سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
الطب الشرعي.. الضرورة المهملة!! من غير المعقول أن يخلو البلد برمته من جهاز واحد لفحص كيميائي شرعي وحامض ال(D.N.A)ومن العيب أن لا يمتلك الوطن سوى "10" أطباء شرعيين.. استقال نصفهم قبل أيام..
من لا يعرف الحال المزري للطب الشرعي في بلادنا، فلن يكترث لفاجعة قبول الاستقالة الجماعية لنصف الأطباء المتخصصين فمن لا يعرف حجم الكارثة فسيقول لا مشكلة في ذلك فلعل المئات منهم تكتظ بهم مرافقنا القضائية والصحية والمتخرجون من جامعاتنا سيحلون بدلاً عنهم كون التخصص ليس نادراً “البتة”! وبلادنا اشتهرت بإعارة مجاميع منهم إلى دول عربية وأجنبية!.. عن الحال الفعلي للطب الشرعي في البلد خاصة بعد استقالة نصف أطبائه العشرة جاء هذا التحقيق.. فرضية الواهم من يشك بأن بلادنا تفتقد لأي جهاز فحص عينات ال(D.N.A)الكاشف لعينات الطب الشرعي، و”المتحيز” و”المغرض” هو ذلك المؤيد لمشروعية مطالب الأطباء المستقيلين وفي مقدمتها التأهيل وراتب لا يتناسب مع مهنتهم وجهدهم المضاعف في التنقل إلى “22” محافظة في البلد.. والمحزن من يترقب القادم الأسوأ لحال الطب الشرعي في البلد الذي لم يكن ينقصه إلا قبول الاستقالات تلك لتضيق الدائرة أكثر فأكثر على إجراءات وإمكانات البحث عن الحقيقة في أشكال ومسببات الجريمة في بلادنا وبالتالي فقدان بلوغ العدالة. كانوا “3” وصاروا “3” في العام 2007م كُلف “3”من الزملاء المحررين في ثلاث محافظات لتحرير وإرسال ملف صحفي حول وضع الطب الشرعي في البلد، وكان أهم وأفظع نتائج ذلك الملف الصحفي أن “3” أطباء فقط هم إجمالي الطاقم الطبي المتخصص في الطب الشرعي والمعني بالانتقال من مقر عملهم في إدارة الطب الشرعي في مكتب النائب العام بصنعاء، إلى جميع محافظات الجمهورية. وبرغم ما صرح به الأطباء يومها عن مشقتهم في الترحال وعوزهم إلى غرف تشريح مثالية وأجهزة مخبرية حديثة، وحاجتهم إلى المزيد من الأطباء المتخصصين لتحصل كل محافظة على طبيب واحد على الأقل، برغم كل ذلك، إلا أنني رسمت صورة افتراضية بالغة الرفاهية لحال أولئك الأطباء الثلاثة مصدرها الاعتماد “السخي” من جهة عملهم لبدلات السفر و..و.. إضافة إلى ما يجود به ذوو الجثث المحولة للتشريح المنتظرة قدومهم بفارغ الصبر والمستعدون لاستضافتهم بأرقى الفنادق واليوم وبعد مرور ستة أعوام على نشر ذلك الملف الصحفي أُجبر محرر صفحة “إلى من يهمه الأمر” على إعادة الكرة في نشر هذا التحقيق الذي يكشف في نهايته أن الوضع لم يتغير كثيراً برغم زيادة عدد السكان وتنامي جرائم القتل ودوافع التشريح، فالأطباء كانوا “3” وصاروا “10” لكنهم عادوا إلى “3” منذ عشرة أيام فقط أحدهم متعاقد بعد قبول استقالة جماعية لعدد “4” أطباء ليتناقص عددهم من “10” إلى “6”! لكن النصف من هؤلاء أطباء متعاقدون حسب ما أفاد أحد المستقيلين وهو د. مروان الصبري وأضاف بأن “2” من الأطباء المتعاقدون موزعون في تعز والآخر في عدن فالأول تقاعد ثم حصل على فرصة للتعاقد مجدداً ولكن في نيابة استئناف تعز وهو الدكتور عبده ملهي أما الثاني فهو الدكتور يزيد عطروش وهو يعمل أيضاً لدى إدارة الطب الشرعي براتب “تعاقدي” لتغطية حالات محافظة عدن وباقي المحافظات الجنوبية، ولكونه كذلك تماماً كالدكتور ملهي، فرواتبهم “بالتعاقد” أعلى من البقية كما لا يعجزون عن تحسين دخلهم المادي من أي مصدر آخر وبطلب بدلات وحوافز إضافية يُحرم منها باقي الأطباء ال”رسميون” الذين وصفهم الدكتور المستقيل مروان الصبري وهو أحدهم بالمرتبطين بالنيابة العامة لا يستطيعون تحسين وضعهم المادي في التعاقد لدى أي مرفق صحي عام أو خاص للعمل في الجراحة العامة، لا سيما وبعضهم أصلاً متخصص في الطب العام والجراحة وصار طبيباً شرعياً من خلال التأهيل في دورات علمية كما هو شأن الدكتور مروان. أما ثالث الأطباء المتعاقدين فهي طبيبة متعاقدة من متخرجات جامعة صنعاء طب عام وجراحة ولأنها ما تزال كذلك، فمن السهل عليها الاستغناء عن العمل التعاقدي خاصة في حال عجزها عن السفر بين المحافظات للكشف الطبي الشرعي أسوة بالأطباء الأقدر جسمانياً على ذلك! وبهذا يصبح إجمالي الأطباء المتعاقدين في الإدارة “4” ثلاثة منهم ذكرناهم سالفاً ومستمرون في العمل أما الرابع “ هاني الدبعي” فقد قيل بأنه ضاق ذرعاً من العمل وفي طريقه لتمزيق العقد! استثناء المتعاقدين أما المستقيلون الأربعة فهم كل من الأطباء “عبدالرب العريقي، عبد الكريم الهلمي، فتحي النبهاني، مروان الصبري” وجميعهم موظفون رسميون وباستقالتهم تلك التي قبلت قبل أيام، لم يبق من الأطباء “ الرسميين” في إدارة الطب الشرعي سوى “2” فقط وهم: الدكتور مختار الحراني مدير الإدارة والدكتورة دلال الدريبي، فهل يا ترى سيتخلى مدير الإدارة عن جزء من عمله الإداري ليغطي مع الدكتورة دلال الدريبي جميع محافظات الجمهورية باستثناء تعزوعدن بعد طامة قبول الاستقالة الجماعية أم أن الطوابير على الأبواب ينتظرون التوظيف ثم يتم تأهيلهم لسنوات قادمة على أيدي سالفيهم.. ألم يكن تفهم مطالب من استقالوا أهون من ذلك، أم أن مطالبهم خرافية!؟ لنرى مبررات المستقيلين.. مبررات الاستقالة يتحدث الدكتور مروان الصبري أحد المستقيلين الأربعة قائلاً: مضت علينا سنوات نحن نعاني ونصبر أنفسنا باحتمال اقتراب الفرج وتسوية وضعنا الوظيفي لكن للأسف الشديد لم نحظ بذلك فلا النيابة أشبعتنا ولبت حاجاتنا في توفير أبسط مقومات العيش الكريم ولا نحن تمكنا من العمل في مشاف عامة أو خاصة بالتعاقد أو فتحنا عيادات أسوة بزملائنا المتخرجين من أقسام الطب العام والجراحة و..و.. فقد تورطنا حقيقة فلم يعد ينظر إلينا إلا كأطباء شرعيين لا يصلحون إلا في العمل في الطب الجنائي ولأن هذا الأخير مرتبط بمكتب النائب العام فلن يستفيد أحد من خدماتنا ومهاراتنا من خارج تضاق إدارة الطب الشرعي، رغم أن معظمنا متخرج من جامعة صنعاء من أقسام الطب العام والجراحة وقد درسنا الطب الشرعي ضمن المواد المقررة. وبعد أن تخرجنا طمحنا في الالتحاق في إدارة الطب الشرعي في النيابة ومنذ الالتحاق بالوظيفة تم تأهيلنا من خلال دورات تدريبية مكثفة على أيدي استشاريين وأطباء مهرة من الداخل والخارج في التخصص أما المتخصصون الدارسون للطب الشرعي المتواجدون في البلد فعددهم “5” فقط ثلاثة يدرسون في جامعات ذماروصنعاءوعدن واثنان آخران كانا زملاءنا في الإدارة لكنهم تقاعدوا ثم عادوا متعاقدون كون التخصص نادر والإقبال على العمل في مجال الطب الشرعي غير مجد لكننا لم نكن ندرك ذلك واليوم حصلنا على حريتنا ولسنا نادمين على قبول استقالتنا. وماذا ستفعلون وأين ستعملون طالما وتخصصكم لا يتوفر إلا في النيابة؟ أنا شخصياً عازم على إكمال دراستي العليا وتعويض ما فاتني من سنوات الضياع في إدارة الطب الشرعي ولا أدري ما سيقرره باقي الزملاء مازحاً، لكنني أؤكد أن أيا منا أهون عليه أن يفتح عيادة ختانة وضرب إبر في حارة ما أفضل من دفن مستقبله في الطب الشرعي في بلادنا! ما حال التخصص في البلدان المجاورة؟ في مصر.. على سبيل المثال لديهم مصلحة أو هيئة للطب الشرعي مستقلة مالياً وإدارياً عن المرافق الصحية والقضائية وحالهم أفضل بكثير من حالنا فما بالك بدول الخليج! أما نحن فنحصل على أدنى ما يحصل عليه أصغر الكتبة في النيابات والمحاكم وأحقر ما يعول به الممرضون لأسرهم! المطالب الحقوقية سألنا الدكتور مروان بعد كل ما مضى من إحباط عن مطالبهم السالفة لاستقالاتهم فأجاب: جملتنا متعاقدون ورسميون ”10” لم نطالب ببدلات السكن ولا المظهر ولا المواصلات ولم نطالب بصرف سيارات للتنقل!....فقط طالبنا باعتماد راتب شهري مع إجمالي بدلات مخاطر العدوى والإضافي والمكافأة الشهرية والمناوبة و..و.. بما يتراوح بين (160 180) ألف ريال شهرياً والجميع يعرف أن هذا المبلغ هو أدنى ما يمكن الاعتياش عليه شهرياً بما يخفض كرامتنا ويجنبنا قبول ما قد يجود به القلة من ذوي الموتى الذين نقوم بتشريحهم لكن مطالبنا هذه قوبلت بالرفض و بزيادة الجزاءات الإدارية والمالية ومن رواتبنا المتراوحة بين (80.000 87.000) فقط! حتى ضقنا ذرعاً وأجبرنا على تقديم استقالاتنا. يضيف الدكتور مروان: لكن أولى مطالبنا لم تكن المطالب المادية تلك بل طالبنا مراراً وتكراراً بالتأهيل المواكب لمستجدات العصر والمعزز بالأجهزة المخبرية الحديثة ولولا أن منظمة هود غطت قدراً من ذلك التأهيل بالتواصل والتحويل من الاتحاد الأوروبي لصار حال الطب الشرعي في البلد أسوأ مما هو عليه الآن. لا تأمين صحيا ولا سفر منصفا يضيف الدكتور مروان: نتجشم عناء السفر من صنعاء إلى باقي محافظات البلد دون حصولنا على تأمين صحي في حال تعرضنا لحوادث وتعرضنا لعديد تهديدات من لم يقتنعوا بنتائج التشريح لجثث قتلاهم فضلاً عن حرماننا من بدلات مخاطر العدوى ولا استطيع وصف أعبائنا النفسية والجسمية من تشريح كثير من الجثث المشوهة والمعفنة ولكم تعرضنا لمخاطر وعناء تشريح مئات الجثث أثناء المواجهات والمسيرات والاعتصامات في العامين الماضيين من جمعة الكرامة وحي الثورة وكنتاكي واحتراق جثث الجنود في مواقع عدة و..و.. ويظل بدل السفر من العاصمة إلى أي محافظة بين (1018) ألف ريال شاملة النقل والسكن والمأكل والمشرب! لا أجهزة لا يقتصر عوز إدارة الطب الشرعي على الكادر فحسب لاسيما بعد الاستقالة بل تتفاقم المشكلة في شبه غياب للأجهزة التخصصية للكشف والفحص المخبري و الكيميائي ..حول ذلك يضيف الدكتور مروان الصبري: إدارتنا كانت وما زالت خالية من أي من تلك الأجهزة المتوفرة لدى هذا التخصص حتى في البلدان الأقل نمواً وكل ما يمكننا فعله هو الانتقال إلى مشرحة في مشافينا الحكومية وتحليل اتجاه دخول وخروج الأعيرة النارية على سبيل المثال وما شابه من وسائل الاعتداء لكن أيا من مشافينا لا يملك أجهزة الفحص الكيميائي لتحديد الفترة والزمن لارتكاب الجرائم ولا أجهزة لفحص العينات العضوية والكيماوية كجهاز فحص حامض ال”D.N.A” الذي دخل قبل عامين إلى مستشفى”48” التابع للحرس الجمهوري سابقاً غير أن أحداً لم يتمكن من تشغيله. ولعل ما يجدر الاختتام به هو التساؤل العريض والاستفسار المشروع: إلى متى يستمر الوضع المتردي للطب الشرعي في اليمن على ما هو عليه وهل يا ترى سينهك الدخل القومي من تخصيص حصة يسيرة للنهوض بالطب الشرعي في البلد” كادراً وتأهيلاً وتجهيزاً” يُعول عليها في قادم الأيام مؤازرة القضاء في الكشف عن أشكال وأنماط وأزمان الجريمة ووسائلها ولعل ذلك لن يتسنى بعيداً عن تنمية الكادر الطبي كما وكيفاً فقد يتفانى المرء في عمله بكل ما أوتي من قوة وبأيسر الإمكانات فقط إذا أشعرناه بأهميته ومنحناه مقومات العدالة والعيش الكريم لا أن نأخذه لحماً ونرميه عظماً!