الهجرة الدولية: أكثر من 52 ألف شخص لقوا حتفهم أثناء محاولتهم الفرار من بلدان تعج بالأزمات منذ 2014    انخفاض أسعار الذهب إلى 3315.84 دولار للأوقية    مجلي: مليشيا الحوثي غير مؤهلة للسلام ومشروعنا استعادة الجمهورية وبناء وطن يتسع للجميع    وزير الصناعة يؤكد على عضوية اليمن الكاملة في مركز الاعتماد الخليجي    حرب الهيمنة الإقتصادية على الممرات المائية..    "خساسة بن مبارك".. حارب أكاديمي عدني وأستاذ قانون دولي    رئيس الوزراء يوجه باتخاذ حلول اسعافية لمعالجة انقطاع الكهرباء وتخفيف معاناة المواطنين    عرض سعودي في الصورة.. أسباب انهيار صفقة تدريب أنشيلوتي لمنتخب البرازيل    هل سمعتم بالجامعة الاسلامية في تل أبيب؟    وكالة: باكستان تستنفر قواتها البرية والبحرية تحسبا لتصعيد هندي    لأول مرة منذ مارس.. بريطانيا والولايات المتحدة تنفذان غارات مشتركة على اليمن    هدوء حذر في جرمانا السورية بعد التوصل لاتفاق بين الاهالي والسلطة    جاذبية المعدن الأصفر تخفُت مع انحسار التوترات التجارية    الوزير الزعوري يهنئ العمال بمناسبة عيدهم العالمي الأول من مايو    حروب الحوثيين كضرورة للبقاء في مجتمع يرفضهم    عن الصور والناس    أزمة الكهرباء تتفاقم في محافظات الجنوب ووعود الحكومة تبخرت    الأهلي السعودي يقصي مواطنه الهلال من الآسيوية.. ويعبر للنهائي الحلم    إغماءات وضيق تنفُّس بين الجماهير بعد مواجهة "الأهلي والهلال"    النصر السعودي و كاواساكي الياباني في نصف نهائي دوري أبطال آسيا    البيض: اليمن مقبل على مفترق طرق وتحولات تعيد تشكيل الواقع    اعتقال موظفين بشركة النفط بصنعاء وناشطون يحذرون من اغلاق ملف البنزين المغشوش    رسالة إلى قيادة الانتقالي: الى متى ونحن نكركر جمل؟!    غريم الشعب اليمني    مثلما انتهت الوحدة: انتهت الشراكة بالخيانة    الوجه الحقيقي للسلطة: ضعف الخدمات تجويع ممنهج وصمت مريب    درع الوطن اليمنية: معسكرات تجارية أم مؤسسة عسكرية    جازم العريقي .. قدوة ومثال    دعوتا السامعي والديلمي للمصالحة والحوار صرخة اولى في مسار السلام    العقيق اليماني ارث ثقافي يتحدى الزمن    إب.. مليشيا الحوثي تتلاعب بمخصصات مشروع ممول من الاتحاد الأوروبي    مليشيا الحوثي تواصل احتجاز سفن وبحارة في ميناء رأس عيسى والحكومة تدين    معسرون خارج اهتمامات الزكاة    الدكتوراه للباحث همدان محسن من جامعة "سوامي" الهندية    الاحتلال يواصل استهداف خيام النازحين وأوضاع خطيرة داخل مستشفيات غزة    نهاية حقبته مع الريال.. تقارير تكشف عن اتفاق بين أنشيلوتي والاتحاد البرازيلي    الصحة العالمية:تسجيل27,517 إصابة و260 وفاة بالحصبة في اليمن خلال العام الماضي    لوحة "الركام"، بين الصمت والأنقاض: الفنان الأمريكي براين كارلسون يرسم خذلان العالم لفلسطين    اتحاد كرة القدم يعين النفيعي مدربا لمنتخب الشباب والسنيني للأولمبي    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    صنعاء .. حبس جراح واحالته للمحاكمة يثير ردود فعل واسعة في الوسطين الطبي والقانوني    النقابة تدين مقتل المخرج مصعب الحطامي وتجدد مطالبتها بالتحقيق في جرائم قتل الصحفيين    رئيس كاك بنك يعزي وكيل وزارة المالية وعضو مجلس إدارة البنك الأستاذ ناجي جابر في وفاة والدته    اتحاد نقابات الجنوب يطالب بإسقاط الحكومة بشكل فوري    برشلونة يتوج بكأس ملك إسبانيا بعد فوز ماراثوني على ريال مدريد    الأزمة القيادية.. عندما يصبح الماضي عائقاً أمام المستقبل    أطباء بلا حدود تعلق خدماتها في مستشفى بعمران بعد تعرض طاقمها لتهديدات حوثية    غضب عارم بعد خروج الأهلي المصري من بطولة أفريقيا    علامات مبكرة لفقدان السمع: لا تتجاهلها!    حضرموت اليوم قالت كلمتها لمن في عينيه قذى    القلة الصامدة و الكثرة الغثاء !    عصابات حوثية تمتهن المتاجرة بالآثار تعتدي على موقع أثري في إب    حضرموت والناقة.! "قصيدة "    حضرموت شجرة عملاقة مازالت تنتج ثمارها الطيبة    الأوقاف تحذر المنشآت المعتمدة في اليمن من عمليات التفويج غير المرخصة    ازدحام خانق في منفذ الوديعة وتعطيل السفر يومي 20 و21 أبريل    يا أئمة المساجد.. لا تبيعوا منابركم!    دور الشباب في صناعة التغيير وبناء المجتمعات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رسائل رمضان(22)
نشر في الجمهورية يوم 29 - 07 - 2012

أحبتي في الله: هانحن نعيش أيام وليالي رمضان، موسم الطاعات والفوز بالدرجات والحصول على الحسنات، والرفعة في أعلى الدرجات، والقرب من رب الأرض والسماوات...فأهلاً بمجالسة القرآن ، كلام الرحمن لنتشبه بالملائكة بالصيام عن كل ما يفطر الإنسان، لنكون بجوار الرسول العدنان محمد عليه الصلاة والسلام،فمرحباً بك يا رمضان ،فنعم الضيف أنت يا رمضان...إنه الشهر الذي تضاعف فيه الحسنات، وتقبل فيه الطيبات، ويعفى فيه عمل ما مضى من الذنوب والسيئات، إذا قبل أقبلنا على الله بأيدي متوضئة طاهرة، وقلوب عامرة بذكر الله والدعوات...هذا الشهر الكريم الذي نعيش فيه له نفحات، يريدنا أن نتعرض لها وله إيماءات يتمنى أن نفهمها وله رسائل مشفرة يتمنى أن نقرأها ونعمل بمضمونها .
الرسالة الخامسة: من رسائل رمضان رسالة التفوق والتميز.
نفهم من هذه الرسالة من تميز شهر رمضان وتفوقه على بقية الشهور حتى أنه ذكر في القرآن الكريم باسمه دون غيره قال عز وجل: “شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان فمن شهد منكم الشهر فليصمه ومن كان مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تتذكرون”.
فرمضان شهر متميز، متميز في عطائه، متميز في كرمه، متميز في فضائله، في نفحاته، متميز عن زملائه من الشهور إنه ليس شهراً حراماً ولكنه أثبت وجوده، أثبت ذاته.. لفت الأنظار إليه وجعل الناس يتحدثون عنه ويهتمون به أكثر من الأشهر الحرم.. هذا التفوق والتميز لشهر رمضان هو رسالة للمسلمين وخاصة الشباب منهم.. يدعوهم فيها إلى التفوق والتميز واثبات الذات.. والإسلام كله هو دعوة للتميز والتفوق يقول عز وجل “وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين” “سابقوا إلى مغفرة من ربكم من وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسل ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم” “خذوا ما آتيناكم بقوة واذكروا ما فيه لعلكم تتقون” “يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا” واسمع إلى دعاء المؤمنين الباحثين عن التميز حيث قالوا “ربنا هب لنا من أزواجنا وذرياتنا قرة أعين واجعلنا للمتقين إماما” وهذا نبي الله سليمان عليه على نبينا وعلى جميع الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأتم التسليم يبحث عن التميز فيقول: “قال رب أغفر لي وهب لي ملكاً لا ينبغي لأحد من بعدي إنك أن الوهاب” إنه يبحث عن التخصص الوحيد والتفرد والتميز.. نعم أيها الإخوة المؤمنون إن شهر رمضان شهر تميز وتفوق على بقية الشهور حتى أصبح أهم شهر في السنة.. رغم أنه ليس من سلالة الأشهر الحرم لكنه اثبت ذاته ونافس الأشهر الحرم حتى تفوق عليها في المكانة والأهمية.. وفي هذا رسالة للشباب الذين لا يبحثون عن التميز بحجة قلة الإمكانات وانعدام المال والجاه نقول لهم إن الرغبة والإرادة والهمة العالية هي الإمكانات المطلوبة للتفوق والتميز وليس شيء آخر.. نعم إن شهر رمضان شهر متميز لذلك يحب المتميزين ولا يحب العاديين... إن شهر رمضان لا يحب الأستاذ عادي الذي كل شيء في حياته عادي.. عبادته عادية، صلاته عادية، صيامه عادي، صلته بأقاربه عادية، علاقته بالآخرين عادية، نجاحه عادي، عمله عادي، أبناؤه عاديين، في كل شيء هو عادي، هذا الأستاذ عادي لا يحبه رمضان... رمضان يحب الأستاذ متميز.. متميز في عبادته، متميز في علاقاته، متميز في عمله، متميز في نجاحه، متميز في تربيته لأبنائه.. هذا الأستاذ متميز يحبه رمضان ويحبه رب رمضان فقد قال عليه الصلاة والسلام “ في الحديث الذي رواه أبو هريرة رضي الله عنه الثابت عن صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير أحرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان.. إن رمضان شهر متميز وجاء يصنع المتميزين جاء بجوائز مغرية للمتسابقين والمتنافسين فيه.. فقد ودر عن الأوائل الذي كانوا يتسابقون ويتنافسون الطاعات والقربات جاء عنهم “من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة وشهر المواساة وشهر يزاد فيه في رزق المؤمن ومن فطر فيه صائماً كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار وكان له مثل أجره من غير أن ينقص من أجره”.. جاء رمضان يبحث عن أصحاب الأرقام القياسية في تلاوة القرآن في حضور الصلوات كلها جماعة في المسجد.. في حضور صلاة التراويح والقيام في الصدقة في خدمة الآخرين نعم أيها الإخوة المؤمنون لقد تميز شهر رمضان عن غيره من الشهور لأنه بقدوم للأمة من الخير والعطاء ما لم تقدمة الأشهر الأخرى مجتمعة.. لذلك فأحب الناس إليه هو أكثرهم خدمة لمجتمعه وأمته وأفضل الناس عند الله أنفعهم لعياله، قال عليه الصلاة والسلام “أحب العباد إلى الله تعالى أنفعهم لعياله”.. فأبحث لنفسك عما تتميز فيه في خدمة أمثل فالأمة في أمس الحاجة إلى المتميزين أما الغثائيين ما أكثرهم فيها.. نسأل الله أن يوفقنا إلى العمل الصالح المتميز في شهر التميز وأن يجعلنا من المتقين وأن يجعلنا للمتقين إماما.
الرسالة السادسة: رمضان محطة للتغيير والتنوير يبدأ بالتوبة
عباد الله أحباب المصطفى عليه الصلاة والسلام ..كثير من الناس تغيرت حياتهم إلى الأفضل بفضل هذا الشهر الكريم الذي يعد مدرسة تربوية ومحطة تغييرية إيجابية نحو الأفضل فهو مغتسل بارد وكريم..لمن أراد أن يتطهر من عذب نبعه الواردون..فإن شاء الله نكون جميعنا قد استقبلنا هذا الشهر الكريم المبارك الذي هو هدية السماء لنا بالعزيمة الصادقة على ( التحلي والتحلي) التخلي من الرذائل والنقائص والمفاسد والتقصير في الواجبات والطاعات والتخلي عن الذنوب والمعاصي وذلك بالتوبة الصادقة النصوحة ...والتحلي بالفضائل والمحامد والطاعات والقربات التي تجعلنا في روضة الأنس والسعادة في الدنيا والآخرة..عندها تتجدد حياتنا وتسمو أرواحنا ويهذب سلوكنا وتزكو أنفسنا وتسعد قلوبنا ويرض عنا ربنا....كل ذلك يبدأ بالتوبة النصوح : قال تعالى { إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين} اللهم اجعلنا منهم والمسلمين آمين آمين لا أرضى بواحدة* حتى أبلغها مليار آمينا
التوبة أيها الأخوة المؤمنون: هي الشعور بالندم والرجوع إلى الله خشية من عقابه أو رجاء لثوابه...إن التوبة: هي تعديل أساسي في الشخصية والكينونة، وهي الوجهة والطريق والعمل والسلوك. لذلك فهي جوهرية مهمة في حياة الإنسان والمجتمعات، وليست التوبة إذن متعلق أخروي فحسب كما يفهمها البعض...بل هي أساسية في بناء الحياة السوية للأفراد والمجتمعات في الدنيا قبل الأخرى....إن التوبة تأتي نتاج العلم والمعرفة واليقين بالله وبشرعه، فهي:اعتراف العبد بالتقصير والضعف والعجز والذل والانقياد لربه عزو جل...كما أنها اعتراف من العبد بصفات الله عزوجل ،....كالقوة والهيمنة والعزة والكبرياء، وسائر الصفات التي يخشى العبد ربه عندها، ويرجوه كذلك....ومن هنا يصبح الرجاء والإنابة من معاني التوبة، التوبة أيها الأحبة الكرام..هي الرجوع إلى الله..والعزم على الجادة، بعد الندم على التفريط في حقه أو التقصير في طاعته، وكما هي طلباً لرحمته وفضله وعفوه،..هي خشية من سخطه وعقابه، وقبل ذلك هي محبة له واعتراف بأسمائه وصفاته (أي بربوبيته وألوهيته) سواء بسواء .إن التوبة أيها الإخوة المؤمنون...فضل من الله يتفضل بها على من يشاء من عباده.{ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكا منكم من أحد أبداً ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم}
إن الله فتح باب التوبة لمن يشاء أن يتوب ويتطهر كي يرجع التائب إلى المجتمع نظيفاً عفيفاً، وحتى يقوم المجتمع على أرض صلبة وفي جو نظيف عفيف...وهناك لمسة من توبة الله لعباده: هي توجيه قلوب العباد للاقتباس من خلق الله ورسوله والتعامل فيما بينهم به.فالله تواباً رحيما فينبغي لهم أن يكونوا هم فيما بينهم متسامحين رحماء، أمام الذنب الذي سلف وأعقبته التوبة والإصلاح..إن ليس تسامحاً في الجريمة، وليس رحمة بالفاحشين فهنا لا تسامح ولا رحمة...ولكن سماحة ورحمة بالتائبين المتطهرين المصلحين وقبولهم في المجتمع، وعدم تذكيرهم وتعبيرهم بما كان منهم من ذنب تابوا وتطهروا منه وأصلحوا حالهم بعده.. وجدنا في رمضان من صام رمضان ودخل المسجد وتلا القرآن،وحضر المكتوبة والنافلة .. وهناك من يرمقهم بنظرة استغراب ويطلق عبارات على أنها مزاح وهي في الحقيقة جراح.. لأن بعض الناس قد عرف عن بعض المقصرين أو العصاة بعض التقصير والعصيان.. فينبغي حينئذ مساعدتهم على استئناف حياة طيبة نظيفة كريمة ونسيان جريمتهم حتى لاتثير في نفوسهم التأذي كلما واجهوا المجتمع بها؛مما قد يحمل بعضهم على الانتكاس والارتكاس واللجاج في الخطيئة وخسارة أنفسهم في الدنيا والآخرة،والإفساد في الأرض وتلويث المجتمع والنقمة من بعض الناس الذين يقفون حجر عثرة في طريق توبة التائبين ويغلقون أمامهم سعة رحمة الله.. إما علم هؤلاء أن شهر رمضان هو شهر التوبة والإنابة والعودة والأوبة.. إن لم يتب العاصي في رمضان فمتى يتوب وإن لم يرجع المذنب في رمضان فمتى يرجع {وتوبوا إلى الله جميعاً أيها المؤمنون لعلكم تفلحون} كل واحد مطالب بالتوبة الكبير قبل الصغير وفي المقدمة المحافظن على الصلوات في الصف الأول قال عليه الصلاة والسلام” يا أيها الناس! توبوا إلى ربكم فو الله إني لأتوب إلى الله عز وجل اليوم مائة مرة”.
الرسالة السابعة: المقصد من الصيام
ما أسرع ما تنقضي الليالي والأيام، وما أعجل ما تنصرم الشهور والأعوام،وهذه سنة الحياة أيا تمر وأعوام تكر،وفي تقلب الدهر عبر،وفي تغير الأحوال مدكر.. إخوة الإيمان.. أيها المسلمون، تشريعات الإسلام تتضمن أسراراً لا تتناهى ومقاصد عالية لاتجارى،.. وإن من فقه مقاصد الصوم كونه وسيلة عظمى لبناء صفة التقوى في وجدان المسلم،.. التقوى بأوسع معانيها وأدق صورها لتكون صفة للعبد في حياته كلها،.. فالواجب المتحتم علينا أن نأخذ من رمضان مدرسة نستلهم منها شدة العزم وقوة الإرادة على كل خير؛تنظيماً للسلوك، وتقويماً للنفوس، وتعديلاً للغرائز، وتهذيباً للبواطن والظواهر، وصفاء ونقاء للأعمال والضمائر، تمسكاً بالخيرات والفضائل، وتحليا بالمحاسن والمكارم.. وحينئذ نخرج من رمضان بصفحة مشرقة بيضاء ناصعة، حياتنا ملئت بفضائل الأعمال ومحاسن الأفعال ومكارم الخصال.. غداً الصوم لأنفسنا حمى أمينا وحصنا حصينا من الذنوب والآثام.. حينئذ تصفو أرواحنا وترق قلوبنا وتصلح أنفسنا وتتهذب أخلاقنا {يا أيها الذين أمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون}.
إن الأمة في أيام محنها وشدائدها وأزمان ضعفها وذلها بحاجة ماسة إلى وقفات عندما تمر بها مناسبة كرمضان،.. لتستلهم العبر والعظات ورمضان مدرسة للأمة الإسلامية، يجب أن لاتخرج منها إلا بإصلاح للأوضاع ومراجعة لمواطن الخلل فجميع أمورها دينياً ودنيوياً،.. جدير بأمة محمد صلى الله عليه وسلم في عصر تقاذفت فيه أمواج المحن،.. وتشابكت فيه حلقات الفتن، وغلبت فيه الأهواء واستحكمت للمزاعم والآراء،.. وواجهت الأمة فيه ألواناً من التصدي السافر والتعدي الماكر والتآمر الرهيب،.. جدير بالأمة الإسلامية أن تتخذ من هذا الشهر مرحلة تغير حاد إلى موافقة المنهج الحففي جميع شؤونها على ضوء كتاب ربها وسنة نبيها محمد عليه أفضل الصلاة والسلام.. حري بالأمة أن لايمر بها هذا الشهر دون استلهام لحكمه وأسراره.. والإفادة من معطياته، والنهل من ثمراته وخيراته، والنهل من فضائله النيرة وآثاره الخيرة،.. ليتمثل الإسلام الحق في حياتها واقعاً ملموساً وعملاً مشاهداً محسوساً، وما ذلك على الله بعزيز،فربنا جل وعلا يقول:”إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم”.
ألا فلتعلم الأمة اليوم وهي تعيش مصائب شتى ونكبات لا نحصى،.. لتعلم علما يقينيا أنه لا نجاة لها مما هي فيه إلا برجعة صادقة إلى الله جل وعلا، وبالتزام حقيقي بمنهج رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلكم هو قاعدة الإصلاح وأصل العز والفلاح وأساس النصر والنجاح، ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
الرسالة الثامنة:ومن رسائل رمضان رسالة الولاء والبراء
نقرأ هذه الرسالة في الحديث الذي يذكر فيه النبي صلى الله عليه وسلم أن في رمضان ينادي مناد من السماء كما في الحديث الذي رواه أبو هريرة في صحيحي الترمذي وابن ماجة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال” إذا كان أول ليلة من شهر رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب وينادي مناد كل ليله: يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك كل ليلة.. فهذا النداء دليل على تشجيع أهل السماء لأهل الخير، وفي هذا النداء دليل دعوة للمسلم لأن يكون من أهل الخير ويقتدي بأهل الخير وفيه دعوة كذلك لأن يعلن موقفه الرافض للشر وأن يقاوم الشر وأن يعمل على محاصرته وتحجيمه “يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر”.
إن رمضان يعلن في هذا النداء ولاءه لأهل الخير وبراءته من أهل الشر.. ويدعو المسلم لأن يعلن هذا الولاء والبراء وأن يكون شعاره يا باغي الخير أقبل واحمل الراية ويا باغي الشر أقصر وتحجم وتراجع.. نعم أيها الأخوة المؤمنون إن أول توجيه يوجهه رب رمضان لمن لبس ثوب التقوى في رمضان هو أن يعلن هذا الولاء والبراء فيقول عزوجل {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين} كونوا مع الصادقين لا تكونوا مع الكاذبين، كانوا مع أصحاب المبادئ لا تكونوا مع أصحاب المصالح.. كونوا مع دعاة الخير دعاة العدل دعاة الحرية.. لا تكونوا مع دعاة الشر دعاة الظلم، دعاة الفساد والاستبداد، دعاة الباطل {اتقوا الله وكانوا مع الصادقين}هذا هو الطابور الذي يريدك رمضان أن تقف فيه.. هذا هو العنوان الذي يحب رمضان أن يجدك فيه.. فإذا لم يجدك في هذا العنوان فلست إذن من المتقين لأن التقوى أن يجدك حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك، نعم أيها الأخوة الأحباب الكرام “يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر” هذه هي رسالة رمضان لكل مسلم، لكن كثيراً من المسلمين للأسف الشديد لم تصلهم هذه الرسالة أو لم يفهموها كما ينبغي فلسان حالهم يقول يا باغي الفساد أقبل وتقدم واحمل الراية يحسبون أن الأمة ستجد الخير وستسير إلى الأمام وتتطور وتتقدم على أيدي هؤلاء ونسو قول الله عزوجل {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} فلا يمكن للأمة أن تتقدم وتسير إلى الأمام على أيدي أهل الشر والفساد لأن الله لا يصلح عمل المفسدين.. نعم قد تكثر ثروة الأمة ومع ذلك يكثر الفقر وترتفع نسبة الفقراء في المجتمع، قد تزداد كمية النفط والغاز ولكنها تزيد الناس جرعاً وغلاء الأسعار واختفاء لها أغلب الأيام وما الأزمة التي عشناها ونعيشها عنا ببعيد.. قد ترتفع المرتبات لكن تزداد الطلبات، قد ترصف الشوارع لكن سرعان ما تعود سيرتها الأولى، قد يكثر الاستيراد وتكثر المحلات التجارية وبالمقابل يكثر الاحتكار، قد تبنى المدارس الجديدة لكن تفقد التعليم الصحيح، قد تقام المستشفيات الحديثة لكن لا تجد فيها رعاية صحية ولا علاجاً نافعاً، وهكذا {إن الله لا يصلح عمل المفسدين}.
نعم {إن الله لا يصلح عمل المفسدين} هذه حقيقة واقعة وقاعدة ثابتة فهمتها الشعوب الغربية وطبقتها في حياتها فلا تجدهم يقدمون المفسدين بأي حال من الأحوال شعارهم “يا باغي الخير اقبل ويا باغي الشر أقصر” لذلك تجدهم إلى الأمام سائرون ونحن إلى الخلف راجعون، ولن يصلح وضعنا حتى نرفع شعار رمضان “يا باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر”.
الرسالة التاسعة: رسالة الكرم
فرمضان أكرم الشهور، وأيامه أكرم الليالي، ولياليه أكرم الليالي، يغدق على أصحابه بسخاء ويعطي الناشطين فيه بغير حساب.. وكما قال الأولون “من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه ومن أدى فيه فريضة كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه” تحفيز للمسابقة لفعل الخير “يزاد فيه في رزق المؤمن” فرمضان شهر كريم، وكرم رمضان رسالة للمؤمن ليكون كريماً سخياً “من فطر صائماً كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيء” هذا من فطر صائماً بتمرة أو بشربة ماء أو مذقة لبن.. فكيف إذا أشبعه ليتقوى على العبادة في رمضان، هنا أدعو بظهر الغيب للذين تتحول بيوتهم إلى موائد مخصصة للفقراء والمحتاجين إفطاراً وعشاء ولم ينسوا الجيران بل عرفنا من يفطر جاره قبل أن يفطر هو وأهله.. أسأل الله منه وكرمه أن يخلف عليهم بخير.. رمضان يدربنا على صف الكرم ثلاثين يوماً لقربنا من الله.. فلا يمكن أن نقترب من الله ونحن بخلاء فالله يقول {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}.. وحتى نتخلص من الشح المهلك دربنا رمضان ثلاثين يوماً على الكرم والكرم الممتاز وليس الكرم العادي.. فالكرم العادي أن تنفق مما عندك.. أما الكرم الممتاز أن تنفق من أفضل ماعندك قال عز وجل {يا أيها الذين آمنوا انفقوا من طيبات ما كسبتم ومما أخرجنا لكم من الأرض ولا تيمموا الخبيث منه تنفقون ولستم بأخذيه إلا أن تغمضوا فيه واعلموا أن الله غني حميد} فلن تنالوا البر إلا بهذا الكرم الممتاز {لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون وما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم}.
إن تدريب كل مسلم دليل على أن المسلم ينبغي أن لايخرج من رمضان إلا وهو كريم ينفق.. نعم.. أيها الإخوة المؤمنون إن رمضان هو شهر الكرم والكرم في رمضان ليس كالكرم في غيره.. لذلك كان النبي الكريم صلوات ربي وسلامه عليه ترتفع نسبة كرمه في رمضان فكان عليه صلاة الله وسلامه أكرم مايكون في رمضان وكان جواداً وكان في رمضان أجود من الريح المرسلة.. روي أن عبدالله بن عباس كان يقول “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود مايكون في رمضان حين يلقاه جبريل وكان جبريل يلقاه في كل ليلة من شهر رمضان فيدارسه القرآن قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يلقاه جبريل عليه السلام أجود بالخير من الريح المرسلة”.. فينبغي عليك أخي الكريم أن ترتفع نسبة كرمك في رمضان اقتداء بنبيك الكريم عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم.. ينبغي أن لايمر عليك يوم في رمضان إلا ولك فيه صدقة.. إن إشباع الجائع في رمضان ليس كإشباعه في غير رمضان فقد ورد في الأثر “من أشبع صائماً سقاه الله من الحوض شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة”.. إن الكرماء في رمضان هم المفلحون فقط {ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون}الكرماء هم الذي يلبسون ثوب التقوى في رمضان كما عز وجل {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين} إن الكرم طريق الفلاح.. إن الإنفاق علامة التقوى.. إن الصدقة دليل الإيمان “والصدقة برهان” كما قال عليه الصلاة والسلام.. تريد أن تبرهن على إيمانك كن من المنفقين المتصدقين على الفقراء والمساكين.. إن الله لايعترف بإيمان قوم بينهم جياع لم يشبعوهم ومحتاجون لم يسدوا حاجاتهم يؤكد قول النبي محمد عليه الصلاة والسلام “ما آمن بي من بات شبعان وجاره جائع إلى جنبه وهو يعلم به” قال أبو ذر رضي الله عنه أيما أهل عرصة مات فيهم جائع إلا اقتص منهم.. وقال حق للجائع أن يخرج شاهراً سيفه.. أسأل الله تعالى أن يوفقنا لصيام رمضان وقيامه.. إيماناً واحتساباً.. وأن يجعلنا ممن يقبل صيامهم.. ويغفر زللهم وإجرامهم.. وأن يمن علينا بالعتق من النيران.. والفوز بالجنان.. وأن يغفر لنا ولوالدينا وجميع المسلمين..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.