إعلان عدن التاريخي.. بذرة العمل السياسي ونقطة التحول من إطار الثورة    الدوري الاوروبي .. ليفركوزن يواصل تحقيق الفوز    دوري المؤتمر الاوروبي ...اوليمبياكوس يسقط استون فيلا الانجليزي برباعية    صحيح العقيدة اهم من سن القوانين.. قيادة السيارة ومبايض المرأة    "القصاص" ينهي فاجعة قتل مواطن بإعدام قاتله رمياً بالرصاص    "قلوب تنبض بالأمل: جمعية "البلسم السعودية" تُنير دروب اليمن ب 113 عملية جراحية قلب مفتوح وقسطرة."    غضب واسع من إعلان الحوثيين إحباط محاولة انقلاب بصنعاء واتهام شخصية وطنية بذلك!    لملس يفاجئ الجميع: الانتقالي سيعيدنا إلى أحضان صنعاء    طقم ليفربول الجديد لموسم 2024-2025.. محمد صلاح باق مع النادي    لماذا يُدمّر الحوثيون المقابر الأثرية في إب؟    "مشرف حوثي يطرد المرضى من مستشفى ذمار ويفرض جباية لإعادة فتحه"    بعد إثارة الجدل.. بالفيديو: داعية يرد على عالم الآثار زاهي حواس بشأن عدم وجود دليل لوجود الأنبياء في مصر    أيهما أفضل: يوم الجمعة الصلاة على النبي أم قيام الليل؟    ناشط من عدن ينتقد تضليل الهيئة العليا للأدوية بشأن حاويات الأدوية    دربي مدينة سيئون ينتهي بالتعادل في بطولة كأس حضرموت الثامنة    تضامن حضرموت يحلق بجاره الشعب إلى نهائي البطولة الرمضانية لكرة السلة لأندية حضرموت بفوزه على سيئون    مجلس وزارة الشؤون الإجتماعية والعمل يناقش عدداً من القضايا المدرجة في جدول أعماله    الارياني: مليشيا الحوثي استغلت أحداث غزه لصرف الأنظار عن نهبها للإيرادات والمرتبات    رعاية حوثية للغش في الامتحانات الثانوية لتجهيل المجتمع ومحاربة التعليم    "مسام" ينتزع 797 لغماً خلال الأسبوع الرابع من شهر أبريل زرعتها المليشيات الحوثية    تشيلسي يسعى لتحقيق رقم مميز امام توتنهام    استشهاد أسيرين من غزة بسجون الاحتلال نتيجة التعذيب أحدهما الطبيب عدنان البرش    الصين تبدأ بافتتاح كليات لتعليم اللغة الصينية في اليمن    المنخفض الجوي في اليمن يلحق الضرر ب5 آلاف أسرة نازحة جراء المنخفض الجوي باليمن    إعتراف أمريكا.. انفجار حرب يمنية جديدة "واقع يتبلور وسيطرق الأبواب"    شاب سعودي يقتل أخته لعدم رضاه عن قيادتها السيارة    تعز.. حملة أمنية تزيل 43 من المباني والاستحداثات المخالفة للقانون    الهلال يلتقي النصر بنهائي كأس ملك السعودية    أثر جانبي خطير لأدوية حرقة المعدة    توضيح من أمن عدن بشأن مطاردة ناشط موالٍ للانتقالي    أهالي اللحوم الشرقية يناشدون مدير كهرباء المنطقة الثانية    ضلت تقاوم وتصرخ طوال أسابيع ولا مجيب .. كهرباء عدن تحتضر    صدام ودهس وارتطام.. مقتل وإصابة نحو 400 شخص في حوادث سير في عدد من المحافظات اليمنية خلال شهر    الخميني والتصوف    نجل القاضي قطران: والدي يتعرض لضغوط للاعتراف بالتخطيط لانقلاب وحالته الصحية تتدهور ونقل الى المستشفى قبل ايام    قيادي حوثي يخاطب الشرعية: لو كنتم ورقة رابحة لكان ذلك مجدياً في 9 سنوات    إنريكي: ليس لدينا ما نخسره في باريس    انهيار كارثي.. الريال اليمني يتراجع إلى أدنى مستوى منذ أشهر (أسعار الصرف)    جماعة الحوثي تعيد فتح المتحفين الوطني والموروث الشعبي بصنعاء بعد أن افرغوه من محتواه وكل ما يتعلق بثورة 26 سبتمبر    جريدة أمريكية: على امريكا دعم استقلال اليمن الجنوبي    محلل سياسي: لقاء الأحزاب اليمنية في عدن خبث ودهاء أمريكي    الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الشيخ محمد بن زايد بوفاة عمه الشيخ طحنون آل نهيان    أولاد "الزنداني وربعه" لهم الدنيا والآخرة وأولاد العامة لهم الآخرة فقط    15 دقيقة قبل النوم تنجيك من عذاب القبر.. داوم عليها ولا تتركها    سفاح يثير الرعب في عدن: جرائم مروعة ودعوات للقبض عليه    خطوة قوية للبنك المركزي في عدن.. بتعاون مع دولة عربية شقيقة    انتقالي لحج يستعيد مقر اتحاد أدباء وكتاب الجنوب بعد إن كان مقتحما منذ حرب 2015    مياه الصرف الصحي تغرق شوارع مدينة القاعدة وتحذيرات من كارثة صحية    إبن وزير العدل سارق المنح الدراسية يعين في منصب رفيع بتليمن (وثائق)    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و568 منذ 7 أكتوبر    كيف تسبب الحوثي بتحويل عمال اليمن إلى فقراء؟    المخا ستفوج لاول مرة بينما صنعاء تعتبر الثالثة لمطاري جدة والمدينة المنورة    النخب اليمنية و"أشرف"... (قصة حقيقية)    اعتراف رسمي وتعويضات قد تصل للملايين.. وفيات و اصابة بالجلطات و أمراض خطيرة بعد لقاح كورونا !    عودة تفشي وباء الكوليرا في إب    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لم أكن أنوي الدخول في المجال الفني وكانت مسألة الغناء مجرد هواية لا أكثر ودخولي إلى الندوة الموسيقية العدنية جاءت بالمصادفة
الفنان محمد مرشد ناجي ل ( الجمهورية ) :
نشر في الجمهورية يوم 29 - 05 - 2012


( الحلقة الرابعة )
ملخص ما نشر
في الحلقات الثلاث الماضية واصل الفنان محمد مرشد ناجي حديث ذكرياته الشائق، فبعد استعراضه لحياة الطفولة والشباب والدراسة والعمل في الخارج وحصوله على شهادة العمل وكذا بداية العمل في ريف أبين مع السطان الفضلي ثم استقالته والعمل مدرساً في مدرسة النهضة ثم العودة مع السلطان عبدالله بن عثمان وبقائه متنقلاً بين عدن وأبين وشقرة وهي فترة عاشها وشهد خلالها الكثير عن حياة السلاطين والحكم في زمن الاستعمار ودور الاستعمار في التدخل في شئونهم وهي التجربة التي عاشها الفنان المرشدي لقربه من شخوصها وسفره معهم إلى الخارج في رحلته التي أسماها رحلة العمر ثم عودته بعدها ليلتحق بوظيفة في شركة شل بعد نضال مرير مع الوظيفة الحلم إلى يوم الاستقلال الوطني.
مشوار جميل .. كان مجرد هواية
.. بعد رحلة العذاب مع الوظيفة إذا ماذا عن الجانب الفني؟ حدثنا عن مشوار حياتك أيضاً في هذا المجال؟ وكيف البدايات؟ وماذا تحتفظ ذاكرة (المرشدي) من تفاصيل بعد هذا المشوار الفني الجميل؟
ما أريد قوله في هذا المجال هو أنني في بداية حياتي لم أكن أنوي أن أدخل المجال الفني وكانت مسألة الجانب الغنائي غير موجودة في بالي كمهنة بل هي مجرد هواية لا أكثر ليس عندي فقط، ولكن عند معظم أعضاء الندوة الموسيقية العدنية الذين كانوا من كبار الموظفين البعض منهم توازي درجته الوظيفية مرتبة الوزير فيما يسمى اليوم – لأن الانجليز في آخر أيام احتلالهم لعدن لم تكن توجد لديهم مناصب وزارية، بل كانت هناك توجد مناصب إدارية كمدير الصحة أو المعارف إلخ... وهي تعادل مرتبة الوزير في عصرنا الحاضر.. ومع هؤلاء المدراء الذين كانوا أعضاء في ندوة الموسيقى العدنية، بل وعلى رأسهم الأستاذ خليل محمد خليل والذي هو أيضاً كان يشغل وظيفة مدير سجن عدن.
وحكايتي مع الغناء والانضمام إلى هذه الندوة جاءت من قبيل المصادفة ذلك أني وكما أسلفت أن ممارستي للغناء كانت مجرد هواية أو على سبيل مشاركة الأصدقاء أو نظير عائد مادي تجبرني ظروفي العائلية القاسية على قبولها وهي نادرة جداً ولكن في بواكير الشباب وبعد دخولي مجال العمل أقلعت عن الغناء (الحرفي) النادر عند الحاجة والذي كنت أمارسه بين أصدقائي على سبيل الهواية.
وفي ذات ليلة من ليالي رمضان العام 1951 وفي جلسة قصيرة نظمتها المصادفة مع الصديق الفقيد الشاعر المرحوم إدريس أحمد حنبلة في بيتي المجاور لبيته، وكنت وقتها في إجازة من عملي في أبين أقترح على الانضمام إلى (ندوة الموسيقى العدنية) وكان هو عضواً فيها، ووصف لي الندوة بأنها عبارة عن مجموعة من هواة الغناء ويمارسونه على سبيل الهواية وليس الاحتراف وذكر الأسماء واستمهلته للتفكير في الأمر وفي تلك الفترة كانت هذه الندوة حديث الصحافة المحلية لأسلوبها الغنائي المتجدد المسمى وقتها بالاغنية العدنية ومحاولتها الخروج بالأغنية من الجمود الذي اعتراها، بعد وفاة القمندان في لحج، وفي لقاء آخر مع الشاعر الأستاذ إدريس حنبلة قبلت الاقتراح فذهبت معه وانضممت إلى الندوة على اعتبار أنها ضمت أعضاء من الناس الكبار الذين ليست لهم علاقة بالمطربين حينها الذين يغنون في الأعراس والمخادر والأماكن العامة.
بل هم من كبار الموظفين.. بعد ذلك قمت بزيارة إلى الندوة في (كريتر) بعد أن سبقني إليها إدريس حنبله بتقديم ورقة الطلب واستقبلني الأستاذ خليل محمد خليل أطال الله في بقائه بود وترحيب كبيرين وقدمني للحاضرين، فرداً فرداً إذ لم تسبق معرفتي بأحد منهم سوى الأستاذ عبدالله حامد خليفة وقد سبقت معرفتي به في جلسات فنية كان يقيمها والدنا الشيخ صالح حسن تركي في مكتبه لتعلم اللغة الانجليزية كما قدمت وكنت أنا والأستاذ خليفة نتناوب على عزف العود والغناء وشيخنا يعزف على الكمنجة ويغني أحياناً معنا، وكان يقول للأستاذ خليفة هذا الولد أتوقع له إذا استمر في الغناء أن يصبح مشهوراً وكان يحظى بعناية في التعليم بين الفينة والفينة.
حكاية أول لحن .. أول أغنية
.. إذاً حدثنا عن بداية أول لحن؟ وما هي ظروفه ومتى كان ذلك؟
حكايتي مع أول لحن تمتد إلى بدايات الخمسينيات عندما طرح علي بعض الأصدقاء فكرة التلحين وكان من بينهم الصديق الكبير والعزيز الراحل محمد سعيد جرادة الذي تحمس للفكرة وفعلاً قام بكتابة قصيدة الأغنية ورغم عدم تفكير في طرق باب هذا المجال إلا أنني أخذت من الشاعر محمد جرادة القصيدة وحينها كنت أعمل سكرتيراً مع السلطان في أبين ولكن قبل الحديث عن قصة هذه الأغنية وتلحينها أحب أولاً أن أشير إلى أنه كانت عندي بدايات أو قل قراءات في مجال التلحين وأساسيات أولية وذلك من خلال اطلاعي على التراث وحفظي للكثير من الأحاديث عن هذا المجال حيث كنت مهتماً بكل ما يقال ويكتب في مجالات التلحين وغيره من الأشياء الفنية والموسيقية ومن ضمن ذلك جميع أحاديث الموسيقار الراحل محمد عبدالوهاب الذي كنت أتابع كل أحاديثه وأقوم بتسجيلها واستمرت هذه العادة إلى وقت قريب للاستفادة منها والاستفادة من تجاربه في كيفية تلحين القصيدة الشعرية.
هذا إلى جانب ما أحفظه من المخزون التراثي الغنائي اليمني بمختلف أنواعه وكذلك التراث الغنائي العربي وما كان سائداً في حينها من الأغاني التي كنت أغنيها لكبار الفنانين العرب أمثال كارم محمود فريد، فريد الأطرش وغيرها.
ونعود إلى حكاية أول لحن قدمته وكما ذكرت لك سابقاً أخذت القصيدة من الشاعر الجرادة وقمت بحفظ مطلعها وقد استمر هذا الفعل معي في معظم ألحاني فيما بعد في أن آخذ مطلع قصيدة الأغنية وأحفظه ثم أترك المسألة للوقت حتى يأتي الخاطر اللحني وليس من عادتي الاعتكاف والجلوس على العود والإصرار على التلحين هكذا بالقوة ولا أعتقد أن هناك ملحناً يقول (خلاص) اليوم سأخزن وسأقوم بتلحين هذه القصيدة فاللحن مثله مثل كتابة القصيدة الشعرية يأتي في لحظة إلهام وعلى الملحن أو الشاعر التقاط هذه اللحظة والعمل فيها وهذا ما كان مع قصيدة جرادة وقفة وكل ما فعلته حينها حفظي لمطلعها القائل:
هي وقفة لي لست أنسى
أذكرها أنا والحبيب
واستمررت في عملي في أبين وكان لدي هناك منزل جميل وشاعري وبعد عدة أيام وأنا أردد مطلع هذه القصيدة جاء الخاطر وطلع لحن هذا المطلع واستمررت عليه حتى اكملته ولم أكن كما قلت أعرف مقامات التلحين إلا ما كنت أعرفه من قراءاتي وفطرتي لذلك بعد أن أكملت تلحين المطلع كان علي أن أدخل إلى المقاطع الأخرى من القصيدة كاملاً ودون أن أعرف أنا هذا المطلع من مقام الراصد وهذا المطلع الآخر من المقام الفلاني لأنني لم أكن أعرف مثل هذه الأمور وإنما قادتني إليها فطرتي وأحاسيسي فقط.
ذكريات جميلة لاستقبال رهيب لا ينسى
.. كيف استقبل الجمهور هذا اللحن وما هي مشاعرك وأنت تغني أول أغانيك وأول ألحانك أمام الجماهير؟
الحديث عن ذكرياتي مع هذا اللحن جميلة جداً ولكن باختصار أقول إنه وبعد أن اكتمل لحن أغنية وقفة عدت إلى عدن بعد فترة من جلستي الأولى مع أصدقائي وغنيتها لهم فنالت اعجابهم وشجعوني على ذلك الامر الذي جعلني أن أتقدم به إلى الندوة الموسيقية في عدن وصادف أنه كانت هناك حفلة تقيمها الندوة في نادي المعلمين ومعروف أن جمهور هذا النادي هم من صفوة ومثقفي المجتمع من المدرسين في المدرسة المتوسطة والابتدائية إلى مدير المعارف ونائبه وغيرهم من الجمهور المتعلم والمثقف الذين كانوا حاضرين في هذه الحفلة التي لا أذكر السنة التي أقيمت فيها ولكنها كانت قبل تأسيس الإذاعة في عدن.
وهي الحفلة التي غنيت فيها لأول مرة حيث بدأ الفنان خليل محمد خليل وصلته ثم جاء دوري وأمام الناس الذين كنت بالفعل لا أعرفهم وهم كذلك لأنني كنت معروفاً وسط الأصدقاء فقط في الشيخ عثمان وليس في عدن وبرغم ذلك كان الاستقبال لهذه الأغنية رهيباً ولم أكن أتصوره وهذه الأغنية هي الوحيدة التي مازلت أحفظ كلماتها كاملة إلى اليوم لأنني لا أحفظ جميع كلمات أغنياتي ولكن هذه الأغنية بالفعل لها ذكريات جميلة عندي ولأنها نالت استحسان الناس وظلت كلماتها محفورة في قلوبهم وعقولهم ووجداناتهم إلى يومنا هذا وأنا أندهش بل وانتعش لهذا لأن الواحد عندما يغني وسط محيط راقٍ يعد ناسه هم صفوة المجتمع فهذا شيء غير عادي فما بالك عندما تغني لهم وتجد هذا الجمهور يسمع المطرب بكل جوارحه وعقله وتفكيره يسمع بإنصات الكلمة ومعناها النغمة وعذوبتها ورنة العود ومداعبة أوتاره بهدوء وهذا ما أسعدني وأثلج صدري وقد ذكرني هذا لمجالس صنعاء فأنا أرتاح لمثل هذه المجالس حيث يطلب مني أن أغني فيها أغنية أو أغنيتين فقط لا أكثر وعندما غنيتها أي أغنية وقفة في أحد هذه المجالس في صنعاء سألني واحد من الحاضرين هل هذه الأغنية من الألحان الجديدة لك وعندما أجبته بأن هذه الأغنية هي أول أغنية لي وأول لحن أندهش فلم يصدق أن هذه الأغنية وهذا اللحن كان ميلاده في العام 1951م وكم أسعدني هذا بأن الناس بعد كل هذه السنوات الممتدة تسمع هذا اللحن وتعجب به وبكلمات الأغنية وكأنها تسمعها لأول مرة.
سر الإبداع الحقيقي
..ما هو السر في ذلك؟
اللحن له دخل في هذا الموضوع وكذا الكلمات وموضوع الأغنية أيضاً لأنه لم تكن هناك أغنية بمثل هذه المعاني والمفردات واللحن المختلف كل الأشياء فيها جديدة وهذا هو كما أعتقد الذي حصل مع هذه الأغنية.. وكما قلت الأعمال الإبداعية تأتي مرة واحدة ولها مراحلها وإن كانت هناك أعمال إبداعية أخرى شبيهة في إبداعاتها بسابقاتها محتم أن مواضيعها مختلفة وكذلك أيضاً مراحل ولادتها وهكذا هو الفن والإبداع الحقيقي.
وعلى سبيل المثال أغنية «من غير ليه» للشاعر الغنائي المقتدر مرسي جميل عزيز التي اشتراها منه الفنان محمد عبدالوهاب استغرق في تلحينها في حدود ثلاث سنوات وهذا سمعته أنا من حديث للشاعر نفسه والذي ذكر أن عبدالوهاب اتصل به لأكثر من مرة وأقسم أنه لم يبع له أي قصيدة بعد هذه ولو بعشرين ألف جنيه لماذا لأن عبدالوهاب طلب منه أكثر من مرة وفي فترات متباعدة أن يعدل في بعض كلمات القصيدة وهذا ليس من عادة عبدالوهاب أن يطول في تلحين أغانيه مثل هذه الفترة وأنا أؤكد بحكم تجربتي الخاصة أن الملحن أي ملحن إذا ما أراد أن يلحن أغنية حب في سن حياته المتأخرة يجد في ذلك صعوبة جداً لماذا لأنه لم يعد هو نفسه يعيش نفس التجربة وهذا ما حصل مع الفنان الكبير الموسيقار محمد عبدالوهاب في أغنية من غير ليه التي استغرقت منه في لحنها مدة ثلاث سنوات بينما لعبدالوهاب ألحان لقصائد غرامية لم تستغرق ألحانها مدة أسبوع لا أكثر وهكذا أيضاً اعتزل في النهاية الحفلات لأنها تقسم ظهره.
لا أريد أن ظلم عدن
..هل كان هذا اللحن إلى جانب ألحان أخرى ظهرت في تلك الفترة بداية لتأسيس أغنية جديدة بعيداً عن رتاب] الألحان الغنائية اليمنية القديمة أو كبداية لتأسيس أغنية عدنية مثلاً؟
ليس هكذا فإذا قلنا أغنية عدنية معناه أننا اسقطنا عدن من كل شيء خذ الأغاني التي غنيتها ستجد ألحانها أكثر من لون لحني وغنائي وهذا ليس فقط على مستوى الأغاني المختلفة بل وفي إطار الأغنية الواحدة فعلى سبيل المثال لو استمعت لأغنية عرفت الحب ستجد فيها أكثر من لون غنائي ستجد فيها العربي والصنعاني واللحجي كلها مجتمعة داخل الأغنية الواحدة وقس على ذلك بعض الأغاني الأخرى وحقيقة لا أريد الحديث كثيراً حول هذه الأغنية على اعتبار أنها من اغنياتي والشخص يجد صعوبة في الحديث عن نفسه ولكن هذا فقط على سبيل المثال وللآخرين الحكم في ذلك من أصحاب الذائقة الموسيقية والعارفين ببواطن الألحان والغناء وأصوله.
..كيف تقيم هذه المرحلة مرحلة التأسيس أو بمعنى آخر ظهور الأغنية الجديدة في عدن؟ ومن هم الرواد لهذا الجديد والأكثر إسهاماً في تأسيس هذا اللون الغنائي الجديد؟
لم يستطع أحد مواصلة الغناء من كل ذلك الكم الهائل من الفنانين إلا قلة ومنهم محدثكم والفنان محمد سعد عبدالله وأحمد قاسم وهذا الأخير لولا معاندته لكنت أنا أيضاً تركت مجال الغناء منذ البداية وهذه حقيقة لأني لم أر رجلاً عنيداً مثل الفنان أحمد قاسم وعناده لأنه لم يعرف من التراث الغنائي اليمني ولا ألوانه أي شيء ومع ذلك فهو الوحيد الذي صمد صمود الأبطال وإلا لكان مصيره مصير بقية المطربين الآخرين في تلك الفترة.
لماذا لأن الناس تريد أن تسمع ألواناً غنائية يمنية سواء في داخل الوطن أو في خارجه فهو لو كان أحمد قاسم يعرف شيئاً من ألوان التراث الغنائي اليمني لكان أول من رحل إلى الخارج مثله مثل غيره من الفنانين أمثال الفنان أبوبكر سالم بلفقيه والفنان عبدالرب إدريس وبالفعل لو كان يعرف شيئاً من هذا التراث لكان سيحصل على مجال واسع مثلهم بل وأكبر منهم هذه هي مشكلة الفنان أحمد قاسم فقد معرفته بالتراث الموسيقى اليمني وهي مشكلته الوحيدة لذلك اضطر للجلوس في عدن برغم محاولاته للخروج في أكثر من مرة ولكنه كان في كل مرة دائماً يعود إلى عدن كفنان محترف أما الفنان الكبير محمد سعد عبدالله فهو من الفنانين الذين تقدر تقول إنهم احترفوا الغناء واستطاع المواصلة فيه فهو فنان ملحن قادر ومتميز في أغانيه لماذا؟ لأنه كما قلت عنده امكانيات موسيقية ويحفظ الكثير من التراث الغنائي اليمني وهو مازال صغيراً عند الأستاذ الجراش وهو الذي علمه العود هذا بالإضافة أن والده الفنان سعد عبدالله كان مطرباً فصار محمد سعد منذ أن كان صغيراً يغني في المخادر ويحفظ الأغاني العربية لذلك عندما احترف الغناء والتلحين صار متميزاً واستطاع البقاء كفنان محترف ولم يستطع البقاء في عدن من الفنانين من الكم الهائل من الفنانين إلا هو والفنان أحمد قاسم كفنانين محترفين لكن البقية وأنا واحد منهم لم نكن محترفين للغناء بل لنا وظائفنا ولكن هؤلاء الفنانين والذين كان عددهم يتجاوز العشرين فناناً توقفوا واحداً تلو الآخر ولم يستطيعوا مواصلة الغناء منذ العام 57م أمثال خليل محمد خليل وياسين شواله، يحيى مكي، أبوبكر فارع وسالم بامدهف وغيرهم .
لماذا؟
لأن هؤلاء لم تكن لديهم أية معرفة بالتراث الموسيقي اليمني ولا العربي لذلك هم أفلسوه في بداية مشوارهم الفني وكل ما لديهم طروحوه في بضعة أغانٍ وانتهت المسألة.. بالرغم أن الندوة الموسيقية العدنية لعبت دوراً كبيراً في ظهور الأغنية الجديدة باحتوائها كثيراً من الفنانين الذين انضموا إليها وظهروا هنا وهناك ولكن كما ذكرت لم يبق من المنتمين إليها إلا القليل كفنانين لا يتجاوز عددهم أصابع اليد الواحدة وهم من ذكرتهم لك سابقاً وفي هذا المقام أتذكر أنه أيضاً قامت ندوة أخرى تسمى رابطة الموسيقى وهي الرابطة التي أسسها الأستاذ حسين والذي استدعى سالم بامدهف ومطرباً من حضرموت هو علي السقاف والفنان محمد سعد عبدالله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.