هذه الرسالة كتبها رائد التنوير في اليمن الأستاذ أحمد محمد نعمان إلى النقيب البطل عبد الرقيب عبدالوهاب. إلى الذين منحهم القدر فرصة نادرة.. ليحملوا فيها السلاح بعد أن عاش آباؤهم قروناً لا يحملون سوى المحراث إلى هؤلاء أتوجه بالرجاء طالباً ألا يضيعوا الفرصة التي منحهم القدر إياها وأن يحسبوا لخطواتهم ألف حساب وأن يكونوا على جانب من الحيطة والحذر و الحكمة والبصيرة وعدم التورط في الصراع مع الآخرين...كما أحذرهم ألا يغتروا بالسلاح ولا يحاولوا تحدي إخوانهم وزملائهم السابقين الذين احتكروا السلاح...فإنهم سيثيرون العصبيات القبلية والنعرات الطائفية.. ويعرضون أنفسهم للانتقام من ذوي المصالح والمكاسب. إنني أكرر الرجاء وألح في الطلب والتشدد في التحذير.. وأناشدهم ألا يستجروا آلام الماضي أو يفكروا بالأخذ بالثار أو يستعيدوا ذكريات القرون والأجيال. إن الذين عاشوا في الماضي كان لهم عذرهم في التعصب واحتكار السلطات والاستغلال والارتزاق بالسلاح. ولكنا في العصر الحاضر عصر العلم والتحرر والتطور والحضارة لا يقبل منا ما كان يقبل ممن عاشوا في الماضي ولنعذر كما يعذرون أن واجبنا ما دامت الفرصة بين أيدينا أن نعلم أولئك الذين حكمونا بالأساليب الظالمة القاسية علموهم كيف ينهجون السبيل القويم سبيل الرفق والإنصاف لا سبيل العنف والإجحاف. حتى يتأثروا بسلوكنا وأسلوبنا ويعاملوننا نفس المعاملة. فيما لو فشلنا وأصبحنا تحت رحمتهم من جديد. علينا أن نعلم الآخرين كيف يتعاملون مع كل المواطنين وأن نرسم لهم الطريق الصحيح لتحقيق الوحدة اليمنية الشاملة وتبادل الثقة وحسن الظن. وإزالة الشكوك.. ونبين لهم أن الاختلاف في الرأي أو المذهب وحتى في الدين لن يحول دون التعارف والتعاون والتعايش في سلام واستقرار وعدالة ومساواة. إن أمامنا شعوباً مختلفة الأديان والمذاهب والآراء واللغات تعيش في وطن واحد. لا يفرق بينهما رأي ولا مذهب ولا دين ولا لغة ونحن بالرغم من وحدة الأرض والدين لا نزال حتى اليوم مفرقين نحارب أنفسنا ونسفك دماءنا ونخرب ديارنا فأية لعنة تحل علينا وأية همجية ووحشية أفظع مما تحياه بلادنا اليوم. اليمنيون لا تحميهم حكومة مقيدة بنظام أو ملتزمة بقانون وإنما تحميهم الصدفة ويحميهم السلاح الذي حصلوا عليه بالصدفة غير أن هذا السلاح لا يحمي الأغلبية المغلوبة وإنما يحمي الأقلية المتسلطة التي تتخذ منه قانوناً ودستوراً ونظاماً للإرهاب. والتسلط والارتزاق.. والويل كل الويل للضعفاء الذين يتخذون من السلاح وسيلة لحكم القانون لحمايته والدفاع عنه ليعيش المواطن في ظل القانون آمناً على نفسه وماله وعيشته. إن الجيش قد يهزم وإن السلاح قد يتحطم. ولكن القانون يظل حياً منتصراً لا يهزم. والقادة والحكماء والعلماء ضمان حرية الإنسان وحمايته من العدوان. يامن ذاق آباؤهم الظلم ألواناً إن الشعوب التي لا تمتلك السلاح لا تنتصر بالسلاح وحده. ولكنها تنتصر بالإنسان المدرك الواعي.. كما أنها لا تضمن الاستقرار والسعادة والرخاء إلا في ظل قانون ينظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين.. ويحدد المسئوليات ويضمن الحريات ويكفل المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات فلا تطغى فئة على فئة ولا طائفة على أخرى ولا يتسلط الأقوياء على الضعفاء. إن الذين لا يفكرون إلا بالسلاح ليستمدوا منه سلطانهم وليواجهوا به مخالفيهم ويقاتلوا به إخوانهم ومواطنيهم ولا يتبادلون إلا طلقات الرصاص بدلاً من تبادل الرأي. إن هؤلاء ليسوا سوى عصابات كل همها إشباع غرائزها.. لا تؤمن بالعقل ولا بالمنطق ولا بالقانون ولا بالإنسان والبلد الذي يتحول أبناؤه إلى عصابات يصبح غابة وحوش ضارية يفترس بعضها بعضاً. يا أبناء المعذبين والمستضعفين في الأرض أنتم قبل غيركم مسئولون عن تحقيق حكم سليم يقوم على الانتخاب الحر وعلى رغبة الجماهير ورضاها وهذا ما تطالب به كل الشعوب والأمم وتقدم التضحيات في سبيله وتحارب من أجله.. أنتم قبل غيركم المطالبون بتحقيق هذا المطلب الذي طولب به أيام الإمام يحيى وخلفاؤه من بعده لتحموا مستقبلكم ومستقبل أبنائكم وأحفادكم. إن ثوار 26 سبتمبر 1962م ما عدا قلة قليلة لم يحققوا سوى المكاسب والمغانم والمناصب والرتب لأنفسهم ولخاصتهم وللمحسوبين عليهم. أما الشعب فلم يحققوا له سوى الخراب والدمار والتمزق فكانوا أكثر شراً وسوء من الحكام السابقين بل لقد ضاعفوا الشرور والأخطاء حين أدخلوا البلاد تحت النفوذ الأجنبي وجعلوها ميدان صراع دولي ومسرحاً للأحقاد والحروب العربية فكونوا أنتم التصحيح لهذا يا ثوار 5 نوفمبر سنة 1967م. وحسب البلاد ما أصابها من ويلات وسفك دماء خلال هذه الأشهر القليلة على أيديكم حتى عرضتم العاصمة صنعاء للخراب. إن الأقطار المتقدمة التي كنا نستلهم منها الرشد ونتطلع إليها لنسير على هداها ونقتدي بها والتي تأثرنا بدعايتها وقلدناها تقليداً أعمى واتجهنا إليها بكل أماننا وآمالنا هذه الأقطار بعد أن غرقت في الأخطاء والغلطات والانحرافات بدأت تصحح أخطاءها وغلطاتها وانحرافاتها بكل شجاعة وأمام سمع العالم وبصره. لا تخاف لومة لائم كما عرفت مؤخراً إن الحكومات لا تقوم بقوة السلاح أو بأجهزة الإعلام ولا بالمشاريع الخيالية بل بالبناء الصحيح للإنسان الحر القوي. وبالخضوع للقانون العادل.. أفلا يجدر بنا أن نقلدها في التصحيح بشجاعة وصراحة كما قلدنا في الأغلاط والأخطاء والانحرافات والمظاهر والشعارات والشتائم والأكاذيب والدعايات. يا أبناء المعذبين والمستضعفين.. حتى لا تتكرر مأساة الأجيال والقرون في بلدكم وفي يمنكم ضعوا حداً للارتزاق بالسلاح والقتل وسفك الدماء فإن استمرارها وصمة عار على شعبكم. علموا الشعب أن للرزق الحلال وسائل شريفة ومجالات واسعة في التجارة والزراعة والأعمال الحرة التي تعيش منها شعوب العالم كلها. إنكم صباح مساء تنددون بالمرتزقة وخلال ست سنوات ولا كفاح ولا نضال. إلا ضد المرتزقة والواقع الذي ينبغي علينا أن نصارح به أنفسنا هو أنه لا يوجد شعب كشعب اليمن تحول معظم أبنائه إلى مرتزقة يقاتل بعضهم بعضاً ويأخذون المال والأجر على قتال إخوانهم وأبنائهم ومواطنيهم. إن علينا أن نغير هذا الواقع فلا نتجاهله ولا نغض أبصارنا عنه حتى لا نكون كالنعامة التي تغرس رأسها في الرمال لتخفي نفسها عن الصياد.. إن العالم ليشهد هذا الواقع اليمني وأن تجار الحروب يستغلونه لتحقيق أهدافهم وحماية مصالحهم.. إن المرتزقة ظاهرة إجرامية خطيرة تكافحها الشعوب المتحضرة كما تكافح الأوبئة والأمراض والعاهات، وأن أية فئة أو حكومة تستغل النفوس الضعيفة والفئات الجاهلة الفقيرة وتحولها إلى عصابات مسلحة تشجعها على الارتزاق بالقتل وسفك الدماء باسم حرب التحرير أو الكفاح الوطني وتحت ستار الشعارات المضللة إن هذه الفئة أو الحكومة التي تصنع هذا الصنيع إنما لتسهل على نفسها التجرد عن كل معنى من معاني الإنسانية والانحطاط إلى الدرك الأسفل من الهمجية والوحشية والإجرام. يا هؤلاء.. إنكم لن تستطيعوا أن تحققوا لليمن سعادة ولا استقرار أو حتى تحررها من الارتزاق بالسلاح وحتى تحرروها من اغتصاب السلطة وحتى تضمنوا لها شرعية الحكم بحيث لا يحكمها سوى من يختارهم الشعب عن طريق مجلس الشورى أو مجلس الأمة أو المجلس الوطني الذي يجب أن ينبثق عن المؤتمر الشعبي من كل لواء من الألوية حسب عدد السكان وليكن البدء بتشكيل لجنة تحضيرية ممن لا يشاركون في السلطة مهمتها الإعداد لعقد مؤتمر شعبي شامل يقوم بالتالي: 1 إقرار الدستور القائم أو تعديله. 2 انتخاب مجلس شورى يكون من حقه انتخاب مجلس جمهوري كما يكون له الحق في سحب الثقة من المجلس الجمهوري ومجلس الوزراء الذي يحب أن يحصل على الثقة من مجلس الشورى أولاً. بهذا يمكنكم أن تكونوا حقاً خدمتم اليمن وحررتموها وبهذا تكونوا شجعاناً أبطالاً وثواراً أبراراً..