في مستهل الكتابة عن دور المرأة اليمنية في مسيرة الكفاح والنضال ضد الاستعمار البريطاني وضد سياسته الظالمة والاستبداد الذي طال المرأة اليمنية إضافة إلى تلك العادات والتقاليد العقيمة التي سلبت المرأة كرامتها وحقوقها كإنسانة وجعلتها في بعض الأحيان أشبه بجزء من قطع الأثاث والديكور في بيت أسرتها.. وقبل الثورة اليمنية كانت المرأة محرومة من حقها في التعليم وقد ازدادت نسبة الأمية عند الفتيات وفي بعض المناطق الريفية حرمت من الميراث وفي بعض الأسر ازدادت نسبة العانسات لأنه محرم عليها الزواج من خارج شجرة العائلة. وبعد انتصار الثورة اليمنية وإعلان الجمهورية اليمنية وخلال العقدين الماضيين من عمر وطن الثاني والعشرين من مايو استطاعت المرأة أن تنال القدر الكبير من التعليم من المدرسة إلى الجامعة والدراسات العليا وتبوأت المناصب الحكومية الرفيعة.. فهي اليوم قاضية ووكيلة وزارة وعضوة في مجلسي النواب والشورى والمجالس والمحليات وعميدة كلية وطبيبة ومعلمة وعالمة وصحافية وعضوة قيادية في منظمات المجتمع المدني... إلخ.. وكسبت المرأة الرهان وكانت عند ثقة القيادة السياسية العليا في الوطن فاستطاعت أن تثبت مكانتها وقدرتها على الشراكة في بناء المجتمع اليمني الجديد..وأن تتحدى كل الصعاب والتحديات ومواجهة الأفكار المعادية لتطورها وتعلمها وهي الآن في معركة متجددة ضد رواسب الماضي والعادات البالية: مثل قضايا الثأر والنظرة القاصرة نحو المرأة، والتي تفضل الذكور الذين لا يمتلكون الثقة بأنفسهم.. وقد أثبتت نساء اليمن في مختلف منعطفات مسيرة الثورة اليمنية قدرتهن على تحقيق مايخدم المجتمع وتطلعاته ولأنهن امتداد لإشراقات العقل والحكمة والقيادة الراشدة، والمتفقهة في أمور الدين المختلفة، والتي خصت وتميزت بها الملكة الصليحية السيدة الحرة أروى بنت أحمد. جبهة التعليم.. والانطلاق خرجت الفتاة اليمنية في عدن لتسجل أول مظاهرة حضارية وأعلنت الإضراب ،كان ذلك في أول فبراير 1962م عندما نظمت طالبات كلية البنات في خور مكسر- وهي اليوم ثانوية د. محمد عبده غانم - وطالبن في المظاهرة بتعريب التعليم والمناهج ورفض السياسة التعليمية الاستعمارية وإعطائهن الحق للحصول على شهادة الثقافة العامة أسوة بإخوانهن الذكور.. وقد أعلنت الطالبات اعتصامهن في الكلية وإضرابهن عن التعليم.. وطالبن أيضاً برفض مديرة الكلية والحد من تعاملها غير التربوي والتعسفي وكانت المديرة إنجليزية وتدعى “انجير” ونجح الإضراب وفرض على السلطات البريطانية تعريب بعض المواد التعليمية وتغيير مديرة المدرسة وإن كانت إنجليزية. ومن جبهة التعليم بدأت الفتاة أو المرأة اليمنية في عدن ترسم ملامح نضالاتها ضد الوجود الاستعماري لذلك نجد أن معظم أسماء قيادات وخلايا العمل السياسي أكان في صفوف الجبهة القومية أو جبهة التحرير والأحزاب السياسية الأخرى التي تشكلت هذه من المربيات الفاضلات وممن عملن في قطاع التربية والتعليم وعلى سبيل المثال: فوزية محمد جعفر، وفوزية سيف ثابت، وفطوم عبداللطيف، وعيشة سعيد ناليه، وخولة شرف، واسمهان عقلان العلس، وأم الخير أحمد. كسبت المرأة الرهان وكانت محل ثقة القيادة السياسية وإن كان لابد من وقفة إجلال وعرفان للمناضلات في مسيرة الكفاح المسلح، فإن نضال الرائدات ضد الجهل والأمية والتخلف ودعوتهن لتعليم الفتاة قبل دعوة الرجال إلى ذلك تستحق منا كل التقدير والإكبار ومن رائدات تعليم الفتاة والانتفاضة ضد حرمانها أبسط حقوقها المربيتان الفاضلتان “لولة سعيد عثمان، ونور سعيد عثمان” وقد تعلمتا على يد أبيهما الفقيه سعيد عثمان في مدينة الشيخ عثمان. وأسست الشقيقتان أول مدرسة للبنات في الثلاثينيات من القرن المنصرم في الشيخ عثمان في قسم “A” شارع بافا والتحقت معهما الأستاذة رقية قاسم محمد والأستاذة لولة باحميش وهذه المدرسة كانت عبارة عن منزل خصص، الدور الأرضي منه لتعليم الفتيات والدور العلوي للسكن. كما كان من رائدات العمل التربوي المعلمات القديرات خولة معتوق: حليمة خليل اليناعي، وآسيا حميدان، وقدرية وأسيا ميرزا، وعديلة علي غالب وسعيدة أحمد يحيى ونجيبة علبي..وفوزية غانم، وزينب عبدالسلام ومنهن من حصلن في فترة 1948 1964م على فرصة الابتعاث إلى السودان للتعليم وتخصصن في مجال التربية والتعليم بشهادة دبلوم وتخرجن معلمات وقد شهدت سنوات الأربعينيات من القرن المنصرم انتشار المدارس الحكومية وخاصة للبنات. وكانت تلك الفترة هي بداية النضال ضد الأمية والجهل، والنواة التي أسهمت في مجال التعليم على خلق الفتاة والمرأة اليمنية القادرة على كسر قيود الجهل والظلام.. وبدأ ينتشر النور وتعلمت الفتاة في عدن وخاصة في كريتر والتواهي والشيخ عثمان وخور مكسر والمعلا. انطلاق الثورة الحقيقية ومن هنا سجلت المرأة بداية انطلاق الثورة الحقيقية من جبهة التعليم، ورفعت صوتها في عنان السماء مطالبة بحقها في التعليم واستمرت انطلاقة الثورة وتأسست الجمعيات النسوية “الجمعية العدنية للنساء، وجمعية المرأة العربية”. وأصدرت السيدة مامية محمد عمر جرجرة أول صحيفة نسائية، “فتاة شمسان” وكانت تعنى بشئون المرأة الاجتماعية والثقافية.. وطالبت المرأة وخاصة في جمعية المرأة العربية بحرية وحق المرأة في العمل والمشاركة في النقابات العمالية وحث المرأة للعمل في الوظيفة الحكومية. وطالبت بالسفور مع احترام التقاليد والشريعة، ودعت إلى تشجيع تعليم البنات وإلزام كل أسرة لاستخراج شهادة ميلاد لبناتها والحد من تزويج القاصرات، ودعم الطالبات والأسر الفقيرة وتحدت منذ الأربعينيات كل منابر التخلف والإرهاب والتكفير وكل الخطابات المتشددة وواجهت الأفكار المنادية بعودة واقع المرأة في ذلك الحين إلى عهد القرون الوسطى .. وتعرضت رائدات التنوير والعملية التطويرية النسائية للنقد ومهاترات المنابر بأنهن يردن تخريب عقول بنات الإسلام.. ومازالت المرأة اليمنية اليوم تتحدى في بعض مواقع العمل تلك العقول والقامات الصغيرة التي لا تريد للمرأة أن تتقدم وتحقق النجاحات في ميادين العلم والتنمية في وطن الثاني والعشرين من مايو وتلك العقول العقيمة مازالت حتى اليوم رغم أنها تتنفس بصباحات الثورة اليمنية إلا أنها لا تستطيع أن تدرك أهمية الاتحاد العام لنساء اليمن وأهمية دور المرأة اليمنية اليوم في تنفيذ برنامج السلطة العليا وإن كان من حق المرأة اليمنية أن تكرم فلنطلق أسماء التربويات الرائدات والمناضلات الفاضلات على المدارس وفي الأحياء والمدن التي شهدت نضالهن وفاء وعرفاناً بدورهن وتضحياتهن ومنهن على سبيل الذكر لا الحصر: زهرة هبة الله، وعائدة علي يافعي، فتحية باسنيد، رقية على محمد، وسعيدة محمد جرجرة، ونجيبة محمد عبدالله، أم السعد لقمان، نجيبة الفقي، وأيضاً لولة سعيد، ونور سعيد... وذلك لحفظ دلالات رموز نضالات المرأة اليمنية.. وغرس قيم الولاء الوطني وهوية الانتماء لهذا الوطن اليمني الغالي عبر هذه الأسماء والرموز التي نذرت أرواحها وعصارة سنوات عمرها من أجل حرية وكرامة الإنسان اليمني وضربت أروع الأمثلة متحدية القوات البريطانية الاستعمارية ودباباتها ورصاصات بنادق جنود الاحتلال الشياطين الحمر وحررت الأرض التي ظلت محتلة “129” عاماً. فتحية وفاء وتقدير لكل امرأة وفتاة ناضلت وكل بيت كان ملجأ ومخبأ للثوار والفدائيين ولكل امرأة اليوم تتطلع بطموحاتها في بناء وطن الثاني والعشرين من مايو وحماية منجزاته ومكاسبه.. رغم أن المرأة كسبت الرهان وكانت محل ثقة للسلطات العليا لازالت في كفاح مستمر حتى يومنا هذا مع بعض فئات أو النفوس المريضة التي لا تريد أن تعطي للمرأة حقها في جميع المناصب والقيادات السياسية في الدولة في لماذا كل هذا العناء للمرأة ولماذا لا يعترف العالم ككل واليمن على وجه الخصوص بكل الإنجازات التي حققتها واثبتت أنها محل ثقة كونها أولاً.. أماً.. وأختاً.. وزوجة.. و...