“سد العامرة” اسم طالما تردد على مسامعنا حال رؤيتنا لمنظر سيول الأمطار وهي تتدفق في شوارع مدينة تعز، حيث تتولد الأسئلة عن وجهة تلك المياه، كما كثيرين غيري كنت أسمع اسم ذلك السد مع كل جواب يأتي .. فخيل لي أنني أمام منجز عظيم حق لتعز أن تتباهى وتفتخر به، بل ذهب بي خيالي أنه ربما يوازي سد مأرب العظيم.. حتى حانت لحظة الزيارة التي طال انتظارها، لأجد نفسي أمام كارثة بيئية تسمى « سد العامرة»!! لم يعد عامراً بالمياه وسد العامرة بمنطقة الهشمة مديرية التعزية قرأت وسمعت عنه الكثير، لكني لم أعرفه إلا منذ أيام عندما دعاني عدد من أبناء المنطقة لزيارته.. ومديرية التعزية والهشمة تحديداً كانت تعد من أهم المناطق التي تمون تعز بالعديد من المنتجات الزراعية، كونها تقع على العديد من الوديان، وإليها تذهب مياه السيول القادمة من جبل صبر والمدينة والمناطق الأخرى وقد وجدت أن بناء السد في الهشمة سيمثل عاملاً مساعداً لتطور العمل الزراعي وتنامي الإنتاج على مدار العام بما سيوفره السد من احتياطات كبيرة من المياه السطحية وكذا الجوفية. بحثت كثيراً عن وسيلة مواصلات تقلني إلى هناك دون جدوى، ولم أجد غير وسيلة النقل الوحيدة للدخول وهي الدراجة النارية، كانت الأرض الطينية المغمورة بالمياه تجبرني على النزول من الدراجة والسير راجلاً تكرر الموقف عدة مرات، فجأة توقف السائق وأنا أطلب منه المواصلة لكنه أخبرني بأني قد وصلت إلى السد ولكن أين هو السد.. أشار إلي بأرض لم تكن هنا من دلائل عن وجود مميزات السد..المعروفة في مصطلحات السدود، ترجلت من الدراجة ومضيت أتأمل سداً ليس عامراً بالمياه!! عند ضفته الغربية التي اعتبرها عباقرة الهندسة مقدمة السد .. ذهبت أبحث بين أحجاره المتراصة باعتباره مركز السد للمياه المتدفقة إليه من قنوات تصريف المياه “ قنوات الرأي” ولم أجد لها من أثر يذكر إلا عابر سبيل من أهل المنطقة أخبرني أنها أسفل الحائط الحجري وهو مغمور بالوحل، سوى نظرة إلى جوف السد فلم أجد سوى أشجار عادية تغطي مساحة كبيرة في وسطه وأطرافه من كل الاتجاهات لتتساوى بالأراضي الزراعية، وكلما تدفقت مياه السيول يتمدد ما يسمى بالسد فوق أراضي المواطنين ويجرف معه الطين إلى منطقة وسط السد، وفي الجهة الجنوبية الغربية منه، وضع حاجز خرساني من الإسمنت على أساس وعند فيضانه تذهب المياه باتجاه مدخل الوادي. كما شوهدت كميات من المياه تغمر مساحة كبيرة من الأرض الواقع عليها السد الذي تسكنه أيضاً آلاف الأطنان من الأتربة وأمور أخرى تفوق حدود الوصف من حيث نوعها وأشكالها. في مواقع كثيرة من جوانب السد كانت تستوقفني أنواع عديدة طافية على مياهه وفي مجملها تشير إلى مكونات “جراثيم.. ومكروبات” وأخرى في وسط السد تسكن بقع كبيرة طافية على السطح.. بينما كانت المياه المتسربة منه من الجهة المفتوحة باتجاه الوادي تشكل بين الأحجار فقاقيع رغوية بيضاء كبيرة ومن السهل أن تجد بين المياه الراكدة التي انسابت من ممر السد إلى الوادي ومستوطنات للبعوض وأشياء أخرى مجهولة. كما أن الكثير من أبناء المنطقة.. قالوا: نحن نعاني من أمراض كثيرة نتيجة لهذا السد المستنقع مع ما تتسبب فيه من آثار مدمرة على الزراعة والتربة الزراعية. هذا السد اقلق حياتنا بشير محمد عبدالله قال: كنا نعتقد أن السد سيخلق تحولاً إيجابياً كبيراً.. في حياتنا، وسيعمل على تنشيط العمل الزراعي في المنطقة، إنما الذي حدث أنه تحول إلى إنتاج الوباء وزيادة نسبة معاناتنا من الأمراض المتعددة والناتجة من انتشار البعوض وظهور أمراض جلدية إضافة إلى أن المياه القادمة إلى السد هي في مجملها ملوثة بتلك المخلفات القادمة من مدينة تعز عبر الوديان التي أصبحت حاضنة للمجاري والمخلفات الأخرى، وقد علمنا أن جهات إنسانية تصرف ناموسيات لأهالي المنطقة إلا أن شيوخ المنطقة يأخذونها!! فارس عبده قاسم من منطقة الخرابة الهشمة قال: نحن نعاني من مشكلات كثيرة نتيجة لوجود هذا السد بهذا الشكل في المنطقة حيث تنعدم كل جوانب الضوابط التي تحدد مساحته.. ومواقع التصريف والحواجز المانعة التي تحد من جرف التربة الزراعية إليه والتي تؤدي إلى ارتفاعه ومن ثم تمدد المياه فيه أيام هطول الأمطار وتدفق السيول بكميات كبيرة إليه لتغمر أراضينا الواقعة على امتداده من الجهة الخلفية، وهناك مشكلة أخرى أن هذه المياه القادمة تكون مصحوبة بمخلفات المجاري والقمامة من مدينة تعز، وهذا أحد مشاكلنا الكبيرة لما يتسبب فيه من أضرار صحية على مواطني المنطقة وعلى التربة الزراعية ومن النتائج الكارثية التي نتعرض لها أيضاً تلك التي تحدث أيام تدفق السيول من صبر وتعز وتمر في منطقة المشروع وهي بكميات كبيرة جداً فتؤدي إلى تجاوز الممر المائي وتندفع إلى داخل بيوتنا وهناك منازل كثيرة تضررت نتيجة ذلك لهذا نحن نوجه نداء لمسئولي المحافظة والحكومة أما بتحويل مجرى السيول بعيداً عن المنازل أو وضع الحلول السليمة لذلك. حمود أحمد حسن “من منطقة العدون العامرة” قال: كل احتياجاتنا من المياه على السد، ولكن أي سد هذا وقد أصبح مرعى خصباً لكل الفيروسات والجراثيم، وهذا ناتج عن تلك الكميات المتواصلة بتدفقها من مخلفات المجاري التي تأتي من مدينة تعز عبر الوديان إضافة إلى ما تحمله السيول من مخلفات سائلة.. ومواد صلبة أخرى جميعها تسكن سد العامرة، وأخرى من المواد البلاستيكية التي تتكدس فوق الأراضي الزراعية الواقعة عند ممرات السيول وكل هذا له نتائج كارثية على الإنسان.. والحيوان والتربة الزراعية.. وقد أصبحت الأمراض منتشرة منها الجلدية.. والملاريا.. والبلهارسيا.. حيث يعاني أخي من البلهارسيا.. اضطررنا إلى تسفيره للقاهرة نتيجة لغياب العامل الطبي الجيد في بلادنا.. هنا فقط يعرفون ينتجون المآسي والأمراض لكنهم يفتقدون قدرة علاجها. منظمات البيئة ودورها المفقود في أثناء نهاية زيارتي لموقع السد وتفكيري بوسيلة النقل التي ستعيدني إلى حيث أتيت.. وجدت بعض شباب المنطقة يلحون عليا بالعودة مترجلاً عبر “وادي الكر” المؤدي إلى وادي القاضي.. بمدينة تعز مبررين سبب طلبهم ذاك لمعرفة حجم الكارثة الحقيقية التي تتعرض لها منطقة الهشمة نتيجة للاندفاعات اليومية التي تستمر طوال العام من المخلفات السائلة “الصرف الصحي” من منطقة وادي القاضي مروراً بوادي الكر والأراضي الزراعية وصولاً إلى سد العامرة، إضافة إلى ما يندفع من مخلفات صلبة من وادي القاضي إلى المنطقة أثناء تدفق مياه السيول.. بالرغم من عدم معرفتي بخط السير ذاك وجدت نفسي أمتثل لطلبهم.. وإذا كان أهل الزمان القديم يهتدون بالنجمة في مسيرهم فقد تغير الحال بنا وأصبحت سائلة الصرف الصحي المتدفقة في مجرى الوادي هي من ترشدني. ومن أكثر المآسي مشاهدة رؤيتي لبيوت متناثرة على حافته.. ونساء وأطفال يجلسون بالقرب من تلك المياه الملوثة الجارية وهناك من يحمل “دباب.. ماء” لكني قد لا أجزم أنهم اغترفوها من تلك المياه الملوثة ولكن جزمي أنها من آبار تقع بنفس الوادي، ومثل هذه الآبار يأتي غذاؤها من السيول التي تتدفق بنفس اتجاه المجاري فبأي صحة سينعم هؤلاء مع مياه مجاري لا تتوقف طوال العام في مجرى تموين آبارهم بينما كانت تستوقفني للتصوير تلك المشاهد المؤلمة للأراضي الزراعية الواقعة بحافة مجرى المياه وقد تكدست عليها أطنان من المواد البلاستيكية ومخلفات لا حصر لها من المواد الصلبة التي تحملها مياه السيول من وادي القاضي والمناطق المجاورة له، إما لتسكن فوق تلك التربة أو أنها تذهب إلى سد العامرة، وهذا لا يعني غير أمر واحد.. يتمثل بقتل الأرض الزراعية هناك والإضرار بحقوق أولئك المواطنين الذين لا يملكون من مصادر دخل غير محصولهم الزراعي. تدهشني تلك الأصوات التي تتعالى في الندوات وورش العمل.. التي تقيمها جهات رسمية ومنظمات تنسب نفسها لأصدقاء البيئة وحماتها مع ما يتم رصده من مبالغ مالية لتلك الفعاليات وبين الخطابة والتطبيق بون واسع، لا يمكن لأحد أن يفسر أسبابه غير هؤلاء الذين يتحدثون عن البيئة كثيراً، لكنهم ينأون بأنفسهم من الوقوف أمام تلك الكوارث التي تسببها تلك الألوان الكثير من مصادر التلوث البيئي وبالرغم من أن الأسباب والجهات التي تتحمل مسئولية كل هذا معروفة للجميع.. مما يجعل هذه المنظمات تمتلك قدرة مواجهة الفاعل بقوة القانون الذي يرعاها وينظم شئون عملها ويعطيها سنداً شعبياً إذا ما ادركت واجباتها وأخلصت فيها، إلا أن المنظمات التي تدعى أن الاستقلالية قد وضعت نفسها في ذات التوجه التي تمارسه كثيراً من المنظمات الأهلية التي تستكفي بحصولها على شرعية ممارسة النشاط لتذهب في اتجاه الاختيار القائم على قاعدة اختصار حدود الواجب بالمجموعة أو الأفراد الذين يديرون شئونها.. وهذا لا يمنع المجتمع من استعادة حقوقه المهدورة بهذه المنظمات.. عبر التصويب لمساراتها بالعودة إلى سلطة القضاء لسحب الغطاء القانوني عن هذه المنظمات التي لا تعرف من واجباتها غير بناء الذات.!!