اليمن من الدول الشحيحة بالمياه حيث تبلغ حصة الفرد من المياه خلال العام مائة وثلاثين مترا مكعبا، بينما نصيب الفرد على مستوى العالم ثمانية آلاف متر مكعب سنويا، وبالرغم من أن اليمن بلد جاف جغرافيا ومناخيا إلا أن شجرة القات زادت من حجم مشكلة الجفاف المخيفة ....صحيفة الجمهورية التقت وزير المياه والبيئة، المهندس عبد الرحمن فضل الإرياني الذي أوضح أزمة المياه في اليمن. طبيعة اليمن الجغرافية والمناخية فرضت عليها شحة المياه، فليس لدى اليمن أنهار، والأمطار محدودة في السلسلة الجبلية الممتدة من حدود السعودية شمالا، إلى خليج عدن جنوبا، وبقية الأرض اليمنية معظمها صحارى قليلة الأمطار، فنسبة الأمطار منخفضة والمصادر الأساسية للمياه المتاحة هي ما يتجمع من الأمطار والمياه الجوفية، واليمن مياهها شحيحة منذ أقدم العصور والدليل على ذلك أن اليمنيين القدامى استطاعوا أن يدوروا التقنيات العالية المهارة والجودة لإدارة هذه المياه المحدودة؛ لكي يتأقلموا مع مناخهم الصعب. وللعلم فإن المياه محدودة جدا في اليمن، ونسبة الفرد من المياه المتجددة لا تتجاوز مائة وثلاثين مترا مكعبا في السنة، فيما نصيب الفرد في منطقة الشرق الأوسط، وهو منطقة شبه جافة يتجاوز الألف متر مكعب، بينما نصيب الفرد على مستوى العالم يزيد على ثمانية آلاف متر مكعب في السنة، بالإضافة إلى ذلك فلدينا سوء إدارة كبير بالنسبة للموارد المائية فأكثر من 90 %من الموارد المتاحة في اليمن تستخدم للزراعة وتستخدم في غالب الأحيان لزراعة غير كفوءة وإنتاجيتها ضعيفة، وفيها هدر للاستخدامات المائية في الزراعة وكفاءة الري في اليمن بمعدل لا يتجاوز40 %بينما دول مثل الأردن تصل الكفاءة إلى حوالي 80 % ودول مشابهة لوضعنا يصل الكفاءة فيها إلى حد أعلى كالأرض المحتلة "فلسطين"التي تصل كفاءة الري فيها إلى 90 % وهذا يشكل مشكلة كبيرة في اليمن بسبب الشحة وسوء الإدارة أو سوء الاستخدام، بالإضافة إلى ذلك جاءت كارثة القات التي تشكل أكبر تهديد للمجتمع اليمني ومستقبل اليمنيين، فالقات مخدر ليس لأنه يؤثر على الناس، ولكن لأن تصرفات الناس حوله تدل على أنه مخدر فعال، أي تكالب الناس على شرائه واستخدامه وحركة البيع والشراء فيه تدل على أن لديه جميع خصائص المخدرات، وهو المحصول النقدي الأكثر ربحية في اليمن، وبالتالي إنتاج القات يتزايد كلما قلّت المياه، وأصبح الحصول على الماء أكثر تكلفة، كلما اتجه الناس إلى زراعة القات؛ لأنه المحصول الوحيد الذي يمكن أن يغطي تكاليف الإنتاج وهذه معضلة تواجه الشعب اليمني ولا يمكن مواجهتها بفعالية سوى بتضافر جميع الجهود سواء من القيادة السياسية والمجتمع والمواطنين بشكل عام حيث يجب أن نقف وقفة جادة ونعترف أن هذا القات يشكل كارثة على المجتمع اليمني ويجب أن نتعامل معه بهذه الطريقة. جهود متواضعة ويضيف وزير المياه والبيئة في سياق حديثه بالقول: الحكومة لديها مجهودات، ولكنها في رأيي متواضعة في قضية تشجيع بدائل للقات وخلال العام الحالي بدأ الاهتمام يزداد في قضية إحياء المحصول النقدي التقليدي في اليمن، وهو البن، وهذه الجهود في بدايتها، ونحن نتمنى جهودا أكثر قوة وأكثر فعالية، وأنا أعتقد ليس فقط في تشجيع البن سنواجه التحدي، ولكن يجب أن يكون هناك رؤية واضحة بالنسبة لسياسة الري وتطبيق استخدام الري الحديث ووضع الرسوم الحكومية القوية على كبار المزارعين، بالذات الذين يستخدمون المياه الجوفية التي يملكها المجتمع، وهذا لا يتم سوى بقرار سياسي من أعلى الجهات وبدعم قوي منها في التطبيق اليومي؛ لأنه في الحقيقة أي تغيير للوضع الحالي سيضر بمصالح مستفيدين، وهذا يجب أن نعرف؛ لأن هناك أناسا مستفيدين من الوضع الحالي في أن يكون الماء متاحا لهم بصورة كاملة وحرة ومجانية وبدون أي رقابة أو ضوابط، وأي تغيير نحو الأحسن سيؤثر بمصالح هؤلاء الناس فيجب أن يكون هناك وقفة جادة من قبل المجتمع لإنقاذ اليمن من الأزمة التي تتجه نحوها في نضوب الكثير من الأحواض وجفاف الكثير من المناطق التي لن يجد الناس شربة الماء في المستقبل القريب إذا استمر الوضع على ما هو عليه، وهناك زيادة في زراعة القات، فعلى سبيل المثال حوض صنعاء حيث كل سنة تزداد زراعة القات إلى 7 % ، والآن وصلت إلى حوالي من 40 % أو 45 % من الأراضي المتاحة للزراعة في حوض صنعاء مزروعة بالقات، وهي في تزايد مستمر، ففي خلال سنوات قليلة ستتحول كل منطقة صالحة لزراعة المحاصيل الزراعية إلى زراعة القات والسبب الرئيسي أن الدخل من القات عال وتكاليف إنتاج للمحاصيل تتزايد ويصبح القات هو المحصول الوحيد المنافس الذي يمكن أن يغطي تكاليف الإنتاج. جفاف حقيقي وعن المرحلة التي تعيشها اليمن فيما يتعلق بالمياه قال وزير المياه والبيئة: اليمن تعيش مرحلة جفاف حقيقي، فالمياه المتاحة بالنسبة لعدد السكان لا تكفي للسكان بحيث إنهم يستطيعون أن ينتجوا غذاءهم ويكتفوا من الغذاء والاستخدامات الأخرى، والحد الأدنى لكي يعيش الإنسان هو حوالي 1600متر مكعب في السنة؛ لكي ينتج غذاءه ويحصل على ماء الشرب والاغتسال وغيره، فإذا كانت المياه المتاحة الآن هي 130 مترا مكعبا في السنة فقط من المياه المتجددة، فمعناه أننا نستغل مياها خزنت لمئات السنين، وهذه المياه مصيرها إلى النضوب، وبالتالي نحن الآن في فترة جفاف متزايد، وهذا التزايد ذو عجلة سريعة، وكلما مر الوقت زادت العجلة سرعة، وهناك دلائل واضحة أنه في كثير من الأحواض يضطر فيها المزارعون وأصحاب الآبار إلى التعميق من متر إلى اثني عشر مترا في السنة، وهذه النسبة تتزايد كل سنة، ومعنى ذلك أنهم سيصلون إلى مرحلة معينة إما أن يجف الحوض المائي أو أن تكاليف الحفر والضخ من الآبار العميقة لن تجدي، خاصة للزراعة، فمثلا في حوض صنعاء نحن نحفر لمياه الشرب في مدينة صنعاء، ووصلنا إلى ألف متر في الحفر وهذا في تزايد مستمر والنتيجة واضحة، نحن الآن في منحدر وننزلق في هذا المنحدر وهي مسألة وقت إلى أن نصل إلى الهاوية. أحواض مائية سالبة وعن كميا ت المياه المتاحة يقول: المياه المتاحة للفرد في اليمن هي نسبة القياس لكمية المياه المتاحة وتعد من أقل النسب في العالم وهي المائة والثلاثون مترا مكعبا في السنة التي ذكرتها سابقا، وهناك بوادر لأمطار أكثر، لكن هذا ليس مؤكدا، وقد تكون هذه الفترة سنتين إلى ثلاث إلى أربع سنوات من الأمطار الأكثر، لكن هذا لا يجعلنا نرتاح أو نطمئن أن الأمطار ستستمر بشكل دائم، حيث إن تغييرات المناخ مستمرة، وقد يكون سنتين إلى ثلاث سنوات أمطار، وبعدها جفاف، لكن في الحقيقة أن السنتين الماضيتين أفضل من غيرهما من حيث الأمطار، وهذا يعطينا أملا في أنه إذا أحسنا إدارة الموارد المائية الآن، واستفدنا من مياه الأمطار بشكل أفضل عن طريق حصاد المياه والإدارة السليمة للمساقط المائية، ربما نتعايش مع الوضع الذي نحن فيه، وهناك خيار آخر بالنسبة للمياه، وهو خيار ليس بديلا، ولكنه معزز للخيارات المتاحة، وهو التحلية والتحلية في الوقت الحالي، تكلفتها أصبحت قليلة وتتناقص كل سنة تقريبا بسبب التطور التكنولوجي، لكنها لن تكون متاحة سوى في المناطق الساحلية؛ لأن تكاليف نقل المياه مكلفة، ولن تقل؛ لأن هذه مسألة مفروغ منها؛ كونها مسألة فيزيائية حيث إن النقل لكمية كبيرة من المياه عبر مسافات وارتفاعات معينة ستظل ثابتة إن لم تزد بسبب زيادة ثمن الوقود، بينما تكاليف التحلية تقل، خاصة إذا استخدمت الطاقة المتجددة مثل الشمس والريح، ولدينا الكثير من الشمس والريح في شواطئنا، ولدينا البحار التي من الممكن من خلالها أن نقوم بعملية التحلية، لكن هذا يحتم التشجيع لبناء مجتمعات جديدة في السواحل تقلل الضغط على المناطق الجبلية والقيعان التي يعيش فيها معظم السكان الآن، وأكثر المناطق جفافا في اليمن هي من الخمسة عشر حوضا، جميعها بالسالب ما عدا اثنين متوازنين بعض الشيء، لكن أشد الأحواض جفافا هي صعدة ورداع وصنعاء، فهذه الأحواض نستخدم فيها المياه المخزونة لآلاف السنين وهي في طور النضوب، وهناك أحواض معقدة.. كمية المياه فيها صعب تقديرها، فهي تتذبذب وتتأثر بالأمطار كالحوض المعقد في تعز الذي يحتوي على طبقات جيولوجية معقدة مرتبطة بنشاط بركاني وغيره، وهي متذبذبة ومتأثرة كثيرا بنسب الأمطار في كل سنة، ولكنها بشكل عام غير كافية للسكان المحليين للزراعة والحياة في الوضع الحالي. تجربة ناجحة ودعايات مستفيدة ويستطرد وزير المياه والبيئة في سياق حديثه بالقول: هناك تجربة صغيرة تخوضها مجموعة في حراز وهي من أنجح التجارب في قضية تشجيع المزارعين على قلع القات وزراعة البن، وما عدا ذلك، فإنها مجرد دعايات، وإذا حصل هنا وهناك فهي بغرض الاستفادة بمعونة معينة من الدولة ومجرد الحصول على هذا الدعم من الدولة يعود المزارع إلى زراعة القات، وليس هناك في الحقيقة مجهودات فعالة من قبل الدولة في هذا المجال، والسبب الحقيقي في ذلك أنه حتى الآن مع الأسف، ليس هناك رؤية واضحة للدولة وقيادة الدولة نحو القات، وكما تعلم فإن معظم المسئولين يستخدمون القات ولا يجدون حرجا من شرائه في أعراسهم واحتفالاتهم ومآدبهم، وفي كثير من الحالات من أموال الدولة، فإذا لم نتغير من القمة، فلا نتوقع أن نتغير من القاعدة أي لا يمكن أن نطلب من المزارع أن يتوقف عن زراعة القات أو استخدامه أو نطلب من المواطن البسيط أن يكف عن استخدام القات إذا لم يكن هناك قدوة من أصحاب القرار والمشاهير من رجال الفكر والفن والرياضة والسياسة، وهذا هو الشرط الرئيسي ليكون هناك تغيير حقيقي. وبالنسبة للتوعية، فإنها قد تكون فعالة عند الشباب إذا ابتدأنا من الأعمار الصغيرة كالمدارس وغيرها، لكن كما قلت فإن الشخص الذي لا يستخدم القات في اليمن يعتبر شاذا، وهذا شيء معروف في المجتمع اليمني، فإذا لم يتغير هذا المفهوم ويصبح العكس هو الصحيح، فكيف نتوقع أن تكون توعيتنا فعالة، ونقول للشباب بألا يخزنوا، بينما هو يعود إلى البيت ويجد أباه وأمه وإخوانه الكبار يخزنون؟! ولذلك فهناك نوع من الانفصام في الشخصية في موضوع مضغ القات، وأنا أعتقد أن المسئولية تقع على كبار الساسة ورجال الفكر والثقافة والعلم، فهم الذين يجب أن يقودوا الحملة، ويكونوا مقتنعين بأن القات بالرغم من المتعة التي يحصلون عليها آنيا، لكنه كأي مخدر آخر سينتهي بكارثة على المجتمع وهو الآن في كارثة، وأنا أحمل القات الكثير من المشاكل التي نعانيها الآن كالفساد وسوء الصحة وسوء التعليم، وإنني أعرف أن في مناطق زراعة القات، الدراسة فيها تكاد تكون صفرا؛ لأن الطفل بمجرد أن يبلغ سنا تسمح له بأن يعمل في مزارع القات يكسب أكثر من خريج الجامعة، وبالتالي لماذا يدرس! وهذا وضع كلاسيكي مخدر “منتج مخدر”وجميع أعراضه موجودة في القات.