بينما تم توزيع أو تقاسم المقاعد في لجنة الحوار الوطني بأشكال المحاصصة الحزبية والمناطقية والمذهبية كما يستقرئ ذلك الأساس في التوزيع كل ذي بصيرة .إلأ اننا وفي خضم هذه الحرب الباردة بشأن النسبية وحضور بعض اطراف النزاع السياسي من عدمه للمشاركة في الحوار الوطني كفصيل الحراك الجنوبي الداعي لفك الإرتباط . اصبحت تتسرب الأراء من زوايا لجنة الحوار واصحاب السطوة والقرار وتنشر المقترحات وتدرس النوايا وتكثر الأطروحات بشأن اليمن الجديد ومايجب ان يفضي اليه مؤتمر الحوار من حيث شكل الدولة وماهية الحكم. كفدرالية الأقاليم المتعدده في ظل الدولة اليمنية الواحدة التي تتجه اليها اغلب الأراء السياسية. لكن المشكل هل ستكون تلك الأقاليم على أساس ديموغرافي سكاني أم تأريخي مخاليفي أم تجانس ثقافي مذهبي وهذا الأخير هو لب الحقيقة اليمنية والواقع اليمني الذي يستقرئ كل مطلع على التأريخ السياسي لليمن أنه كان السبب الرئيس وفتيل صراعات النفوذ المناطقي والمذهبي والتي اصبحت بعض مناطق الشمال تجرؤا حالياً ان تتحدث وتطرح مثل هذه المواضيع لاسيما بعد ثورة فبراير وما افرزته من حريات ومطالب نخبوية شعبية اصبح الجميع يريد تجسيدها واقعاً ملموساً ومنها ارساء حقيقي لمبدأ العدالة الإجتماعية والمواطنة المتساوية. كما ان سعي البعض الى تجيير هذه الثورة ووصمها مناطقياً أعاد الى الذهن الشعور التأريخي بالغبن . وكان للحراك السلمي الجنوبي ومطالبه ايقاد ذهنية وتوأمة الشعور المشترك بالضيم والإستمرار تحت ربقة التسلط والسيطرة والمعاناة والمواطنة غير المتساوية وغياب معيار العدالة الإجتماعية منذ عهود طويلة. فالرقعة اليتيمة من الأرض اليمنية التي لم تبلغ الرشد والتي احسبها ستبقى قاصرة دون الحلم او التمييز وتحت الوصاية مادامت غير مدركة لحقوقها وربما اصبح القول بحقها في رعاية شؤونها على غير المعتاد نوع من السفه . هذا هو حال ماكان ولازال يسمى باليمن الأسفل ( تعزوإب ) هذه الرقعة من الأرض اليمنية التي ظلت قروناً من الزمن مسرحاً للسلب والنهب والتسلط والظلم لا لشيئ إلأ لطيبة ابنائها واتجاههم نحو العلم والسلم والحلم ولأن الله حباها بالخضرة والزراعة وانتاج محاصيل الحبوب فكانت مهبطاً لكل طامع وملاذا لكل جائع . وكانت ساحة حرب ونقطة تماس في صراعات الدولة الزيدية مع الدول اليمنية الأخرى كالرسولية والطاهرية وغيرها بل وحتى بين العثمانيين والإمامة الزيدية. وفي عصر الإنقسام والتشتت للدولة الزيدية القاسمية وانكماش سيطرتها في القسم الأعلى من اليمن ساد منطقة اليمن الأسفل نوع من الإضطراب والفوضى والتعسف والظلم إذ سعى زعماء القبائل ومتنفذيها الى توطيد نفوذهم في المنطقة في حين تفتقد هذه المنطقة الى الوحدة القبلية المتصدية للغارات والسيطرة المصدرة إمامياً من الشمال بإبعاد تلك القبائل عن سلطة القرارالتي كانت تشكل ضغطاً على الأئمة بكثرة مطالبها ومقرراتها المالية. لكن كما يقال ان الجبال من الحصى فقد نفد صبر وحلم ابناء هذه المناطق كثيراً وكانت لهم ثورات ومحاولات ثورية عديدة في المنطقة والتي كان مبعثها الهروب من حكم الأئمة وسيطرة القبائل وثقافة التغلب والفيد وما يصاحب ذلك من تعصب مذهبي وتعالٍ مناطقي ونظرة دونية لأبناء هذه المنطقة الذين نفضوا غبار الذلة والخنوع وتاقت نفوسهم الى الحرية وحكم منطقتهم بأنفسهم وحصلت الإنتفاضات وقامت الثورات للقضاء على الإمامة ومتنفذي القبائل وظلاماتهم والعمل على توحيد اليمن تحت حكم وطني عادل كثورة الفقيه سعيد عام 1840م والمحاولات الثورية للمشائخ آل سعد الجماعي . كما حصل ايضاً عند خروج الأتراك من اليمن 1918ه اجتماع لمشائخ اليمن الأسفل في مؤتمر العماقي قرب مدينة القاعدة لتحديد مصير المنطقة فكان البعض يرى الإستقلال بذاتها وراى البعض الآخر اللحاق بمناطق الجنوب اليمني المتجانسة لهذه المنطقة ثقافة ً ومذهباً ولوتحت الحماية البريطانية حتى مجيئ الاستقلال . وقامت حينها ثورة الشيخ محمد عايض العقاب في حبيش ومن ورائه مشائخ لواء تعز في مارس 1919م (كانت إب حينها لاتزال قضاءً يتبع لواء تعز) والتي تصدت للقوات الإمامية المغيرة على اليمن الأسفل بقيادة علي بن عبدالله الوزير وماحصل عقب إجهاض تلك الثورة من مآسي القتل والتشريد و السلب والنهب بإسم الجهاد ضد البغاة وتوحيد اليمن. وفي ديسمبر1922م حصل ماسمي بالمؤامرة الإنفصالية من قبل مشائخ لواء تعز على اغتيال الأمير علي بن عبدالله الوزير امير لواء تعز نائب الإمام يحيى والسيطرة على المنطقة من قبل المشائخ حمود عبدالرب وعبدالوهاب النعمان وحميد بن علي باشا والذي لأجل ذلك ظل الشيخ حمود عبدالرب سجيناً في قصر غمدان حتى توفاه الله وظل رفيقه الشيخ عبدالوهاب النعمان كذلك سجيناً لأكثر من خمسة وعشرين عاماً حتى تم اعدامه ضمن من اعدمهم الإمام احمد عقب الثورة الدستورية عام 1948م وتم خراب دورهم والتنكيل بذويهم . وقد ظلت نغمة الإنفصال والمذهبية ماثلة في الأوساط السياسية حتى بعد ثورة سبتمبر 1962م إذ كانت توجه تلك التهم للزعيم الأستاذ احمد محمد نعمان والدكتور عبدالرحمن البيضاني وحتى احداث اغسطس 1968م التي كانت بواعثها مناطقية مذهبية وكيف كانت نتائجها ومصير القائد عبدالرقيب عبد الوهاب . ان هذا التعريج الى البعض من تلك الأحداث التأريخية واقتطاف عناوين عنها هو ما يجعلنا امام هذه الحقيقة التأريخية المرة من أن هذه المنطقة ظلت طيلة حكم صنعاء الإمامي أو الجمهوري خاضعة لسيطرة الضم والإلحاق القسري والتهميش والإقصاء والنظرة الدونية ومواطنة الدرجة الأدنى حتى أنه ومنذ قيام الثورة اصبح عرفاً دستورياً أن يكون رئيس الدولة من المناطق الزيدية في حين يرأس الحكومة من ابناء اليمن السافل. لقد عانت هذه (المنطقة المنكوبة الأولى) كثيرا من الظلم والاستبداد المناطقي ومسها الضيم والتهميش وظلت البقرة الحلوب للعمال والحكام الوافدين اليها بمنح نهبٍ من سلطات القرار تحت مسمى الوظيفة وخدمة الدولة ولا يحصل على المنحة الوظيفية في هذه المنطقة إلأ من كان محضوضاً مقرباً يراد له التوسع في رزقه. ان المستقرئ لتأريخ الأحداث في هذه المنطقة وماحل فيها من قتل لأبنائها ونهب لخيراتها فيما كان يسمى (بالبرشوت) لاسيما في عهود الإمامة مالا يتسع المجال هنا لذكره ولو قسنا ذلك بما تعرضت له المحافظات الجنوبية(المنطقة المنكوبة الثالثة)بعد حرب 94م من سلب ونهب وتهميش للانسان فليس هناك وجه للمقارنة بما حصل لأبناء اليمن الأسفل . واذا كان اخواننا في جنوب الوطن لم يستحملوا وجود العنجهية والغوغاء ومصادرة الحقوق لمدة قصيرة هي عمر الوحدة اليمنية فإننا في المنطقة المنكوبة الأولى جبلنا على الخنوع لقرون متعددة لكن تلك العهود تخللتها ثورات واصوات تنادي برفع الضيم عن هذه المنطقة كما اشرنا الى ذلك فضلاً عما عاناه ويعانيه اخواننا ابناء تهامة (المنطقة المنكوبة الثانية) التي لوأردنا التحدث عن معاناتها التأريخية والحالية لإستغرق ذلك مالايحصى من الكتابات. وإذا كانت المكونات الثقافية والمذهبية بين سكان المناطق الثلاث المنكوبة متجانسة والمعاناة فيها مشتركة وتلك المعاناة آتيةُ من مصدرٍ واحدٍ فهل يعي المتحاورون في مؤتمر الحوار الوطني الأسس الحقيقية في شكل الدولة اليمنية الجديدة من حيث تكييف الأقاليم أو الفيدرالية ووفقأ للخصوصية اليمنية.؟ لعلنا نذكر ظهور ماسمي بالحراك الوسطي في مدينة تعز قبل قيام ثورات الربيع العربي بمدة قصيرة وكان الكثير قد استبشر خيراً بذلك التحرك المطلبي السلمي لكن الواضح تغير وضياع تلك التوجهات في خضم احداث الثورة إلأ اننا نظنه كان مداً ثورياً وضمن مهيآت إيقاد فتيل ثورة الربيع العربي اليمنية. وإذا كانت هذه المنطقة هي مصدر الثورة واساسها فهل ستنال قسطا من ثمار ذلك الربيع التحررية ؟ وهل أصبح الوقت مواتياً لطرح مظلمة هذه المنطقة في موتمرالحوار الوطني والعمل على تحقيق طموحات واهداف أبناء هذه المنطقة التي ناضلوا من اجلها عهوداً طويلة ؟ هل آن الأوان لهذه المنطقة أن يكون وضعها السياسي ضمن فيدرالية يمنية وفي نطاق الإقليم المتجانس ؟. . لكن الأهم من ذلك كله اننا لم نجد اصواتا فيها تتبنى هذه القضية. أو حتى ممثلاً واحدا عنها في لجنة الحوار كي تكون هذه القضية ضمن اجندة الحوار الوطني!. أظن ان هذه الرقعة من الأرض لن تكبر وستظل دون سن الرشد !! أدري اني سأنال الكثير من النقد على أن ماكتبته هنا دعوة لإحياء المناطقية والمذهبية رغم أن ذلك هو الحقيقة التأريخية اليمنية المرة التي يدركها الجميع فلن يكون هناك أي مساواة أو استقرارسياسي بغيرتطبيق هذه الحقيقة ودسترة ذلك الواقع .