يعتبر هذا الكتاب إسهاماً جيداً في التوثيق لنطاق تعز وحاضرته، ويعكس نتائج هامة عن تاريخه ومجتمعاته خلال الفترات التاريخية المتعاقبة، فترة ما قبل التاريخ، الفترة التاريخية القديمة، والفترة الإسلامية المبكرة والمتوسطة والحديثة والمعاصرة، التي لاتزال أحداثها مثار جدل حتى اليوم. مؤلف الكتاب فيصل سعيد فارع، نشرته مؤسسة السعيد للعلوم والثقافة عام : 2012 في طبعته الثانية بتعز، وكانت عدد صفحات الكتاب 381 صفحة، ويتألف من مقدمة وخمسة فصول مذيلة بالهوامش والجداول وقائمة المصادر والخرائط والصور الإيضاحية. تضمنت المقدمة أسباب اختيار المؤلف لموضوع الكتاب، وحدد فيها مصادر ومراجع الكتاب ومنهجه، كما تضمنت القصور المصدري الذي اعتور الكتابات السابقة لموضوع الكتاب. وفي الفصل الأول قام المؤلف بعرض المادة التاريخية التي تتحدث عن المدينة كمسمى كياني. أعقب ذلك بتغطية جغرافية طبوغرافية مناخية – مكانية للموضع والموقع والكيانات التي حملت التسمية (تعز)، كما تضمنت تغطيته عرضاً للملامح البشرية لسكان نطاق (تعز) والمدينة وتطورها العمراني والتركيب الوظيفي والخدمات في عملية تحقيقية تحليلية جمع فيها وباستيفاء كل ما يتعلق بمكانة تعز من مادة مصدرية محلية وعربية وأجنبية كالكتب البلدانية والأنسابية والتاريخية والجغرافية والجيولوجية وغيرها، واقترب كثيراً من الخصائص التضاريسية والهيدرولوجية والمناخية والمورفولوجية والعمرانية والسكانية التي تكون مجتمعة .. التاريخ الطبيعي والبشري لتعزالمدينةتعز ولنطاق ككل. وحرص المؤلف أن يقدم في هذا الفصل عرضاً ديموجرافياً ليظهر من خلاله تعدد وتداخل العنصر البشري الذي سكن المدينة منذ نشأتها الأولى، والتغيرات التي حدثت للمدينة عبر تاريخها الطويل، سلباً أو إيجاباً، في التراكيب الوظيفية والسكانية. وقد حاول المؤلف في عرضه للمادة المصدرية عن مدينة تعز تقديم صورة واضحة عن الحياة التي عاشتها المدينة عبر تاريخها القديم والإسلامي والمعاصر بالرجوع إلى خارطتها وأحيائها المختلفة، كتعبير أو تجسيد لأفكار مجتمعاتها على مر العصور. وفي الفصل الثاني تناول المؤلف تاريخ الاستيطان في تعز؛ حيث قام بعرض المادة المصدرية التي تتحدث عن تعز كمسمى كياني وبناء على ترتيبها الزمني حيث قسمها إلى مراحل متتالية: العصور الحجرية والبرونزية، عصر الممالك اليمنية القديمة، العصور الإسلامية المبكرة والمتوسطة والحديثة والمعاصرة، ومن خلال العرض والتحليل للمادة المصدرية قدم المؤلف صورة واضحة لمدينة تعز ككيان حضري وكوحدات اجتماعية، وكذلك أبان عن معرفة واسعة للعمق المكاني والزمني للكيانات الحضرية لنطاق تعز والصلات الاجتماعية والاقتصادية التي كانت تربط تلك الكيانات. وتحدث المؤلف عن الأصول الحضارية لسكان مدينة تعز، من خلال العرض التاريخي الذي قدمه ضمن سلسلة أحداث مترابطة – متعاقبة. وجاء عرضه للجانب الاجتماعي الأنسابي عن مدينة تعز والنطاق التي تنسب إليه المدينة في هذا الفصل مكملاً اجتماعياً وأنسابياً الجانب المكاني المتناول في الفصل الأول، وفق المادة المصدرية المحلية والعربية والإسلامية والأجنبية والربط وفق ما تمليه المادة المصدرية فيما بين الجانب المكاني والجانب الاجتماعي الأنسابي. وفي التصنيف المرحلي لتاريخ تعز استخدم المؤلف التصنيف المتبع في علم الآثار والتاريخ العالمي للمسار التاريخي لفترة ما قبل التاريخ والفترة التاريخية المبكرة والفترة التاريخية الإسلامية، الذي ينقسم إلى مراحل أساسية يوجد حولها اتفاق عام يجعل تصنيفها ملائماً للتصنيف العلمي، خصوصاً وأن لكل منطقة من مناطق الشرق الأدنى أطر زمنية لهذه المراحل تلتقي أحياناً، وتتفاوت بهذا الشكل أو ذاك أحياناً أخرى. وتحدث المؤلف في الفصل الثالث عن الجوامع والمساجد والحصون والقلاع التاريخية، وفي عرضه للمنشآت الدينية يتساوى فيها الجوامع والمساجد من حيث أماكنها وفنونها المعمارية والزخرفية وتاريخ بنائها، ويعرض بالاسم عدداً كبيراً منها لم تكن معروفة من قبل، وقد وفق المؤلف في توثيقها بشكل جيد كدور للعبادة ومدارس للعلوم والتربية. وفي عرضه للحصون والقلاع التاريخية عدد المؤلف حوالي 33 حصناً وقلعة تتواجد في أماكن مختلفة في نطاق تعز، تناولها بالوصف المكاني والتاريخي وقدم لها مادة مصدرية مفيدة. أما في الفصل الرابع فقد عرض المؤلف عدداً كبيراً من النقود القتبانية والإسلامية التي جاءت من مصادر ومواقع مختلفة في تعز. وقد عرضها المؤلف كنموذج وعلى المختصين العودة إليها لقراءة السطح الخارجي للمسكوكات وتحليل بنيتها إن هم أرادوا ذلك. أما في الفصل الخامس فقد قام المؤلف بتقديم بعض كتابات الرحالة الأجانب والعرب والمسلمين عن تعز، وهدف المؤلف من ذلك إلى اطلاع القارئ على ما تحتويه كتب الرحالة الأوروبيين والجغرافيين والمؤرخين العرب والمسلمين من أوصاف ومعلومات تتعلق بتاريخ وجغرافية مدينة تعز، وعن أوضاعها الاقتصادية والأثنوغرافية والانثروبولوجية ثقافية لم يطلع عليها أو يعلم بها الكثير من الناس. وقد حرص المؤلف على عرضها كما وردت في المصدر وضمن تعاقبها الزمني بدءاً بكتاب الطواف حول البحر الأحمر وانتهاء بكتابات الرحالة في العصر الحديث والمعاصر. وقصد المؤلف أيضاً أن يعرف طالب العلم بالمعلومات التي وردت في كتابات الرحالة وعلى الطرق التي استخدمها الكتاب، واستخراج أقصى ما يمكن من معلومات منها. والخلاصة: تمكن المؤلف من ربط موضوعات فصول الكتاب عرضاً وتحليلاً ينتظم في نسق زمني متتابع استوفى فيها المصادر، وأشار إلى ما يعتورها من قصور، وحاول بطريقة غير مباشرة أن يبين أن نطاق تعز استوطن منذ عصور ما قبل التاريخ (منذ حوالي أكثر من مليون سنة مضت)، وكان أيضاً موجوداً في العصور التاريخية القديمة والإسلامية في إطار الدولة، وإن كان يظهر أحياناً ككيانات متباينة في المكان وربما ضمن أمكنة لا تخرج عن أمكنتها المعهودة بعد ذلك. وقد عرض المؤلف ذلك التباين بما يعود إلى الانتشار الحركي لتلك الكيانات القديمة والإسلامية، تبرز ضمن سكون الموضع – المركز ثم تنطلق إلى الأماكن الأخرى في ترابط اجتماعي – اقتصادي وربما انسابي جرى في فترات زمنية مختلفة، مما جعل المؤلف يرجح في عرضه الحراك على السكون زمانياً ومكانياً. وفي عرضه لأدوار مدينة تعز في الأحداث السياسية والاقتصادية والثقافية والتعليمية حاول المؤلف جاهداً تفحص العلاقة بين التغيرات التي طرأت على المدينة والهويات السياسية المتحولة، وكيف أن هذه التغيرات ساعدت على تحديث مجتمعات المدينة والنطاق. والمؤلف في عرضه هذا قدم مجتمع تعز مجتمعاً منفتحاً فكرياً مؤثراً على التاريخ السياسي والاقتصادي والثقافي لليمن بانخراط أعضائه في السياسة والتجارة والتعليم والصناعة... إلخ. كما أحسن المؤلف اختيار موضوعات كتابه، وكان دقيقاً في تحديد أطرها العام زمناً ومكاناً، حيث سهل له تحديد مصادر ومراجع معلوماته الأساسية والثانوية، كما أنه كان موفقاً في اختيار طريقة كتابة موضوعات فصول الكتاب. وكانت حصيلة ما جمعه من مادة علمية وخبرية والطريقة الوصفية – السردية، والطريقة التحليلية – النقدية التي عرض فيها المادة التي قام بجمعها، وكذلك ما قام برسمه من الجداول الإيضاحية التي أسهمت في تحقيق أهداف الكتاب، فشكلت بذلك طرفاً من تاريخ تعز. *قسم الآثار – جامعة صنعاء