في اغسطس 1968 اغتيل عبدالرقيب عبدالوهاب - رئيس الأركان، وقائد قوات الصاعقة - حينها - في عملية اسُتدرج فيها ووقع في الفخ الذي أعده المتآمرون، الذين كانوا يدركون القيمة الوطنية والعسكرية التي مثلها عبدالرقيب ورفاقه من أبناء مناطق اليمن الأسفل "اللغالغة" أو "البراغلة" كما يحلو للبعض ان يناديهم.. وكان المتآمرون يعلمون - علم اليقين - أن عبدالرقيب لا سواه هو الذي تقدم الصفوف كي ينقذ بقيادته وفدائيته وشجاعته وجسارته، صنعاء من السقوط اثناء خلال السبعين. ما لم يدركه عبدالرقيب ومعه رفاقه من "لغالغة و براغلة" ذلك الزمان، ببراءة وحسن ظن في رفاقهم من الحكام "التاريخيين"، أن السلطة في المركز المقدس لها ثمن باهظ الكلفة لا يتحمله إلا من ابدى استعدادا كاملا غير منقوصٍ للخضوعِ والخنوع. لقد جرب الاستاذ النعمان "الأب" والنعمان "الابن"، وكذلك الشيخ محمد علي عثمان، أن يصبحوا شركاء حكم كاملي الأهلية بحكم المواطنة المتساوية التي سعوا وناضلوا لتثبيت صيغها، لكن ذلك لم يكن مقبولاً.. ولعلّي أتحدث في مقالةٍ قادمةٍ قبل بدءِ شهرِ الصمتِ والسكينة، شهر رمضان المعظم، عن الطريقةِ التي تمت في العام 1970 ثم 1972م لإقصاء الأستاذ النعمان من عضوية المجلس الجمهوري بعد إقرار أول دستورٍ دائمٍ للبلاد في العام 1970م، ثم إسقاطه في الانتخابات التي جرت لانتخابِ بديلٍ عن الشهيد محمد علي عثمان كعضوٍ للمجلسِ الجمهوري. لقد جرى لتعز منذ اغسطس 1968 عملية إقصاء ممنهجة ومستمرة حتى اللحظة - وإن بأساليب مختلفة. في "الجنوب" لا تتوقف الإشارات المبطنة والمعلنة - حتى الآن - عن توجيه اصابع الاتهام الى شركاء الحكم من ذوي الجذور التعزية بالذات، في فترة ما بعد التحرر من "قبضة" الاستعمار، بانهم تسببوا فيما لحق بالجنوب وأبنائه من ظلم وتهميش، متجاهلين هؤلاء يتناسون أن أغلب ما حدث في عهودٍ كان أبناء تعز أنفسهم ملاحقين وفي السجون أو تم اغتيالهم على يد الرفاق في الداخل وأحيانًا في الخارج.. عبدالفتاح اسماعيل وعبدالعزيز عبدالولي مثالان صارخان! أما في الشمال فالحديث لا نهاية له، والوقائع لا يمكن الانتهاء من سردها.. الكثيرون من الأجيال الشابة سمعوا عن شخصيات تم اغتيالها، ولم يتم الحديث عن الذين يقفون وراء اغتيالهم.. عبدالعزيز الحروي، احمد سيف الشرجيي، عبدالرقيب عبدالوهاب، سلطان أمين القرشي ومحمد أحمد نعمان وكثيرون غيرهم.. هذه أمثلة لشخصيات كانت ملء السمع والبصر ولا يعلم أحد من، وكيف، ولماذا!!!.. هناك عيسى وعبدالسلام وكثر آخرون، لكن هؤلاء نعلم مَن، وكيف، ولماذا!. لماذا يفكر الحكام شمالًا وجنوبًا، في الحاضر وفي الماضي، دوما في إقصاء تعز؟.. سؤال محيّر وعصي. المتواجدون - في الأغلب - في المواقع الرفيعة لا قيمة لرأيهم ولا يلتفت أحد اليهم باعتبارهم أصحاب رأي أو قرار.. هم متواجدون لسترة عورة تعز لا أكثر ولا أقل. لعل رسالة الاستاذ النعمان الى النقيب عبدالرقيب عبدالوهاب تكون جوابًا للسؤال، وهو أرسلها ناصحاً إياه عدم الركون بالسلاح وسيلة لحل النزاعات أو تثبيت أمرٍ أو الركون إليه.. خاطبه كأبٍ فخورٍ بمكانة ابنه، وما وصل اليه في قمة الهرم العسكري، وقال: (إلى الذين منحهم القدَر فرصة نادرة ليحملوا فيها السلاح بعد أن عاش آباؤهم قرونًا لا يحملون سوى المحراث.. إلى هؤلاء أتوجه بالرجاء طالبًا ألا يضيعوا الفرصة التي منحهم القدر إياها، وأن يحسبوا لخطواتهم ألف حساب.. كما أحذرهم ألا يغتروا بالسلاح وألا يحاولوا تحدي إخوانهم وزملائهم السابقين الذين احتكروا السلاح فإنهم سيثيرون العصبيات القبلية، والنعرات الطائفية، ويعرضون أنفسهم للانتقام من ذوي المصالح والمكاسب.. إنني أكرر الرجاء وأُلِح في الطلب، وأتشدد في التحذير، وأناشدهم أن لا يستجروا آلام الماضي أو يفكروا بالأخذ بالثأر أو يستعيدوا ذكريات القرون والأجيال..).. ثم ناشد النعمان ابنه عبدالرقيب أن يكون قدوة للذين لا يعرفون الا السلاح وسيلة للتفاهم وحل النزاعات وفرض الرأي والاستئثار بالحكم، (إن واجبنا ما دامت الفرصة بين أيدينا أن نعلم أولئك الذين حكمونا بالأساليب الظالمة القاسية.. نُعلّمهم كيف ينهجون السبيل القويم سبيل الرفق والإنصاف، لا سبيل العنف والإجحاف، حتى يتأثروا بسلوكنا وأسلوبنا ويعاملوننا بنفس المعاملة فيما لو فشلنا وأصبحنا تحت رحمتهم من جديد.. علينا أن نعلّم الآخرين كيف يتعاملون مع كل المواطنين، وأن نرسم لهم الطريق الصحيح لتحقيق الوحدة الوطنية الشاملة وتبادل الثقة وحسن الظن وإزالة الشكوك، ونبيّن لهم أن الاختلاف في الرأي أو المذهب، وحتى في الدين لن يحول دون التعارف والتفاهم والتعايش في سلام واستقرار وعدالة ومساواة.. إن هذا السلاح لا يحمي الأغلبية المغلوبة، وإنما يحمي الأقلية المتسلطة التي تتخذ منه قانونًا ودستورًا ونظامًا للإرهاب والتسلط والارتزاق.. إن الجيش قد يُهزم، وإن السلاح قد يتحطم، ولكن القانون يظل حيًّا منتصرًا لا يُهزم ولا يتحطم.. لأنه خلاصة تجارب البشرية في مختلف العصور وحصيلة أفكار المصلحين والقادة). كانت هذه رسالة النعمان لابنه عبدالرقيب، ولعلها تصل اليوم الى أسماع الذين يتصورون أن تكديس السلاح والاستيلاء على المراكز القيادية لأبنائهم وأبناء مناطقهم سيوفر لهم فرصاً أكثر مما توفر لسابقيهم،: (إن الشعوب لا تضمن الاستقرار والرخاء والسعادة إلا في ظل قانون ينظم العلاقة بين الحاكمين والمحكومين، ويحدد المسئوليات، ويضمن الحريات، ويكفل المساواة بين المواطنين في الحقوق والواجبات، فلا تطغى فئة على فئة، ولا طائفة على أخرى، ولا يتسلط الأقوياء على الضعفاء. إن الذين لا يفكرون إلا بالسلاح ليستمدوا منه سلطانهم، وليواجهوا به مخالفيهم ويقاتلوا به إخوانهم ومواطنيهم، ولا يتبادلون إلا طلقات الرصاص بدلًا من تبادل الرأي. إن هؤلاء ليسوا سوى عصابات، كل همها إشباع غرائزها، لا تؤمن بالعقل، ولا بالمنطق، ولا بالقانون، ولا بالإنسان.. والبلد الذي يتحول أبناؤه إلى عصابات يصبح غابة وحوش ضارية يفترس بعضها بعضا..).. لعل السيد والشيخ واللواء والمشير يقرأون ويستوعبون!