«الشرفاء» فقط يدركون المخاطر التي تُهدد حاضر ومستقبل وطنهم، يلتقون ويتحاورون من أجل «الإنقاذ»، ف «الحوار» لغة العصر وفلسفة العقلاء، به تتحد الرؤى، وله تنحني «حكمتنا» اليمانية، وما هو مؤكد أننا اليمانيين نختلف كثيراً؛ لكننا في النهاية نجيد فن التنازلات الشجاعة وتطويق الأزمات ب «الحوار»، وفي ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا حقيقة: أن «ما لليمن إلا أهله». عيد وطني هناك في «موفمبيك» حضر الجميع بقلب وعقل منفتحين، توحدت الآراء، وتقاربت وجهات النظر، وتعددت الحلول.. احتكم الجميع ل «الحوار»، وتكلم الجميع بلغة «الحوار»، تخلوا عن أسباب المصالح الذاتية الضيقة، وأصبحت مصلحة الوطن وسلامته ووحدته واستقراره هي المصلحة العليا. ولأن هذا الوطن قدم لأبنائه الكثير، حق لشرفائه وعقلائه أن يعطوه ما يستحق، حتى لا يذهب الجميع أدراج الضياع، كان «الحوار» أم الحلول، سقطت أمامه كل الذرائع والشروط التي اعترضت طريقه، لينتصر في النهاية، وما انتصاره إلا انتصار ل «الوطن»، وحق لنا أن نجعل من هذا اليوم «عيداً وطنياً» نتباهى ونحتفي به. حكمٌ عام «الحوار» مع الآخر، أحد ركائز هذا الدين المهمة بدليل «قل تعالوا إلى كلمة سواء»، كما أن الهدف من تنوع الخلق هو التعارف والتعايش والتفاهم تحقيقاً لسنة الله في التدافع والتكاثر والتنامي، وهو الأمر الذي لن يتم إلا بالتنوع، ولذلك فإن «الحوار» يصبح ضرورة من أجل استمرارية الحياة وإقامة العمران، والقرآن الكريم كلام الله الخالد كثيراً ما حثت آياته البينات على الإصلاح بين الناس والدعوة بالتي هي أحسن، وثمة قاعدة قرآنية أكدت أهمية الإرادة في حسم الخلاف بين الفرقاء، سواء كانا زوجين أو حزبين أو فريقين، وإن كانت الخصوصية بارزة في هذه القاعدة إلا أن علماء دين كُثراً أكدوا شمولية القواعد القرآنية، ونص القاعدة القرآنية يقول تعالى: «إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما». «الحوار» إذاً واجب شرعي ومبدأ ديني أصيل، وقد جعله الله سبحانه وتعالى سنته لتكوين الإنسان واستخلافه، وأرسل الله سبحانه وتعالى الأنبياء ليعلموا هذا الإنسان حقيقة الكلمة التي تأخذ وتعطي وتعالج الخلافات من خلالها، فكان «الحوار» هو أسلوب أنبياء الله ورسالتهم إلى البشرية، وكان القرآن الكريم هو كتاب «الحوار» الأول الذي اشتمل على الأمور الربانية الموجبة ل «الحوار» بين الناس. القضية الجنوبية تحولت «القضية الجنوبية» بفعل التحركات الميدانية إلى مشروع مُسيطر، يمسك بزمامه أكثر من طرف، واتجه «الحراك» بشكل مُطَّرد نحو التجذّر والاستقواء في الداخل والخارج، ووصل إلى أقصى درجات الخطورة بتجاوزه ذلك التأطير المطلبي إلى رفع شعارات انفصالية ذات بعد مناطقي مقيت، ومقابل تلك النزعة المتطرفة ظهر من داخل مؤتمر الحوار من يرى أن «القضية الجنوبية» حقيقية غير مفتعلة، وأن حلها الجذري والسريع ذو أهمية لما له من حيوية وطنية تخدم قضية الوحدة برمتها، بما تحتاجه من حلول سياسية شاملة تؤدي إلى إصلاح مسار الوحدة وإزالة آثار حرب 94م، وتقود إلى «الاندماج الوطني» في سياق «المصالحة والتسامح.. بآفاق وطنية شاملة»، ولهذا كانت وثيقة حل القضية الجنوبية والتي وقعت عليها كافة المكونات السياسية المشاركة في الحوار أول خطوة ناجعة في تصحيح هذا المسار. والأهم أن دول العالم الأساسية اجتمعت حول دعم هذا التوجه، لاعتبارات جمة أهمها أن أمر الوحدة معقود على المصالح العالمية ولا يمكن التفريط فيها، ولأن اليمن يقع على طريق الثروات، فضلاً عن كونه يتمتع بقدر من الثروة النفطية والغازية، وبالتالي فإن استقراره عنصر حيوي للغاية، كما أن اختيار الجماهير اليمنية ل «عبد ربه منصور هادي» في فبراير 2012 رئيسا لليمن الموحد، ودعمه إقليمياً، ليس بالأمر الهين، وله أبعاده وانعكاساته الإيجابية على كل قضايا الوطن المتراكمة التي ورثها «الرجل» مجبراً ك «تركة ثقيلة» ومعقدة، بعد أن أجاد سلفه اللعب بها وترحيلها.. كائنات طفيلية ثمة كائنات طفيلية لا يهمها خير اليمن، يقتاتون على آلام الناس وأوجاعهم، يمارسون حماقاتهم بسذاجة متماهية؛ والتصدي لهؤلاء يكون بتغلبنا على أحزاننا، وإذابة خلافاتنا ب «المنطق والعقل»، لأن الثورة الحقيقية ليست فعلاً جنونياً أو فوضى خلاقة، بل هي فكر نهضوي ومقاومة قيمية وأخلاقية، ونجاح الحوار الوطني في ظل هذه المتغيرات كانت أكبر عملية جراحية لوطن مُنهك، وتكريس لبناء دولة مدنية يسودها القانون والقضاء العادل، وطالما كان «الحوار» خيارنا المُنقذ، نكون قد أغلقنا الأبواب والنوافذ أمام رياح السموم الوافدة، وضيقنا الخناق على كافة التحالفات المشبوهة التي لا تريد الخير لهذا الوطن المُثقل أصلاً بجراحات غائرة. نحن إذاً في أمس الحاجة إلى «الحوار» فيما بيننا، لمراجعة أنفسنا، ومراجعة أخطائنا وعيوبنا، والجلوس على مائدة سعة الصدر المستديرة.. ووجب التذكير هنا أن تحصين جبهتنا الداخلية من أهم الأوليات، وعلى الجميع استشعار هذه المسئولية كل من موقعه، بعيداً عن المكايدات والمماحكات والقناعات غير السوية، ونحن إذا ما وصلنا إلى الغايات المنشودة من «الحوار» حتماً سنصل وسنرتقي إلى المحطات التنموية الأخرى بطرق ميسرة وسهلة، طالما أزيلت أمامنا التحديات واقتلعت جذور التباينات والمشكلات، وتقزمت الأزمات..