لشهر رمضان الكريم في اليمن نكهة خاصة، حيث ترصد الأسر اليمنية موازنة استثنائية لهذا الشهر الكريم نظراً للإقبال الزائد على السلع والمنتجات الغذائية، التي ظهرت ملامحها بقوة وتعج بها الأسواق بكميات كبيرة، إلا أن القوة الشرائية ما زالت ضعيفة في ظل انخفاض مستويات الدخول والادخار والاستثمار وانخفاض إنتاجية عنصر العمل، وهو ما ينطق به حال الشارع اليمني، ومع كل ذلك يظل السلوك الاستهلاكي في هذا الشهر الكريم مختلفاً شكلاً ومضموناً، الأمر الذي يزيد من سقف الإنفاق لدى الأعم الأغلب من الأسر اليمنية، والذي أصبح بالنسبة لهم هاجساً، فهل يستطيعون التخلص منه؟!استعدادات وعروض بادر التجار بعرض المواد من السلع والمنتجات الغذائية التي تعرض بطريقة لافتة في الأسواق والمحلات بالتزامن مع حلول الشهر الكريم، والذي عادة يرتبط بزيادة في كل شيء، فهو شهر الكرم والبركة، وفيه ومن خلاله ينفق المسلمون أكثر من غيره من الشهور، ويستعد له الجميع بشكل رسمي أو غير رسمي. وفي هذا الإطار أفادت عمليات وزارة الصناعة والتجارة أن المؤانى اليمنية استقبلت خلال الفترة من يناير وحتى نهاية مايو الماضي أكثر من 2مليون طن من المواد الغذائية منها مليون و500 ألف طن من مادة القمح, و10 ألف و114 طناً دقيق و185 ألفاً و200 طن سكر, و164 ألفاً و186 طناً من الأرز, و18 ألف و136 طناً من الحليب المجفف، و42 ألفاً و841 طناً من الزيوت. القوة الشرائية يرى مراقبون أنه وبرغم الاستعدادات والعروض الرمضانية من السلع والمنتجات الغذائية إلا أن القوة الشرائية ما زالت ضعيفة في ظل انخفاض مستويات الدخول والادخار والاستثمار وانخفاض إنتاجية عنصر العمل، كل هذه الأسباب والعوامل أثرت سلباً على معدل الإنتاجية الكلية للاقتصاد الوطني، ومن ثم تدهور دخل الفرد ومستوى معيشته، حيث تفيد التقديرات بارتفاع نسبة الفقر إلى حوالي54.4 % من السكان عام 2011م بحسب ما ورد في البرنامج المرحلي للاستقرار والتنمية 2012م - 2014م الصادر من وزارة التخطيط والتعاون الدولي. وأكّد البرنامج أن نسبة السكان الذين يعيشون تحت خط الفقر العام تبلغ 33.2 %. ركود وإقبال ضعيف وبسبب عدم القدرة على العمل وغياب مصادر الدخل الكافية، وانخفاض معدلات الدخل وانخفاض قيمة العملة المحلية، إضافة إلى تأثير البطالة وارتفاع نسبة الإعالة الاقتصادية وتلبية احتياجات الأسرة تراجع وبقوة الادخار المرتبط بمعدل التضخم والعوامل الديمغرافية منها ارتفاع معدل الإعالة الأسرية إلى جانب حصيلة الصادرات وحصيلة الضرائب، ناهيك عن بعض العوامل الاجتماعية والثقافية التي تختلف عند كثير من الأفراد ومدى تمسكهم بالعادات والتقاليد واختلاف وعيهم الادخاري، فكما هو معلوم أن الدخل هو الركيزة الأساسية التي تحدد العلاقة بين الادخار والاستهلاك ويؤكد خبراء الاقتصاد أن القوة الشرائية مرتبطة بالسلة الادخارية للفرد التي اغتربت عنها الموارد وأطفأ جذوتها الميل الحدي للاستهلاك، مما زاد من ركود السوق وقلة الإقبال. في ذمار بدأت الحركة التجارية في محافظة ذمار من خلال توجه عدد من المواطنين والأسر إلى الأسواق والمحلات التجارية لشراء احتياجاتهم الرمضانية من السلع الغذائية، ولمعرفة واقع هذا الإقبال قامت صحيفة الجمهورية باستطلاع آراء عدد من أصحاب المحلات التجارية و المواطنين، كانت صفوة قولهم أن الإقبال والشراء يختلف عن الأعوام السابقة بشكل غير خطي لا يعكس الرضى عن واقع الحال لعدد من الاعتبارات هي كالتالي: إقبال الناس يقول صالح عبد الله عثمان صاحب محل تجاري للمواد الغذائية يعتبر هذا الشهر من أكثر الشهور إنفاقاً وموسماً لتصريف كثير من السلع لدى غالبية التجار اليمنيين، وكونه كذلك نقوم بشراء وعرض المنتجات الغذائية من كل الأصناف، غير أن هذا العام يشهد إقبالاً منخفضاً عن العام السابق. ويضيف: يحجم المشتري والمستهلك اليوم عن كثير من السلع والمواد الغذائية التي تتميز بجودة عالية وأسعار مرتفعة، أيضاً مما اضطرني أن أقوم بشراء ما رخص منها وان كان هامشي الربح يتراجع مع ذلك، ولكن أنا مضطر إلى توفير السلع والمنتجات للمواطن بما يتفق ومستوى دخله. البترول في مشهد دراماتيكي أبطاله البشر ومحطات البترول وأحداثه تتضافر مع طوابير طويلة من سيارات وبراميل ودباب صفراء فاقع لونها؛ كل ذلك للحصول على كمية من الديزل لتسيير شؤون الحياة التي يجاهد فيها المواطن اليمني، أصبحت اليوم تمثّل عبئاً على كثير من الأسر اليمنية كونها ترتبط بظروف اقتصادية صعبة، زاد من غربتها شحة المواد البترولية التي تتواجد بكثرة في السوق السوداء وبأسعار جنونية، وتقل في محطات البترول العامة منها والخاصة، وحتى وإن كان بسعر مدعوم. حول هذه الجزئية يقول إبراهيم الجرفي تاجر جملة للمواد الغذائية: أقوم بطلب المواد والمنتجات الغذائية من محافظات متعددة لتوفيرها لكثير من الزبائن، إلا أن أصحاب الناقلات لهذه البضائع يطلبون مبالغ أكثر مقابل أجور النقل بسبب شحة البترول وشرائهم له بأسعار مرتفعة، وهو ما انعكس على الأسعار بدئاً بتجار الجملة ومروراً بأصحاب المحال التجارية لهذه المواد، وانتهاءً بالمستهلكين التي تفرحهم قليلاً ويشكون منها كثيراً وخاصة مع إطلالة شهر رمضان الكريم. زاوية مختلفة عبداللطيف الوصابي صاحب محل مواد غذائية بالتجزئة يرى موضوع أزمة المشتقات النفطية من زاوية أخرى، حيث قال: هذه الأيام من كل عام يقبل المواطنون على الشراء من الحضر والريف لشراء حاجياتهم المتنوعة لشهر رمضان الفضيل، إلا أن هذا العام لم يمر علينا من قبل، فكما تشاهد الكمية المعروضة من السلع والمنتجات الغذائية التي لا يقبل عليها الكثير، فبرأيي أن شحة البترول وصعوبة الحصول عليه قاد كثيراً وخاصة أصحاب المناطق الريفية إلى الإحجام عن التسوق، نظراً لعدم تمكنهم من الحصول بسهولة على بترول للسيارة التي تقلهم وتنقل ما قاموا بشرائه، وقد اضطر لبيع ما لدي بسعرها الذي اشتريته لكي احصل على رأس مالي والخروج بأقل الخسائر. الدخل المحدود انتقلنا إلى الطرف الآخر من المعادلة وهو المستهلك حيث يقول عبدالكريم علي خالد موظف حكومي: يأتي رمضان هذا العام والوطن يشهد ظروفاً انعكست مفرزاتها على المواطن وخاصة الموظف الحكومي الذي يمثل سواده الأعظم ذوي الدخل المحدود الشريحة الأوسع والأكثر تواجداً، وكونهم كذلك فهم الأكثر تواجداً في الأسواق والذين يجيبونها هذه الأيام لتوفير ما يمكن توفيره من احتياجات شهر الصوم، حاملين في جيوبهم جزءاً كبيراً من الراتب لا يفي بالاحتياجات المطلوبة والمعروضة بأسعار لا تتناسب وقدرتهم الشرائية، لتكون المحصلة اقتراض مبالغ إضافية لا تحتملها ميزانية رب الأسرة في حالات كُثر، مؤكداً أن هذه الظروف جعلت كثيراً من الموظفين الحكوميين غير قادرين على تحمل التزامات هذا الشهر المبارك، داعياً بذلك الله أن يفرج عن اليمن وكل اليمنيين هذا الوضع المعيشي. إعالة مرتفعة علي مرشد يعول أسرة قوامها عشرة أفراد قال عن احتياجات شهر الصوم المبارك: يأتي هذا الشهر ولم يزد في مستوى دخلي أي شيء، وإنما زاد عدد أفراد أبنائي حيث كانوا العام الماضي تسعة أبناء واليوم اصبحوا عشرة وهذه نعمة من الله، ويحتاجون لكثير من المقومات والأشياء والحاجيات التي أرتفع منسوب أسعارها خاصة مع ما يحتاج له هذا الشهر الكريم، وبما أنني من أصحاب الدخل المتواضع ولدي أسرة يزداد عددها من فترة لأخرى كان لازماً عليّ كرب أسرة أن أقوم بتوفير الاحتياجات الضرورية فقط من دقيق وقمح وسكر وزيت وبقية الكماليات احجم عن شرائها لعدم قدرتي على ذلك، حتى وإن كان أبنائي صغار السن منهم يشاهدون إعلانات هذه الكماليات في التلفزيون، ويطالبونني بشرائها، إلا أن أعذاري المنطقية في عدم قدرتي على ذلك تزيد من صبرهم. امرأة خمسينية وفي آخر جولتنا الاستطلاعية شد انتباهي امرأة خمسينية العمر تتخذ من أحد زوايا الأسواق ركناً لها تبيع فيه مناديل وأكياس بلاستيكية في منظر يعكس مشهدً لا تتسعه الكلمات، وعندما بدأت اسألها عن عملها هذا ودوره في توفير رمق العيش لها ومن تعول خاصة مع حلول شهر رمضان، قالت لي: (وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، وتابعت: أنا لا اعرف عن احتياجات شهر الصوم كوني لا ادخر مالاً لتوفير متطلبات مقبل الأيام، ولكن يسوق الله برزقي ورزق عيالي وزوجي المقعد كل يوم، فالله كفيل بتوفير لقمة العيش لمن هم مثلي أو أحوج مني. وقبل أن أطوي موضوع استطلاعي هذا قادتني هذه المرأة المسنة صاحبة العزيمة التي لا تعرف عن آلية العرض والطلب وحساب الدائن والمدين ومفهوم الادخار والاستهلاك والاستثمار والقدرة الشرائية، وكل ماله علاقة بعلم الاقتصاد، أن الحياة بحلها وترحالها تكمن في البساطة والقناعة والرضا بما هو مكتوب من مدبر هذا الكون فالحمد لله على كل حال.