ما الذي كان يفعله "عبدالمجيد الزنداني" في آخر أيّامه    رفض قاطع لقرارات حيدان بإعادة الصراع إلى شبوة    قذارة الميراث الذي خلفه الزنداني هي هذه التعليقات التكفيرية (توثيق)    قوات دفاع شبوة تحبط عملية تهريب كمية من الاسلحة    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    قيادي إصلاحي يترحم على "علي عبدالله صالح" ويذكر موقف بينه و عبدالمجيد الزنداني وقصة المزحة التي أضحكت الجميع    عاجل: الحوثيون يعلنون قصف سفينة نفط بريطانية في البحر الأحمر وإسقاط طائرة أمريكية    دوري ابطال افريقيا: الاهلي المصري يجدد الفوز على مازيمبي ويتاهل للنهائي    ريال مدريد يقترب من التتويج بلقب الليغا    لا يجوز الذهاب إلى الحج في هذه الحالة.. بيان لهيئة كبار العلماء بالسعودية    عمره 111.. اكبر رجل في العالم على قيد الحياة "أنه مجرد حظ "..    آسيا تجدد الثقة بالبدر رئيساً للاتحاد الآسيوي للألعاب المائية    رصاص المليشيا يغتال فرحة أسرة في إب    وزارة الحج والعمرة السعودية تكشف عن اشتراطات الحج لهذا العام.. وتحذيرات مهمة (تعرف عليها)    سلام الغرفة يتغلب على التعاون بالعقاد في كاس حضرموت الثامنة    حسن الخاتمة.. وفاة شاب يمني بملابس الإحرام إثر حادث مروري في طريق مكة المكرمة (صور)    ميليشيا الحوثي الإرهابية تستهدف مواقع الجيش الوطني شرق مدينة تعز    فيضانات مفاجئة الأيام المقبلة في عدة محافظات يمنية.. تحذير من الأمم المتحدة    أول ظهور للبرلماني ''أحمد سيف حاشد'' عقب نجاته من جلطة قاتلة    الجريمة المركبة.. الإنجاز الوطني في لحظة فارقة    فرع العاب يجتمع برئاسة الاهدل    الإطاحة بشاب وفتاة يمارسان النصب والاحتيال بعملات مزيفة من فئة ''الدولار'' في عدن    أكاديمي سعودي يتذمّر من هيمنة الاخوان المسلمين على التعليم والجامعات في بلاده    مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    لا يوجد علم اسمه الإعجاز العلمي في القرآن    حزب الإصلاح يسدد قيمة أسهم المواطنين المنكوبين في شركة الزنداني للأسماك    - عاجل شركة عجلان تنفي مايشاع حولها حول جرائم تهريب وبيع المبيدات الخطرة وتكشف انه تم ايقاف عملها منذ6 سنوات وتعاني من جور وظلم لصالح تجار جدد من العيار الثقيل وتسعد لرفع قضايا نشر    ناشط يفجّر فضيحة فساد في ضرائب القات للحوثيين!    المليشيات الحوثية تختطف قيادات نقابية بمحافظة الحديدة غربي اليمن (الأسماء)    خال يطعن ابنة أخته في جريمة مروعة تهزّ اليمن!    مغالطات غريبة في تصريحات اللواء الركن فرج البحسني بشأن تحرير ساحل حضرموت! (شاهد المفاجأة)    الدوري الانجليزي ... السيتي يكتسح برايتون برباعية    الزنداني.. مسيرة عطاء عاطرة    مأرب.. تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"    ارتفاع عدد الشهداء الفلسطينيين جراء العدوان الإسرائيلي على غزة إلى 34305    إيفرتون يصعق ليفربول ويعيق فرص وصوله للقب    انخفاض الذهب إلى 2313.44 دولار للأوقية    المكلا.. قيادة الإصلاح تستقبل جموع المعزين في رحيل الشيخ الزنداني    ذهبوا لتجهيز قاعة أعراس فعادوا بأكفان بيضاء.. وما كتبه أحدهم قبل وفاته يُدمي القلب.. حادثة مؤلمة تهز دولة عربية    مفاوضات في مسقط لحصول الحوثي على الخمس تطبيقا لفتوى الزنداني    تحذير أممي من تأثيرات قاسية للمناخ على أطفال اليمن    الجهاز المركزي للإحصاء يختتم الدورة التدريبية "طرق قياس المؤشرات الاجتماعي والسكانية والحماية الاجتماعية لاهداف التنمية المستدامة"    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    نبذه عن شركة الزنداني للأسماك وكبار أعضائها (أسماء)    الإصلاحيين يسرقون جنازة الشيخ "حسن كيليش" التي حضرها أردوغان وينسبوها للزنداني    طلاق فنان شهير من زوجته بعد 12 عامًا على الزواج    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    دعاء الحر الشديد .. ردد 5 كلمات للوقاية من جهنم وتفتح أبواب الفرج    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    برشلونة يلجأ للقضاء بسبب "الهدف الشبح" في مرمى ريال مدريد    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    لحظة يازمن    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



129 عاماً من التضحيات
نشر في الجمهورية يوم 09 - 12 - 2012

عيد الاستقلال .. ال 30 من نوفمبر 1967م لم يكن يوماً كغيره من الأيام .. إنه يوم الاستقلال والجلاء لآخر جندي بريطاني من عدن، والذي مثَّل أنموذجاً رائعاً للنضال المشترك ورمزاً للحرية والتحرر لاسيما وأن هذا الإنتصار أعقب انتكاسات مؤلمة أبرزها نكسة عربية حزيران/يونيو1967م ،وحينما نحتفل بهذه المناسبة العظيمة فإن ذلك لا يعني أننا نمارس عادة تعاقبتها الأجيال لاستعراض بعض المراسيم والطوابير العسكرية، وإطلاق الألعاب النارية، وأداء الرقصات الشعبية واتخاذ هذا اليوم كعطلة رسمية وطنية فقط .. لكنه مدرسة وطنية نتعلم منه مدى معاناة الآباء الأحرار في الدفاع عن الوطن والإرادة القوية وثمرة انتصار النضال المشترك بأقل الإمكانيات وبأعلى الهمم.
الإستعمار ومطامع الإستيلاء
تتميز اليمن بموقع جغرافي متميز جعل منها محطاً للأنظار وكانت بريطانيا إحدى المخالب الإستعمارية التي أوقعت جنوب اليمن في شراكها بعد محاولات عديدة تمكنت خلالها من احتلال عدن في 1839م مستغلة فرصة تشطر اليمن التي بدأت بانفصال عدن ولحج وأبين عن الدولة القاسميّة في عام 1145هجرية، ثم توالى تكون الدويلات والعشائر الصغيرة التي تكونت منها دولة الجنوب فيما بعد.
وهدفت بريطانيا من سيطرتها على عدن تأمين مصالحها في المنطقة، إلى جانب أن الهند كانت المركز الرئيسي للمستعمرات البريطانية في العالم ويمثل ممر البحر الأحمر وطريق هرمز أهمية كبيرة لها، كما كانت تسعى لبناء قاعدة عسكرية واقتصادية تستطيع من خلالها توسيع إمبراطوريتها الاستعمارية.
ومنذ البدايات الأولى للإحتلال والإستيلاء على عدن في 19 يناير 1939م، وتعيين القبطان هاينس وكيلاً سياسياً لعدن التي أخضعت لمقر رئاسة بومباي .. اتّبعت بريطانيا أساليب مختلفة للسيطرة على الإمارات والمشيخات في المناطق الجنوبية، من خلال ما يسمّى بمعاهدة السّلام والصّداقة وتوقيع اتفاقيّات الحماية ومعاهدة الاستشارة التي تعني إحكام قبضة بريطانيا على مناطق الجنوب.
وتوالت توقيع تلك المعاهدات مع السلاطين والمشائخ والتي بلغت نحو 31 معاهدة وكان آخرها مع السلطان علي عبد الكريم فضل سلطان لحج في عام 1952م حيث قامت بريطانيا بإنشاء اتحاد فيدرالي للجنوب العربي في فبراير 1959 بدءاً بالست الإمارات الغربية ثم إمارات المنطقة الشرقية ليصبح الاتحاد مكوّناً من ثمان عشرة إمارة ومشيخة، إلا أن عدن بقيت خارج الاتحاد حتى 25 سبتمبر 1962 حين تمّ التصويت على انضمامها للاتحاد.
وقد سعت بريطانيا إلى السيطرة على أجزاء اليمن الجنوبي، حيث أعلنت بعد ما يربو عن المائة عام من سيطرتها على عدن، أن اليمن مستعمرة للتاج البريطاني في عام 1937م، ثم أصبحت عدن أضخم قاعدة حربية بريطانية شرق البحر الأحمر، حيث أقيم عليها مقر القيادة العليا للقوات المسلحة الانجليزية في الجزيرة العربية، ثم قيادة الشرق الأوسط في 1961م.
المقاومة من العفوية إلى التنظيم
وكما عُرف عن أبناء هذا الوطن بشرقه وغربه وشماله وجنوبه مناوءته للظلم والإستعمار والإستبداد على مر التاريخ، فقد تجلت هذه السجية بأبهى صورها في مقارعة الإستعمار البريطاني الذي ابتدأت منذ أن حط الإنجليز رحاله في عدن، ولعل من أبرز الدروس المستوحاة من دروس المقاومة البدائية البسيطة أن الإرادة الحقيقية تتجاوز فارق العتاد الحربي والعسكري والأسلحة الحديثة والمتطورة حتى وإن كانت التضحية أكبر، إذ مثّل سقوط 139 شخصاً من الأحرار في معركتهم الأولى مع الإنجليز وقوداً للمقاومة استمدت منه طاقتها النضالية حتى تاريخ الجلاء.
وعلى الرغم من عفوية المقاومة في بداياتها الأولى إلا أنها استطاعت أن تحقق كثيراً من الإنجازات وتسطر بطولات رائعة وتصدت لآلة القمع الشرسة، ونضجت الحركة الوطنية مع مرور الأيام، وتشكل الأحرار في إطار منظمات ونوادٍ وجمعيات خصوصاً في الأربعينيات من القرن المنصرم، ومنها نادي الأدب العربي، ونادي الإصلاح العربي، ونادي الشعب في لحج، وجمعية الأخوة والمعاونة في حضرموت، والجمعية الإسلامية الكبرى، وغيرها.
ولم تكن هموم الأحرار في الجنوب مقتصرة على تطهير بلادهم من الإستعمار بل كانت ممتدة بامتداد الوطن أجمعه فكان من أولى أهدافهم تحرير شمال الوطن من جبروت الظلم الإمامي الجاثم على صدورهم، كما أن الأحرار في الشمال ثاروا ضد الإستعمار منذ وقت مبكر إذ تجمع عدد كبير من أبناء تعز والحواشب وإب والمناطق الوسطى وغيرها من مناطق اليمن والتفوا حول علي سعيد باشا في العام 1915م وقاموا بثورة ضد البريطانيين في الجنوب تمكنوا خلالها من تحرير الضالع ولحج والشيخ عثمان واحتفظ الإستعمار البريطاني بسيطرته على عدن القديمة «كريتر».
وكانت عدن قبلة للعلماء من الشمال والشرق والغرب، كما كانت تمتاز بحرية الملكية والتنقل، وقد ساعدت الحركة التجارية النشطة في مدينة عدن إلى جانب النهضة الثقافية على أن تكون قبلة للأحرار من الشطر الشمالي الذين يستجيرون بالمدينة من نار الإمام وسطوته، وفي ثنايا جدران الجمعيات والنوادي تمخضت أفكار ورؤى ساهمت في الدفع بمسيرة الحركة الوطنية عموماً.
وتزامن نشاط تلك النوادي والجمعيات مع تصاعد المد القومي العربي وانتصار ثورة يوليو 1952م في مصر، والتي أسهمت بدور فاعل في إلهاب الحماس العربي وتصاعد حركات التحرر ضد الوجود الاستعماري، وشهدت الخمسينيات بروز مرحلة جديدة للنضال الوطني ساهم في اتساع افقها النشاط الإعلامي وصدور عدد من الصحف والمجلات من عدن كانت تعالج القضية اليمنية بمنظور شمولي يستهدف تحرير الوطن من الإمامة والبريطانيين كهمِ مشترك، بيد أن المنظمات والأحزاب التي نشأت والصحف المناوئة للإستعمار الأجنبي لم تكن تتسم بوحدة المطالب إذ انبرى البعض إلى التركيز على المطالبة بجعل اللغة العربية هي الرسمية ومحاربة الهجرة الأجنبية وإعطاء المواطن المحلي حقه من الوظائف خصوصاً في أواخر الأربعينيات والنصف الأول من عقد الخمسينيات، وإزاء هذه التحركات قام البريطانيون بإنشاء المجلس التشريعي في عدن 1947م «المعين» وسن القانون الذي اعترف بحرية التجمع الأمر الذي دفع الأحرار إلى إنشاء تنظيم سياسي يسمى ب « الجمعية الإسلامية الكبرى» عام 1949م يضم رجال دين ومثقفين أمثال الشيخ محمد سالم البيحاني وغيره.
ونتيجة للشعور السائد بمخاطر نشوء هذه التنظيمات ذات الأفق الأشمل لدى طبقة الأرستقراطيين في عدن فقاموا بتأسيس الجمعية العدنية عام 1950م تحت شعار «عدن للعدنيين» حظيت مبادئها بمباركة ودعم بريطانيا خصوصاً وأنها كانت تطالب بفصل عدن عن جنوب الجزيرة العربية ومنحها الإدارة الذاتية، ومن ثم إدخالها تحت إطار دولة الكومنولث البريطاني، وضمت محمد علي لقمان وحسن علي بيومي وعلي محمد لقمان وتحولت إلى حزب المؤتمر الشعبي عام 1954م، وانفصل تيار من داخل الحزب عام 1957م يشمل عبد الرحمن جرجرة وحسن وحسين بيومي ليشكل حزباً مستقلاً باسم «الحزب الوطني الإتحادي» يساند التوجهات البريطانية بإقامة دولة الإمارات العربية ... ونجحت حركات الوحدة الحضرمية والعوالق ولحج في تشكيل إطار موحد يسمى رابطة أبناء الجنوب العربي عام 1951م يطالب بضم عدن وبقية محميات جنوب الجزيرة العربية في دولة واحدة تطالب بالإستقلال، وضمت محمد علي الجفري، شيخان الحبشي، عبدالله علي الجفري، قحطان الشعبي، علي سالم الشعبي، سالم الصافي، عبدالله باذيب، رشيد الحروي، وغيرهم، كما شهدت الخمسينيات تأسيس 15 حزباً في عدن منها أحزاب الأمة والشعب والأحرار الديمقراطي.
الحركة الوطنية .. تياران متناقضان
وبرز تياران داخل الحركة الوطنية أحدهما يطالب باستقلال الجنوب أو استقلال عدن ويدعم فكرة حرمان أبناء الشمال من انتخابات المجلس التشريعي عام 1955م ومعاملة كل يمني يولد في الشمال على أنه أجنبي على الرغم مما أوردته منشورات حركة الأحرار من أن قوائم الإنتخابات كشفت أن عدد الشماليين يساوي 48 ألفاً و88 شخصاً بنسبة 35 % من مجموع سكان عدن البالغ عددهم 138 ألفاً و441 نسمة، فيما يطالب التيار الآخر بالوحدة اليمنية ويضم ثمانية مكونات تحت مسمى الجبهة الوطنية المتحدة عام 1955م وهو ما دفع بالحركة الوطنية إلى آفاق رحبة من النضال المشترك والرغبة في إزاحة الإمامة والإستعمار وتوحيد الشطرين.
ونتاجاً لأهمية إعلان الجبهة الوطنية المتحدة باعتباره تاريخاً بارزاً ومميزاً للنضال المشترك في إطار تنظيمي منسق وهادف فقد أثار حفيظة الإستعمار في الجنوب والإمام أحمد في الشمال، حيث عمد الإنجليز لاستخدام الوسائل القمعية في عدن وترحيل أمين عام الجبهة الوطنية المتحدة محمد عبده نعمان إلى الشمال وتفريق بقية الأعضاء، إلا أنهم تمكنوا من الإنخراط في إطار نقابات عمالية وأعلنوا المؤتمر العمالي الذي ضم 25 نقابة عام 1956م، وصدرت العديد من الصحف المطالبة بالوحدة الوطنية مثل البعث 1955م وصحيفتي الفكر والعامل 1957م، وصحيفة النور التي صدرت عام 1958م والتي كان يرأس تحريرها الأستاذ محمد سالم باسندوة وغيرها من الصحف التي رافقت إنشاء العديد من المنظمات العمالية، كما أدى تأميم حكومة مصدق الوطنية للعمليات النفطية في إيران، إلى إنشاء شركة بريتيش بتروليوم مصافي الزيت البريطانية في عدن، وأدى قيامها إلى الإهتمام بالطبقة العمالية وتوسيع قاعدتها، ورافق ذلك الإهتمام ظهور بعض الأشكال النقابية في الفترة 1951 - 1953م مثل رابطة العمال والفنيين عام 1951م، ونقابة عمال وموظفي خطوط عدن الجوية، وجمعية موظفي سلاح الطيران عام 1953م، وتوالت عملية الإضرابات العمالية والتي كان لها دور في دعم الحركة الوطنية وبروز شعارات الاستقلال والوحدة اليمنية، فضلا عن إسهاماتها الكبيرة لنقل الحراك السياسي من النشرات والإدانات والبيانات إلى الإضرابات والإحتجاجات، وشهدت ذات الفترة بروز نشاطات لفروع من الأحزاب العربية مثل تأسيس فرع حركة القوميين العرب في عدن 1959م، وحزب البعث العربي الإشتراكي للقطر اليمني وكذا حزب الشعب الإشتراكي الذي أسسه عبدالله الأصنج عام 1962م، وحزب التجمع الوطني التقدمي، وأسس الماركسيون اليمنيون تنظيمهم السياسي في 22 أكتوبر سنة 1961م باسم الاتحاد الشعبي الديمقراطي، وإعلان ميثاقه الوطني الذي صدر تحت شعار “نحو يمن حر ديمقراطي موحد” وكان أول برنامج سياسي حزبي يضع هدفاً رئيسياً له النضال من أجل توحيد الوطن على أسس ديمقراطية بقيادة عبدالله باذيب، كما تم تأسيس حزب الشعب الاشتراكي عام 1962م وكان بمثابة الجناح السياسي للمؤتمر العمالي.
ثورتا سبتمبر وأكتوبر .. ثمرة النضال المشترك
وعلى صعيد الشطرين شهدت الحركة الوطنية تطوراً كبيراً في الرؤية والبرامج والأهداف والخطط، واتسعت دائرة الإضرابات والمظاهرات والانتفاضات الشعبية، ففي 22 سبتمبر 1962م اندلعت إضرابات الطلاب في مدارس مدينتي تعز وإب، وسيق إلى سجون الإمام آباء الطلاب من الفلاحين والمزارعين الفقراء، عقاباً لهم على الانتفاضات التي قام بها أبناؤهم، كما شهد الجنوب الزحف الشعبي الكبير على المجلس التشريعي في 24 سبتمبر 1962م احتجاجاً على دمج عدن في الاتحاد الفيدرالي السلاطيني الاستعماري.
وبنجاح ثورة ال 26 من سبتمبر 1962م، استقبلت صنعاء القوى السياسية والأحرار من أبناء الجنوب، وآلاف المتطوعين الذين وهبوا أرواحهم للدفاع عن الثورة السبتمبرية، وكانت هذه الجهود تحظى بمباركة الحكومة المصرية بقيادة الزعيم جمال عبد الناصر، وكانت مهمة تحرير الجنوب المحتل من الاستعمار البريطاني هماً مشتركاً الأمر الذي عكس نفسه على أول حكومة وطنية تشكلت بعد قيام الجمهورية حينما خصصت حقيبة وزارية لشؤون الجنوب المحتل، وكما أسلفنا في حديث سابق عن ثورة أكتوبر فقد كانت هذه المرحلة من أهم المراحل للتلاحم الوطني حيث جرى عقد المؤتمر الأول للعناصر الوطنية الجنوبية ومنها حركة القوميين العرب وتشكيلة من منظمات القبائل ومنظمة شباب المهرة وجبهة الإصلاح اليافعي والجبهة الناصرية وتشكيل الضباط الأحرار وغيره من النوادي والجمعيات في صنعاء في فبراير 1963م حضره ما يربو عن الألف مندوب من مختلف المنظمات الثورية، وتلا ذلك مؤتمر يونيو 1963م والذي خرج بقرار ينادي بتجميع القوى الوطنية الجنوبية المُختلفة في جبهة وطنية موحدة تقوم بالدفاع عن ثورة 26سبتمبر في الشمال ودحر الاستعمار البريطاني في الجنوب، كما عقدت الجبهة القومية مؤتمرأً في تعز خلال الفترة 22 25 يونيو1965م أعلنت خلاله أنها الممثل الوحيد للجنوب في النضال ضد الإستعمار.
وقد أدرك الأحرار الدسائس والمؤامرات التي تحيكها بريطانيا لإفشال الثورة في الشمال ودعمهم للملكيين بعد أن شعر الإنجليز بخطر الثورة على مصالحهم مما دفعهم لإنشاء قواعد عسكرية في الجنوب في أواخر عام 1962م، وهو ما دفع أحرار الجنوب إلى مساندة إخوانهم في الشمال وقد هب المقاتلون الأبطال من ردفان والضالع ولودر ودثينة والعوالق ومن لحج وعدن الباسلة للمشاركة في الدفاع عن ثورة 26 سبتمبر، وعند عودة الأحرار إلى ردفان وبينهم الشيخ غالب بن راجح لبوزة طالبه الإنجليز أثناء عودته من رحلة الدفاع عن سبتمبر بتسليم سلاحه مع دفع غرامة مالية تأديبية، وكانت كل مؤهلات اندلاع الثورة قائمة ومستمدة قوتها من الثورة السبتمبرية، واندلعت ثورة ال 14 من أكتوبر 1963م من جبال ردفان وخاضوا خلالها مواجهات كبيرة بدأت يوم الحادي عشر من أكتوبر 1963م، واستشهد قائد هذه المجموعة المقاتلة وهو الشيخ غالب بن راجح لبوزة صبيحة يوم 14 أكتوبر 1963م والذي ألهب حماس أبناء الشعب الجنوبي فاندلعت ثورة شعبية مسلحة ضد المستعمر المحتل.
وأعقب لبوزه في قيادة الثورة عبدالله المجعلي ودخلت الجبهة القومية في المقاومة إلى جانب الأحرار غير المنضويين في إطار المنظمات سواء من أبناء الشمال أو الجنوب.
واستطاعت الجبهة القومية الإنفراد بالقرار السياسي بعد أن عقدت عدة مؤتمرات منها، مؤتمر جبلة، ومؤتمر الإسكندرية، وحُمَر، وغيرها.
وفيما يشير المؤرخون إلى أن استقلال الشطر الجنوبي كان بعد حرب أهلية بين فصائل ثورة 14 أكتوبر أسفرت عن إنفراد إحداها بالسلطة، ونزوح الفصائل الأخرى إلى الشطر الشمالي من الوطن الذي كان في ذلك الحين يواجه خطر الحصار المفروض على صنعاء، فإن البعض يشير إلى أن النضال السياسي للجبهة القومية وطرحها النظري الأيديولوجي مكنها من الوصول إلى السلطة في 30 نوفمبر1967م، وإقامة جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية برئاسة قحطان الشعبي لاسيما وأن القوى السياسية الأخرى مثل جبهة التحرير لم تتوفر لها الظروف المواتية لتصدر الموقوف والوصول إلى دفة الحكم.
المقاومة وسلسلة المفاوضات
واستمرت المقاومة ضد المستعمر وسعت بريطانيا لتهدئة الأوضاع فتم الإعلان عن مؤتمر دستوري في ديسمبر 1963م يعقد في لندن، وبحسب المؤرخين والباحثين فقد تأجل المؤتمر بسبب قيام المناضل خليفة عبدالله حسن بعملية بطولية جسورة عندما فجر قنبلة في مطار عدن قتل بواسطتها مسؤولاً انجليزياً وجرح 53 آخرين كانوا جميعاً في طريقهم لحضور المؤتمر، ثم استمرت المقاومة وساعد الثوار تمكنهم من إدخال أسلحة في مايو ويونيو من عام 1964م، وانتقلت دائرة الصراع إلى عمق المدينة التي يقطنها قادة الحكومة الاستعمارية، مما ساعدهم في تصفية عدد من ضباط المخابرات الإنجليز والمتعاونين معهم ، ومن ملامح ذلك الصراع الذي أقض منام الإنجليز الهدية التي قدمها الثوار لزعيم حزب العمال البريطاني الأسبق وزير المستعمرات انطوني عرينوود لدى زيارته إلى عدن في الأمسية الاحتفالية التي أقامها المندوب السامي على شرفه، والتي كانت تمثل إنفجارات لمدفعية أطلقها الثوار في تلك اللحظة على عناصر من جنود الاحتلال وعدد من سيارات الضباط البريطانيين، وفي إطار المساعي السياسية انعقد المؤتمر الدستوري 1964م ولم يثمر أية نتائج، وطالبت بريطانيا بعقد مؤتمر دستوري جديد باشتراك ممثلي الأحزاب السياسية غير المشاركة في الكفاح المسلح في 2 مارس 1965م.
وفي ديسمبر 1965م انعقد اجتماع بلندن جرى خلاله الاتفاق على تشكيل دولة يمنية موحدة واستئجار القاعدة الحربية البريطانية في عدن بعد نيل الاستقلال لاستغلالها في أعمال التنمية، وكان ذلك بالإتفاق مع القادة السياسيين من الجنوب، إلا أن الإتفاق باء بالفشل بعد اعتراض الجبهة القومية ومطالبتها بتطبيق قرارات الأمم المتحدة حول منح الاستقلال لشعب اليمن وتصفية القواعد الحربية في أرضه، وفي 5 نوفمبر 1965م اتخذت الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة القرار رقم 2023 الذي أكد حق الشعب اليمني في تقرير المصير، ونددت بمساعي بريطانيا للإبقاء على القاعدة الحربية، ومحاولاتها إقامة نظام في المنطقة لا يمثل الشعب، كما طالبت بإلغاء حالة الطوارئ وسائر القوانين التعسفية ... ونتيجة للإغتيالات الكبيرة التي طالت ضباطاً وشخصيات نافذة فقد أعلن الإنجليز في 6 يونيو 1965 حالة الطوارئ.
ويروي المؤرخون والباحثون أن شهر أكتوبر لعام 1965م شهد اعتقال نحو 1500 ناشط سياسي، و286 عملية فدائية أودت بحياة 239 شخصاً من عناصر الإنجليز، وفي 25 فبراير 1967م أعلن أمين عام الأمم المتحدة آنذاك «بوثانة» تعيين بعثة خاصة من الأمم المتحدة برئاسة مندوب فنزويلا الدائم لبحث مسألة تنفيذ قرارات الأمم المتحدة المتعلقة باستقلال اليمن.
وفي غضون أربع سنوات من العراك الشديد على المستويين الميداني والسياسي بين الثوار والإنجليز تعاقب أربعة مندوبين ساميين على جنوب اليمن وهم سير تشارلز هيبرون جونستون (18 يناير، 1963 - 17 يوليو، 1963)، سير جيرالد كنيدي نيكولاس تريفا سيكس (17 يوليو، 1963 - 21 ديسمبر، 1964)، سير ريتشارد جوردن تيرنبول (21 ديسمبر، 1964 - 22 مايو، 1967)، سير همفري تريفليان (مايو، 1967 - 30 نوفمبر، 1967).
ووافقت بريطانيا في أول فبراير 1967م من خلال مقترحات تقدمت بها للبعثة الأممية على إنهاء سيادتها على عدن، وتتولى حكومة الجنوب العربي المسؤولية عن الشؤون الداخلية والخارجية والدفاع، فيما تتولى المملكة البريطانية تبني عضوية اليمن الجنوبي في الأمم المتحدة.
وفيما كان للمسار السياسي أثره في الضغط على بريطانيا خصوصاً في ظل تأييد ودعم الجامعة العربية، وبعثة الأمم المتحدة، فإن مسار الثوار في الميدان هو من أسهم في تحرر البلاد وجلاء المستعمر، وشهدت الفترة يناير ابريل 1967م معارك ضارية بهدف تحرير منطقتي الشيخ عثمان وكريتر في عدن، وأعلنت الجبهة القومية في 20 مايو من نفس العام استئنافها للقتال في سبيل الاستيلاء على السلطة في حضرموت، وأعلنت الشرطة المسلحة في كريتر تمردها على سلطات الاحتلال، وفي 22يونيو 1967م شهدت الضالع اكبر مسيرة جماهيرية قادها المناضل علي عنتر ورفاقه وألقى خطاباً سياسياً هاماً من على متن احدى الدبابات البريطانية، قائلاً : « أيها الرفاق تحقق النصر وتحررت منطقة الضالع من المستعمرين والانتصار صنعته هذه الجماهير الفقيرة بفضل تضحياتها الكبيرة من اجل الحرية والاستقلال».
وكنتيجة حتمية لضغط الثوار في ميادين القتال والسياسيين فقد تم الإتفاق بعد سلسلة لقاءات ومفاوضات على إعلان استقلال اليمن من الاستعمار البريطاني في9 يناير 1968م، والموافقة بالإعلان عن إغلاق القاعدة العسكرية في عدن، والاعتراف بقرارات منظمة الأمم المتحدة لعامي 1963م و 1965م، حيث قدم إلى عدن نائب الوزير البريطاني للشؤون الخارجية «طومسون» في تاريخ 17 مارس 1967م، معلنا موافقة بريطانيا بمنح الاستقلال في نوفمبر 1967م.
ويقول المؤرخون والباحثون أنه وبعد استيلاء الجبهة القومية على جميع مناطق اليمن المحتلة باستثناء، عدن، طلبت الجبهة من الحكومة البريطانية بدء مفاوضات مباشرة معها حول تسليمها السلطة، وأعلنت تمهيداً لذلك وقف إطلاق النار لمدة ثلاثة أيام اعتباراً من 8 نوفمبر، ثم تم استئناف القتال حتى وافقت بريطانيا على بدء المفاوضات مع الجبهة القومية .
وفي اليوم الثاني من ذلك أعلنت القوات البريطانية أنها ستغادر عدن في 30 نوفمبر 1967م، حيث جرى اجتماع في جنيف للفترة 22 27 نوفمبر، وجرى في أعقابها إلغاء حالة الطوارئ المفروضة منذ 1963م وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين .
وبحسب المؤرخين فإن مندوبي الجبهة القومية برئاسة المناضل قحطان الشعبي نجحوا في جلسات مباحثات مع المملكة المتحدة برئاسة اللورد شاكلتون بالتوقيع على وثيقة الاستقلال في 29 نوفمبر 67م يليها في اليوم الثاني 30 نوفمبر 67م جلاء آخر جندي بريطاني من الجزء الجنوبي من اليمن.
وفي يوم ال 29 من نوفمبر 1967م أقلعت الطائرة البريطانية محملة آخر دفعة من جنود الاحتلال من خور مكسر إلى بريطانيا بينهم المقدم داي مورغان آخر عسكري من جنود الاستعمار البريطاني.
وفي صبيحة يوم الثلاثين من نوفمبر 1967م رفرف في سماء الجنوب العلم الوطني، وتنفس أبناؤه عبق الحرية، وقطفوا ثمار النضال الدؤوب والتضحيات الجسيمة التي استمرت نحو 129 عاماً من الصراع مع المحتل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.