إلحاق أرباب الأسر صغارهم برياض الأطفال مشكلة حقيقية تواجهها كل أم، ومبعثها أنها تفارق طفلها لأول مرة لساعات طوال والخوف عليه من شقاوة أقرانه، وكيف سيتعامل مع هذا العالم الذي يجهله، وهل سيلقى استجابة من مدرسته حين يطلب منها التوجه إلى دورة المياه مثلاً أم أن الخوف سيجعله يعزف عن هذا الطلب! “الجمهورية” التقت بعدد من خبراء علم الاجتماع للإلمام بجوانب القضية التي تدور بين خوف الطفل في بداية خطواته الدراسية ولهفة أم وقلقها عليه وأهمية رياض الأطفال. الطفل قابل للتعليم والتوجيه الأخت منيرة عبدالقوي سرحان أخصائية علم اجتماع تقول: إن الطفل يعتبر في مرحلة الروضة قابلا للتعليم والتوجيه إذا أحسنت المعلمة التعامل معه وقدمت له الخبرات المناسبة لعمره العقلي حيث إن الطفل في هذه المرحلة العمرية يكون على درجة كبيرة من المرونة والقابلية للتعليم وشدة الحساسية لما يدور حوله؛ لأنها فترة نشاط جسمي للاتجاه الإيجابي نحو البيئة واستطلاعها والاستفادة منها، وهي أيضاً فترة الاتجاه نحو الآخرين والخروج عن دائرة الانكفاء على الذات وأيضاً التساؤل والرغبة والمعرفة والميل إلى الإبداع. تهيئة الطفل كما أكدت الأخت منيرة أن للروضة أهدافا تربوية؛ لأنها تعتبر الخطوة الأولى من مشوار التربية الطويل، والذي يمتد من المهد إلى اللحد، ولعل من أبرز وظائف الروضة تهيئة الطفل للنضج السليم بحيث يتقبل الخبرات التي يتضمنها المنهج الدراسي فيما بعد، ويستفيد منها ، لكنها تظل امتداداً لحياة الطفل في المنزل أكثر منها مرحلة من مراحل التعليم المدرسي، ومن أبرز أهداف التربية في رياض الأطفال أن يتقبل أو يتعود الطفل علىالمدرسة وأنظمتها ويعتاد على الغرباء في المجتمع المدرسي ويخرج من حضن أمه الذي كان ينعم فيه بالدفء والحنان. اعتماد على الذات وتقول الأخت نادية أحمد قائد المليكي أخصائية علم اجتماع: إن رسالة المدرسة تكتمل بوجود المعلمة الذكية الحنونة ذات الشخصية الجذابة لما لها من تأثير على شخصية الطفل مع توفير غرفة للعناية بالأطفال الموهوبين، إضافة إلى إشباع حاجة الطفل للتعرف على أطفال في مثل سنه وحجمه حتى يتفاعل معهم.. وكذلك توفير أجواء للعناية بالأطفال الذين يعانون إعاقة أو اضطرابات في اللغة أو صعوبات في الكلام، وقيام المربية بمجموعة من الأنشطة المدرسية والمتكاملة، التي من أبرزها القراءة للطفل وتوفير الكتب التي تناسب عقله والاشتراك معه في الألعاب وتعويده الاعتماد على النفس وتجنب المناقشات الحادة على مرأى أومسمع الطفل.. كلها عوامل تسهم في تأقلم الطفل مع عالمه الجديد. أكثر ثقة بأنفسهم وعن مخاوف وقلق الطفل من الذهاب للمدرسة لأول مرة تقول الدكتورة إلهام محمد علي اخصائية علم إجتماع: إن هناك بعض المشكلات ربما يتعرض لها الطفل عند التحاقه بالمدرسة لأول مرة حيث إنه لم يؤخذ على جو الروضة، وأحيانا أخرى إذا كان في الروضة ولكنه خائف من الجو العام وأمامه أطفال أكبر منه، أيضاً نجد الخوف والقلق يسيطران عليه، وربما بسبب التربية الاجتماعية في البيت يتعذر عليه أنه يأنس إلى أصدقاء جدد في المدرسة، وقد تكون الفترة الأولى صعبة على الطفل فيرفض دخول الغرفة أو الصف الذي يضمه ويجمعه مع أصدقائه فيعلو صوته بالبكاء لأنه فارق أمه وابتعد عن جو الأسرة المألوف، بالنسبة له هذا أمر عادي لا يستدعي القلق؛ لأن الطفل في مثل هذه الحالة يكون قد تولد لديه بعض الخوف من الجو غير المألوف له، كما تشير الدكتورة إلهام إلى أن هذا كله يرجع لعدة عوامل تساهم في نشاة مشاعر الطفل وهو التدليل الزائد الذي يتلقاه طيلة السنوات السابقة وقلق الأم عليه وشدة تعلقها به إذ إن التعلق الشديد بالوالدين بصفة عامة وبالأم بصفة خاصة وشدة الارتباط بها وقلق الانفصال عنها يمثل أحد العوامل المساهمة في إحداث المخاوف من المدرسة فالطفل قد يتصور أن هناك أحداثاً خطيرة قد تحدث له أو لأحد أبويه إذا تركهم أو تركوه فهنا يتشابه القلق والخوف من أن يعود إلى المنزل فلا يجد أحدهما. وأضافت الدكتورة إلهام تقول: إن قدرات الأطفال تختلف من حيث سرعة التأقلم مع جو المدرسة الجديد ولعل الأطفال الذين اعتادوا الذهاب إلى الروضة نجدهم أكثر استعداداً من غيرهم من الأطفال الذين تعودوا على الاعتماد على ذويهم فهؤلاء قد يلجأون إلى البكاء ويطالبون بالعودة إلى منازلهم مع الأم، مرة أخرى توضح الدكتورة إلهام أن للأسرة دوراً كبيراً في حل هذه المشكلة وعلاجها قبل فوات الأوان حيث إنه من الخطأ أن نلجأ إلى عقاب الطفل لإجباره على الذهاب إلى المدرسة وبدلاً من العقاب يكون علاج المشكلة بذهاب الوالدين أو أحدهما معه إلى المدرسة في أول يوم ولمدة شهر ويجلسان معه ثم يختفيان عن نظره بعض الوقت ويظهران بعد قليل حتى لا يشعر الطفل بعدم الأمان ويجب أن يكون علاج هذه المشكلة برفق حيث إن الطفل يجد نفسه في مبنى كبير وبين أطفال كثيرين في مثل سنه، ويتعامل أيضاً مع مدرس أو مدرسة قد يحبه، وقد يكرهه؛ ولهذا يجب أن تجري هذه النقلة في حياة الطفل بهدوء، بدون إزعاج حتى لا يخاف ويبكي ويقول أنا أكره المدرسة. للأسرة دور مهم - ويقول الدكتور عبد القوي نصر طه اخصائي علم اجتماع: إن للأسرة، وخصوصاً الأم دوراً مهماً حتى يمر هذا اليوم بسلام ويكون انطباع الطفل عنه إيجابياً.. وحتى يتجنب الأطفال مشكلات هذا اليوم على الأم أن تمهد له الأمر قبل دخول الحضانة بمدة كافيه كأن تتحدث معه كثيراً عن أهمية المدرسة والدراسة وأن تشرح أن المدرسة ستجعل منه شخصاً مهماً، وأنها مكان سيلعب فيه ويتعلم القراءة والكتابة والرسم وتوضح له أن المدرسين يحبون تلاميذهم الذين لا يخافون من المدرسة، ثم تبدأ بعد ذلك باصطحابه لزيارة المدرسة قبل الدراسة بأسبوع حتى يتعود على شكلها ويشعر أنها تجمع بين النادي ومكان العلم لا بد أن يعرف الوالدان أن ترغيب الطفل في الزي المدرسي وشنطة المدرسة أمر مهم؛ لأنهما سيلازمانه طول أشهر الدراسة، ومن المهم أيضاً أن يشارك الصغار في شرائهما وأن يختاروا أدوات المدرسة بأنفسهم ويضيف الدكتور عبد القوي: إنه من الخطأ أن ينتقد الوالدان المدرسة أوالعملية التعليمية أمام أطفالهم لأن أي انتقاد أو حديث سلبي عن أي شيء يخص المدرسة أو المواد الدراسية يثبت في عقل الطفل ويجعله ينفر من المدرسة. التعامل الصارم بثغر الطفل أما عن دور المدرسة والتربويين يقول الدكتور عبدالقوي: إن للمدرسة دوراً مهماً جداً في تقبل الطفل اليوم الأول للمدرسة، وخصوصاً طفل الصف الأول حيث يجب عدم التعامل الجاف أو الصارم من بعض المعلمين والإداريين في المدرسة؛ لأن ذلك ينعكس على نفسية الطفل والتلاميذ الجدد ويجعلهم يتطبعون مسبقاً بانطباع سيئ وغير إيجابي تجاه المدرسة والدراسة؛ ولهذا فإنه من الضروري على المدرسة التأهيل العلمي والتربوي للقائمين على العملية التعليمية في المدرسة، وخصوصاً معلمي ومعلمات الصف الأول "حضانة" الذين ينبغي عليهم أن يكونوا من ذوي الكفاءة والتأهيل والخبرة العلمية والتربوية العالية، ويجب أن يغلب على فعاليات الأسبوع الأول من الدراسة روح اللعب والمرح والفكاهة والترفيه، كما يجب على المدرسة لإكساب نفسية الطفل الطمأنينة أن ندعو لدخول الصف الأول ابتدائي قبل بقية الصفوف الأخرى على الأقل بأسبوع؛ لأنه في هذه الحالة لن يشعر الطفل بالخوف. التغذية للطفل وعن أهمية وجبة الإفطار قبل الذهاب إلى الحضانة أو المدرسة تقول الدكتورة أمل محمد علي العريقي: حقيقة وجبة الإفطار مهمة جداً تعمل على تحسين الأداء الذهني للطفل، كما تعلم تساعد على سد النقص في مستويات جلوكوز الدم وهذا أمر مهم جداً حيث إن المخ ذاته ليس لديه احتياطات من الجلوكوز، ويجب تعويض النقص الحاصل بصورة مستمرة، ولذلك فإن وجبة الإفطار من الوجبات اليومية المهمة للطفل في كل مراحل عمره والأطفال الذين لا يتناولون وجبة الإفطار قبل الذهاب إلى الحضانة والمدرسة يواجهون مشكلات في التركيز وأحياناً يصابون بالإعياء وعدم الانتباه خلال تواجدهم في المدرسة وهذا له تأثير سلبي على التحصيل العلمي حيث أكدت الدراسات أن الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة وهم جياع لا يستطيعون التركيز لشرح المعلم أو المعلمة، وبالتالي يتدنى التحصيل والإنجاز. عدم القدرة على النطق وتقول الدكتورة أمل: ومن أبرز المشكلات التي تصادف الأمهات والآباء تلعثم أطفالهم أثناء الكلام وعدم القدرة على النطق السليم أو تأخر النطق، وهذه مشكلة بالتأكيد تجعل الطفل يكره المدرسة والتعليم، ونسبة الإصابة بهذا المرض تمثل من 1 3 % من الأطفال، خصوصاً في مرحلة ما قبل سن الدراسة، وعلى الأب أو الأم الذهاب فوراً للطبيب المختص حيث إنه إذا لم يتم العلاج المبكر في هذه السن سيؤثر على الطفل من ناحية الإدراك أو الحركة أو نسبة الذكاء واستجابته الذهنية والإهمال في المشورة الطبية تقلل من نسبة الشقاء ويستمر المرض وعقدة الطفل من التعليم طوال عمره.