دائماً ما يشكل الفن حالة إنسانية استثنائية، تجعل من أحاسيس صاحبها المرهفة أكثر تعمقاً في ما يحتاجه الواقع، بحيث يشكل الفن فرصة لاستعادة الأنفاس، وللسمو بالروح الإنسانية إلى مدارج أكثر رقياً وجمالاً مما سواها! والحديث عن الفن في بلادنا يجلب التعب والضنك والضيق والشعور بالإحباط، فكم تبلغ روح الفنان (الحلقوم) في حال عزمه تسجيل عملٍ ما، فتبدأ رحلة المعاناة والتعب منذ الفكرة، ولا تصل هذه الفكرة إلى طور التبلور والاكتمال إلا بعد أن يمر الفنان بمسلسل (مكسيكي) طويل لا تنتهي حلقاته من التعب المتواصل الذي لا يخالطه راحة تمنح النفس فرصة أكبر للإبداع! ولكن رغم كل هذا، يتميز الفن اليمني دائماً، ويزاحم على المقدمة في كل المناسبات، حيث تظهر النكهة الخاصة للفن اليمني وللإبداع الممزوج بالتعب والممهور بالمعاناة، ولا شك أن هذا الإبداع يبعث على التساؤل من قبل الآخرين الذين تتوفر لهم الإمكانات المهولة مقارنة بما هو ممنوح للفنان اليمني عن سر تميز الفن اليمني، فيأتي الجواب بكلمة واحدة، إنها (الفطرة)، حيث لا يكتسب الفنان اليمني موهبته ولا ينميها كثيراً، وإنما هي في الأصل (فطرة) أُوجدت معه، فزرع الخالق في قلبه الإبداع رغم المعوقات المتواصلة! وفي عصرٍ اشتدت فيه روح التنافس بين الجميع، أصبح الاهتمام بالفن ضرورة ينبغي على الجميع الالتفات إليها، فكم لعب الفن أدواراً كبيرة في مختلف تحولات حياتنا، كم من أغنية أبكتنا، وكم من نشيد غيَّر فينا سلوكيات كان من الصعب تغييرها، وكم من عمل فني بعث فينا الحماس والشعور بالانتماء اللامحدود لهذا الوطن المملوء بالمعاناة، والمشحون بالتعب؛ لذا فهي دعوة للجميع للاهتمام بالفن وأهله، طالما وهم من يعطوننا دفعات من الإحساس الجميل المفعم بكل إبداع على شكل أناشيد وأغان تحفز في النفس الشيء الكثير، وتجعلنا أكثر رغبة في العيش على ظهر هذه الحياة بتذوقٍ ممتع لكل ما فيها من كوامن الإبداع اللامتناهي.