الحوار مع الآخر،من ركائز هذا الدين المهمة بدليل: «قل تعالوا إلى كلمة سواء»، كما أن الهدف من تنوع الخلق هو التعارف والتعايش والتفاهم، تحقيقاً لسنة الله في التدافع والتكاثر والتنامي، وهو الأمر الذي لن يتم إلا بالتنوع، ولذلك فإن الحوار يصبح ضرورة من أجل استمرارية الحياة وإقامة العمران.. استشعار المسئولية يعرف الحوار ب (الجدل) وفق مبدأ مقابلة الحجة بالحجة، (وجادلهم بالتي هي أحسن) ذلك أن المجادلة بالتي هي أحسن هو الحوار، لأن الهدف هو الإقناع والتربية والتوجيه.. كما أن التنوع هو مجال الاختيار وسبيل النمو والتكاثر والارتقاء والحوار، ما هو إلا تجسيد لهذا التنوع وهو سبيل العمران والتكامل والتعاون وإغناء النفس بميولها النفسية للاجتماع واستدراك حاجاتها الحياتية التي لا بد أن تتوفر ضمن جماعة وإنجاز مشاريعها الكبيرة التي يعجز عنها الأفراد. يقول الباحث مجيب الشميري: إن تحصين الجبهة الداخلية من أهم الأوليات، فاليمن فوق كل شيء، وعلى الجميع استشعار هذه المسئولية كل من موقعه بعيداً عن المكايدات والمماحكات والقناعات غير السوية، وتحت مظلة النظام والقانون الذي وجد لحماية المصلحة العليا للبلاد. حكم عام القرآن الكريم كلام الله الخالد كثيراً ما حثت آياته البينات على الإصلاح بين الناس والدعوة بالتي هي أحسن، وثمة قاعدة قرآنية في غاية الأهمية أكدت أهمية الإرادة في حسم الخلاف بين الفرقاء، سواء كانا زوجين أو حزبين أو فريقين، وإن كانت الخصوصية بارزة في هذه القاعدة إلا أن علماء الدين أكدوا شمولية القواعد القرآنية.. ونص القاعدة القرآنية يقول تعالى: «إن يريدا إصلاحاً يوفق الله بينهما». حول هذا الاستنباط كان لي تواصل مع الشيخ أحمد الصرمي، عضو هيئة علماء اليمن، وبدوره أجاب أن النص القرآني ليس مقصوراً على الخلافات الزوجية، بل هو حكم عام يرشدنا الله تعالى فيه إلى أهمية الإرادة في حسم النزاع والخلافات على كل المستويات. ومن هذا المنطلق أضاف الشيخ الصرمي: إن يمن اليوم يعيش مرحلة تقرير مصيره، وانتشاله كلياً من آثار الاستعمار ومخلفات الإمامة، عبر تحكيم العقل والمنطق، وأخلاقيات الإسلام تستلزم مكافأة أهل الإحسان بالإحسان، وهي تدعم وتساند دعاة الحق الذين يريدون ويتطلعون لإصلاح العباد والبلاد. لم يقف شيخنا الصرمي عند هذا الحد، بل وصف الحوار بمثابة السير في طريق آمن لتحقيق التغيير المطلوب، وكسب معركة المستقبل بالتعبير الصادق والأمين، وانتصاراً لإرادة الشعب في تلبية تطلعاته وتحقيق أمانيه. وشبه الشيخ الصرمي الذي يقف ضد الحوار بالشيطان الرجيم، الذي أملى القتال على قابيل بقتل هابيل؛ لأنه لا يسعد إلا إذا سفكت الدماء، وأقيمت ولائم الحروب بين الإنسان وأخيه في كل زمان ومكان، مضيفاً أن الواجب على الجميع الالتفاف الصادق حول الحوار، وعلى العلماء وأهل الرأي السديد أن يبادروا بمقترحاتهم عملاً بالنصيحة وإدلاءً بالرأي السديد، كما حثنا ديننا الإسلامي الحنيف، وبذلك يستطيع الوطن الخروج من مآسيه. كتاب الحوار الأول يقول الشيخ عبدالعزيز الدبعي: إن الحوار واجب شرعي على الجميع، ففيه تتجسد ملامح التقاء الأخوة تحت مظلة حب الوطن والدفاع عنه، وهو -يقصد “الحوار”- مبدأ ديني أصيل، وقد جعله الله سبحانه وتعالى سنته لتكوين الإنسان واستخلافه، وأرسل الله سبحانه وتعالى الأنبياء ليعلموا هذا الإنسان حقيقة الكلمة، التي تأخذ وتعطي وتعالج الخلافات من خلالها، ويكون لها صداها وتأثيرها الإيجابي، فكان الحوار هو أسلوب أنبياء الله ورسالتهم إلى البشرية، وكان القرآن الكريم هو كتاب الحوار الأول، الذي اشتمل على الأمور الربانية الموجبة للحوار بين الناس، كما احتوى على أروع النماذج للحوار المتعلق بقضايا العقيدة والمبادئ والأخلاق والمعاملات لترسيخ مفهوم الحوار وبيان آدابه وأحكامه حتى يعلم الإنسان فن الحوار وطريقة الإقناع وتغيير القناعات والجدال بالتي هي أحسن. جسور التفاهم ويستطرد الشيخ الدبعي في حديثه معتبراً أن الحوار بألوانه المتعددة هو الحقيقة التي أكدتها النبوة على مر العصور، ودلل عليها الواقع، وأثبتها التاريخ البشري بأنه هو طريق الوصول إلى الإنسان، وهو وسيلة النبوة من لدن آدم عليه السلام، ذلك أن النبوة قرآن وبرهان وبيان قبل أن تكون سلطاناً، وأمة وفكرة قبل وبعد أن تكون دولة وسلطة.. واردف الشيخ أنه بالاستقراء المتفحص للقرآن الكريم وسيرة وسنة النبي صلى الله عليه وسلم يثبت أن الإسلام نظام شامل لا يتخلى عن هذا الجانب المهم «الحوار» فالعنف والمواجهة لا تأتي بخير، بل ربما تصنع حواجز نفسية، تحول دون إمكانية الالتقاء حول مائدة واحدة، وحتى يأخذ الحوار بعده المطلوب لا بد من حسن الإعداد له، وذلك بتصويب المقدمات الخاطئة حتى لا تنتهي بنا إلى نتائج خاطئة، تنسف جسور التفاهم. أسس سليمة حياتنا الإسلامية ليست سائبة فوضوية، إنما هي حياة منضبطة بعقيدة وأحكام وآداب، وهي جميعها تشكل الدين الذي ارتضاه الله لنا، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يمنعن رجلاً هيبة الناس أن يقول بحق إذا علمه». بهذه المقدمة ابتدأ الشيخ عبد الرحمن القاضي حديثه، مضيفاً: إن ديننا الإسلامي الحنيف أكد قيمة الحوار وأهميته في حياة الأمم والشعوب يقول تعالى: «ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن»، وأضاف: وبما أننا نمر بمرحلة هامة وصعبة فلقد صار الحوار واجباً شرعياً، ولن يتأتى هذا الحوار وينجح إلا إذا كان بنّاءً وهادفاً عبر أسس سليمة ومنظمة.