من ريدردايجست تم إجراء أكثر من استفتاء لعينة واسعة من القراء حول عدد من المطبوعات والوسائل الإعلامية ومدى شعبيتها. وفي عام 1938، أجريت دراسة لجماهير قراء مجلة لايف الأمريكية في الولاياتالمتحدة بالاعتماد على استفتاء عينة واسعة من القراء. غير أن أغلب هذه الدراسات لم تهتم بدوافع القراءة واهتمامات القراء ونشوئها وتطورها[8]. ولكن، مع بداية الأربعينات، بدأت محاولات دراسة القراءة في سياق أعمق، وإظهار قوانينها النوعية بشكل أعمق. ففي الولاياتالمتحدة أجري عدد من الدراسات حول تأثير القراءة على المستوى التعليمي العام للفرد[9]، ودرست فيها لأول مرة دوافع القراّء، وحاجات التلاميذ والطلاب، وموقفهم من القراءة، وعلاقة القراءة بمختلف أشكال التعليم. كما قامت هذه الدراسات بتحليل تقاليد قراءة الأدب الروائي وأساليب التربية الأدبية[10]. وازدادت أعداد الأبحاث العلمية المرتبطة بدراسة إنتاج المطبوعات وتوزيعها ودراسة مضمونها، وتأثيره على الحكومة والفئات الاجتماعية المختلفة. وتمت دراسة تأثير الكتاب عامة على القارىء وحاجة القارىء إلى الكتاب، والعوامل المساعدة أو المعيقة للقراءة. وكانت جميع هذه الدراسات العلمية الجادة تنظر إلى الكتاب أو أي نص مطبوع بصفته منظومة من القيم والخصائص الفنية المؤثرة على اتساع تداوله وانتشاره بين مختلف فئات القراء. وفي هذه الفترة بالذات، تم تطبيق طريقة تحليل المضمون Content- Analysis في الدراسات والبحوث القرائية. وهذا ما سمح بوصف مضمون المطبوع بشكل صارم ودقيق. فقد قام الباحث الأمريكي س. هارفي Harvey، عام 1953، بتحليل مضمون أكثر الكتب رواجًا[11]، وفي عام 1956 قام الباحث م. آلبريتش Albrech بدراسة منظومة القيم في مضمون الإنتاج الأدبي الجماهيري[12]. وأجرى الباحثان ب. بيرلسون وب. سولتر Berlson B، Soltere P دراسات أساسية هامة باستخدام طريقة تحليل المضمون حول تحليل صورة الأمريكيين في الأدب الروائي[13]، كما درسا تأثير مضمون العمل الأدبي ومكوناته الأخرى على المواقف والاتجاهات القرائية المختلفة وعلى حاجات القراّء الجمالية. ومنذ الستينات من القرن العشرين برزت الدراسات والأبحاث الطامحة إلى معرفة المواصفات النوعية للكتاب ولشخصية القارىء. وقد أظهرت هذه الدراسات أن الكتاب الواحد يتمتع بمجموعة من الخصائص المختلفة التي تتجلى تبعًا لموقف القارىء واهتماماته وثقافته. كما أظهرت تعايش حاجات قرائية مختلفة لدى القارىء الواحد، وقدرة القارىء على استيعاب العمل الأدبي بطرق مختلفة بتأثير عوامل مختلفة. 3. أهم مواضيع البحث في سيكولوجية القراءة سنتناول في هذا القسم أهم الدراسات المتعلقة بسيكولوجية القراءة، وهي: 3. 1. دراسة مسألة تصنيف القراّء: لقد غدت قضية تصنيف القراء في عصرنا الراهن إحدى القضايا الأساسية ضمن مجموعة العلوم التي تدرس القراءة بصفتها ظاهرة اجتماعية ونفسية-تربوية. وتكتسب هذه المسألة أهمية نظرية وتطبيقية، خاصة مع ازدياد القراء، ما دفع إلى ضرورة تحسين نوعية القراءة وزيادة فعالية تأثيرها الفكري والتربوي. لقد جرت محاولات تصنيف القراء في ثلاثة اتجاهات رئيسة: في علم الاجتماع، علم النفس الاجتماعي، وعلم النفس العام. إن أي تصنيف مقترح يجب أن يلبي مطلبين رئيسين هما: الملاءمة والمردود. أما الملاءمة فتتجلى في التصنيفات والمخططات التي تتوفر فيها المعايير الضرورية والكافية لتقسيم القراء إلى جماعات-نماذج متمايزة فيما بينها، وتتطلب طرائق وأساليب مختلفة من العمل المكتبي مع القراء. وأما المردود فيتجلى في التصنيفات المقبولة من الناحية العملية في ظروف العمل المكتبي، وتوفر الإمكانية لوضع التوصيات المنهجية المطابقة لخصائص كل صنف من صنوف القراّء. عند وضع تصنيف للقراء لا بد من مراعاة التغيرات الجارية في المجتمع، وأهمها: 1. ارتفاع مستوى التعليم والثقافة. 2. تغير طابع العمل نتيجة دخول الأتمتة والمكننة والمعلوماتية إلى كافة الأعمال. 3. الانتشار الواسع لوسائل الإعلام الجماهيرية والمطبوعات وأنظمة المعلومات. وبالإضافة إلى العوامل المذكورة، المساعدة على تكامل المجتمع الثقافي، ذات الطابع العام الشمولي، ثمة عوامل محلية تؤدي إلى التمايز الفئوي بالنسبة للقراءة، ويظهر تأثيرها ضمن الفئة الاجتماعية الواحدة، هناك عوامل محلية مؤثرة في الجماعات والفئات كالمناخ المحلي ضمن جماعة العمل، ووجود أو غياب “القادة الثقافيين”، وتأثير الجماعات المرجعية بالإضافة إلى خاصيات القارىء الشخصية. 3. 2. مفهوم الصنف القرائي: إن مفهوم الصنف أو الطراز أو النمط Type هو مفهوم مشتق من تفاعل عوامل نفسية واجتماعية عديدة، ويضم التأثيرات المتنوعة لخبرات القراء الماضية وحاضرهم ومستقبلهم. ويقدم مثل هذا المدخل التصنيفي typological إمكانية معالجة مواصفات القراء المضمونية (من حيث المضمون). ويمكن للقارىء الانتقال من نمط إلى آخر عند توفر الظروف الملائمة. ويقترح علماء النفس تصنيف القراء من خلال الخاصيات المشتركة للشخصية كالاتجاه، والمزاج، والطباع، والقدرات والمهارات، والدوافع، والاهتمامات. وسنتناول هذه الخاصيات بشيء من التفصيل لنتعرف على تأثيرها على القراءة. 1 - المزاج: يعرّف المزاج في علم النفس بأنه ميل الفرد للقيام باستجابة معينة. وهو خاصية دينامية من خاصيات الفعالية النفسية للفرد، ويمارس تأثيرًا متنوعًا وحاسمًا على القراءة. ففي دينامية القراءة يظهر الأفراد وفق الأمزجة التالية: A. المزاج الصفراوي: ويمتاز الفرد في هذا المزاج بعادة قراءة الكتب، حيث ينكب على المطالعة وقراءة الكتب دون توقف أو انقطاع. B. المزاج الدموي: ويقرأ الفرد من هذا المزاج بسرعة وسلاسة، ولكن بسطحية، مع تخطي الأسطر وعدم التركيز. C. المزاج البلغمي أو اللمفاوي: ويقرأ الفرد من هذا المزاج ببطء، وبتتابع منطقي من البداية إلى النهاية، دون تخطي الأسطر.