قيل عن المتاحف أنها تحوي تاريخ الشعوب .. فمجرد وجود متحف في بلد ما دل ذلك على امتلاكه تاريخاً وحضارة حتمت وجود كيان يعبر عن التاريخ ، ويؤكد الحضارة . لكن أن تمتلك مدينة ما – مدينة واحدة وليست بلداً – العديد من المتاحف والكيانات التاريخية ، فلابد أن تكون تلك المدينة في بلد بلغت سمعة حضارته أقاصي الأرض .. وخلدتها النصوص السماوية الصريحة . ففي عدن تربض العديد من المتاحف لتؤكد أن للإنسان اليمني الكثير لكي يحتفظ به من آثار ومناقب الماضي الدالة بما لا يدع مجالا للنقاش أنه هنا قامت أعتى وأعظم الحضارات في الوجود. ولعله يمكننا أن نشبه الولوج إلى أعماق المتاحف العدنية بآلة الزمن التي ما تلبث أن تلقي بأحدنا إلى عوالم وحقب زمنية موغلة في القدم ، وكأن نظرية الخيال العلمي الشهيرة تتحقق حينها وتفرض ذاتها في بلاط المتاحف المنتشرة في عدن . وأظن أن الكثيرين قد لا يمانعون صحبتنا في رحلتنا إلى عوالم متاحف عدن لننتقل إلى زمن الأجداد ونلامس عن قرب جلال الحضارة التي رسمت ملامحها وبنت شموخها أناملهم الخالدة . المتحف الطبيعي أكاد أجزم أن طبيعة مدينة عدن الخلابة التي تجيد مهمة الأسر وسلب ألباب زائريها تدفعنا لنضع المكونات الربانية من بحار وشواطئ ساحرة وجبال مثيرة ، وسموات مفتوحة نجدها في تعاملات أهالي وسكان عدن البسطاء على قائمة المتاحف التي زارناها . المتحف الوطني يقول التاريخ – والعهدة على القائل – أن أول متحف وطني في جزيرة العرب والخليج العربي كانت عدن حضناً له ، ولم يسبقه في الولادة سوى المتحف الحربي العسكري بعدن ، كما يؤكد ذات المصدر أن افتتاح المتحف الوطني في مدينة عدن كان في العام 1930م ، فالمتحف يؤرخ لعصور تاريخية عديدة مرت بها اليمن ، أهمها فترة الدويلات اليمنية القديمة في جنوب الجزيرة العربية ، والتي تناوبت على حكم اليمن قبل مجيء المحتل الحبشي ، فكانت مقتنيات ملوك سبأ وذي ريدان أوسان وقتبان ودولة حضرموت القديمة ، بالإضافة إلى بقايا الدويلات الإسلامية في العصور الوسطى كدولة بني زياد والدولة الصليحية اللتين امتد حكمهما إلى عدن ، ثم دولة بني زريع وغيرها من الدويلات التي سادت في عدن وما لبثت أن بادت . ناهيكم عن الآثار الإسلامية التي يعود تاريخها إلى عصر صدر الإسلام ، والتي يحاكي تاريخها مسجد أبان في كريتر المنسوب لأبان بن عثمان نجل الخليفة الراشد الصحابي الجليل عثمان بن عفان . تحف تزور العالم إلا أن ما يلفت النظر في المتحف الوطني قطعة آثرية جابت دول أوروبا وشاركت في العديد من المعارض الأثرية في مختلف أصقاع العالم ، إنها القطعة المسماة ( عشيرة ملوك أوسان ). بالإضافة إلى التحفة الخلابة ( ذات حميمو ) والتي ترجع لأحد الآلهة القديمة في اليمن ، والتي كانت لعقود حبيسة متاحف نيويورك وعادت إلى مهدها في المتحف الوطني بعدن في منتصف الألفية الحالية . المتحف الشعبي الشعب والمواطنون والأفراد هم من يصنعون التاريخ ، ويومياتهم بتفاصيلها هي من يسجلها التاريخ ، ويمضي أوقاتاً بل عقوداً في صياغة أحداثها ، وعاداتهم وأعرافهم بصغائرها تعطيها صدور الكتب والمراجع أولوية الذكر والإشارة . ليس ذلك بحسب بل وبسبب أن عادات الناس لا ينهيها تاريخ أو عصر أو أوان ، وتظل على قيد الحياة قروناً ، ولأن تلك العادات والتقاليد لها خصوصيتها ومكانتها في اليمن ، فكانت عدن تحتضن متحفاً خاصاً بالموروث الشعبي اليمني ، ليس العدني ، بل اليمني عموماً . مزيداً من التفاصيل... الصفحات اكروبات