في إحدى شوارع باريس المبتلة كانت هناك سينما تعرض أفلاما عربية لأشهر النجوم تلك الفترة، وقد اعتادت الطفلة وردة فتوقي أن تختلس بعض اللحظات هناك، وصادف يومها عرض أحد أفلام عبد الحليم حافظ وهو يشدو بأغنيه (تخونوه)، فلامست هذه الأغنية شيئا ما بداخل الطفلة الموهوبة، وقررت عندها أن تترك الدراسة والمدرسة وأن تحب فنان الأغنية، ليس عبد الحليم حافظ، بل العبقري الذي صاغ اللحن الاستثنائي لهذه الأغنية البديعة، إنه بليغ حمدي. ولدت وردة الجزائرية في باريس في 22 يوليو 1939 لأب جزائري وأم لبنانية، وقدمت إلى القاهرة لأول مرة وهي في ال 21 من عمرها بدعوة من المخرج حلمي رفلة الذي قدم لها أولى بطولاتها السينمائية في (ألمظ وعبده الحامولي)، وتوالت بعدها بطولاتها السينمائية وأغانيها خارقة الجمال، ما قدمته وردة طوال مسيرتها الفنية كان مختلفا تماما عن جميع ما قدمته أي مطربة عربية آخرى، كانت (الأنثى) حاضرة تماما في جميع أغنياتها، الأنثى بالمعنى النسوي والسايكولوجي للكلمة، ولذا لا يمكن أن تجد امرأة واحدة لا تعجبها على الأقل ثلاث أغنيات لها، ولا يمكن كذلك أن تذكر وردة دون الحديث عن علاقتها العاطفية والفنية بالملحن بليغ حمدي، التقى بليغ ووردة في 1973 وتزوجا في منزل الراقصة نجوى فؤاد، واستمر زواجهما لسبع سنوات غير أن الأسباب التي جعلت زواجهما فاشلا هي نفسها التي جعلت حبهما خالدا ، فقد قال عدد من النقاد والفنانيين والأصدقاء لوردة وبليغ أن الأخير كان يهدي جميع ألحانه بعد انفصالهما إلى وردة التي لم يستطع نسيانها وهو الشهير بنسيانه المرضي، توفيت وردة بسبب أزمة قلبية في منزلها بالقاهرة في 17 مايو الجاري وأمر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بدفنها في وطنها الجزائر حيث دفنت في مقبرة العالية وفي الجزء المخصص للشهداء و قالت إحدى السيدات المشيعات وهي خلفة بنعمار (61 عاما) “ أنا منهارة كليا لقد ذبلت وردة الجزائر و أشعر أني مت انا ايضا”. حينما كانت وردة الجزائرية في التاسعة من عمرها، وعلى بعد آلاف الكليومترات جاء مولد دونا سامر (اسمها الحقيقي لا دونا آدريان غاينز) ، أشهر نجمات الديسكو في العالم وصاحبة الابتسامة الواسعة كقلب صديق، بدأت دونا سامر الغناء في الكنيسة في حيها الفقير في ولاية بوسطون، ولكن سرعان ما سلكت الغناء الاحترافي في أواخر الستينات، ثم تصدرت نجوميتها سقف العالم حينما طبعت فترة السبعينات بأغانيها التي لا تنسى، (أشياء ساخنة) و ( إنها تعمل بجد من أجل المال) و (فتيات سيئات) وأغنية (أحب أن أحبك) التي مُنعت من العرض لفترة بسبب بعض (المقاطع الصوتية) التي أدتها دونا والتي علقت عليها لاحقا بأنها تخيلت مارلين مونرو تغنيها فتقمصت دورها في هذا الشأن!!!، تعرضت دونا إلى الكثير من نوبات الاكتئاب والقنوط التي تداهم المشاهير عادة، مما دفعها إلى إدمان الكحول والمخدرات وقد قالت دونا بهذا الخصوص “ بعدما عرفت هذا النجاح الكبير لم أعد أعرف ماذا أفعل، لم يعد لأي شيء معنى. شعرت باليأس والإحباط. وبدأت أتناول العقاقير”. تزوجت دونا سامر مرتين وأنجبت طفلتين، وقد ذكر موقع (تي ام زي) المتخصص بأخبار المشاهير أنها توفيت بعد رحلة مريرة مع سرطان الرئة نتيجة استنشاقها جزيئات سامة انتشرت في هواء نيويورك بعد هجمات ال 11 من سبتمبر 2001، توفيت دونا سمر في ذات اليوم الذي توفيت فيه الفنانة وردة بفارق ساعات قليلة، وقد نعى النجمة الكبيرة عدد من مشاهير الغناء والعالم وقالت عنها عائلتها في بيان النعي “ فقدنا دونا سامر المرأة الزاخرة بالمواهب، وأهم مواهبها الإيمان”، وقال المنتج الأمريكي الأسطوري كوينسي جونز “ارقدي بسلام أيتها العزيزة دونا سامر. صوتك كان نبض قلب عقد من الزمن”. في الفترة التي كانت وردة تزين عرش النجومية وكانت المسارح تهتز تحت ساقي دونا سامر الرشيقتين، كانت فرقة (البي جيز) تذهل العالم يوما بعد يوم، حينما قام ثلاثة أشقاء (روبن وموريس وباري غِب) بتأسيس الفرقة البريطانية في أواخر الخمسينات، والتي بلغت قمتها في السبعينات مع أغاني مثل (أوديسا) و (أفقيا) و (إلى من يهمه الأمر) و (البقاء حيا) التي كانت افتتاحية فيلم (حمى ليلى السبت) التي تصور جون ترافولتا وهو يختال برجولته في شوارع المدينة الصاخبة، وفي 21 مايو تكون البي جيز قد خسرت ثاني عضو لها وهو الفنان والمؤلف الموسيقي روبن غِب، كان روبن غِب – مثل الشاعر بدر شاكر السياب والكاتب روبرت لويس استيفنسون- ضعيف البنية ويبدو معتل الصحة على الدوام، ولكن تحت هيئته الناحلة تلك كانت أمواج العبقرية لا تهدأ، لذا كان وجود الفرقة نقطة تحول في مسيرة الموسيقى العالمية، فاستطاعت الفرقة أن تبيع 200 مليون ديسك ومازالت أغانيهم مطلوبة حتى هذه اللحظة، وقد قال مايكل جاكسون عنها “حينما أسمع للبي جيز أشعر بأن الملائكة تغني”، وحتى في حياته الشخصية كان روبن مميزا، فقد تزوج منذ أكثر من ثلاثين عاما زوجته دوينا التي أحبها طويلا، قال عنها في إحدى المقابلات “ عندما كنت أبحث عن شريكة الحياة لم أكن أبحث عن زوجة تقليدية تعنى بشئون البيت بل كنت أبحث عن توأم للروح” ولكن بالطبع لم يمنعه من خيانة عابرة مع خادمة المنزل والتي أثمرت طفلا رابعا له! و من أشهر أغاني ال “بيجيز” التي غناها روبِن منفرداً بصوته المميز حتى بين أشقائه جميعاً كانت أغنية (لقد بدأت الدعابة) وتقول كلمات الأغنية : بدأت الدعابة التي بدأ بعدها العالم يبكي .. لكنني لم أكن أعي انني أنا الدعابة .. وعندما رحت أبكي بدأ العالم يضحك .. الى ان فقدت الحياة ليعيش العالم”، وقد فقد روبن الحياة فعلا نتيجة إصابته بسرطان القولون والكبد، و في ساعات الاحتضار طلب روبن من عائلته أن تكون أغنية فرقته (كم هو عميق حبك) المرافقة له في مراسيم التشييع والدفن!. جدير بالذكر أن العام 2012 شهد منذ بدايته رحيل عدد من رواد الموسيقى حول العالم منهم ويتني هيوستن و تينا ماري و آيتا جيمس وفيستا ، ثم وردة ودونا سامر و روبن غِب في مايو وخلال أربعة أيام فقط، إنها فعلا – كما قالت الممثلة نيسي ناس في تويتر - جوقة الجنة التي انضم إليها أعضاء جدد مؤخرا، وسينشدون هناك أغنية كاسحة...جميلة.