لم تتوقف إبداعات الثوار على امتداد الساحة اليمنية، وكأن الثورة الشبابية السلمية التي انطلقت العام الماضي سمحت لفتيل الطاقات بالانفجار فمضى الفتية يلونون الوطن بألوان البهجة بعد أن مثلت الثورة فاتحة وبداية لعهد جديد مليء بالحب والإبداع والألوان. فبعد جداريات صنعاء وما تبعها من تواصل في تلوين جدران الحالمة تعز، ها هي عدوى الألوان تقتحم جداريات عدن، وأي جداريات؟ إنها جدران الشارع العام في مديرية المنصورة التي ما زالت عصية على الفتح أمام الحركة الطبيعية، والذي شهد مواجهات عنيفة العام الماضي، ولسان حال الفتية والفتيات الذين بادروا بتلطيخ وجه تلك الجدران بالأمل والبهجة «أن دعوا العنف وتعالوا نحلم ونتغنى بجمال الطبيعة والألوان ولنفتح صفحة جديدة من تاريخ الوطن حبلى بالتفاؤل والمحبة». ناشطون من منظمات المجتمع المدني في عدن نفذوا أعمال رسم على جدران خالية بمديرية المنصورة، وعلى طول خطوط طويلة وجدران مؤسسات حكومية وأخرى خاصة تراص فتيان وفتيات وانشغلوا بوضع رسومات مغايرة لرسومات ثورية وشعارات سياسية دأب الناس على مشاهدتها خلال السنوات الماضية. ورفع المشاركون في أعمال الرسوم هذه شعارات من قبيل: (عبّر عن صوتك ،عبّر عن رأيك بالغناء بالمسرح بالفن التشكيلي، عبر عن صوتك إيجاباً، وصّل صوتك المناهض للعنف عبر اللوحة وعلى جدران الشوارع العامة) وتضمنت تلك الشعارات دعوات للمحبة والإخاء لنبذ كل ما يتناقض مع معاني الحياة. ووفق هذه الرؤية نفذ شباب (مبادرتنا) ومؤسسة شركاء المستقبل للتنمية وبدعم أكوول أكسس مع شباب جمعية ملتقى الألوان للفنون التشكيلية في مديرية المنصورة المبادرة معبرين عن أفكارهم التواقة للسلم والأمن والمحبة، فكانت اللوحات تحاكي رغبات المجتمع للاستقرار ورفض العنف الذي شوه مدينة عدن المسالمة والوديعة، كما طالبت الأفكار المجسدة في اللوحات الجدارية بتضافر الجهود لإعادة الاستقرار والوئام إلى ثغر اليمن الباسم. هذا النشاط الإبداعي حظي بمباركة رسمية مثلها مدير عام مديرية المنصورة نايف البكري الذي أشاد بجهود ومواقف الشباب المبدع والقائمين على المبادرة، مؤكداً على أهمية الاصطفاف ضد العنف من قبل الفئات الاجتماعية كافة، معبرا في الوقت ذاته عن شكره لمؤسسة شركاء المستقبل للتنمية والثقافة ومنظمة أكوول أكسس الداعمة لهذا الاتجاه في التعبير. الإعلامية والزميلة أمل عياش وهي أحد ابرز الناشطات في عدن ومنسقة مؤسسة شركاء المستقبل للتنمية عن امتنانها للشاب أيمن نبيل أحد قيادات المبادرة الذي بذل جهودا لا يستهان بها من أجل إنجاح فكرة الحملة التثقيفية في محافظة عدن شاكرة تجاوب قيادة مديرية المنصورة ونزولها إلى موقع الرسم الجداري مما يؤكد –حسب وصفها – نجاح المشاريع القادمة في المديرية و محافظة عدن بشكل عام.. وأعربت عن شكرها مدير إدارة التربية والتعليم في المديرية عوض نبهان الذي قدم الدعم المعنوي لشباب مبادرتنا وجمعية ملتقى الألوان المتطوعين، مثنية على تواصل عادل محسن فضل مدير الإعلام في المديرية وعلي السيد مدير الثقافة في المديرية وقسم النشاطات في إدارة التربية المنصورة. الحديدة.. نشر التسامح.. وفي محافظة الحديدة تواصلت المرحلة الثانية من مشروع نشر التسامح والتي ينفذها عدد من الفنانين المبدعين الشباب من خلال الرسم على المساحات والجدران الشاغرة على امتداد شوارع وأحياء المدينة. المشروع تنفذه جمعية أنا من أجل بلدي بالشراكة مع كلية الشفاء وجامعة الحديدة والغرفة التجارية بالمحافظة تحت شعار (بتسامحنا ..نحمي وحدتنا) بمناسبة مرور 22 عاماً لعيد الوحدة اليمنية المباركة بالتعاون مع الفنانين التشكيليين، وبدأ القائمون على المشروع بتطبيق الفلاشات بجداريات فنية على جدران المؤسسات الحكومية والشوارع العامة. الفنان التشكيلي أحمد بن عفيف النهاري أحد التشكيليين بمحافظة الحديدة قال ل (إبداع) إن المشروع الذي ينفذه 14 فناناً وفنانة يهدف إلى طمس التشوهات التي كتبت على الجدران في الفترة السابقة واستبدالها بلوحات فنية جميلة تحاكي التراث اليمني والتهامي والتسامح والتصافح. وأشار النهاري إلى أن المشروع يتكون من مرحلتين الأولى للفنانين التشكيليين والفنانات بعمل أربع لوحات الأولى جوار البنك المركزي اليمني والثانية في جوار القلعة اليمانية والثالثة جوار المحافظة والرابعة جوار دار العجزة وأن الهدف منها نشر التسامح بين أفراد المجتمع ومسح العبارات التي كتبت أثناء الأحداث السياسية السابقة. وأضاف بأن العمل بهذا المشروع هو عمل طوعي يهدف إلى طمس التشوهات واستبدالها برسومات تعبر عن التسامح والتصافح ونبذ العنف وفتح صفحة جديدة يعيش من خلالها المواطن بسلام وأمان لافتاً إلى أنه خرج إلى الرسم متطوعاً للرسم على الجدران مشيراً الى أنه يحق للجميع أن يشارك فيها انطلاقاً من أن الفن أكبر من التخندق. ولعل نجاح التجربة في كل من العاصمة ثم الحالمة، دفع بها للتدحرج صوب ثغر اليمن الباسم ثم إلى عروس البحر الأحمر، كتجربة إبداعية جديرة بالاهتمام كونها تخاطب الذوق الجمالي الساكن في جوف كل إنسان، وتسعى لإبهار النفس باستخدام الألوان، وخلق أجواء البهجة رغم المعاناة التي يعيشها المجتمع اليمني على أكثر من صعيد، وبالتالي فإن ذلك يحتم على المهتمين بنفسية الألوان والمؤمنين بكل ما يفعله اللون في غياهب الروح أن يساهموا في تحريك مسيرة الألوان نحو محافظات أخرى ومدن تحتاج أن تغزوها جماليات الحياة.