الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين. لا تقف أثر القرآن إلا إذا عشت معانيه وكنت من رواده: أيها الأخوة الكرام, ما الفرق بين فهم الآية وتدبرها؟. قد يظن ظان أن فهم الآية يساوي تدبرها، مع أن الفرق كبير بينهما, فهم الآية أن تقول مثلاً: ?وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً? [سورة الأحزاب الآية: 71] أي معنى هذه الآية: أن الذي يطيع الله ورسوله حقق نجاحاً كبيراً في الدنيا والآخرة، هذا فهم الآية، أما تدبر الآية: أين أنت من هذه الآية؟ هل أنت مطيع لله عز وجل؟ وإذا كنت كذلك هل شعرت بالفوز؟ هل تعيش هذه الآية؟. التدبر أن تسأل نفسك دائماً: أين أنا من هذه الآية؟. لذلك: الله عز وجل يصف هذا القرآن الكريم بأن فيه ذكرنا: ?فِيهِ ذِكْرُكُمْ? [سورة الأنبياء الآية: 10] أي فيه نماذج بشرية. مثلاً: ?كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ? [سورة الذاريات الآية: 17] هذا نموذج أنت من هؤلاء: ?وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ? [سورة آل عمران الآية: 135] أنت من هؤلاء؟ هناك مجموعة نماذج بشرية بالقرآن، فإذا قرأت القرآن، وأردت أن تتدبره, ينبغي أن تسأل نفسك دائماً هذا السؤال: أين أنا من هذه الآية؟ هل أنا مطبق لها؟ هل أطبق هذه الآية تطبيقاً كلياً أم جزئياً أم تطبيقاً يسيراً؟ هل تنطبق عليّ آيات النفاق؟ هل تنطبق عليّ آيات المؤمنين؟: ?الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آَيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً? [سورة الأنفال الآية: 2] هل أنا في الموضع الذي ينبغي أن أكون أم في موضع لا ينبغي أن أكون؟ فمحاسبة النفس في أثناء تلاوة القرآن هو التدبر، لذلك قال تعالى: ?أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا? [سورة محمد الآية: 24] التدبر فيه حض من الله عز وجل، ألا: تعني الحض؛ أي لم لم تتدبروا؟ ألا تتدبروا؟: ?أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا? [سورة محمد الآية: 24] مثلاً: ?إِنَّ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَانَتْ لَهُمْ جَنَّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً? [سورة الكهف الآية: 107] الآية الثانية: ?مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً? [سورة النحل الآية: 97] هل تحيا أنت -أيها المؤمن- الحياة الطيبة التي وعد الله بها؟ وعد الله حق، وزوال الكون أهون من أن لا يحقق وعوده للمؤمنين، هل تعيش هذه الحياة الطيبة، أم أن قوله تعالى: ?وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً? [سورة طه الآية: 124] أتنطبق عليك الآية الأولى أم الآية الثانية؟: ?إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ? [سورة فصلت الآية: 30] هل أنت مطمئن؟ هل تخاف من شبح المستقبل؟ من المجهول؟ هل تخاف على رزقك أم على صحتك أم على أولادك؟ هل القلق يشيع في كيانك أم أنك لا تخاف, تعتمد على حفظ الله لك، وعلى توفيق الله له، وعلى تأييد الله لك، وعلى وعد الله لك؟. أي في كل آية تتعلق بنموذج بشري، نموذج لمؤمن أو منافق أو كافر، أي ممكن إن ولدت مع المؤمنين أن تثني على هذا الدين، يا أخي ما هذا الدين؟ دين الإسلام دين عظيم، وإن وجدت مع أناس آخرين قلت: هذه كلها خرافات: ?وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ? [سورة البقرة الآية: 14] آية خطيرة جداً، الإنسان الذكي دائماً يتلون، يستطيع أن يمثل دور المؤمن، إذا كان مع المؤمنين, يا أخي انشرح صدري لهذا المجلس, جزاكم الله كل خير، تجليات، فإذا التقى مع أهل الدنيا يقول: ما شاء الله أنتم متفوقون، هذه الحياة التي تحيونها، هذا نفاق، يا ترى آيات النفاق تنطبق على هذا الإنسان؟. قال تعالى: ?يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ? [سورة آل عمران الآية: 102] أن تطيعه فلا تعصيه، وأن تذكره فلا تنساه، وأن تشكره فلا تكفره. هل تنطبق عليك هذه الآية؟: ?وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ? [سورة الحج الآية: 11] ما دامت الأمور كما تتمنى, وكما تريد, والصحة طيبة, والدخل جيد, والبيت منتظم, يقول لك: الحمد والشكر لله، أما إذا جاءت الأمور على غير ما تريد, أسأت الظن بالله: ?يَظُنُّونَ بِاللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجَاهِلِيَّةِ? [سورة آل عمران الآية: 154] هل تظن بالله ظن الجاهلية إذا جاءت الأمور على غير ما تريد؟. الموضوع طويل جداً، كلما قرأت عن صفة مؤمن أو منافق أو كافر كن جريئاً, ضع نفسك على المحك, هذه أين أنت من هؤلاء؟