Abdelaziz Gougas ألوان البنفسجي: غابة من أحلام، طوق في عنق الألفة والآلاف لم يمنع الحمام من الهديل، أثر لخطى كاشفة عن عوالم جديدة، خطى ترتمي في أحضان المجهول لتهبنا سره، هو اللغز حين ندخل سراديب عتماته بكامل الوضوح، صفاء فكرة تسترخي على بساط عسجدي، تستريح من تعب الخلق وقلق الخالق، لون التردد والغموض، وزمردة الاختلاف والحزن الهادئ البعيد الغور، وطن يزهر في يني فاتح ينقب عن الرحم الذي يلد الشمس.. حين يلتبس البنفسجي بجسد امرأة نحبها يصبح له طعم التيه اللانهائي، بعيداً عن الاستقرار الممل للوجود. إحساس بالتوازن الأكبر هو، على جسد امرأة تمشي كالطاووس، مثل طمأنينة غريبة تحس معها المرأة بتوازن كيانها على إيقاع كعب حذائها.. هو صوت أنثى ناعمة تقول لك: “أعشقك” بلغة هشة ودودة، وحين تلمس شعيرات قلبك، تعتذر عما لم يبديه الربيع من زينة الحياة. البنفسجي ترياق قاهر للدغات اليأس، هو الأمل حين ينتصب مثل السراب في لحظة تيه، يمنح السراة دليل حياة، هو لون روحي بامتياز يفتح نوافذ التوهج، ويحرر النفس من أردان ما علق بها من شظايا فضلات الحياة الرمادي: وجه القمر حين يبدو كابياً أو حين يشتعل بالحنين إلى الذكريات الجميلة صحبة العشاق، نزهة في أول الخريف أو حين يبدأ الليل في محو الفروق الدقيقة بين الأشياء.. يصلح لرسم جسد كوكب بعد هبة ريح، أو تطاير رذاذ المطر.. يليق لتصوير الرغبة في التعبير عن الأسف على نوم البحر وإيقاظ النورس على إيقاع أجراس الأقدام العارية على الرمل.. هو لون الحذر، كلما تضخم في اللوحة، كلما رسمنا به ملامح الانكسار وانحسار العالم من حولنا، فالرمادي رفيق حميم للمعاناة من النشأة والتكوين حتى تجسيد اللون على اللوحة. نرسم به رائحة تكدس الكآبة والغبار على محيا تمثال متروك لعزلته وخالٍ من حرقة الشهوات، الأنين الصادر عن باب هجره الأهل دون أن يلقوا تحية الوداع، يصلح لرسم كؤوس محطمة مثل قلوب بشرية.. تأرجح خطو فكرة بين نفق وآخر، ظل لرموش مثقلة بالدموع والسنين.. قطرات الموج وحلمه بتقبيل شفة لا يبللها ملح البحر، أثر لخطى قدر آثم، خيط السحاب في دمعة حزينة أو ظل قبلة محتجزة. الرمادي يصلح لرسم غابة من الأصوات والدخان، الذكريات الجريحة والأحلام المحبطة، وكؤوس النسيان في حانة فقيرة.. برودة موقد النار حين يحس باللاجدوى في عز الشتاء، أثر الكائنات بعد مرور الممحاة على صفحة الوجود، أو ظل فراغ يقاسي صقيع الظلمة.. هو الغبار المتكوم على بوابة كتاب لم تغازله يد، ولون الحيرة والكآبة في رأس شاعر. هو خريف توهج الحريق وما يخبئه الهواء عن أعين الجمر، صوت التوجع في تجاعيد سترتي الوحيدة، ظلال الصدى المتشرد حين يحتج الصمت ويسترجع صوته. أثر جرح الوردة للجدار، حنين الغيمة للبكاء من أجل النسيان ولتصبح السماء شفيفة كبسمة طفل والأرض أبهى، أو حين يتيه الريح في عتمة شعر الحبيبة الأحمر: شقيق الألوان الرئيسة، صحبة الأخضر والأزرق، رائد الأشياء نحو حتفها وبوابة لإثارة دم الحياة في أعضاء المستحيل لمسه، هبة السواد وشهوة القتل.. قبلات حارقة معتقلة في الشفاه، لون خادع لشفاه فاتنة صادقة وقد يكون تلميعا لشفاه منطفئة وماكرة. الأحمر هو الروح المزدوجة بين أول الصباح وأول المساء.. بهجة بكارة الأشياء، رائحة الانجذاب لشيء سحري، والعتبة العليا للخجل العذري لبنات الطبيعة أو العنف النابت في طي الضلوع المنفلت من العين الحمراء.. لون السديم ولحظة المخاض الأول للوجود، رائحة الشراب المحرم بوصايا الآلهة.. لون شفيف للسلافة وحمرة شقائق النعمان، أثر قبلة لامرأة تحب أن تترك وشمها حياً فينا حتى حين تذوي.. عشق الحياة ودينامية العواطف المتأججة لأنه يرفع مستوى الأدرينالين في جنوننا، هو دليل اندفاع الأنوثة في الجسد، مواجهة رائحة السم في الدسم. الأحمر يصلح للتفاصيل الدقيقة للنكسات العاطفية والتوترات الشخصية كما تحملها ملابس الإعدام، سربال الموت في السجن الأكبر للحياة.. كلما كان غامقاً كما عند فريدة كاهلو، خاصة في بورتريهاتها الذاتية، حملنا إلى وجع الانكسار والتلف والأنين الصامت، حين نختم ضجيج الشغب والأسرار المزعجة بالشمع الأحمر، أو نقضي على سلالة شعب الهنود بحثاً عن الذهب أو بحجة المغامرة لاكتشاف صدقية كروية الأرض.