اختتمت بصنعاء قبل أيام ورشة العمل الخاصة بدور المؤسسات القرآنية في تربية الناشئة على الوسطية والاعتدال والتي نظمها قطاع تحفيظ القرآن الكريم بالوزارة تحت شعار (من أجل مجتمع قرآني تسوده المحبة والمودة)، وبمشاركة أكثر من مائة قارئ وقارئة للقرآن الكريم من عدد من محافظات الجمهورية وحاضر فيها نخبة من العلماء حول عدد من القضايا المرتبطة بكتاب الله عز ّ وجل القرآن الكريم ودوره في بناء ثقافة قرآنية تعزّز قيم السلم والتعايش في المجتمع، وتنبذ مختلف أشكال الإرهاب، ولأهمية الموضوعات التي طُرحت في هذه الورشة والعلماء المحاضرين فيها رأينا أن نطرح تساؤلات حول قضايا تهم المجتمع على عدد من المشاركين والمعنيين وفي صدارتها ظاهرة الإرهاب كظاهرة دخيلة على الإسلام ودور القرآن الكريم في تعزيز التعايش السلمي بين الناس، وصيانة الحقوق والحريات، وقد خرجنا بحصيلة قد تجيب على بعض التساؤلات لدى البعض، وتزيل اللبس الذي قد يقع فيه من يدّعون معرفتهم بالدين الإسلامي، ويبرّرون أعمالهم المتطرّفة ضد الأبرياء. بعيدة تماماً عن الدين الشيخ محمد العيسوي - إمام وخطيب جامع الشهداء، وعضو البعثة الأزهرية إلى اليمن سألناه عن ادعاء البعض أن في القرآن الكريم ما يجيز قتل النفس وإرهاب الآمنين كما يدّعي بعض القتلة لتبرير جرائمهم، فكانت إجابته نفياً قاطعاً مؤكداً أن القرآن الكريم لم يشدد على عقوبة كما شددها الله على قاتل النفس المحرّمة، وقد فصل كلامه بالقول: أولاً هذا ادعاء باطل وغلط قطعاً، فأولاً الذي يحصل من سفك الدماء وتخريب البيوت وقطع الطرق والاغتيالات والاختطافات وغيرها من الجرائم أشياء بعيدة تماماً عن دين الله عزّ وجل ولا يصح أن نقول هل الإسلام يرضى بهذا الذي يحصل أو نقول إن ما يحدث يمثّل الإسلام، فهذه جرائم بعيدة كل البعد عن الإسلام، ولا يصح أن نضع الإسلام في قفص اتهام وندافع عنه بحجج واهية، لأن الإسلام دين رحمة ومحبة ودين واضح لا يحتاج إلى تأويل لهذا نقول رداً على سؤالكم إن الله عزّ وجل ما جعل خمس عقوبات لأية جريمة إلا لجريمة القتل، نعم خمس عقوبات مرة واحدة، وعقوبات مشددة، فمثلاً قطّاع الطرق سمّاهم مفسدين في الأرض لكن أعطى للحاكم الخيار في عقوبات محددة يسمح له أن يحددها، حيث قال تعالى (إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يقتّلوا أو يصلّبوا أو تقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف)، الواو هنا تفيد الاختيار لأية عقوبة يراها القاضي أو الحاكم لكن في عقوبة قتل النفس المحرّمة لم يعط الله عزّ وجل فيها الخيار أبداً لحاكم أو حتى للنبي صلى الله عليه وسلم، لم يعط له الخيار أيضاً حيث قال تعالى: (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاؤه جهنم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعد له عذاباً عظيماً)، وهذه خمس عقوبات لجريمة واحدة جمعت كلها لجريمة القتل. أقدس موجود على الأرض وأضاف: والشيء الثاني أقدس شيء موجود على الأرض، وهو أقدس حتى من الكعبة وأقدس من المسجد الأقصى هو النفس المسلمة، فنحن عندما نعرف أي شخص بجوارنا نقول: هذا الإنسان هو بنية الله المحرّمة لهذا القاتل عندما يقتل النفس فهو يهدم بنية الله المحرّمة، فلهذا جمع الله له هذه العقوبات الخمس، لهذا فاليوم عندما نرى الجرائم النكراء بحق الناس الأبرياء وقتلهم للنفس بكل برود وتحت مبررات كاذبة لا نعرف ما هو الدين الذي يخوّل لهؤلاء قتل النفس؟.. ألا يعتبرون من أحكام القرآن وسيرة النبي (ص) التي جعلت من النفس البشرية أقدس من هدم الكعبة!! وزاد: وماذا عن حكم الشرع على من يسبّون ويسيئون إلى رسول الله صلى الله علية وسلم؟ طبعاً من يسيئون إلى رسول الله عليه أفضل الصلاة والتسليم في الغرب يقعون بين أمرين، إما أن يكون جاهلاً لا يعرف شيئاً وهذه المسألة يجب أن نعرف أنها قديمة منذ بعثة رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد قالوا عنه صلوات الله عليه وسلم إنه ساحر وإنه كاذب وغيرها من الاتهامات الباطلة واليوم البعض في الغرب يسيئ إلى رسول الله لأنه يجهل عظمة هذا النبي الخاتم، لأننا اليوم معشر العرب قصّرنا في أن نوصل دين الله للناس، ولهذا يجب التعريف برسول الله والتعريف بالإسلام لاسيما ولدينا اليوم وسائل تعرّف بالإسلام إلى العالم أجمع سواءً عبر النت أو القنوات الفضائية ومختلف قنوات التواصل، فالله سبحانه وتعالى منحنا كل هذه القنوات والوسائل لكن للأسف نحن مقصرون، لهذا لا يجب قتلهم إنما يجب أن ندعوهم إلى الله و نبيّن لهم عظمة هذا الدين وجلال وقدر هذا النبي الكريم، صلوات الله وسلامه عليه. ولهذا يجب أن ندرك أن القضية خطيرة ولا نريد أن نقف وندافع عن الإسلام ونضعه في قفص الاتهام، وندافع عنه، لأننا نعرف أن الإسلام نور في ذاته والإسلام دين رحمة في ذاته والإسلام دين الله ووحي الله المنزّل على رسوله، صلى الله عليه وآله وسلّم، والذي بلغه الرسوم الكريم بدوره إلى المسلمين إلى قيام الساعة ففي الحقيقة لا أجد أي دين يبيح القتل ويجعل الأمر متفشياً، ولا يعصم دماء المسلمين، فأي دين هذا بالتأكيد ليس دين الإسلام وأيضاً ليست النصرانية ولا حتى اليهود المتدينون الذين يعرفون التوراة، فقد أنزل الله عزّ وجل في التوراة وقال (وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص). إذاً كما قلنا: الإسلام يعصم الدم ويعصم المال ويعصم العرض حتى مجرد السب والشتم للمسلمين حرام، فالمسالة خطيرة إذا ما تجاوزنا الدين لهذا اليوم نتساءل: أي دين وأي إسلام يبيح لأي أحد أن يسمح لنفسه أن يقتل مسلماً؟. فمجرد الشهادة تعصم الدم حتى قيل: يا رسول الله إن المنافقين يصلّون ولا صلاة لهم ويصومون ولا صيام لهم، ألا نقتلهم؟، فقال: رسول الله (ص) إن هؤلاء ممن أمرني ربي أن لا أقتلهم بالرغم من معرفته لمؤامراتهم ومحاولتهم لاغتيال رسول الله (ص) خمس مرات، ومع ذلك لم يأمر بقتلهم لهذا يجب أن نكون جميعاً يداً واحدة على كل من أراد الإفساد في الأرض. منهج حياة الشيخ حسن الشيخ - وكيل وزارة الأوقاف والإرشاد لقطاع التحفيظ تحدث عن الإسلام والقرآن الكريم بالتحديد ودوره في بناء السلام وتعزيز المحبة بقوله: حقيقة إن الدين الإسلامي أو القرآن الكريم تحديداً يعتبر منهج حياة، فلا ينبغي أن يكون وسيلة من وسائل التنافر بين الناس وبالأحرى نحن بحاجة من وزارة الأوقاف إلى أن تدعم هذه الفكرة عن طريق جمع أعداد كبيرة من قرّاء القرآن الكريم من كل المحافظات ومن كل الجمعيات ومن كل الجهات من أجل كتاب الله عزّ وجل ونشر مفاهيمه النقية والسمحاء في المجتمع أيضاً لابد من إيجاد علاقة حب ومودة بين هذه الشريحة (شريحة الحفاظ على القرآن الكريم) المهتمون بكتاب الله عزّ وجل وتناسي كل الفوارق التي ربما أثّرت على علاقاتنا وسلوكياتنا وأوصلتنا إلى ما أوصلتنا إليه من تنافر وتنابز وتنافر، لهذا نحتاج من هؤلاء الحفّاظ أن يكونوا رسل خير إلى كل أفراد المجتمع حتى نضمن إيجاد ناشئة تقوم على المحبة والرحمة والتعاون. الإسلام بريء من الإرهاب وفي معرض رده على إصرار البعض على إلصاق الإرهاب بالإسلام قال الشيخ: طبعاً أولاً الإسلام براء براءة الذئب من دم يوسف من أي تهم بالإرهاب، لهذا اليوم نحن بحاجة إلى أن نجعل من الناشئة عناصر صالحة لنفسها ومصلحة لغيرها بعيدة عن الاستقطاب الحزبي وبعيدة عن الغلو المذهبي وبعيدة عن الغلو والتطرّف كما قال تعالى (وجعلناكم أمة وسطاً لتكونوا شهداء على الناس ويكون الرسول عليكم شهيداً). دين محبة وسلام وعدل كما كانت لنا وقفة مع الشيخ الدكتور السيد مصطفى محمد - عضو بعثة الأزهر الشريف إلى اليمن وقد سألناه عن موقف الإسلام من الإرهاب بكل صوره وأشكاله وكذا دعوة الإسلام إلى السلام والتعايش بين الشعوب وقد أجاب فضيلته بالقول: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه، أما بعد أولاً يجب أن ندرك أن الإسلام دين محبة وسلام وعدل، وأيضاً الإسلام موقفه واضح وجلي من الإرهاب، فالإسلام يرفض الإرهاب بكل صوره وأشكاله، فهو ينبذ العنف ويحرم تخويف الآمنين وإرهابهم ويدعو إلى التعايش والعيش بسلام وآمن وأمان حتى يأمن الناس على دمائهم وأعراضهم وحياتهم ولم يدع الإسلام إلا إلى إرهاب العدو الظالم المعتدي الغاشم، فهو القائل سبحانه وتعالى: (فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم واتقوا الله)، وهنا الله عزّ وجل يدعو إلى رد كيد المعتدي (ولننظر إلى عدل الإسلام) بمثل ما اعتدى عليكم ولا تزيد لا تظلم ولا نتجاوز والأعجب هو أن الله تعالى ذيّل الآية بقوله (واتقوا الله) حتى نخاف من الله عزّ وجل ولا نرهب ونظلم بل بالحق والعدل، لأن الله هو الحق وهو العدل ولم يدعو إلا إلى إرهاب المعتدين الظالمين حيث قال سبحانه وتعالى: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدوّ الله وعدوكم) وهذا طبعاً في شأن الأعداء المعتدين، أما في شأن كل الناس المسالمين الآمنين، فالإسلام دائماً يدعو إلى التعايش في هدوء وسلم وأمان ورحمة ولين وقد أرسل الله عز وجل رسوله المصطفى، محمد – صلى الله عليه وسلم وجعله نبي الرحمة، قال تعالى: (وما أرسلناك إلا رحمةً للعالمين)، فهو عليه الصلاة والتسليم رحمة للعالمين. الإسلام منهم براء وأضاف: لهذا نقول إن الإسلام دين رحمة ونبينا نبي رحمة، ونتساءل اليوم: من أين أتى هذا الإرهاب الظالم الذي يقتل الأطفال والأبرياء الآمنين؟، وأرى أن ظاهرة الغلو والتشدد هي ظاهرة دخيلة على الإسلام الرحيم السميح ودخيلة على المسلمين الوسطيين والمعتدلين، هذه الظاهرة الخطيرة اقتحمت علينا حياتنا، فأفسدتها أو كادت تفسدها وألحقت أفدح الضرر وأكبر الفساد بحياتنا وشوّهت صورة الإسلام البريء والمسلمين الأطهار أمام العالم، لأن العالم عندما يرى بعض المسلمين تشدّدوا وغلوا، وأراقوا دماء الأبرياء فإنه لا شك يأخذ انطباعاً سيئاً عن الإسلام والمسلمين وهذا في غير محله، فهؤلاء يدّعون الانتساب إلى الإسلام والمسلمين، والإسلام والمسلمون منهم براء.