«نجح اليمن, وها هو يقف على أعتاب مرحلة جديدة في تاريخه»؛ هذا ما يتردد على ألسنة زعماء العالم بعد ما يزيد عن نصف قرن من الصراع وشهوة الاستحواذ على السلطة والثروة. «ولم يعد هناك مجال للتهاون والفشل»؛ هكذا كانت قناعات الأطراف اليمنية التي خلعت عن كاهلها أحقاد الماضي وتبعاته، واتجهت نحو طاولة الحوار في ال 18 من شهر مارس 2013؛ لتضع حلولاً عادلة لقضاياها ومعالجات لأمراضها المزمنة التي ظلت تأكل من جسد اليمن، ولا تأبه لمستقبله المجهول. «انتصرت إرادة الشباب في التغيير»؛ هذا ما تؤمن به كل الأطراف اليمنية، وما يؤكده المجتمع الدولي، وما تكرر في خطابات الرئيس هادي؛ باعتبار أنهم من أشعلوا نار الشوق في قلوب الجميع لوطن آمن ومستقر يحكمه النظام والقانون لا الولاءات وسياسة «هدم المعبد على رؤوس الجميع». اليوم يقف اليمنيون عند أول بارقة أمل، ويرمقون بأعينهم أول نقطة ضوء تسير بهم نحو المستقبل, رغم كل العراقيل التي كانت تصطدم مع طموحاتهم, ومعاول الهدم التي لاتزال تضرب في جسد الأمن والاقتصاد، ومنذ منتصف العام 2011 وحتى اليوم. يقول الدكتور أحمد عوض بن مبارك، الأمين العام لمؤتمر الحوار الوطني الشامل: «إن اليمنيين سيحتفلون اليوم بإنجازهم الحضاري والتاريخي ممثلاً في نجاح مؤتمر الحوار الوطني الشامل، الذي يعد تجربة فريدة ليس في تاريخ اليمن الحديث بل في المنطقة عموماً، وقدم نموذجاً يحتذى به في تجارب الديمقراطيات الناشئة، وسبل معالجة القضايا والخلافات الوطنية بأرقى ما توصلت إليه تجربة البشرية في تاريخها الطويل، وتحقيق أقصى قدر من التوافق حول القضايا المطروحة». هو يدرك وغيره كثيرون أن إنجازاً كهذا لا يمكن له أن يحدث والبلد يركض في مستنقع من الأزمات والمظالم جنوباً وشمالاً، وخلال ثلاثة عقود كان هناك من يمهّد الطريق للسير نحو الخراب والاقتتال, غير أن قناعات اليمنيين بضروة استعادة البلد وإنقاذ وحدته أثمرت في هذا الإنجاز. مرت ثلاث سنوات من عمر الثورة الشبابية الشعبية, ومن أوقدوا شرارتها مازالوا يتطلعون إلى المزيد, لكن قناعاتهم لاتزال راسخة بأن البلد يسير في الطريق الصحيح، ويطالبون كافة أبناء الوطن بمساندة ودعم مخرجات الحوار؛ حتى تجد طريقها للتنفيذ. المنسقية العليا للثورة الشبابية الشعبية أكدت في بيان لها يوم أمس الأول أن أهداف الثورة الشبابية الشعبية السلمية هي أساس بناء اليمن الجديد والدولة المدنية الحديثة، مشددة على ضرورة تكاتف كافة الجهود الوطنية والعمل صفاً واحداً لإعاقة كل المؤامرات والمخططات الهادفة إلى عرقلة مسيرة التغيير وإشاعة الفوضى في الوطن، وهو ما حذّر منه الرئيس عبدربه منصور هادي أكثر من مرة، مؤكداً أنه لا مجال للتهاون والخذلان وإشاعة الفوضى، وأنه لن يقبل أن تظل وثيقة مؤتمر الحوار مجرد حبر على ورق، بل سيتم العمل على تنفيذها بصورة دقيقة وحرفية، وبشكل متدرج خلال الفترة القادمة، متجاوزاً كل التحديات. هو إنجاز تجاوز مخاوف المتباكين على مصير الوحدة، رغم إدراكهم أن المخاوف التي ظلت تطارد حلم اليمنيين جميعاً بوطن موحد ومستقر هم من نسجوا خيوطها بطول الوطن وعرضه بحسب ما يؤكده المراقبون للشأن اليمني, كما تجاوز هذا الإنجاز - وفقاً لما أكدته هيئة رئاسة مؤتمر الحوار - كل العراقيل ومخططات التخريب المتعمد للمصالح الحيوية ومقدرات البلد. يتطلع اليمنيون للدولة المدنية الحديثة من خلال تنفيذ المخرجات التي أكدت عليها وثيقة الحوار الوطني الشامل بإجماع كل الأطراف, وعلى المسكونين بإرث الماضي وشهوة التسلط أن يخرجوا من «الجحور المظلمة» إلى فضاء العمل السياسي، وهو مطلب جميع اليمنيين.