تلك العيون لأطفال دار الأحداث لا يمكن أن تنسى كم طاردتني لأشهر، وذلك الفرح الطفولي لاستقبال الوافدين لا أستطيع أن أمحيه مهما حاولت، ورغم أنك تبذل مجهوداً يتبدد بأيام بسبب خروج ودخول أحداث جدد، وتجدد المشاكل اليومية الكبيرة بينهم، ونفسيتهم المعقدة، والسلوكيات المكتسبة من بعضهم البعض ، إلا أنها من أكثر الفئات التي تحتاج للمعونة وبشدة، ولا أتحدث هنا عن المعونة فقط المالية والمادية الضخمة التي تختفي ولا تدري لماذا يظل دار الأحداث فقيراً رغم كل هذا الدعم وإلى أين تذهب هذه المعونات الضخمة؟! ما يحز في القلب أن هذا المكان كان المطلوب منه إعادة تأهيل الأحداث ليرجعوا أصحاء للمجتمع ومنتجين، هذا هو المفترض وليس ربطهم في مكان ليقضي فترة حبسه ثم يعود لنفس الجريمة بل أكثر، فالذي دخل بتهمة سرقة بسيطة يختلط بكل أنواع الجرائم هناك من لواط ،وزنا، وسرقات، وقتل بتعمد أو من غير تعمد ،هذا كله في مكان واحد وتخيل ما الذي يمكن للحدث أن يتعلمه هناك وبماذا سيخرج للمجتمع؟ فبدلا من أن يدخل ويخرج بتهمة سرقة، يتعلم كيف يقتل ويتعرض لاعتداءات من الأكثر جنوحاً، وهو لايزال بعمر صغير جداً... هذا غير أن هذا المكان لا تتوفر فيه الوسائل الصحيحة والمنهجية لتأهيل الأحداث ومتابعة حالاتهم، وتوفير الأنشطة التي تفرغ طاقاتهم العدائية وتعمل على إعادة تصحيح سلوكياتهم وأفكارهم. هناك غرف للكمبيوتر والأدوات الموسيقية لكنها لا تفتح ، وهناك ألعاب ومعدات رياضية لكن الكثير لا يصل إلى أيديهم، ناهيك عن العاملين في الوزارة الذين ليس لهم دور في الرقابة، وممنوع أن يتعرفوا على دهاليز ما يحدث هناك في هذه الدور و إلى أين تذهب الإمدادات والمعونات الضخمة؟ هناك الكثير مما يقال عن وضع دور الأحداث، وأعرف أن الكثيرين ممن دخلوا هذه الدور وعملوا بدافع إنساني يملكون قصصا وحكايات تفطر القلب.. أتذكر قبل أعوام كنا نقوم بتحقيق حول تحليل شخصية الطفل ومخاوفه من خلال الرسم ،وذلك في مؤتمر لطفولة ضمت بعض دور الرعاية والأحداث، كانت رسمة أحدهم لازالت عالقة في ضميري، وهو يرسم نفسه مصلوب لشجرة وعارٍ والدم يتقطر منه وهناك ذئب ينظر له من أعلى جبل، وكان أحد الدكاترة النفسانيين المتخصصين في تحليل الرسم يؤكد أن هذا الطفل قد تعرض للإغتصاب أكثر من مرة، وأنه يفكر في الانتحار..هناك الكثير مما يحصل بدار الأحداث، وهناك أحداث انتهت فترة سجنهم في الدار لكنهم غير قادرين على دفع الدية، وسينتقلون للسجن المركزي لأنه تجاوز السن القانوني في الدار رغم أنه اقترف الجرم وهو لا يزال حدثا.. هنالك أوجه كثيرة للخير لكن الكثيرين يتوجهون لبناء المساجد، وماذا عن الروح التي قد تحيا بين يديك لتغطيه بعض الكفالات .. دار الأحداث يحتاج إلى وقفة ورقابة حقيقة من وزارة الشؤون الاجتماعية، و إلى متابعة وذمة وضمير، و أن تعطي الأموال وتدعم هذه الدور بشكل حقيقي بما ينفع هؤلاء النزلاء، و إلى فصل جرائم الأحداث وتأهيلهم بشكل حقيقي وعلى أيدي متخصصين وتوفير متنفسات لهم. كما أن على المنظمات الإنسانية مهمة أن تتابع هذه الحالات وتراقب، وعلى التجار والقادرين أن يطلقوا سراح الأحداث الذين انتهت مدة سجنهم ولكن الدية علّقتهم وقد تنقلهم الى السجن المركزي لراشدين.. عندما تتحدث مع الأحداث تسمع مسحة الألم، والندم، والرغبة بالعودة تحت أرجل أهلهم، ولا هذا الوضع الذي يعيشونه. دائماً ما نتعاطف مع الطفل اليتيم، والكل يتعامل معه برحمة، لكن الحدث أيضاً طفل وكأنك تحيي فيه الروح بمساعدتك، هم مثلنا بشر وإن اقترفوا جريمة، لكن العقاب لا يكون بهذه القسوة.