يبدو أن طرح مثل هذا السؤال يعد نوعاً من الدعابة الثقيلة أو المزاح العلمي إن صح التعبير ، خاصة لمن يعلمون أن البلاستيك من المواد الصناعية التي لعب البترول فيها دوراً هاماً ورئيسياً في وجودها وتشكيلها، حيث التقدير العلمي والعملي لهذه المادة الخطرة لا يخرج عن نطاق كونها صناعية ومنتجاً بترولياً تم اكتشافها لتصبح واحدة من اكثر المواد خطورة على البيئة والإنسان. البلاستيك ومن حيث المنشأ فإنه ينتج عن طريق سلاسل من مركبات كيميائية تم اشتقاقها من البترول، هذه السلاسل اطلق عليها علمياً البوليمارات polymers ، ورغم محدودية المنشأ لهذه المادة إلا أنها استطاعت أن تغزو كل حياة الإنسان وتصبح واحدة من المواد التي لم يستطع الكثير الاستغناء عنها حتى الآن رغم إدراكهم أنها باتت واحدة من مهددات حياتهم خاصة بعد أن تم رصدها كواحدة من ابرز المواد ضرراً على الصحة العامة والبيئةعلى السواء. لكن السؤال هو: هل يتجه العلم الحديث نحو زراعتها؟ وإن كان هذا صحيحاً فكيف سيحدث ذلك؟ ولماذا بدأ العلماء بالتفكير بمثل هذا الأمر وهم يدركون خطورتها على المدى البعيد؟ الحقيقة لقد أثار انتباهي موضوع علمي كتبته بثينة أسامة بعنوان «زراعة البلاستيك»، هذا الموضوع يحكي بعض التفاصيل التي تشير إلى إمكانية زراعة البلاستيك . قد يبدو هذا خيالياً جداً، إلا أن مجال علم الهندسة الوراثية قد استبعد الكثير من الأمور الخيالية ،لتصبح في كثير من الأحيان حقائق ملموسة ، وفي هذا الشأن لا يبدو حقيقياً أن تتم زراعة البلاستيك بصورة مباشره كما لو كان نبتة طبيعية، إلا أن ذلك سيكون ناتجاً ثانوياً حسب دراسة قام بها فريق بحثي من جامعة برديو، وهذا الناتج الثانوي سيأتي – حسب الفريق البحثي –من زراعة بعض المحاصيل كالذرة وفول الصويا. عملياً فقد قام هذا الفريق باستنساخ جين من احد النباتات المعملية يطلق عليه اسم arabadopsis، حيث يقوم هذا الجين بإنتاج أنزيم مسئول عن حث النبات على حفظ وتخزين بعض المركبات النباتية، والتي يعتقد أنها ستشكل المادة الأولية لإنتاج مادة البلاستيك. حتى الآن لم تشر هذه الدراسة إلى وجود نتائج ملموسه، إلا أن ثمة حقائق علمية تخبرنا أن هذا الصنف الحي الذي هو النبات يعد منجماً كيميائياً يمكن أن يستخرج منها مركبات كيميائية لاحصر لها، هذه المركبات يستخدمها الكثير من النبات كأداة دفاعية تتقي بها الحشرات والأشعة فوق البنفسجية، لكن وعن طريق علم الجينات أمكن تحديد الجين المسئول عن إنتاج المركبات التي تعد الخطوة الأولى نحو إنتاج البلاستيك، هذه المركبات تشكل المادة الخامة التي يمكن من خلالها صناعة أنواع مختلفة من البلاستيك. والمشكلة الحقيقية هنا حسب اعتقاد الفريق البحثي هي الطريقة التي يمكن من خلالها حث النبات على إنتاج كميات وفيرة من هذه المركبات، بحيث تصبح العملية اقتصادية قابلة للتطوير أوالإحلال محل طريقة إنتاج البلاستيك صناعياً، وفي اطار آخر يحمل نفس الغرض يحاول فريق البحث حث أنواع من الميكروبات المهندسة لإنتاج المونومارات من خلال بكتيريا يطلق عليها (أي كولاي) وقد استطاعوا بالفعل إنتاج هذا النوع من البلاستيك حيث تم استخدامه كخيوط للسجاجيد ، لكن هذه الطريقة مكلفة جداً وغيرمجدية اقتصادياً رغم كونها تعد من النجاحات العلمية المهمة.. علماء البيئة والمهتمون يرون في هذه الدراسات فائدة قد تمهد الطريق نحو الاستغناء عن البلاستيك القاتل المستخدم حالياً، ويأملون أن تقود أبحاث الهندسة الوراثية نحو تحقيق هذا الهدف بما يصون هذه البيئة من خطر مُحدق اسمه البلاستيك.