لاشك أن اللجوء إلى أسنة السلاح وأسنة الموت في سبيل سفك الدماء وإزهاق الأرواح وقتل الحياة في النفوس ، جريمة بشعة تقشعر لها الأبدان ، وتشيب من هولها الرؤوس ، وبسببها تحترق القلوب وتتأزم النفوس وتهطل الدموع ، وتتوتر الأعصاب ، وتتجمد الدماء في العروق .وغالباً ما يقف الإنسان أمام جريمة الاعتداء على الحياة وسفك الدماء محتاراً قد لا يجد تعليلاً مقبولاً ، ابتداءً من أول جريمة ارتكبها الإنسان عندما قتل قابيل هابيل ، وحتى آخر جريمة ارتكبها متهور قبل لحظات في مكان ما .وبعيداً عن أسباب القتل ودوافعه ومبررات مرتكبه ، فهو بكل المعايير وجميع الشرائع والقوانين والأعراف اعتدا أثم وجرم عظيم ، تأبه النفوس السوية والعقول السليمة . ولا فرق بين سفك دم إنسان واحد أو سلب الحياة عن مجموعة من البشر أو الاعتداء السافر الذي يستهدف أبرياء بشكل عشوائي لتحقيق بعض الأهداف ، مثل أعمال العنف والتفجير والتدمير التي تحدث اليوم هنا وهناك ، أو عمليات التمرد والخروج المسلح على السلطات الحاكمة ورفع السلاح في وجهها والاعتداء على رجال الأمن والجيش . وبعيداً عن تفاصيل جرائم القتل وإزهاق الأرواح في أوساط المجتمعات بمختلف أنواعها وأشكالها فليس هذا مقامها ، إنما المقصود هنا الوقوف على ظاهرة مؤلمة وخطيرة ، بدأت تتزايد مظاهرها في عصرنا هذا من قبل بعض الغلاة المتطرفين ، تحت مبررات واهية ، ودوافع مفتعلة ، وذرائع سقيمة ، وحجج ملفقة ، وبراهين متعسفة ، ترمي إلى إباحة تنفيذ بعض أعمال العنف الدموية ، بدعوى الجهاد في سبيل الله ومقارعة أعداء المسلمين ونصر القضايا الإسلامية ، مما يؤدي إلى الخروج على سلطة الدولة ، وعدو الاعتراف بمشروعيتها ، وعدم احترام دستورها وقوانينها وأنظمتها ، وبالتالي رفع السلاح في وجهها واستهداف مؤسساتها ، والاعتداء على غير أبناء البلاد والدين ممن سمحت الدولة لهم بالدخول إلى أراضيها لعمل ما أو لمجرد الزيارة والسياحة ويتم ارتكاب هذه الأعمال العنيفة نكاية في السلطة إلى جوار تنفيذ برنامج فكري منبثق عن معتقد راسخ ، لا يخضع للدراسة والنقد والتقويم ، لكون أصحابه وللأسف الشديد ، يرون أنفسهم يرفعون راية الحق ، ويقومون بجهاد مشروع وواجب مقدس ملقي على عاتقهم ، تخاذل عنه كثيرون . وهنا أقول : لماذا يخلط هؤلاء الغلاة الأوراق بهذه الصورة ؟! ولم لا يقفون طويلاً عند مخاطر القتل ومآسي سفك الدماء؟! لماذا لا يستلهمون هدى الإسلام في التعامل مع القضايا وتحديد الموافق؟ لماذا يخالفون تعاليم الإسلام في ظل أدعائهم نصرته والدفاع عنه؟! لماذا يسيئون للدين في ظل حرصهم على خدمته؟ ثم لم لا يسلكون السبل الصحيحة والطرق المشروعة في المعارضة والنقد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والاحتساب على بعض المخالفات الدولية وسياستها الخاطئة وأعمالها المرفوضة؟! إن رفع السلاح وتدمير المنشآت وسفك الدماء ليس هو الحل لأنجع والطريق الأمثل والسلاح الأجدى ، بل هو سلاح الضعف والجهل وهشاشة الحجة والمواقف . أما السلاح الأم ى والأسلم ، سلاح القوة والثقة ، سلاح الحجة والبينة ، سلاح الصدق والإخلاص ، سلاح البناء والإعمار ، سلاح الإصلاح والتغيير ، فو سلاح لا يسفك دماً حراماً ، ولا يقتل إنساناً بريئاً ، ولا يزهق روحاً حية ، ولا يمزق مجتمعاً موحداً ، ولا يؤذي وطناً مستقراً ، ولا يشوه ديناً سمحاً . إنه سلاح يصون حياة الناس ، ويحفظ أرواحهم ، ويتبنى قضاياهم ، ويحمل همومهم ، ويحمي حقوقهم ، ويعالج مشكلاتهم ، وينتصر لمظالمهم ، ويعلي دينهم ، ويبني أوطانهم ، ويرفع شأنهم . وما ذلكم السلاح إلا أسنة اللسان والقذائف التي تنطلق من فوهته قوية وفاعلة ومؤثرة فتسطر أقوى العبارات وأصدق الكلمات . فهو سلاح لا يخيف ولا بد أن يحقق الكثير من النتائج المرجوة ويؤدي الرسالة المطلوبة ، بعيداً عن العنف والدمار والخراب والإفساد . إذاً يمكن اللجوء إلى الألسن الناطقة ، والأقلام الكاتبة ، والكلمات الهادفة ، والأساليب الناضجة ، للتعبير عن الرؤى والقناعات ، وإعلان المواقف والاجتهادات ، والاعتراض على السياسات والممارسات ، ونقد الأعمال والأخطاء ، ويمكن للقلم أن يترجم المواقف ويوصل الرسائل القوية لمختلف الجهات المعنية . لكن في المقابل ، لتفعيل هذا السلاح الإيجابي البناء ، لا بد من توفير المساحة الواسعة لحريته وانطلاقته دون ضغط أو حجر أو تضييق عليه ، وعدم السماح بأي منع أو مصادرة ، لما تنطق به الألسن ، وتخطه الأقلام ، ذلك أنه إذا ضاقت مساحة الحرية ، وحوصرت الألسن ، وصودرت الكلمات ، وكسرت الأقلام ، وقمعت الألسن ، وتغير الاتجاه ، وتولد العنف ، وشحذت الأسنة القاتلة ، وظهرت لعبة الموت . وعلى الحكومات أن تختار بأي اتجاه تدفع ، وأي منهم تشجع ، وتحسن الاختيار ، حتى لا تكون شريكة في صناعة ثقافة العنف وأسنة الموت .