يختلف الباحثون والكتاب في طرائق كتابة التاريخ والتوثيق للأحداث منهجا وموضوعا حيث ان المعادل الموضوعي للمادة المبتغاة توثيقا تعتمد أصلا على المصادر .. وكما يجمع المهتمون بالتاريخ الحضرمي بأن ندرة المصادر هي أحد عوامل الإعاقة في جمع تاريخ هذه الجغرافيا التليدة زمانا ومكانا وحضارة فإن ماهو معلوم بالضرورة أن المتاح منه ربما يشكل على ندرته مادة لإعادة قراءة التاريخ الحضرمي قراءة واعية وبمنهجية علمية تستند على مصادر آثارية جد مهمة هي مايمكن أن تكون محل ثقة كما هي محل دراسة كمادة خصبة في فهم مجريات أحداث هذه الدولة التي لازالت منذ آلاف السنين تحمل إسمها وبعض ما إدخرته من سني حضارتها في مكنونات الأرض والبشر وإن تعاقبت الاجيال وتداخلت عليها…!! في جديد تاريخ حضرموت كتابة يذهب بنا الأستاذ/ محمد عوض محروس مذهبا مغايرا في الكتابة التاريخية من خلال كتابه القيم الموسوم (حضرموت والجوار القبلي …التحالف والمواجهة ) وهو بمادته التي يبحث فيها وموضوعه الذي طرقه يسلك بنا (طريقا يبسا لاترى في عوجا ولا أمتا ) ..!! ففي الكتاب يتحدث المؤلف عن حضرموت ضمن دوائر جد مهمة في الآثار والإخباريات والنقوش ورحلات المستشرقين كما هي في تراثنا الشعبي في الامثال والحكم والأشعار..بكثير من جوانب الرصد للحياة والأحداث والعلامات بإنتصاراتها وإنكساراتها..ويقف بنا عند حدود هامة ومفصلية منها : 1- الجوانب الحياتيه لهذه الدولة ومرتكزاتها الحياة بها وإعتماد بناء حضارتها على الزراعة.. 2- العصب الإقتصادي المهم لها في مكونها التجاري المتمثل في تجارة اللبان والمر وغيرها من منتجاتها وكذا إشتغالها على تجارة الترانزيت البري والبحري . 3- الصراع الدائر بين دول الجوار وكيفية إدارته ومفضياته وبناء العلاقات على أساس العامل الاقتصادي . 4- حركة القبائل وإنشارها ورسم معالم الخارطة الديموقرافية للمنطقة برمتها من خلال هذه الحركة المتمثلة في النزوح والإستقرار والتنقل بين جغرافيتها . 1- تسليط الضوء على جوانب القوة والضعف في مفصلية دولة حضرموت تاريخيا وأهمية ذلك وإنعكاسه على واقعها اليوم في جغرافيتها وإدارة أمورها وإستقرارها منذ التكوين الأول لها وحتى ماقبل الإسلام وفي عهد الدولة الإسلامية الموحدة ومابعد تفككها وصولا بها الى عهود التمزق والضعف وحتى عصور الإنحطاط والصراعات المذهبية والعرقية القائمة على إستهداف عام لهذه الجغرافيا والتاريخ المسمى حضرموت . إن مايمكننا أن نسجله هنا في عجالة من هذه القراءة بعد أن تيسر لنا الإحاطة بهذا الكتاب قراءة كلية شاملة أن هذا الكتاب يقدم الآتي : 1- قراءة جديدة للحوادث التاريخية في تاريخ حضرموت القديم بمنهجية ربما يستمتع معها القاريء في المنهج المتبع لهذا المؤلف (بفتح اللام) من خلال إتباعه المنهج الإستقرائي الوصفي وإن بدا في بعض جوانب منه شيئا من التحليل لمادته المستقراه وطريقة العرض والإتكاء على المصدر الموثق يجعلك تقف بإطمئنان عند المعلومة فيه . 2- يذهب بنا بوجوب إعادة كتابة تاريخنا على التعويض في المصادر بالإهتمام بالجوانب الأثرية والنقوش والتراث الشعبي كجوانب مهمة في بحث ورصد الاحداث وجعلها من أهم المراجع في الكتابة التاريخية بل ويتجاوز ذلك الى إطلاق صرخة نحو الإهتمام بالتنقيب عنها على إعتبار أنها أرضا بكرا لم تستطع يد المنقبين الوصول الى الكثير منها بعد.. 3- يكشف الكتاب النقاب عن مواضيع وأحداث جد مهمة وخطيرة في تناسق الأحداث وصراعاتها على حضرموت وإمتدادها تاريخيا الى يومنا هذا بل ويتجاوز ذلك ليعطي للقاريء رسالة في كيفية فهم ملابسات هذه الاحداث وازمنتها وإرتباطها بما يحدث اليوم على واقع وجودها المكاني والبشري .. كل ذلك يفضي بنا في الإستراسال القرائي الى وجود نقاط قد نتفق أو نختلف مع الكاتب في إيرادها تظل محل بحث للإثبات أو النفي لها كما أن هناك مواضيع لبس تجد طريقها الى إحداث إشكالات مفاهيمية جد خطيرة خاصة في وقتنا الحاضر ونحن في مرحلة من أخطر مراحل الصراع لإثبات الهوية الحضرمية من حيث الإنتساب الجهوي ل( اليمننة) التي ذكرها الكاتب في غير موضع من مؤلفه ولربما يأخذ بها البعض كدليل وذريعة تاريخية لا أصل لها إلا من حيث الوجهة الجغرافية التي قصدها الكاتب / المؤلف ليس إلا .. سيظل هذا العمل التاريخي ( الكتاب ) وإن شابه بعض الأخطاء في طباعته وطياته وهذا لايعيبه البتة في كونه يضيف رصيدا إضافيا للمكتبة التاريخية لحضرموت طريقة ومادة .. كما ستظل حضرموت محل إستأثاروإثارة في موضوعاتها التاريخية ويسحب ذلك على عنوان الكتاب الذي يثير السؤال في تشكيل لفظة ( القبلي ) التي ربما تثير لبسا عند القاريء لمعاني ودلالات المفتاح الأول للكتاب .. ونظل نحن بهذا العمل الجميل والبحث الشيق نفتح كوة جديدة في فهم علاقتنابالآخر منطلقين من فهم تاريخنا القديم وحضارتنا التي مازالت تترنح تحت ضربات سيوف الخصوم شئنا أم أبينا وستلاحقنا لعنة القدماء من الأجداد ويتناقلها الأحفاد دون بصيرة بهذا الوعي الجديد الذي يتشكل ويتخلق في رحم غير طبيعي يملأه التوتر والصراع لكن حسبه الكاتب / المؤلف لهذا الكتاب حين ينطلق في آخر مواضيع هذا الكتاب وبالذات في فصله الثالث ( حضرموت مابعد القرن الرابع الميلادي ) ليفصح لنا عن مكنون رسالته المبتغاة من هذا الكتاب وهي أن يخرج حضرموت من ذمة التاريخ بكل منعرجاته الى مهب ريح قادمة ربما تعصف بها كما عصفت بالأجداد اذا لم نفقه الأمور ونضعها في نصابها وميزانها الحقيقي وأن نفك أسر تفكيرنا من قيوده العتيقة التي تلاحقنا بلعنات التشرذم وويلات التمزق على وقع خلافاتنا وتجاذباتنا وإنكفاء بعضنا على نفسه وعوننا للآخر سبيلا للتمكين منا … هنا فقط ندرك فداحة الأمر وعظم الرسالة الملقاة علينا من خلال قراءة واعية لتاريخنا وإستيعاب حقيقي لمجريات الأمور المحيطة بنا و حينها ربما نعيد ترتيب واقعنا وتحالفاتنا ومواجهاتنا مع الجوار عموما ولنا في ماضينا التليد عبرة ..!!!