لست مبالغا فيما أقول فقد قرأت بنفسي ما كتبه البعض من كلمات مقذعة عن المفكر العلم «جمال البنا»،، وهاكم بعضا مما يمكن أن تتحمله السطور ويصبر عليه أرباب العقول (ضال مضل - هالك - ملحد - مجنون -ديوث) ، ولا تستغربوا إذا علمتم أن بعض هؤلاء منسوبون للعلم الشرعي ويطلق عليه مقلديهم شيوخا ، والأعجب أنهم يرون في هذه الشتائم بيانا للحق وانتصارا للدين ، ومبرراتهم فيما يثيرونه من ضجيج ضد هذا العملاق أن له آراء يصفونها بالشاذة ، ولو وافقناهم في بعض دعواهم لما وافقناهم في جراءتهم عليه . إن العالم مهما عظم شأنه ورسخت قدمه في العلم لا يسلم من زلات يقع فيها ترفع عنه العصمة ولا تنتقص من قدره ، (ولو وصفنا كل مخطئ بالهالك لما بقي لنا الشافعي ولا مالك) ، ولكننا نصفهم بالمجتهدين فنناقش أفكارهم ونحفظ أقدارهم ، وإن أصر إخواننا الشامتون بموته على بغيهم فماذا يقولون في علمائنا الأقدمين الذين وقعوا في أشد مما وقع فيه العلامة (جمال البنا) من آراء شاذة وفق معايير المدرسة التقليدية – التي نخالفهم فيها فنرجح بعض هذه الآراء ونرفض بعضها – وها نحن نقدم للقارئ نماذج منها . - لقد كان الشافعي على جلالة قدرة وغزارة علمه يرى جواز زواج الرجل ابنته التي أنجبها من سفاح ، وكان أبو ثور (إمام مجتهد ومن كبار تلاميذ الشافعي) يرى جواز إمامة المرأة بالرجال في صلاة الجماعة ، وحسب علمنا لم يكن الشافعي أو أبو ثور ينفذان أجندة غربية لتحليل المرأة !، أو يعملان لحساب منظمات دولية ! ، بل إنه الاجتهاد الذي يضع صاحبه بين الأجر والأجرين . - وروي عن ابن عمر (رضي الله عنه) جواز إتيان الرجل زوجته في دبرها وأخذ بذلك جمع من علماء الشافعية كما في الأم للشافعي ، وأورد المرداوي في الإنصاف رواية عن الإمام أحمد أنه يباح النظر لجميع بدن المخطوبة ما ظهر منها وما بطن عدا العورة المغلظة (السوءتين) وهو قول الظاهرية ، فهل نصف أحمد أوابن عمر أو أحد ممن قال برأيهم بالديوث كما فعل البعض مع العلامة (جمال البنا) حين ذكر أن تقبيل المحارم من اللمم وليس من الكبائر ؟! ، أم نكتفي بالإنكار عليهم بالحجة والبرهان ؟. وبلغ ابن حزم في ظاهريته أنه كان يرى أنه لا بأس أن يتبول الإنسان في إناء ويصبه في الماء الراكد ، ويرى أن نهي النبي (ص) عن التبول في الماء إنما يقع على مباشرة التبول ، ومثل ابن حزم في ظاهريته ما صححه ابن حزم نفسه عن الصحابي الجليل أبوطلحة من أكله للبرد في نهار رمضان ويأبى أن يجعله من المفطرات لأنه في رأيه ليس بطعام ولا شراب ، فهل يباح لنا أن نسخر منهم كما سخر البعض من فتوى البنا بأن الدخان ليس من حُزمة المفطرات ؟! . - وكان ابن عباس(رضي الله عنه) يرى اباحة زواج المتعة ، كما كان يفتي بجواز ربا الفضل ولا يرى دخوله في الربا المحرم ، وروي عن الإمامين ابن تيمية وابن القيم القول بفناء النار وهو خلاف الرأي المشتهر عن أهل السنة ، فهل كان هذان الإمامان مجتهدان ؟ ، أم أن لنا الحق أن نضعهما في سلة أهل البدع والمشككين في عقائد الأمة ؟! . وكان سعد بن عبادة (رضي الله عنه) لا يرى أحقية أبابكر بالخلافة ولهذا رفض بيعته حتى مات على الرغم من تزكية النبي (ص) له وفق الروايات الواردة في كتب الصحاح لدى أهل السنة والجماعة ، وأشد من رأي سعد ما أورده البخاري في صحيحه أن ابن مسعود كان لا يرى المعوذتين من القرآن ، فهل كان سعد نصيرا للشيعة ، أم كان ابن مسعود تلميذا للمستشرقين . ومن رجال الإصلاح والفقه المعاصرين كان الإمام (حسن البنا) يرى حرمة التعددية الحزبية لأنها في رأيه تفرق الأمة ، وذهب العلامة الألباني في كتابه الحجاب إلى أن النقاب بدعة من الأمر ، وأفتى ابن باز رحمة الله عليه بجواز الاستعانة بالقوات الأمريكية في قتال الجيش العراقي ، وأفتى الشيخ صالح بن عبد العزيز آل الشيخ مفتي السعودية ضد المسيرات الرافضة لقصف غزة وقال بأنها تلهي عن ذكر الله وعن الصلاة ، وأغلب هؤلاء لهم تاريخ حافل بالإنجاز لأجل الدين والأمة ، فهل نصفهم بالمجتهدين أم نعتبرهم من الهالكين ؟! . والقائمة تطول وتطول ولن تقف ما دامت الحوادث متجددة وما دمنا بشرا نخطئ أكثر مما نُصيب ، وما يصدق في العلامة (جمال البنا) وأقرانه من دعاة التجديد يصدق في هؤلاء الأعلام من السابقين واللاحقين ، فإما أنهم جميعا مجتهدون نوافقهم ونخالفهم على قدر اتباعهم للحق بحسب رأي المنصفين ، وإما أنهم جميعا هالكون تَصدق فيهم كل الظنون السيئة بحسب رأي أنصاف المتعلمين ، وهنا نقول (ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان , ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا . ربنا إنك رؤوف رحيم) .