ما الفكر؟ الفكر هو حركة العقل في تفاعله مع الأحياء والأشياء، والفكر هنا هو وظيفة العقل وعمله. والفكر بمعنى آخر هو ثمرة العقل التي يعطيها لنا بعد معاناته في حل مشكلة أو إجابة على سؤال ، أو مساهمة في تنمية الحياة وتقدمها بهدف إسعاد الإنسان مادياً أو معنوياً، وفى حدود المشروع والمعقول ، فبالشرع والعقل نقيس صواب أو خطأ أي فكرة بشرية. وفى مثل هذه الميادين النافعة تدور أفكار العقلاء, وبهذه المعايير تُقاس قيمة الأفكار السمينة والغثة، والفكر في حقيقته ما هو إلا خطة لإصلاح حال الإنسان سياسياً واقتصادياً واجتماعياً... إلخ ، وبهذا نعرف مدى الضعف والعقم الفكري الذي وصل إليه واقعنا الفكري الذي أصبح كلاماً في كلام ، وأما طريقه إلى العمل فهو معها في خصام ، حتى أصبح العالم الغربي يطلق على العالم العربي مصطلح “الظاهرة الصوتية” أي أن العالم العربي يجيد “فن الكلام” ولا يجيد “فن العمل”. إن الفكر هو جهاد من أجل الإصلاح لحال الفرد والحكومات والشعوب هنا أوهناك ، وعلى المفكر أن يعلم أنه مجاهد بالقلم واللسان في سبيل الإصلاح ولا يوجد جهاد ليس معه تضحية، فعلى المفكرين العرب أن يعلموا أن هناك صفتين يجب أن تتوفر في المفكر: روح الجهاد وروح التضحية، فعليه أن يعلم أنه في “ساحة معركة إصلاح” شعاره فيها “النصر أو الشهادة”، وإذا لم تكن عنده هذه الروح فعليه أن يريح نفسه ويريح غيره فليست عدة المفكر “ورقة وقلم”، بل عدته “جهاد وتضحية”. إن أفكار الإنسان هي جزء من إيمانه لذا فهو يضحي في سبيلها بكل ما يملك، أما من يرى أن أفكاره هي تسلية لوقته أو أضغاث أحلامه فمن السهل أن يتركها ويتخلى عنها. إن كثيراً من القوى الدولية والحكومات المحلية تقف “حاجز صد” ضد نشر الفكر الصادق الذي يساهم في تنمية الشعوب معنوياً ومادياً، ولذا فإن هذه القوى الدولية والحكومات المحلية هي المسئولة عن نشر “صناعة الجوع”، ونشر “فقر الفكر”، ليسهل لهم السيطرة على الشعوب بعد حبسها في سجون الفقر المادي والمعنوي، وبهذا تكون هذه القوى الشريرة هي المسئولة عن انهيار قيمة الإنسان وانهيار قيمه التي يرتفع بها عن سائر المخلوقات التي تشاركه الحياة على هذه الأرض. العقل الفاعل العقل الفاعل هو سر كل تقدم بينما العقل الخامل هو سبب كل تخلف، إن من أهم صفات العقل الفاعل هو حرصه على الفكر العملي وكراهيته للفكر الترفي ، فهو إذا آمن بفكره سعى إلى تحويلها إلى عمل “ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن فأولئك كان سعيهم مشكورا”.. كما أنه يعرض عن كل فكرة لا تفيده في دنياه ولا في آخرته “والذين هم عن اللغو معرضون” ولا يحرص على صحبة من سيطر عليهم الوهم والجهل “سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين”، لأنه مأمور بصحبة الصادقين وهم الذين يحوّلون الإيمان الفكري إلى عمل «يا أيها الذين أمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين» ، لقد كان سلفنا الصالحون يكرهون كل كلام لا يبنى عليه عمل. وحسن التفكير هو مقدمة لحسن العمل، ففي تفسير قول الله تعالى “ليبلوكم أيكم أحسن عملا”، قال قتادة: أيكم أحسن عقلاً، فأتمكم عقلاً أشدكم لله خوفاً ، وأحسنكم فيما أمر الله به ونهى عنه نظراً. وعلق الإمام الرازي على ذلك قائلاً: “وإنما جاز أن يفسر حسن العمل بتمام العقل لأنه يترتب على العقل ، فمن كان أتم عقلاً كان أحسن عملاً ” . وهنا نستطيع أن نفهم ما هو العقل؟.. هو ذلك النمط من أنماط السلوك الذي يتبدى عندما تحاول رسم الطريق المؤدية إلى هدف أردنا بلوغه . «أي العقل هو رسم الخطوات الواصلة بين المبدأ المفروض من جهة والهدف المطلوب من جهة أخرى ، فافرض مثلاً أن أمة أرادت الحرية لأبنائها ، إذن فهذه الحرية المنشودة هي الهدف المقصود ، والفاعلية العقلية في هذه الحالة هي في دقة التصوير لما ينبغي أن يتخذ من وسائل لتحقيق ذلك الهدف، وبمقدار ما يكون لتصور الوسيلة من دقة تمكن الناس من السير على هداها فلا ينحرف بهم الطريق يكون لدينا من قدرة عقلية في هذا المجال». ولقد كررنا مراراً – ولن نمل من ذلك – أن العقل الفاعل هو الذي ينتج أفكاراً أو يحمل أفكاراً تدفعه إلى الأخذ بأسباب العمل لتحويل الفكر إلى واقع أو سلوك يعيش به وله ، فكل معرفة لا تثيرك إلى الأخذ بأسباب العمل ، فهي أفكار لم تُولد بعد ، بل ولا تستحق أن يطلق عليها فكراً. يقول ابن عبد ربه: تبدأ المعرفة بإدراك الحواس ثم تتدرج من هذه البداية الضرورية بحيث تنتقل من المحسوس إلى التصور الذهني، ومن التصورات الذهنية وما يربط بينها يكون ما نسميه فكراً، فإذا ما تروينا في مضمون هذا الفكر وجدته مثيراً للإرادة ، ومادامت الإرادة أثيرت، فلا بد عندئذٍ من الأخذ بأسباب العمل».