سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
كابوس في وادي الأحلام..!! يعاني منه حي بكامله في إحدى حارات منطقة السنينة التابعة لمديرية معين بالعاصمة صنعاء.. أوكلت مهمة مواجهته إلى أطفال هزال وضعاف البنية, الطفلة رحاب سبع سنوات أنموذجاًً..
كانت ملامح الهم والحزن واضحة على قسمات وجه الطفلة رحاب عبده علي البرعي، ذات السبعة أعوام -وهي ترمق - بنظرات قلقة خزان مياه حديدي فارغ، يقع على مسافة نصف كيلو متر تقريباًً من منزل أسرتها في إحدى حارات منطقة السنينة التابعة لمديرية معين بالعاصمة صنعاء.. مفارقات مضحكة ومحزنة قصة هذه الطفلة تعكس كابوساً يجثم على حي بكامله من أحياء أمانة العاصمة، كان من المفارقات المضحكة المحزنة أن اسمه (وادي الأحلام) ربما لأن أحلاماً كثيرة تراود أهله وسكانه.. ذهبنا إلى هذا الحي فوجدنا قصة إنسانية، تحمل في تفاصيلها أبعاد قضايا عامة مؤثرة على وضع الأطفال والطفولة.. وهناك وجدنا الطفلة رحاب التي لم يكن سبب هَمها أن مهمة تعبئة الجالونات بالماء ونقلها مسافة (500)متر إلى منزلها, تُعد مهمة شاقة ومضنية تفوق قدراتها وطاقاتها الصغيرة والضعيفة .. بل إن الأمر الذي كان يقلقها ويُشغل بالها كما أفادت، هو أنها لا تدري متى ستتمكن من تعبئة جالوناتها قائلة:- “مش مهم حمل الدبات, المهم يجيء الوايت اليوم ونملأ الدبات”. كابوس يواجهه الأطفال شبح أزمة المياه الذي يهدد مدن يمنية عدة، وفي مقدمتها العاصمة صنعاء يظهر بجلاء ووضوح في هذا الحي بمنطقة السنينة في مديرية معين وهو لا يبعد عن مقر المجلس المحلي للمديرية سوى بضع مئات من الأمتار يمكن قطعها سيراً على الأقدام في عشر دقائق فقط.. أزمة المياه وشحتها تجثم علي سكان هذا الحي ككابوس أوكلت مهمة مواجهته إلى أطفال هزال وضعاف البنية، هم وحدهم من يتحملون مسؤولية جلب جالونات الماء إلى منازلهم بعد تعبئتها من المصادر الشحيحة.. إذ إن البناء العشوائي والمتزاحم لم يترك طريقاً لعبور السيارات أو الوصول بها إلى قرب المنازل، ولذا فإن أغلب البيوت والمنازل لا تستطيع جلب الماء إليها عبر سيارات النقل (الوايتات) كما يفعل المواطنون في بقية الحارات، التي لا تعاني من البناء العشوائي.. وبالقرب من هذا الحي شارع هو الوحيد ينتصب فيه خزانان خيريان عامان وفرتهما جمعية خيرية، ويتكفل أحد فاعلي الخير بتعبئتهما يومياً وذلك بتمويل ودفع قيمة شحنة وايتات الماء إليهما.. ومن هذين الخزانين يجلب الأطفال الماء إذا تمكنوا من تعبئة جالوناتهم قبل نفاد الخزان, فالبعض لا يواتيهم الحظ في تعبئة أوانيهم، إذ ينفد ماء الخزانين خلال ساعتين من عملية تعبئتهما والتي لا تتم سوى مرة واحدة في اليوم أو مرتين بالأكثر وأحياناً قد لا يتم تعبئتهما بالمرة في أيام قليلة كما يقول الأهالي. الموعد المجهول ليس هناك وقت معين يأتي فيه الوايت, ولا مرات محددة لمجيئه في اليوم .. حسب ما أفادنا به الأخ عصام المقطري، وكذا المتواجدون بجانب هذا الخزان الخيري والذين قابلناهم هناك في تمام العاشرة والنصف صباحاً وأغلبهم نساء وأطفال كانوا لا يزالون مترقبين مجيء الوايت منذ ساعات الصباح الباكرة.. إذ يقول المقطري:-” قد يجيء الوايت قبل الظهر أو بعده لا نعلم فليس له مواعيد.. أيام يأتي في اليوم مرتين وأيام مرة واحدة لكنه يأتي معظم الأيام”. زحمة يا دنيا زحمة الجهد الكبير الذي يبذله أطفال المنطقة في جلب الماء لأسرهم هو جهد ٌيفوق طاقتهم، فعادة ما تجلب الطفلة رحاب (45)جالونات في اليوم كما أفادت, ودائماً ما تحمل الجالون الواحد سعة ال (5)لترات مسافة 300 متر, بينما يمشي أخوها الصغير أيمن ذو الخمسة أعوام هذه المسافة - التي تبعد منزلهم عن الخزان - جالباً قنينة ماء سعة لترين.. ويقع عبء جلب الماء للمنازل في هذه الحارة على الأطفال الأقل سناً فرحاب واحدة من بين 9 أطفال في أسرتها الكبيرة المكونة من 17 شخصاً يستهلكون في اليوم 160 لتراً فقط هي كمية المياه التي يتمكنون من الحصول عليها، ويخدم الصهريجان عشرات الأسر في الحي المزدحم، والذي كان يقطنه عام 2004 حسب نتائج التعداد السكاني 1269 نسمة، ربما تضاعف الرقم الآن في وادي الأحلام دون شبكة مياه أو شبكة صرف صحي. بعض الأسر في الحي تستطيع شراء المياه من الوايتات بقيمة تتراوح بين 2000 و3000 ريال (10 إلى 15 دولار) للوايت مرتين في الشهر تقريباً حسب بعض الأهالي.. لكن أسرة رحاب تعتمد عليها، وهي هناك ليست وحدها، عشرات الأطفال والنساء ينتظرون برفقة أوعية بلاستيكية تتراوح سعتها بين 5 و50 لتراً، وعليهم القتال من أجل الحصول على الكمية المطلوبة قدر الإمكان قبل أن يفرغ الصهريج مجدداً.. في منزل رحاب 17 نسمة تتوزع في 6 غرف ضيقة ومظلمة وتكاد تنعدم التهوية فيها، وبعضهم يعيش في نهاية سلم المنزل، وتضم الأسرة الجد والجدة، واثنين من الأبناء مع زوجاتهم وأبنائهم، وأختاً مطلقة مع أبنائها، ويوسف (15 عاما) أخٌ آخر كان جالساً في أعلى سلم المنزل مكان إقامته الدائم، وهو لا يشارك البقية مهمة جلب الماء لأنه كبير حيث قال لنا: “أنا لا أنقل الماء، قدنا كبير”.. تنقل رحاب وأخوها الصغير وأمها قرابة 160 لتراً يومياً هو كل ما تحصل عليه الأسرة، إنها كمية لا تقارن بتقديرات بنصيب الفرد من المياه في أي مكان في العالم.. أم رحاب شرحت بأنه لا يسمح لأي منهم الاستحمام سوى مرة واحدة في الأسبوع، وربما أقل من ذلك، ويعد غسل اليدين أحياناً من مظاهر المبالغة في النظافة. المصيبة أعظم المسؤولون المحليون يدركون أهمية المشكلة وأبعادها ويعترفون بأنها مأساوية، بل ويشتكون من حجمها عند مناقشتهم في الأمر, فالأخ يحيى الشاحذي أمين عام المجلس المحلي بمديرية معين التي تقع في إطارها المنطقة السابق ذكرها، يفيد بأن أهم مشكلة تواجههم هي مشكلة المياه والصرف الصحي .. مبدياً أسفه من أن القانون يعطيهم كمسؤولين محليين صلاحيات إشرافية على إدارة مرافق الخدمات المتوفرة فقط.. مضيفاً بأنه ليس لدى المجلس المحلي أي خطط لحل مشكلة المياه التي تعاني منها أغلب مناطق المديرية.. مشيراً إلى أن وادي الأحلام يأتي ضمن خمس مناطق، تعد هي الأكثر معاناةً في هذا الجانب، وتتهدها مخاطر صحية كبيرة وصفها بالكارثية, ليس لأن مصادر وإمدادات المياه فيها منعدمة تماماً فحسب؛ بل وأيضاً لافتقارها لخدمات الصرف الصحي وقيام الأهالي بتصريف مجاريهم بطرق تدمر بيئتهم وتهدد صحة وسلامة أطفالهم كما قال. قلق عالمي إذا كانت منظمة الصحة العالمية واليونيسف تشعران بالقلق إزاء مستقبل الأطفال في بيئة، يقل نصيب الفرد فيها من المياه عن 600 لتر مكعب سنوياً، كون هذه الكمية تشكل أقل من 10 في المائة من نصيب الفرد عالمياً. فما هو المصير الذي ينتظر أطفال اليمن حيث يقل نصيب الفرد من المياه عن 150 لتراً مكعباً في السنة حسب تقديرات وزارة المياه والبيئة اليمنية، بالنسبة لي كان السؤال الأهم. ما الذي ينتظر رحاب التي لا تحصل مع أفراد أسرتها على أكثر من 160 لتراً في اليوم. وهو ما يجعل نصيبها السنوي من المياه أقل من 3.5 لتر مكعب في السنة. بحسبة بسيطة إذا كان أي طفل في العالم يحصل على 100 كوب من الماء فإنه في المقابل نصيب رحاب أقل من نصف كوب واحد، وغالباً غير نظيف.