كم تمنيت مراراً وتكراراً أن تكون ألوان الحياة نهر العطاء الذي لا ينضب خيره في يمننا، وبما يزين أرواحنا وتلافيف مشاعرنا ووجداننا من جماليات تلك الأعمال التي تحاكي ريشة الفن التشكيلي الجميل، و تمنيت أن أكون وجه تعز التي تخط على رحاها وجدرانها ألوان الفن التشكيلي المعبر عن عمق الفن الآسر للروح والوجدان، ومحاكاته للحياة ولإرثنا الحضاري بعاداته وتقاليده وحاضره الجميل. ألوان الحياة انبثقت كفكرة فنية أكاديمية أراد صاحبها (د.مفيد اليوسفي) أن ينثر عبير ألوانه ويزين بها وجه تعز، بغية تجميلها وكذا إحياء مادة التربية الفنية في مدارس اليمن برمته، إضافة إلى مناشدة السلطات المحلية وسلطة الدولة لإضافة كلية الفنون ضمن تكوينات جامعة تعز ، ليبقى الفن منافساً بارعاً لتزيين الحياة بنسائم الجمال وتعطير الذائقة برسالته التربوية الجمالية، بعد أن غدت رصاصات الجنون رسالة جنائزية يومية تقتل الأرواح وتغتال العمق الوجداني الجمالي العاشق للوطن، لينبري الفن مدافعا عن الأرض والإنسان (الغنائي-التشكيلي.. وغيرها) في وجه الرصاص منتصراً للحياة والجمال معاً، وحينما أطلّت ألوان الحياة وريشة الفن التشكيلي ممتشقة جدران تعز، تبادر إلى ذهن الكثير أن الفن شريك أساسي في صنع الحياة وازدهارها شأنه شأن الانتصار في ميادين الاقتصاد والسياسة، لترتقي الحياة المجتمعية بشكل تكاملي غير منقوص. نعم أيها الأحبة والأصدقاء الكرام، لئن سألتم عن مفردات الحياة في مدننا اليمنية سترونها في عمق تلك الألوان وطي تلك اللوحات التي تتوسد جدران مدرسة الشعب وسور المواصلات وجدران جبل صبر، سترون ماضي اليمن وحاضره، عادات وتقاليد-لوحات تجسد أعمال الأدباء والكتاب المبرزين-النشيد الوطني-لوحات كتبت بالخطوط القديمة-لوحات لأعمال عالمية... وغيرها. ومن أجمل الأعمال الفنية العالمية التي تتوسد سور مدرسة الشعب.. جداريه السلام المعبرة عن صياغة معاصرة ومقاربة تستدعي استحضار العقل ورفض أشكال الظلم،إذ توحي تلك الجدارية (جورنيكا تعز) بصيغة مزاوجة فنية-سياسية، تستدعي الوجدان لرفض القتل والحرب ومآسي الجروح وفجائع الجنائز، وكانت جورنيكا - بيكاسو وثيقة عابرة تحمل محمول الرفض لكل أشكال الظلم والقهر والاستبداد، بيكاسو الأسباني اعتبر هذه اللوحة هدية للإنسانية وملكاً للمجتمعات التي تنتصر للأرض والإنسان معاً، وقد أصبحت تلك اللوحة رمزاً عالمياً تستوحي عشق السلام البديل عن أهوال الحروب وماسيها، حتى مبنى الأممالمتحدة يضم صورة الجورنيكا. وعندما غزت أمريكاالعراق تم توظيف تلك اللوحة من قبل المناهضين لتلك الحرب النازية الظالمة لينبري بيكاسو منتصراً للحياة والأرض والفن على عاشقي القتل والتدمير للحياة والإنسان, ويتضح في هذه اللوحة مدى ثورة بيكاسو على الحيل الفنية واستخدام الألوان الذي اقتصر على اللونين الأسود والأبيض مع درجات متفاوتة من اللون الرمادي، وهو تعبير صارخ عن عمق المقاربة اللونية الدلالية بين مآسي القتل والحرب وحلم السلام الذي يجسده اللون الأبيض، وكما يتضح من جورنيكا تعز ألوان الحياة. وهنا أتوجه بالشكر لفريق العمل الذي أهدى تعز تلك اللوحات المعبرة عن استشعار اللون للشراكة في صياغة الحياة، وتقبيح أعمال الغوغاء والقتل والتخريب من قبل الأيادي البلهاء، سواء أكانت كفعل فردي أم فعل ممنهج حزبي أدمن التشويه لمعالم الحياة واغتيالها، بل ومحاربة كل جميل تستحسنه القلوب الطاهرة التي تنشد الخير في ربوع وطننا اليمني.. وإن اغتالت أياديهم ألوان الحياة في تلك اللوحات، فلن تستطيع الوصول إلى ذاكرة الفن في الروح والوجدان وأعماق القلوب العاشقة للحياة بطيفها الفسيح، ولا ريب من أن اللون سينتصر على قبح الهزيمة التي تعيشها تلك الأكف السوداء، إنهم أذلاء لا يملكون شيئاً يقدمونه للحياة سوى خطى أكفهم الصماء كفعل عقولهم، وهم مآسي الهزيمة في هذا الوطن، بعد أن ساروا في فلك عشق الذات وحب الأنا المتمرغ بالوحل، ليبقى الصقور لوحدهم نسائم الخير العاشق للوطن ومحاكاة الذرى ومناجاة القمر. وأغتنم الفرصة لدعوة محافظ محافظة تعز الأستاذ شوقي احمد هائل وسلطته المحلية لدعم هذا البرنامج التربوي الجمالي للوصول إلى منتهى أهدافه النبيلة، وإكمال ما تبقى من مراحله وخطواته بعيدا عن الحال الفلسفي الحزبي الصراعي الأبله، دعونا أيها السادة نعمل جميعاً من أجل أن يكون للفن رسالة روحية جمالية تنتصر للحياة والإنسان، في الوقت الذي باتت فيه السياسة وأبواقها في سوق النخاسة حبلى وغرقى في بحور التجاذب وراء المشاريع الصغيرة العابرة لحدودنا الجغرافية، وهنا أقول: إن الفن فعل ما عجزت عنه السياسات الحزبية البلهاء في المشهد اليمني، وسينتصر لليمن برمته ليغدو البرنامج الجمالي التربوي (تعز.. ألوان الحياة) كنسائم الصيف المقبّلة لثغر وطني دون استثناء بقعة فيه (اليمن ألوان الحياة)، وهي دعوة أيضا لتوسيع رقعة هذا المشروع التربوي الجمالي، ولليمن رجاء يا سيادة المحافظ: بأن تولي برنامج تعز ألوان الحياة جل اهتمامك وعطائك لتنتصر لليمن وسنقول لك تعظيم سلام، والشكر الجزيل للرئيس هادي وقراره الجمهوري باعتبار تعز مدينة الثقافة- فهي كذلك عبر العصور.. حماك الله يا يمن.