أسفرت جهود الإغاثة واسعة النطاق التي تركّزت على إعادة بناء محافظة أبين المتضرّرة من النزاع في المحافظة عن نتائج إيجابية، ولكن بعد مرور أكثر من عام على طرد المتشدّدين الذين كانوا على صلة بتنظيم القاعدة،عاد معظم السكان، ودبّت الحياة في الأسواق، وبدأت جهود إعادة البناء، وساعدت جهود الإغاثة الدولية الناس على بدء حياتهم من جديد. وبعد إزالة معظم الألغام الأرضية، والشروع في إعادة بناء المدارس والمستشفيات، تحوّل انتباه عمال الإغاثة الآن من إجراءات الطوارئ إلى مرحلة الإنعاش المبكّر وسبل العيش، على الرغم من أن العديد من التحديات الكامنة المتعلقة بالأمن والتنمية لاتزال قائمة. وفي حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية «إيرين» قال آصف حياة، رئيس مكتب منظمة فيلق الرحمة (Mercy Corps) في عدن: “كانت هذه أسرع عودة للنازحين رأيتها في حياتي، ولم أتوقّع أبداً أن يحدث هذا، إنهم «النازحون» بدأوا في العودة إلى ديارهم بسرعة كبيرة، حتى إننا اضطررنا إلى إعادة تصميم برنامجنا في منتصف مرحلة التنفيذ من أجل القيام بتوزيعاتنا من خلال المجتمعات التي عادت”. وخلافاً لأزمة النزوح التي طال أمدها في شمال اليمن، بدأ النازحون داخلياً الذين فرّوا من أبين بشكل جماعي إلى محافظتي عدن ولحج المجاورتين يعودون إلى ديارهم بأعداد كبيرة بعد فترة قصيرة من طرد القوات الحكومية لجماعة «أنصار الشريعة» المتطرفة في أواخر يونيو 2012م. وتبيّن أحدث الإحصاءات الصادرة عن مفوضية الأممالمتحدة للاجئين (UNHCR) بشأن أعداد النازحين أن 162,253 نازحاً قد عادوا إلى أبين منذ بداية الأزمة، في حين لايزال 6,133 نازحاً فقط خارج المحافظة، وذلك حتى نهاية شهر أبريل الماضي. ولكن الوضع الأمني لايزال مصدر قلق كبير ويواصل إعاقة وصول المساعدات في أبين، وخاصة بعد التدهور الملحوظ في الوضع الأمني خلال الأشهر الستة الماضية. في شهر مايو، تم اختطاف موظفين تابعين للجنة الدولية للصليب الأحمر (ICRC) في مناسبتين منفصلتين في غضون بضعة أيام، ومنذ ذلك الحين، خفّضت المنظمة دعمها الجراحي للمستشفى الرئيسي في جعار، على الرغم من استمرارها في تقديم الدعم الطبي، وستقوم بتسليم جناحين من أجنحة المستشفى بعد إصلاحهما . وقال دانيل كافولي، رئيس البعثة الفرعية للجنة الدولية للصليب الأحمر في عدن: “إننا نواصل العمل وتوسيع برنامجنا حيثما يسمح الوضع الأمني بذلك، ورغم الصعوبات التي تعوق وصول الموظفين الدوليين، ولكننا تمكنا من تنفيذ برنامجنا ونبذل جهوداً جبّارة لخدمة أبين”. تجدر الإشارة إلى أن هذه القيود تجعل رصد برامج المعونة أكثر صعوبة، وغالباً ما تعتمد الوكالات الدولية على شركاء محليين للمساعدة في تنفيذ المشاريع. ومن جانبه أفاد مانينجي مانغوندو، مدير برنامج منظمة أوكسفام في مدينة عدن أنك “عندما تقوم بالتنفيذ عن طريق السكان المحليين، تجد أن الوصول إلى المجتمعات المحلية أكثر سهولة”. وأضاف: إن القرى المستفيدة تكون في كثير من الأحيان في وضع أفضل لتوفير تقارير أمنية حديثة. لكنه أشار إلى أن قدرات الشركاء المحليين قد تكون محدودة، وهو ما شكا منه عمال إغاثة آخرون أيضاً. وأوضح حياة من منظمة فيلق الرحمة أن “النسيج الأمني لم يتغيّر، ما يعني أن سفر موظفي البرنامج إلى الميدان لايزال يخضع لقيود شديدة”. وأضاف قائلاً: “إننا نحاول تنفيذ برامج تُدار عن بُعد مع الشركاء المنفذين المحليين، لأن الموظفين المحليين أكثر قدرة على التحرُّك، ولكن هذا يجلب معه الكثير من التحديات المتعلقة بالرصد والجودة، لاسيما أن مشاريعنا الهندسية تتطلّب الرصد والتوجيه المتخصص”. ومن الجدير بالذكر أن إحدى الاستراتيجيات المتبعة هي تطبيق العديد من آليات دفع المال القياسية من أجل استمرار التقييم الثابت لتنفيذ البرنامج، ولكن في مجالات مثل التمويل المتناهي الصغر، كان من الصعب اجتذاب المقرضين لأنهم يخشون من قلّة وسائل المطالبة بتسديد أقساط القروض. الحياة تعود إلى طبيعتها لم يسلم من الدمار الذي نجم عن القتال بين الحكومة ومسلّحي «أنصار الشريعة» سوى القليل من المباني في المناطق التي اندلعت بها معارك. وقال منسق الشؤون الإنسانية في اليمن اسماعيل ولد الشيخ أحمد خلال حوار مع شبكة الأنباء الإنسانية إن مساعدة الناس على إعادة بناء منازلهم ومجتمعاتهم وتعليمهم المهارات اللازمة لكسب الرزق أمر حيوي. وفي هذا الصدد، يركّز العمل الحالي على إعادة خدمات الكهرباء والمياه في البلدات والمدن، وإعادة بناء البنية التحتية المادية، وقد تلقّى العديد من السكان الآن منحاً جزئية من صندوق إعادة إعمار أبين الذي تم تأسيسه خصيصاً لهذا الغرض، على الرغم من أن العديد من الناس في أبين اشتكوا لشبكة الأنباء الإنسانية من عدم عدالة توزيع المبالغ الممنوحة للسكان وتفاوتها، ومن ناحية أخرى، أشار تقييم أجرته مؤخراً منظمة فيلق الرحمة إلى أن شهية العائدين للسلع غير الغذائية «التي تم توزيعها بأعداد كبيرة» قد تناقصت، وشدّد غالبية الذين تم تقييمهم على أهمية توفير دعم سبل كسب العيش على المدى الطويل. وفي هذا الصدد، تقوم الوكالات الإنسانية مثل اللجنة الدولية للصليب الأحمر والمنظمة الدولية للهجرة وفيلق الرحمة بتنفيذ مشاريع النقد مقابل العمل والتدريب على سبل العيش، بما في ذلك تنظيف قنوات الري وتوفير معدّات الصيد وتوزيع البذور. وقال حياة من فيلق الرحمة: “تكاد تكون هناك أزمة اكتظاظ الآن؛ فقد أصبح من الصعب العثور على مستفيد لم يحصل على بعض الدعم”. وأضاف قائلاً: “طالما أننا نستطيع أن ندعم عائلة واحدة بطرق مختلفة، فإنني سوف أدعمها، ولكننا لا نريد أن ندرّب نفس الشخص على الميكانيكا والزراعة والتجارة”. لكنه يؤكد أن التنسيق يساعد على حل المشكلة، مضيفاً أن “مجموعات العمل القطاعية هنا فعالة جداً، وأعتقد أنها أكثر المجموعات التي صادفتها تنسيقاً”. كما يشعر حامد من المجلس المحلي في أبين بالتفاؤل أيضاً بشأن العمل المنجز حتى الآن من قبل وكالات الأممالمتحدة وغيرها قائلاً: “لقد دبّت الحياة مرة أخرى في البنية التحتية وفي كل شيء في أبين، دمّرت الحرب كل شيء تقريباً، ولكن الآن الحياة تعود إلى طبيعتها”.