صمت "الرئاسي" و"الحكومة" يفاقم أزمة الكهرباء في عدن    ثمن باخرة نفط من شبوة كفيلة بانشاء محطة كهربا استراتيجية    إيران وإسرائيل.. نهاية لمرحلة الردع أم دورة جديدة من التصعيد؟    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    مصرع وإصابة عدد من عناصر المليشيات الحوثية الإرهابية غربي تعز    غارات عنيفة على مناطق قطاع غزة والاحتلال أكبر مصنع للأدوية    السيول الغزيرة تقطع الخط الدولي وتجرف سيارة في حضرموت    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    شاب يقتل شقيقه جنوبي اليمن ووالده يتنازل عن دمه فورًا    الحوثيون يغلقون مسجد في عمران بعد إتهام خطيب المسجد بالترضي على الصحابة    صاعقة رعدية تنهي حياة شاب يمني    محمد المساح..وداعا يا صاحبنا الجميل!    صورة ..الحوثيون يهدّون الناشط السعودي حصان الرئيس الراحل "صالح" في الحديدة    آية في القرآن تجلب الرزق وفضل سورة فيه تبعد الفقر    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



من النضال السلمي إلى الكفاح المسلح
بانوراما ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة

تهل علينا الذكرى الخمسون لقيام ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة، ويأتي احتفال شعبنا هذه الأيام باليوبيل الذهبي لها امتداداً لاحتفالاته باليوبيل الذهبي لثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة في العام الماضي.. وقد أقام مركز الدراسات والبحوث اليمني ندوة عن الثورة اليمنية في العام الماضي بتاريخ 10/10/2012م تأكيداً على واحدية الثورة اليمنية التي يقيم لها مجدداً ندوة أخرى ... وهذا أمر يشكر عليه مركز الدراسات والبحوث اليمني ورئيسه المناضل الوطني الغيور الأستاذ الدكتور عبدالعزيز المقالح، الذي ما فتئ منذ شبابه يسخر قلمه على مدار العام للتذكير والتوعية والتنوير بكل ما من شأنْه النهوض بالمشروع العربي جاعلاً من مواقع عمله في الجامعة ومركز الدراسات والبحوث مصدر إشعاع فكري وثقافي وعلمي هادف إلى جمع الكلمة، وتوحيد الطاقات على النطاقين الوطني والقومي في مواجهة التحديات والأخطار المحدقة بأمتنا العربية، دون أنْ يدركه كلل أو ملل.
ولاشك أنْ هذه الأعمال الفكرية والثقافية لابد أنْ تحدث أثرها في اتجاه المشروع النهضوي العربي، ففي البدء كانَ الكلمة ... وهو مايتوجب على كل النخب الفكرية والثقافية والأدبية والسياسية أنْ تنحو منحى همة هذا الرجل المناضل بصورة حثيثة، تناضل بالكلمة والموقف على مدار العام، وأنْ تحسن استثمار ثورة الاتصال، والشبكة العنكبوتية لبث الرسالة الوطنية والقومية بين الأجيال الواعدة التي تواجه أعتى حملة تضليلية ظالمة ضد قيم الأمة ونضالاتها، وتاريخها القومي المقاوم للاستعمار والاستبداد، وضد مايدعو إليه المشروع القومي من حرية ومساواة وعدل اجتماعي وهوية قومية، ووحدة عربية شاملة.
فالنضال الذي أثمر انْتصار الثورات العربية، وأنْجز الاستقلال يفترض أنْ يظل متقداً ويتجدد بحسب مقتضيات مراحل البناء والتطور، وبنفس الهمة العالية التي اتسم بها في المرحلة السلبية، إلا أن ماهو ملاحظ أنَّ مفهوم النضال في المرحلة الإيجابية لم يعد بنفس الوتيرة العالية التي كان عليها قبل انتصار الثورة وتحقيق الاستقلال، فقد وقع الكثير من الثوار والمناضلين في أخطاء الإنشغال بالسلطة التي مارسوا فيها سياسة الإقصاء لغيرهم من شركاء الكفاح، مما يسَّر على الآخر المضاد الدخول بأدواته ووسائله المختلفة للعمل على تقطيع أوصال الأمة، والمضي في تنفيذ مشروعه التفتيتي، بمداخل ومبررات بات يستجيب لها أصحاب المشاريع الصغيرة، دون وعي بأخطار مايُكاد لأوطانهم، والتي لن ينجو أحد من ويلاتها.
وإنه لتوافق له أهميته الوطنية أن يحتفل شعبنا باليوبيل الذهبي لثورة الرابع عشر من أكتوبر، ومؤتمر الحوار الوطني الشامل في ذروة انعقاده..
وكأني بالثورة المجيدة، والثوار الأوائل يطلون على مؤتمر الحوار الوطني متسائلين عن مدى حظ أهداف الثورة التي سقط على دربها العديد من الشهداء، مما هو مطروح على طاولة الحوار من القضايا.
وكأني بأولئك الثوار الأماجد يتساءلون بعد انقضاء خمسين عاماً على الثورة المجيدة وقد حلت وجوههم الدهشة، واعترتهم الحسرة معاتبين النخب الفكرية والسياسية : أفبعد ذلك النضال المرير، والتضحيات الجسيمة، لا تزالون تراوحون في دوائر مفرغة تشغلكم قضايا خلقتموها بأيديكم لم تخطر لنا على بال، ولتصدكم عن المعترك الحقيقي الذي قامت من أجله الثورة اليمنية.
غير أنَّ المؤتمرين وقد استوقفتهم هذه التساؤلات وأحسبهم أهل بقية غِيْرةٍ ونضال، لسان حالهم يقول : إننا لندرك عمق الهوة واتساعها بين الأهداف التي ناضل من أجلها الثوار، وبين ماران على قلوب المستأثرين بالحكم على مدار الخمسين سنة من عيوب الاستئثار والإقصاء والتخوين والتكفير وغيرها من الممارسات والسلوكيات التي أخرت الوطن كثيراً، ووسعت رقعة الخلافات والفقر والأمية والفساد، وصنعت الواقع الأليم الذي نحن فيه مصطلون .. وقد عقدنا العزم على بحث مختلف القضايا الوطنية لنضع لها حلولاً مرضية تحد من الصراع الدائر، وتصحح مسار الوحدة في اتجاه أهداف الثورة اليمنية، ولن نسمح لأنفسنا وقد أقسمنا اليمين في اليوم الأول من مؤتمر الحوار الوطني ونحن نصحح أخطاء الماضي وما اعترى نظام دولة الوحدة، أنْ نرتكب في حق الوطن الواحد خطايا تؤدي إلى تشطيره أو تشظيه، ومثلما قدّم شعبنا اليمني في 22 مايو 1990م. دولة الوحدة أنموذجاً قومياً واعداً، فإننا سنكرس كل جهودنا وطاقاتنا لتصحيح مسارها، وبناء الدولة اليمنية المدنية الحقوقية الحديثة، التي لا مجال فيها لإدارة فاسدة أو مشاريع صغيرة، واضعين نصب أعيننا مصلحة الوطن، وعين الشعب التي ترقب وتترقب مخرجات الحوار الوطني الشامل، وكفى بالله حسيباً.
ولمناسبة اليوبيل الذهبي لثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة تحاول الورقة أنْ تقف على مشارف أبرز مراحل النضال الوطني التي أفضت إلى انتصار الثورة، والتعبير عن شعبيتها.
وتعترف الورقة ابتداءً بأنَّ تناول حدث عظيم كالثورة ليس مما يمكن حصره في أوراق معدودات، ولذا لا تدعي قدرة الإحاطة ولا الدقة في الطرح، لكنها بكل تأكيد تسهم بشيء من المشاركة المتواضعة تعرض فيها لبانوراما الثورة من النضال السلمي إلى الكفاح المسلح الذي أفضى إلى طرد آخر جندي محتل وإعلان الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر 1967م.
أبرز مراحل النضال الوطني في جنوب الوطن:
حفل التاريخ اليمني المعاصر بسجل نضالي ضخم في مقاومة الاستعمار والاستبداد، وشكّل حلقات متصلة من الأعمال النضالية وصور الكفاح التي بلغت ذروتها بقيام الثورة اليمنية «سبتمبر وأكتوبر» وهذا أمر حادث في كل ثورة، فما من ثورة شعبية تقوم إلا وتكون مسبوقة بإرهاصات وانتفاضات تمهد لحدوثها ... ويحسب لكل مرحلة نضالية دورها واحترامها ... وليس من الإنصاف تجاهلها أو الانتقاص من دورها، مهما تباينت الرؤى والاجتهادات.
وفي هذا السياق تعرض الورقة بما يسمح به حيز الورقة لأبرز مراحل النضال الوطني بألوانه المختلفة في الجنوب اليمني إبان الاحتلال البريطاني.
بدايات النضال السلمي:
كانت البدايات المنظمة للنضال تأخذ بعداً سلمياًّ يُعنى بالحفاظ على الهوية الوطنية التي بدأت في مدينة عدن. وكان ممن أنبرى لهذه المهمة الثقافية والاجتماعية المحامي محمد علي لقمان، الذي أسس الجمعية العدنية، ورفع شعار «عدن للعدنيين».
وقد كان في عضويتها بعض من وجهاء مدينة عدن أمثال: محمد الزليخي، ومحمد عمر الصياد، والأديب محمد مهيوب سلطان، وأسرة مكاوي، والمجاهد محمد حسن خليفة، وعبدالله إبراهيم الصعيدي، ومحمد عبده غانم.
وكان هدف الجمعية يرمي إلى مناوأة من أتت بهم بريطانيا من جماعة السِّيخ والهندوس والبينيان، وغيرهم من الدخلاء الأجانب وسلمتهم الوظائف العليا لإدارة عدن، وقد رأت الجمعية في استقدامهم خطراً يهدد الهوية، ويغمط حقوق أبناء عدن الذين ينبغي أن تكون لهم أولوية العمل والتوظيف.
وقد تطورت أعمال الجمعية ومطالبها، وارتفع سقفها حين طالبت بحكم ذاتي لمدينة عدن، مما جعل الحكومة البريطانية تعين عبدالرحمن محمد جرجرة، عضو الجمعية النشط وصاحب جريدة النهضة ثم اليقظة عضواً في حكومة اتحاد الجنوب العربي، والذي قام بتشكيل الحزب الوطني الاتحادي، وضمَّ في قيادته الأخ حسين علي بيومي (أخو رئيس وزراء حكومة عدن)، وعلي عبدالله باصهي.
واستمرت الجمعية العدنية في نشاطها في نطاق مدينة كريتر وجزء من التواهي، حتى نشط الكفاح المسلح داخل عدن عام 64 65، وعندذاك أخذ نشاط الجمعية يتضاءل، وغلب عليه الطابع الخيري، إلاَّ أنَّ الأخ حسين بيومي ظل محافظاً على نشاطه الحزبي بعد قيام منظمة التحرير التي أعلنت الكفاح المسلح كما سيأتي ذكرها ... وقد كرس نشاطه لقيادة اتحاد الجنوب العربي من خلال تسلمه وزارة الطيران المدني، ووزارة الحكم المحلي، بينما تسلّم الأخ عبدالرحمن جرجرة وزارتي الإعلام والمعارف.
ومما ينسب إلى حسين بيومي أنه كان يدعو أبناء عدن للانخراط في جيش الاتحاد، محذراً إياهم إنْ تقاعسوا من مستقبل مظلم.
وعلى الرغْم من أنّ أهداف الجمعية العدنية كانت ترمي إلى الحفاظ على هوية عدن، وحمايتها من الدخلاء الأجانب إلا أنَّ شعارها المرفوع: عدن للعدنيين، أثار التباساً لدى الكثيرين، إذ رأوا فيه تقوقعاً في نطاق عدن، وذهب آخرون إلى اعتباره شعاراً يمثّل نزعة انفصالية.
رابطة الجنوب العربي:
في عام 1951م تأسست رابطة الجنوب العربي في مدينة عدن، ووجدت في بداية تكوينها استجابة كبيرة من الفئات الوطنية والقومية، وحظيت بتأييد حزب الأحرار اليمني، وأصبحت على رأس الحركة الوطنية في أوائل خمسينيات القرن الماضي، حيث استقطبت جميع الاتجاهات الوطنية المعارضة للجمعية العدنية التي رأوا فيها نزعة انفصالية حسب اعتقادهم.
لكن تأكيد الرابطة على شخصية الجنوب العربي دون الإشارة إلى وحدته مع الشمال اليمني، واستمرار نفوذ الزعماء التقليديين في قيادة الرابطة، وتشبت الرابطة بالأساليب السلمية والدستورية في ظل الاستعمار البريطاني، وعدم مواكبتها للتطورات والاتجاهات الجديدة للجيل الجديد، كان ذلك كله سبباً في خروج كثير من الفئات الوطنية التي كانت من أهم ركائزها.
من جهة أخرى تعرضت قيادات الرابطة للتفكك بعد أن نفت السلطات البريطانية رئيسها محمد علي الجفري وأمينها العام شيخان الحبشي خارج الوطن سنة 1956م. في حين ظل المكتب التنفيذي للرابطة يزاول مهامه في النضال السياسي، ويتلقى توجيهاته من قيادته في المنفى.
وقد استمرت الرابطة تمارس نشاطها السياسي حتى تحقق الاستقلال في الثلاثين من نوفمبر 1967م. وعندذاك لم يعد لها نشاط معلن في جنوب الوطن، لكنها ظلت محتفظة بكيانها واسمها خارج الجنوب ... وتولى رئاستها عبدالله علي الجفري بعد وفاة المرحوم محمد علي الجفري، ثم انتخب الأستاذ عبدالرحمن الجفري رئيساً للرابطة في مطلع ثمانينيات القرن الماضي.
وفور قيام دولة الوحدة، وإعلان التعددية السياسية، غُيِّر إسم الرابطة القديم إلى تسميتها الجديدة رابطة أبناء اليمن، واكتسبت على أساسها شرعيتها الحزبية والسياسية.
لقد خاضت الرابطة نضالاً سياسياً كان له أثره في خدمة القضية الجنوبية في فترة كان فيها النضال السلمي مطلوباً، وكان مقدمة لابد منها في التهيئة والتحضير للكفاح المسلح.
وقد برز من بين نشطاء الرابطة الأستاذ المناضل الأديب والسياسي والشاعر الوطني الجسور عبدالله هادي سبيت، الذي اتخذ من إذاعة صوت العرب في القاهرة منبراً ثورياً لأناشيده الوطنية المدوية، من مثل : ياشاكي السلاح، شوف البدر لاح، حط يدّك على المدفع، زمان الذل راح.
واحدية النضال اليمني:
احتضنت المدن الجنوبية النضال الوطني ضد الإمامة، وقامت بدعم القيادات المناضلة، واشترك عدد من أبناء الشمال والجنوب في تكوينات تنظيمية مختلفة منذ ثلاثينيات القرن الماضي حتى عقد الستينيات الذي اندلعت فيه الثورة اليمنية سبتمبر وأكتوبر.
وفي خمسينيات القرن الماضي صدع المناضلون في عدن بشعار«لا استعمار ولا إمام» معبرين به عن واحدية النضال اليمني في الجنوب وفي الشمال.
وكانت العناصر المتبقية في عدن من حزب الأحرار قد شكلت الاتحاد اليمني جنوباً وشمالاً، ثم مالبث أن انضم إلى الجبهة الوطنية المتحدة عند تشكيلها، عام 1955م.
الجبهة الوطنية المتحدة:
تشكلت الجبهة إثر خلاف نشب بين مجموعة من الشباب المؤمنين بوحدة اليمن الطبيعية، وبين قيادة رابطة الجنوب العربي المذكور آنفاً، وقرر هؤلاء الشباب الخروج من تنظيم الرابطة وتشكيل الجبهة الوطنية المتحدة عام 1955م.
ووفق مخطط نضالي توزع قادة الجبهة في مختلف المؤسسات الحكومية والشركات لغرض تأسيس النقابات، وأصبح أعضاء الهيئة الإدارية في الجبهة رؤساء لنقابات العمال، وشكلوا المؤتمر العمالي في 1956/2/6م.
ووضعت الجبهة برنامجاً خاصاً يقضي بإفشال انتخابات المجلس التشريعي، ورفض التطور الدستوري لمدينة عدن، بالصيغة التي طرحتها بريطانيا، ورفض مشروع اتحاد الجنوب العربي الذي كانت عرضته بريطانيا سنة 1954م.
من جانبٍ آخر تبنت الجبهة في برنامجها المطالب العمالية والعمل على تحقيقها، وطالبت بالاستقلال السياسي، وتأسيس دولة مستقلة تشمل الجنوب اليمني ومسقط وعمان، واتحادها مع الشمال اليمني.
الدور النضالي للجمعيات والأندية والأحزاب:
قامت العديد من الجمعيات والأندية الثقافية والاجتماعية والرياضية في جنوب الوطن المستعمر، وبلغ عددها (47) نادياً وجمعية في عدن، و (19) نادياً في حضرموت، وكان لها دور فاعل في نشر ثقافة المقاومة للمستعمر، وفي الحفاظ على الهوية الوطنية، وفي القيام بمبادرات تعاونية، وفي نشر التعليم وأحدثت في مجمل نشاطها تعبئة نضالية في صور من المظاهرات والاعتصامات والإضرابات.
ونشأ العديد من الأحزاب والروابط، ومن بينها الحزب الوطني الذي نشط في حضرموت، واصطدم مع الوجود البريطاني الذي ضيَّق عليه الخناق، وأنهى دوره في الحياة السياسية، غير أنَّ الأفكار الإصلاحية التي انتقلت إلى حضرموت منذ وقت مبكر عبر الدارسين في مصر وأندونيسيا، وتأثيرهم بالحركتين الإصلاحية في مصر والإرشادية في أندونيسيا، أدى ذلك إلى نشر التعليم في حضرموت من وقت مبكر، وأسهم لاحقاً في قيام اتحاد طلبة حضرموت الذي كان له دور نشط في المقاومة قبل الاستقلال في كلٍّ من المكلا وسيئون.
التيار القومي:
استمر الشارع السياسي في جنوب الوطن يتفاعل مع القضية الوطنية والتحرر من الاستعمار عبر إنشاء العديد من الأحزاب والتنظيمات السياسية والمنظمات الشعبية والنقابية المتأثرة بحركات التحرر في الوطن العربي وأحزابه القومية. فاليمن في تاريخها المعاصر لم تكن بمعزل عن هموم أمتها العربية وقضاياها … ويمثل الميثاق الوطني المقدس لثورة 1948م، أحد أبرز معالم الهم العربي المبكر في اليمن.
ومنذ خمسينيات القرن الماضي بسط التيار القومي أجنحته على أوسع رقعة في شرق الوطن العربي وغربه، واتخذ سبيله إلى اليمن في ثلاثة مسارات نضالية تمثلت بحزب البعث العربي الاشتراكي، وحركة القوميين العرب والتيار القومي الناصري.
حزب البعث الاشتراكي:
تأسس حزب البعث بمسمى حزب الشعب الاشتراكي، على يد نشطاء الاتحاد العمالي، الذين كانوا على صلة تنظيمية مع حزب البعث العربي الاشتراكي في دمشق، ومع مؤسسيه ميشيل عفلق وصلاح البيطار.
واكتسب قوة وجوده من قوة الاتحاد العمالي الذي ضمَّ جميع النقابات العمالية (نقابة عمال مصافي عدن، نقابة عمال الميناء، نقابة عمال البنوك، نقابة عمال وموظفي الطيران المدني، نقابة المعلمين، نقابة المهندسين والحرف الصغيرة) حتى وصل عدد النقابات إلى أكثر من (23) نقابة.
وقد تشكل الاتحاد العام للمؤتمر العمالي من جميع هذه النقابات، وانبثق عنه مكتب تنفيذي ضمّ في عضويته أمناء عموم تلك النقابات، وأصبح جهازاً تنفيذياً يمثل الإطار العام للنقابات، ويمثلها في التعامل مع الخارج.
وكان على رأس القيادة التاريخية للمؤتمر العمالي عدد من الإخوة الذين يحملون الأفكار القومية لحزب البعث العربي الاشتراكي وهم: (عبدالله عبيد، ومحمد سالم باسندوة، وناصر عرّجي، وأخوه صالح عرّجي وهما توأمان، وباشرين، وسعيد الحكيمي، وعبدالكريم الأسودي، وإدريس أحمد حنبلة، ومعهم سيد زين صادق الأهدل وهو رابطي الانتماء، وعبده حسين الأدهل وكان مستقلاً).
وظل حزب الشعب الاشتراكي يمارس نشاطه النضالي منذ تأسيسه وصدور أول بيان له في 16 سبتمبر 1962م. وكان للحزب صحيفة اسمها «الشعب» وقد كثف نشاطه النضالي السلمي من خلال المؤتمر العمالي بدءاً بالعمل البطيء Slow Work إلى إعلان الإضراب في كل مهنة على حدة، إلى الإضراب العام لجميع النقابات.
وحين أعلنت بريطانيا تأسيس اتحاد الجنوب العربي، دعا المؤتمر العمالي إلى إضراب عام، وتلاه عصيان مدني لمدة ثلاثة أيام، مما دفع المندوب السامي البريطاني إلى اعتقال قيادة المؤتمر العمالي مدة أسبوعين.
وقد ظلت هذه القيادات تحكم العمل النقابي بروح وطنية قومية حتى إشهار منظمة التحرير في نهاية عام 1964م. تحت تأثير تصعيد العمل الفدائي الذي كان للجبهة القومية فضل ريادته في 14 أكتوبر 1963م.
لقد اضطلع المؤتمر العمالي بمهمة نضالية كبيرة على الصعيد الخارجي حمل فيها قضية الجنوب اليمني المحتل إلى المحافل الدولية، فيما نشطت الحركة العمالية في عدن في اتجاه تكريس ثقافة حقوق العمل والعمال. وفي ممارسة أعمال تصعيد المقاومة بالإضرابات والاعتصامات والمظاهرات التي شلّت الحركة في الميناء، وشركات النقل البري والجوي والبحري، وأحدثت ضغوطاً قوية على قرار المحتل، لا تقل أهمية عن الكفاح المسلح، بل عززت من التعريف بالقضية الجنوبية في الخارج، ومكّنت الكفاح المسلح من إنهاك المحتل وقواته.
وبالنسبة لنشاط حزب الشعب الاشتراكي فقد ظل قائماً حتى إعلان الاستقلال في 30 نوفمبر 1967م. حيث ألغيت معه جميع الأحزاب والصحف والجمعيات والنقابات، مما اضطرت إلى ممارسة أنشطتها سراً، بعد أنْ وضعت قياداتها رهن الاعتقال، باستثناء أمين عام حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي الأستاذ عبدالله باذيب.
وتحت ظروف السرية انشق عن حزب الشعب الاشتراكي مجموعة أنشأت حزب الطليعة الشعبية الذي أعلنت عنه حين أفسح المجال للانضمام إلى تنظيم الجبهة القومية عام 1975م، فبراير، فانضم ومعه منظمة الشبيبة وسمي التنظيم الجديد التنظيم السياسي الموحد الجبهة القومية وحصلت بموجب هذا الانضمام على مقعد في المكتب السياسي شغله أمينه العام الأستاذ أنيس حسن يحيى، كما حصل على مقعد مرشح للمكتب السياسي، وخمسة أعضاء في اللجنة المركزية.
حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي:
وهو حزب يساري ماركسي، تأسس في عدن عام 1962م. وأمينه العام الأستاذ عبدالله باذيب.
وأهدافه النضالية تتركز في تحرير الجنوب اليمني من الاستعمار، وقد رفع الحزب شعار : «نحو يمنٍ ديمقراطي موحد» .. وأصدر له صحيفة اسمها الأمل.
وكان قد سبق قيام الحزب في نهاية الخمسينيات قيام منظمة الشبيبة التي شكلت رافداً أساسياً لعضوية الحزب عند تأسيسه. وقد رأس الشبيبة الأستاذ عبدالله باذيب ... وإثر تعرض عبدالله عبدالمجيد السلفي للقتل في ظروف غامضة عام 1964م سميت المنظمة باسم “الشهيد السلفي”.
واندمجت المنظمة لاحقاً في منظمة أشيد، مثلما اندمج حزب الاتحاد الشعبي الديمقراطي عند تأسيس الحزب الاشتراكي اليمني عام 1975م.
حظي الحزب ومنظمة الشبيبة باهتمام خاص من قبل دول المعسكر الاشتراكي الشرقي، وقُدم له العديد من المنح الدراسية إلى تلك الدول، وعن طريقه التحق العديد من الشباب بالتعليم الجامعي وحصل بموجب اندماجه بالحزب الاشتراكي اليمني نفس المقاعد التي حصل عليها عند انخراط منظمة الشبيبة في التنظيم السياسي الموحد كرسي مكتب سياسي وكرسي مكتب سياسي مرشح، وخمسة مقاعد في اللجنة المركزية.
حركة القوميين العرب : «الجبهة القومية»
ازدادت قومية النضال قوة واتساعاً بقيام حركة القوميين العرب حين جرى تأسيس الجبهة القومية، وفي هذا المقام يؤرخ للحكيم المناضل جورج حبش بمداد الفخر، اهتمامه المبكر بضرورة تحرير الجزء المحتل من اليمن ... ففي العام الأول من ستينيات القرن الماضي، التقى المناضل فيصل عبداللطيف الشعبي الذي كان طالباً في جامعة القاهرة، ونظمه في حركة القوميين العرب، التي أسسها مع رفيق النضال وديع حداد، وشلة قومية من أكثر من قطر عربي عام 1952م.
وما لبثت الحركة أن نشطت، واتسعت آفاقها، واستقطبت إليها العديد من النخب الفكرية والسياسية. وكذلك كان شأنها في الساحة اليمنية، وفي الجنوب اليمني على وجه الخصوص، حيث تشكلت الخلايا الحركية وبلغت مرحلة دقيقة من قوة التنظيم والانتشار في مناطق عدة، وهو ما أهلها لتأسيس الجبهة القومية من عدد من الفصائل المناضلة في عام 1963م. والتي اشتملت على : [حركة القوميين العرب، والجبهة الناصرية، والمنظمة الثورية لجنوب اليمن المحتل، الجبهة الوطنية، التشكيل السري للضباط والجنود الأحرار، جبهة الإصلاح اليافعية (تشكيل القبائل) وجبهات الإصلاح في عدد من الولايات الاتحادية].
الجدير ذكره أنَّ حركة القوميين العرب كان لها دور بارز في طرح فكرة الكفاح المسلح في كل من فلسطين وعدن، إثر حدوث انفصال سوريا عن الجمهورية العربية المتحدة عام 1961م. حيث طرح الحكيم فكرة الكفاح المسلح على الزعيم جمال عبدالناصر في القاهرة، وتمَّ إثر ذلك اللقاء تشكيل الجهاز النضالي داخل حركة القوميين العرب.
وبعد قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيدة، قامت حركة القوميين العرب بأول مبادرة عملية من خلال فرعها في الشمال اليمني، وتم الاتصال بقيادة الثورة في صنعاء، وبالجهات المعنية الموجودة في اليمن بهدف ترشيح المناضل قحطان الشعبي ليتحمل مسؤولية شؤون الجنوب، فعُيِّن مستشاراً لرئيس الجمهورية المشير عبدالله السلال لشؤون الجنوب، عند تشكيل ثاني حكومة للثورة، وبدرجة وزير.
وقد كان لمثل هذه الموافقة أثر بالغ في الدفع بتوجه الحركة نحو إقامة وتشكيل الجبهة.
كما كانت تلك الاستجابة إشارة واضحة على حسن العلاقة بين الحركة على مستوى الوطن العربي، والرئيس جمال عبدالناصر، وبين الحركة وقيادة الثورة في اليمن.
وكان الانتقال بعد ذلك إلى تكثيف العمل الإعلامي والتنظيمي في صنعاء لحشد وتجميع أبناء الجنوب المشاركين في الحرس الوطني، والحرس الشعبي في الشمال للدفاع عن ثورة وصنعاء سبتمبر، والموزعين في مختلف مناطق القتال في الأرياف والمدن، والذين كانوا يتوافدون إلى تعز تباعاً قبل قيام الثورة.
وقد التحق الكثير منهم بتنظيم الحركة في وقت مبكر في المدن الرئيسية صنعاء وتعز وإب. ومن هؤلاء جميعاً بدأت تتشكل النواة الأولى للجبهة، وكل ذلك كان يتم بعلم القيادي الأول للحركة في اليمن المناضل فيصل عبداللطيف الشعبي كما يذكر ذلك الأستاذ عبدالحافظ قائد : أفكار حول النواة الأولى لقيام ثورة 14 أكتوبر.
على أنَّ التنظيم السري للضباط الأحرار في الجيش الاتحادي، كان قد أنشئ قبل بداية الكفاح المسلح، كما تشكلت أول خلية تنظيمية لحركة القوميين العرب في الجيش عام 1961م. ووضعت شروطاً صارمة لتشكيل الخلايا والاستقطاب، وكانت تقوم بجملة من المهام النضالية والعسكرية والسياسية والتنظيمية داخل الجيش للتنسيق مع الفدائيين ومسؤولي جبهات القتال، وتزويدهم بالمعلومات عن العمليات والحملات العسكرية التي تنفذها السلطات العسكرية ضد المناضلين. وفي فترات لاحقة وتحديداً في عام 1966م، أسند إلى تنظيم الجيش والأمن مهمة توفير الأسلحة والذخائر والملابس العسكرية والبطاقات العسكرية للفدائيين الذين يعملون في جبهة عدن، واستخدام أسلحة الجيش أثناء الليل وعودتها إلى المخازن قبل الصباح.
كما تم إنشاء وتنظيم الخلايا السرية للثورة من وقت مبكر داخل بوليس عدن، وكان لقوى الأمن إسهام نشط في إمداد قطاعات العمل الفدائي والسياسي والطلابي والجماهيري بالمعلومات المتعلقة بتنقل القوات البريطانية، وتحديد مراكز ثقلها ونقاط ضعفها، وتغطية العديد من العمليات الفدائية، وإمداد القيادة بالمعلومات أولاً بأول، بما يتناسب ومهام كل مرحلة من مراحل الكفاح المسلح.
وتوجت نضالها في انتفاضة 20 يونيو 1967م. بالاستيلاء على حي كريتر، بالتنسيق والتكامل مع القطاع الغذائي والعمل الجماهيري. وقد أعقب الانتفاضة تساقط المناطق بيحان، العوالق، الضالع، حضرموت، ردفان، يافع ....، وإخراج آخر جندي محتل من جنوب الوطن وإعلان الاستقلال.
المد القومي الناصري:
يمكن القول إنّ الحقبة الناصرية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي مثلت وهج الفكر القومي في عموم الوطن العربي، وقد كان لمواقف الزعيم جمال عبدالناصر القومية، ولشخصيته الكارزمية دور كبير في إذكاء الثورات ومعارك التحرير والاستقلال.
وغني عن البيان ما لمصر عبدالناصر من دور قومي متميز في مساندة ونصرة الثورة اليمنية (سبتمبر واكتوبر)، وفي الدفاع عن النظام الجمهوري، وهذا ما دفع المناضلين في الأوساط اليمنية إلى الاقتراب من التجربة الناصرية في مصر، واستيعاب ملامح وتسميات هذه التجربة.
فقد تبنت الجبهة القومية في مؤتمرها الأول أفكار الاشتراكية التي أطلقها عبدالناصر عن قرارات التأميم في مصر، وعمل على تثبيتها كاتجاه للتطبيق في الميثاق الوطني المصري. كما يذكر ذلك الأستاذ راشد محمد ثابت: ثورة 14 أكتوبر اليمنية من الانطلاقة حتى الاستقلال.
كما شكل موقف مصر الداعم للجبهة القومية ونضالها المسلح موقفاً ثابتاً منذ لحظة انطلاق الثورة، وقد عزز ذلك من روابط التوجه الثوري بين الجبهة القومية ومصر عبدالناصر.
وفي 1964م. حدثت انتقالة في مفهوم النضال وسط عدد من الجبهات والقوى والتنظيمات والمنظمات في جنوب الوطن، نحو الكفاح المسلح فتداعى كل من حزب الشعب الاشتراكي، ورابطة أبناء الجنوب العربي، ومجموعة من المشايخ والسلاطين إلى اجتماع في مقر الجامعة العربية بالقاهرة، وقررت خوض النضال المقدس ضد الاستعمار البريطاني، وتم التوقيع بعد ذلك على دستور منظمة التحرير، وتكوين قيادة عامة.
وقد عقدت المنظمة أول مؤتمر لها في مايو 1965م. ثم في الثاني من يوليو من العام
نفسه ... وفي ذلك الوقت طرحت فكرة الدمج بين منظمة التحرير والجبهة القومية، وكان للرئيس عبدالناصر دور الدفع إلى ضرورة التنسيق بينها لتوحيد العمل الكفاحي، واستدعى لذلك قيادات الجبهة القومية، ومنظمة التحرير لتأسيس وإشهار جبهة التحرير، على نمط جبهة التحرير الجزائرية. وتمَّ قيام الجبهة الجديدة في 13 أكتوبر 1965م. ووقع الاتفاق عن الجبهة القومية الأخ علي أحمد السلامي، وعن منظمة التحرير الأخ عبدالله عبدالمجيد الأصنج، وعقب التوقيع صار الدعم المصري لجبهة التحرير.
واستمر النضال المسلح باسم جبهة التحرير مدة عام، أخذت خلالها قواعد الجبهة القومية تتململ من هذا الدمج ثم رفضته وأعلنت فك الارتباط في 13 أكتوبر 1966م مما دفع قيادات في جبهة التحرير إلى إشهار التنظيم الشعبي (الجناح العسكري) الذي غلب عليه التوجه الناصري .. وظل العمل الكفاحي ينسب إلى جبهة التحرير، المتعارف عليها لدى حركات التحرير العربية والعالمية على ضوء قرار الدمج الذي رعاه الرئيس عبدالناصر .. وقد ترتب على ذلك أن شاب علاقات الجبهة القومية مع مصر شيء من الفتور.
وتوترت العلاقات بين جبهة التحرير والجبهة القومية، ودخلتا في حرب أهلية قبيل الاستقلال مما دفع الشيخ محمد سالم البيحاني إلى مناشدة الطرفين لوقف الاقتتال، وتوجيه البنادق إلى صدر المستعمر الذي لعب دوراً في اتقاد المعارك في مابين الجبهتين.
وظل الكفاح المسلح ضد المستعمر قائماً في تنافس بين الجبهتين، وانصرف تنظيم الجبهة القومية إلى التخطيط لإسقاط المناطق، واقتحام الشركات والبنوك لتغذية مصاريف العمليات الفدائية بعد أنْ توقف عنها الدعم من مصر.
وفي كل الأحوال ظل للحقبة الناصرية تأثيرها القومي الكبير المنقوش في الذاكرة الوطنية اليمنية في شمال الوطن وجنوبه : قوى وجماهير عريضة، بعد أن امتزجت الدماء العربية المصرية واليمنية دفاعاً عن الثورة اليمنية ونظامها الجمهوري.
ومازالت الذاكرة اليمنية حافلة بمالعبه الإعلام المصري من دور تنويري وتعبوي، وعلى الأخص عبر إذاعتي صوت العرب والقاهرة وصحيفة الأهرام، وقبل ذلك خطب الزعيم عبدالناصر، وإفساح المجال أمام المناضلين من أبناء اليمن لبث أحاديثهم وأخبار الثورة والنضال المتصاعد.
ومازال صدى الكلمات الثورية، وشجي ألحانها يشنف الآذان ويبث في النفوس روح الأمل .. ولطالما ظل الأثير يحمل مع إشراقة كل صباح كلمات الأمل من صوت العرب: “وإلى غد مشرقٍ عزيز، وإلى أمة عربية موحدة”.
قطاع القبائل المناضلة:
على الرغم من انتماء كل المناضلين أصلاً إلى القبائل سواء كانوا في الجبهة القومية أو في جبهة التحرير أو في رابطة أبناء الجنوب العربي أو في الجمعية العدنية أو في أي تجمع وجمعية أو نادٍ وغيرها مما ذكر آنفاً، إلاَّ أنَّ القبائل أبت إلا أنْ تؤكد حضوراً نضالياً كقطاع بذاته من قطاعات شعبنا المناضل.
فقد اجتمع شيوخ وأمراء القبائل الثوار وضباط وصف ضباط في الجيش وأصدروا بياناً يشجبون فيه قيام اتحاد الجنوب العربي، وذلك بمناسبة مرور أربع سنوات على احتفال الدوائر الاستعمارية في جنوب اليمن على قيام الاتحاد المزيف، وأكدوا فيه:
رفض الاتحاد المزيف، ومواصلة النضال من أجل تحرير الجنوب اليمني وتحقيق وحدته مع الشمال كقطر واحد من أقطار الوطن العربي الموحد في جمهورية عربية متحدة، وكشف ما يحاول الاستعمار أنْ يسبق الزمن في تنفيذ مخططاته الرامية إلى عزل جنوب اليمن عن شماله، بل وعن الصف العربي المتحرر ولاسيما بعد قيام ثورة 26 سبتمبر، هذه الثورة التي جعلت الاستعمار يعيد النظر في مخططاته، لا بالنسبة لجنوب اليمن فحسب، بل ولمنطقة الشرق الأوسط كلها، ولعل أصدق دليل على ذلك هو إسراع الاستعمار إلى ضم عدن إلى الاتحاد المزيف قبل إنهاء المدة التي حددها لهذا الضم بالرغم من المعارضة الشعبية القوية، والدليل الثاني إسراع الاستعمار في ضم مناطق أخرى إلى هذا الاتحاد كالحواشب والشعيب.
وحذر البيان من مخاطر الصراع السياسي الدائر بين الفئات الوطنية، ويرى أنَّ السكوت عن هذا الصراع الذي أدخل الجماهير الشعبية في معارك جانبية يعتبر خيانة في حق القضية الوطنية بل وفي حق النضال العربي، لأنَّ تحرير الجنوب اليمني أضحى مطلباً حيوياً تتطلبه الحركة الثورية العربية، فضلاً عن كونه مطلباً شعبياً. وطالب البيان بتوحيد صفوف القوى المناضلة الموحدة في أهدافها في جبهة تحرير الجنوب اليمني، لأنَّ الاستئثار، وفرض الوصاية على قضية الثورة في الجنوب لن يكون إلا امتداداً للمعارك الجانبية الدائرة بين القوى المناضلة، والتي لم يستفد منها إلاَّ العدو.
وطالب البيان قادة الفئات المعنية بأنْ يضحوا بأنانيتهم الحزبية في سبيل القضية القومية، وأنْ يطرحوا مصلحة الشعب فوق كل اعتبار.
وأعلن البيان أنَّ قطاع القبائل قد صمم على دخول المعركة في جبهة موحدة متعاونين مع كل الطلائع والقوى الوطنية التي تهتم بإخلاص بوحدة النضال العربي، رافعين شعار التحرر الكامل من المستعمر.
منابر المقاومة للاستعمار:
حاول المستعمر بكل ما أوتي من حيل جاهداً أنْ يذيب الهوية الوطنية بجعل مدينة عدن متعددة الهويات منذ وطأت قدماه أرض عدن الطاهرة سعياً منه برؤية بعيدة استباقية كيلا تكون هناك يوماً ما صحوة وطنية تقاوم احتلاله، لكنهُ فوجئ بمقاومة شديدة لكل ما قام به من محاولات استقدام أجناس أخرى حتى إنَّ من أتى بهم لم يحققوا هدفه، فقد ذابت هوياتهم في الهوية اليمنية المقاومة للاحتلال التي أحدثت مفاصلة شعورية صلبة، وتعبئة شعبية عامة صعدت من النضال الوطني، واصطفاف مختلف شرائح المجتمع وفئاته ومنظماته وتنظيماته في مواجهة جماعية مع المستعمر، وتحولت الساحة الوطنية إلى منابر مقاومة للمستعمر، ويأتي في مقدمة هذه المنابر:
-منابر المساجد التي وظفت الكلمة في ما يعمق روح المقاومة للمستعمر، ويؤلف بين القلوب ويَجمع الناس على كلمة سواء، أساسها المحبة والأخوة والتفاهم والتسامح والتكافل والتعاون والإيثار والتضامن وسائر الأخلاق الحميدة التي تجعل منهم قوة متماسكة كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضاً. فلم تكن منشغلة بالخلافات في ما بين الفقهاء والعلماء في ما لا طائل من ورائه، كما لم تنشغل بإصدار الفتاوى المفرقة للجماعة، والمذكية للصراعات.
وقد استطاعت هذه المنابر المستنيرة أنْ تغرس في النفوس قيم المفاصلة الشعورية مع الغازي الدخيل المهدد لهويتنا وقيمنا وأخلاقنا، والمحتل لأرضنا، والمستغل لخيراتنا، وساهمت هذه المنابر في خلق وعي عام بضرورة مقاطعة المستعمر، ومقاومة وجوده، وعدم التأثر بتقاليده وأخلاقه وسلوكه الاستعماري ... وكثيراً ما كانت المظاهرات المباغتة للمستعمر تخرج من المساجد بعد صلاة الجمعة، رافعة شعارات المقاومة، والمطالبة بخروج المحتل من الأرض اليمنية.
ويأتي في مقدمة العلماء والخطباء الأفذاذ الشيخ أحمد محمد عوض العبادي خطيب وإمام مسجد زكو في الشيخ عثمان، والشيخ محمد سالم البيحاني الخطيب المثور للجماهير بمسجد العسقلاني، والذي كان له كبير الفضل في قيام المعهد العلمي الإسلامي الذي درس فيه العديد من رجالات اليمن الذين يتسنمون اليوم مناصب قيادية في جنوب الوطن وشماله ... والشيخ علي أحمد باحميش خطيب مسجد العيدروس بمدينة عدن، والشيخ عبدالله محمد حاتم خطيب مسجد الهاشمي ثم مسجد النور بالشيخ عثمان، ولطالما ألهبت خطبهم عواطف ومشاعر المصلين ضد المحتل، والتي لم تقتصر على القضية الوطنية فحسب، بل كانوا يتجاوبون مع قضايا الأمة في فلسطين والجزائر وما تنقله إذاعة صوت العرب والقاهرة من القضايا والأحداث.
ولعل ما يجدر ذكره أنَّ هؤلاء العلماء والخطباء لم يتوقف دورهم عند حد الخطب الأسبوعية، فقد قاموا بدور مكافحة الأمية، وعقد حلقات الدرس اليومي بين صلاتي العصر والمغرب، ومن خلال ذلك خدموا رسالة التنوير والتثوير وبناء القيم التي تحفظ للمجتمع هويته وتماسكهُ،ومقاومة المحتل.
منابر الصحافة :
ظهر عدد من الجرائد والصحف الوطنية إبان الاحتلال البريطاني في العقود الثلاثة الأخيرة قبل الاستقلال، وكانت تتحدى بالكلمة الوجود الاستعماري وتحرض على مقاومته، وكانت تتعرض بين حينٍ وآخر للمحاكمات والعقوبات المالية وأحياناً للإغلاق، ولم يثنها ذلك عن أداء رسالتها ... ومن بين هذه الجرائد والصحف: الفجر، والمصير، واليقظة، والنهضة، والشعب، والشرارة، والأمل، والعامل، والعمال، والأيام، والمستقبل، والفضول، والصباح ... وكانت صحافة مقروءة بتقدير عالٍ، وثقة كبيرة، بما أنها كانت تؤدي ثقافة الكلمة المناضلة التي تبحث في قضية تهم الجميع، وتعتبر بعض مواضيعها بمثابة منشورات تنظيمية، ومثلها على الصعيد القومي هناك صحيفتان عربيتان هما: صحيفة الحرية التي رأس تحريرها محسن إبراهيم، باسم حركة القوميين العرب وتصدر في بيروت، وصحيفة البعث التي كانت تصدر في دمشق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي، وكان لهاتين الصحيفتين أثر فاعل في أوساط المغتربين اليمنيين في بلدان الخليج العربي والطلاب اليمنيين الدارسين في بلاد الشام والعراق، وفي المعسكر الشرقي، وفضلاً عن ذلك فقد تميزت الصحافة المصرية والإعلام المصري بتأثير واسع وفاعل في الأوساط الجماهيرية في اليمن وفي الأقطار العربية.
وكان لإذاعة صنعاء الثورة وصحيفتي الثورة والجمهورية إسهامات قوية في إذْكاء روح المقاومة والثورة وتغطية أخبار الثوار.
منابر الأدب والفن :
تعددت منابر الأدب والفن في أداء رسالة ثقافة المقاومة، وفي تحقيق أهدافها التعبوية، التي واكبت أعمال المقاومة وساعدت على تصعيدها وتأجيج مشاعر الشارع السياسي والاجتماعي في شمال الوطن وجنوبه، من خلال كتابة الشعر والنثر والأغنية والقصة، ومن خلال ما يبث من هذه الأعمال الأدبية والفنية والفكرية عبر إذاعة صنعاء والقاهرة وصوت العرب، ومن خلال ما تنشر الصحافة اليمنية والعربية ودور النشر العربية وعلى الأخص في مصر ولبنان وسوريا والعراق.
وكان ممن اعتلوا منابر الأدب والفن الدكتور عبدالعزيز المقالح، والأستاذ عبدالله البردوني، والأستاذ عبدالله هادي سبيت، والأستاذ محمد سعيد جرادة، والأستاذ إدريس أحمد حنبلة، والأستاذ عبدالله فاضل فارع، والأستاذ سعيد الشيباني، والأستاذ لطفي جعفر أمان، والأستاذ صالح نصيب، وكان من بين من غنوا للمقاومة والثورة الأستاذ عبدالله هادي سبيت، والفنان محمد مرشد ناجي، والفنان أحمد بن أحمد قاسم، والفنان اسكندر ثابت، والفنان محمد محسن عطروش، والفنان محمد سعد عبدالله، والفنان فرسان خليفة، والفنان علd الآنسي، والفنان أيوب طارش، والفنان محمد الحارثي، والفنان أحمد السنيدار.
مشاركة الحركة النسائية في النضال الوطني :
منذ بواكير النضال ضد المستعمر والمرأة تشارك أخاها الرجل في الأعمال النضالية. وقد تنامى نشاطها الكفاحي بتنامي الحركة النسائية بشكل متسارع، وصارت تمارس مهامها النضالية في مسارين متوازيين:
أحدهما: ويتعلق بالنشاط الفكري والسياسي التوعوي والتعبوي التصعيدي في الوسط النسائي، وفي البيئة المدرسية، والمجتمع المحلي، وقد كان لذلك تأثيره الفاعل في المظاهرات والمسيرات الجماهيرية والمطلبية وفي تنفيذ الاعتصامات.
والمسار الآخر : ويتعلق بحمل السلاح، وتنفيذ عمليات فدائية والمشاركة في جبهة الكفاح المسلح.
فقد كانت المرأة المناضلة تقوم بتوزيع المنشورات وإذاعتها عبر مكبرات الصوت في المساجد، وكانت تقوم بإخفاء الفدائيين عقب تنفيذهم العمليات الفدائية، وتقوم بواجب تغذيتهم وإنْ حملها ذلك على بيع حليها، كما كانت تقوم بتهريب الأسلحة إلى الفدائيين وغيرها من الأعمال الفدائية، وضربت أروع الأمثلة في ميادين النضال الوطني انضباطاً، والتزاماً ووعياً وحركية.
ومن بين من تذكر الورقة من قيادات الحركة النسائية على سبيل المثال لا الحصر، الأخوات المناضلات:
فوزية محمد جعفر، ونجوى مكاوي، وخديجة الحوشبية، ودعرة الردفاني، وزهرة هبة الله علي، ونجيبة محمد عبدالله، ونجاة محمد حسن خليفة، ورضية إحسان الله، وأم عبدالله لقمان، وأنيسة السائغ، وخدوج حميدان، وزنوبة العرجي، وفوزية بامطرف، وفطوم الدالي، وفطوم علي أحمد، ونور عبدالله، ومريم الشرع، وسعود المنتصر، وفاطمة سعيد الحاج، وعائدة يافعي، وفتحية محمد عبدالله، ومنيرة الشدادي، وشفيقة مرشد، وصالحة ناجي، وآمنة محسن، وثريا منقوش، وأسمهان علي، ورضية شمشير، وعائشة محسن، ورقية محمد علي، وماهية نجيب، ونعيمة سويد، وقدرية ميرزا، وآسية ميرزا، وفوزية غانم، ورقية علي محمد ناصر، ونجيبة الفقيه، وليلى جبلي، ونعمة سلام، وصفيناز خليفة.
وقد تأسست أول جمعية نسائية في عدن في الخمسينيات باسم الجمعية العدنية النسائية، ثم تشكلت جمعية المرأة العربية، وأسست ماهية محمد عمر جرجرة أول صحيفة نسائية تعنى بشؤون المرأة باسم “فتاة شمسان”.
دور البيئة المدرسية في المقاومة:
تعتبر البيئة المدرسية إحدى أهم روافد المقاومة في النضال الوطني، وقد فطن المناضلون الأوائل إلى تعمد المستعمر حرمان أبناء الشعب من حق التعليم فيما عدا ماكان يحتاج إلى تأهيلهم لوظائف حكومية بمستوى (كرَّاني) ممن لديهم مخلقة أو سكونية، كما لاتتاح مواصلة الدراسات العليا إلا لقلة قليلة من المتخرجين بكلية عدن الوحيدة، وهي بمستوى الثانوية.
فهب الآباء المصلحون لمواجهة خطورة حرمان حق التعليم لأبناء الريف والبادية والجبال، وقاموا بجمع التبرعات من الداخل اليمني ومن أوساط المغتربين لبناء المدارس الأهلية.
وكان في طليعة هؤلاء المصلحين المجاهد عبدالله علي الحكيمي، ومحمد عمر بازرعة، وعبده حسين الأدهل، والعلاَّمة محمد سالم البيحاني، فقد بنيت في عدن مدرسة بازرعة التي احتفل هذا العام بمرور مائة عام على افتتاحها، وتتالى من بعدها بناء عدد من المدارس الأهلية، وأشهرها المعهد العلمي الإسلامي في عدن، ومدرسة النهضة في الشيخ عثمان، ومدرسة بلقيس إلى جوار مدرسة النهضة، وبنيت مدرسة الأدهل في التواهي، ومدرسة عفارة في شيخ الدويل، ثم بني معهد الحصيني للسكرتارية وفنون الإدارة بالشيخ عثمان، ومعهد عدن التجاري الذي أداره فيما بعد مصطفى بازرعة.
وقد قامت هذه المدارس بدور كبير في إعداد وتأهيل الدارسين لتحمل أعباء المرحلة النضالية، وبناء الوطن بعقول أبنائه، فكثير من بناة الدولة اليوم هم نتاج تلك المدارس..
وقد كان للإدارات المدرسية والمدرسين أدوار رائعة في بناء شخصية الأجيال الواعدة على أسس تربوية وعلمية ووطنية نضالية ... ولطالما كان الطلبة وراء تثوير الشارع وتسيير المظاهرات التي كانت تتم بالتنسيق بين المدارس الأهلية والحكومية ... ولطالما شارك الطلاب والمدرسون في أعمال المقاومة، وكان منهم الفدائيون، فضلاً عما للطبيعة الثورية للإدارات المدرسية والمدرسين من دور توجيهي كبير في تشكيل الرأي العام المقاوم للمحتل، وفي اكتشاف المواهب الفنية والأدبية والرياضية التي وجهت في مجالات النشاط المقاوم بالأنشودة والأغنية الحماسية وفي الصحافة والشعر الثوري وأدب المقاومة، وفي أعمال التدريب للفدائيين..
وتطول القائمة في ذكر أسماء هؤلاء القادة التربويين من مديري المدارس والمدرسين، وحسب الورقة أنْ تذكر بعضاً من هؤلاء دون أنْ يعني ذلك إغفالاً للدور الوطني لمن لم ترد أسماؤهم ... فقد كان من أهم خصوصيات هؤلاء التربويين إتسامهم بثقافة الرسالة النضالية، ومن بين هؤلاء المجاهد عبده حسين الأدهل، والمناضل الأديب والشاعر إدريس أحمد حنبلة، والمناضل محمد عبده نعمان، والأستاذ عبدالله فاضل فارع، والأستاذ حمزة لقمان، والأستاذ محمد سعيد جرادة، والشاعر المبدع لطفي جعفر أمان، والأستاذ سلطان أحمد ناجي، والأستاذ قائد عبدالله الأصبحي، والأستاذ الأديب المناضل صالح نصيب، والأستاذ عبدالرحمن جرجرة، والأستاذ المفكر السياسي محسن العيني، والأستاذ الاقتصادي والإداري عبدالعزيز عبدالغني، والأستاذ حسين الحبيشي، والأستاذ أحمد الشجني، والأستاذ عوض باجناح، والأستاذ عوض الحامد، والأستاذ عبدالباري قاسم، والأستاذ نورالدين قاسم، والأستاذة عديلة بيومي، والأستاذة نجاة خليفة زوجة المناضل خليفة عبدالله حسن خليفة مفجر قنبلة المطار، والأستاذة آسية عبدالمجيد الأصنج (آسية حميدان) والأستاذة حليمة خليل، والأستاذة شفيقة خليل، والأستاذة ثريا منقوش.
وكثيرون غيرهم يخلد التاريخ الوطني دورهم في تربية جيل النضال المقاوم للاستعمار والمتطلع لبناء اليمن المستقل.
وبعد؛
فقد أردتُ بهذا العرض البانورامي الموجز أنْ أقف بالأجيال الواعدة على بعض الشواهد من ما حفل به السجل النضالي من الرجال والنساء والشباب والفتيات الذين استشهدوا وآخرين ممن ضحوا بالغالي والنفيس حتى تفجرت الثورة واستمر اتقادها حتى تحقق الاستقلال الناجز.
فما من جمعية أو رابطة أو تجمع نقابي أو تنظيم أو حزب إلا وشارك بقسط وافر من النضال الوطني، وهو ما لاينبغي أنْ يغمط دور أي منهم سواء من خاضوا لوناً من ألوان النضال السلمي والسياسي والثقافي أو من خاضوا غمار الكفاح المسلح، فقد كان الجميع مجمعين على محاربة المستعمر وإخراجه، وأثبتوا للعالم بذلك الإجماع واحدية النضال والثورة وقومية المعركة ليس على مستوى الوطن اليمني شماله وجنوبه فحسب، بل على مستوى الوطن العربي الكبير.
وضربوا أروع الأمثلة بديمومة نضالهم الذي اشتد أواره ببسالة المقاومة والعمليات الفدائية التي أحدثت نتائج محققة على الأرض ناراً تحرق أقدام الغزاة، فلم يعد أمام أولئك المحتلين إلا أن يرضخوا للرحيل في الثلاثين من نوفمبر 1967م، دون أنْ يمنح المستعمر أياً من قواته فرصة تأدية التحية التي جرت عليها العادة عند تسلم الاستقلال، وذلك لأنَّ الثورة انتزعت الاستقلال بتضحيات الشهداء والكفاح المرير للمناضلين كافة، وإنْ هم اختلفوا على أساليب طرد المستعمر.
وأياً ما انتاب الفصائل المناضلة من الوقوع في صراعات مؤلمة وخاصة في مراحل الكفاح المسلح الأخيرة فقد ظل الكفاح وتصعيد المقاومة والأعمال الفدائية في أعلى درجات الثورة وعلى أوسع نطاق، وأخذ التنظيم السياسي (الجبهة القومية) يسقط المناطق تلو الأخرى لما كان يعرف بالمحميات الشرقية والغربية التي كان عددها 22 سلطنة ومشيخة، وقام بتوحيدها فور الاستقلال، وتوزيعها في ست محافظات .. وكان هذا التوحيد أحد أهداف الثورة على طريق العمل من أجل تحقيق الوحدة اليمنية بين شمال الوطن وجنوبه، حيث شكل تحرير الجنوب اليمني من المستعمر، وإعلان الاستقلال رافداً ثورياً للنظام الجمهوري في شمال الوطن الذي كانت فيه صنعاء وقتئذ تتعرض لحصار السبعين يوماً.
كما شكل انتصار الثورة وتحقيق الاستقلال حدثاً قومياً عظيماً، وكان بمثابة رد اعتبار لمشروع الأمة العربية التي تعرضت لنكسة حزيران من العام نفسه.
ولقد كان لوجود الغالبية العظمى من المناضلين المدنيين في قيادات التنظيم السياسي الموحد (الجبهة القومية) دور متميز في قيام حكم مدني كان له أثره المحمود في استجابة المواطنين وانضباطهم في عدم حمل السلاح والتجول فيه، بعد أنْ كانت تموج به مدينة عدن في حرب التحرير وظل هذا الوعي المدني سائداً، وكان وراء إفشال محاولة انقلاب ما عرف بحركة 20 مارس العسكرية 1969م، التي لم تدم طويلاً.
وتعتبر حكومة الاستقلال أفضل حكومة قامت، فقد كانت حكومة كفاءات، ضمت في عضويتها وزراء مناضلين يحملون مؤهلات علمية متخصصة، أمثال : عادل خليفة، وفيصل عبداللطيف الشعبي، وسيف الضالعي، ومحمد صالح عولقي، ومحمد عبدالقادر بافقيه، وفيصل بن شملان، ومحمد علي هيثم، وخالد محمد عبدالعزيز، وعبدالله علي عقبة.
وقد يكون من المناسب الإشارة هنا إلى أول زيارة قام بها فيصل عبداللطيف الشعبي إلى الصين على رأس وفد حكومة الاستقلال، حيث جاء في محضر اللقاء بين الجانبين الصيني واليمني حديث للجانب الصيني مسجل في ملف العلاقات الصينية العربية، مفاده: أنَّ على حكومة الاستقلال أن تحسن معاملة السلاطين، وألاَّ تصنفهم في خانة الإقطاعيين، فليس في اليمن إقطاع، وليس هناك مايوجب المضايقة إلا لمن بدر منه سوء تصرف. * وأن على الحكومة أن تعطي العلاقة مع حكومة شمال الوطن أولوية خاصة مقدمة على غيرها، ويأتي من بعد ذلك الاهتمام بالدائرتين العربية والإسلامية قبل غيرهما من الدوائر الأخرى، ونصحوا الوفد بعدم تخطي هذه الدوائر، وحذروه من مخاطر الاندفاع في العلاقات مع من يقدم لهم سوى السلاح بثمنه بخلاف ماتقدمه الصين من مشاريع تنموية كمصنع الغزل والنسيج.
تمت تلك الزيارة في عهد ماوتسي تونغ والثورة الثقافية.
إلاَّ أنَّ الرياح لم تجر كما يشتهي الربان .. فقد كان للصراعات الدولية والإقليمية والعربية إبان الحرب الباردة انعكاساتها الدامية التي كانت قد لاحت نذرها قبيل الاستقلال في الصراع الذي دار بين الجبهة القومية وجبهة التحرير، وانتهت بإقصاء جبهة التحرير وغيرها من القوى السياسية التي اختلفت مع الجبهة القومية، التي حكمت بمفردها، ثم مالبث الصراع أنْ انتقل إلى داخل الجبهة الحاكمة، التنظيم السياسي الموحد (الجبهة القومية)، وظلت الانقسامات الداخلية والاقصاءات بتعبيرات مختلفة تتكرر بين فترة وأخرى.
وامتد أثر تلك الصراعات إلى علاقات النظامين السياسيين في شمال الوطن وجنوبه ودخلا في حربين باسم الوحدة التي ظلت في قائمة الانتظار مدة 23 عاماً. كان العمل من أجل إعادة تحقيقها بطيئاً، فقد تشكلت لجان الوحدة عقب اتفاقية القاهرة وبيان طرابلس عام 1972م، وأنجزت ثمان لجان منها مهامها على مهل ومنها اللجنة الدستورية، وأخذت العلاقات بين قيادتي الشطرين تتحسن بعد الحرب الثانية عام 1979م.
وفي مطلع الثمانينيات شهدت العلاقات بينهما زيارات مكثفة نجم عنها تشكيل المجلس اليمني الأعلى والتنسيق بين مجلسي الوزراء، وقيام مشاريع مشتركة، وتفاءل الشعب في الشطرين خيراً، وكان موعد إعلان الوحدة يقترب لولا تفجر أحداث يناير الدامية عام 1986م في عدن على مستوى القيادة السياسية، وأدى ذلك إلى تعثر سير الأعمال لإعادة تحقيق الوحدة لأكثر من عام ثم ما لبثت أنْ عاودت سيرها من جديد، وأخذت إيقاعات العمل الوحدوي تتسارع، حيث تشكلت لجنة التنظيم السياسي الموحد، وباشرت أعمالها واتفقت على الأخذ بنظام التعددية السياسية عند إعلان قيام دولة الوحدة، وأسهم انهيار المنظومة الاشتراكية في إعلان قيام دولة الوحدة الجمهورية اليمنية في الثاني والعشرين من مايو 1990م.
وبقيام دولة الوحدة تجدد أمل الأمة العربية بالمشروع النهضوي العربي حيث قدمت دولة الوحدة اليمنية نفسها أنموذجاً قومياً واعداً، ناضل من أجل بلوغها كل القوى الوطنية التي رفعت شعار “النضال من أجل الوحدة اليمنية” كأبرز أهداف الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر).
وليس قفزاً على الأحداث التي أعقبت قيام دولة الوحدة، وانفجار حرب صيف 1994م، ونتائجها الأليمة، فالكل عاشها، وذاق مرارتها وتجرع مضاعفاتها، وهناك من سارع ليحمل الوحدة أوزاراً هي من صنع إدارتها التي لم تحسن تعظيم منجزاتها بقدر ما أسهمت في إفراغ دولة الوحدة من مضمونها العظيم.
فبعد مضي نصف قرن من قيام الثورة اليمنية (سبتمبر وأكتوبر) كان يفترض أن تكون اليمن في مصاف الدول الأكثر أمناً واستقراراً وسلاماً وتقدماً وازدهاراً .. لا أن يراها أبناؤها متأخرة كثيراً عن بلدان استقلت من بعدها .. فلا تزال الأمية عالية، والتنمية بطيئة، والفقر في اتساع وخيرات الوطن الظاهرة والباطنة في برها وبحرها هي الأخرى غير مستثمرة بشكل مرضي لغياب الإدارة الجيدة، ولعجز عن توفير متطلبات الاستثمار من أمنٍ وتطبيقٍ للقوانين.
وما أظن انعقاد مؤتمر الحوار الوطني الشامل إلاَّ استجابة صادقة لتجاوز إشكالات الماضي وتصميم على إيجاد الحلول العملية لمختلف القضايا التي يعانيها الوطن والمواطنون، وصناعة مستقبل يقوم على الشراكة الوطنية والعدل الاجتماعي والمساواة وتكافؤ الفرص وغيرها من معايير الحكم الرشيد لقيام دولة مدنية حقوقية حديثة.
والمعول كثيراً على دور النخب الفكرية والسياسية والثقافية في التقائها جميعاً على كلمة سواء لبناء الدولة اليمنية المدنية الحقوقية الحديثة إجلالاً ووفاءً للثورة اليمنية (سبتمر وأكتوبر) وتطلعاً لغدٍ أفضل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.