يحتفل أهل شبام حضرموت ومعهم كل اليمنيين اليوم بفوز مدينتهم بأكبر جائزة عالمية للعمارة الإسلامية. ومنحت مدينة شبام ذات البناء الطيني والتي يطلق عليها السياح الأجانب ب( مانهاتن الصحراء) المركز الثاني لجائزة آغاخان هذا العام ضمن قائمة أفضل 9 مواقع من أصل 343 مشروعا معماريا من مختلف بلدان العالم. وأعلن فوز مدينة شبام التأريخية بالجائزة التي تأسست عام 1977 بدعم وتمويل من الأمير آغا خان خلال حفل في العاصمة الماليزية كوالالامبور في سبتمبر الماضي. الاحتفالات اليمنية التي يحضرها عضو لجنة التحكيم بجائزة الأغاخان للعمارة الإسلامية بسويسرا المهندس سهل الحياري تتضمن أوبريتاً غنائياً يتحدث عن عمارة الطين إلى جانب عروض للحرف اليدوية . ورغم أن قيمة الجائزة التي حصلت عليها المدينة لا تتعدى 55 ألف دولار، لكن الترويج الاعلامي على مستوى عالمي يؤهل المدينة لعائد سياحي كبير. وزير الثقافة اليمني الدكتور محمد المفلحي والسفير الألماني بصنعاء الذي ترعى حكومته مشروعاً مع مؤسسة (GTZ) يعني بترميم منازل المدينة الطينية والمحافظة عليها باعتبارها من مدن التراث العالمي المدرجة ضمن قوائم (اليونسكو) عام 1984م سيقومان مع ممثل الجائزة بتكريم العاملين بالمشروع. وتكافئ الجائزة من لهم دور في انجاز صروح وتحف معمارية وخطط تساهم في تطوير الارياف وتحافظ على البيئة العمرانية وتستفيد من التكنولوجيا كهدف اساسي للتصميم ومشاريع الاسكان الاجتماعية ومشاريع الترميم والمحافظة على التراث المعماري القديم. و حصلت اليمن على جائزة الآغا خان للمرة الخامسة منذ تأسيسها حيث كانت الأولى لمدينة صنعاء القديمة، والثانية لفندق السلام بسيئون، والثالثة لمسجد العباس بأسناف خولان محافظة صنعاء , والرابعة لجامع ومدرسة العامرية بمحافظة البيضاء. وتعتبر جائزة آغا خان أكبر جائزة معمارية عالمية حيث تعلن كل 3 سنوات ويصل مجموع جوائزها 500 ألف دولار . * ناطحات مانهاتن في صحراء حضرموت: وتوصف مباني مدينة شبام بأنها أقدم (ناطحات سحاب) في العالم حيث يصل ارتفاع مبانيها 8 طوابق ، وقد بنيت منازلها منذ حوالي 600 سنة . تحتوي المدينة الواقعة وسط وادي حضرموت على 500 بيت مبنية من اللبن المخلوط بالتبن متلاصقة ومتقاربة في الارتفاع ، ومن معالمها جامع هارون الرشيد التأريخي الذي بني في مطلع القرن العاشر الميلادي وحصن شبام الذي بني في القرن الثالث عشر الميلادي، ولها سور منيع وبوابات وثلاث ساحات مشهورة. يعتقد الباحثون أن مدينة شبام الحالية بنيت فوق أنقاض مدينة دمرتها السيول في القرن السادس عشر الميلادي . يقال أن المدينة سميت ب ( شبام ) نسبة إلى اسم ملكها ( شبام بن حضرموت بن سبأ الاصغر ) وفي رواية اخرى للهمداني ان سكان شبوة عند تهدمها نزحوا الى هذا الموقع وسط الوادي وسموها ( شباه ) تم تحولت التاء الى ميم. أطلق على شبام حضرموت أسماء أخرى ، فإلى جانب ( مانهاتن الصحراء و أقدم ناطحات سحاب) أطلق عليها (بيحم والصفراء والعاليه والبلاد وأم الجهة والوالدة والزرافه والدمنة وأم القصور العوالي) اشتهرت حضرموت ومدنها بشهرة مملكة سبأ وحضارتها وأطلق على الممالك اليمنية سبأ وحضرموت ومعين وقتبان وأوسان (العربيه السعيدة) و (العربية الجنوبية). شهدت المدينة حوادث مدمرة حيث هدمها سد مأرب مابين 420 و450 بعد الميلاد وثم كان الدمار الثاني عندما حاصرها القائد اسعد تالب الجدني في عهد الملك ذمر علي يهبر من 320 - 450 بعد الميلاد فدمر اسوارها وحصونها ودك كثيرا من دورها . وظهرت كمدينه قويه منيعه في النقوش الحميريه ( المسند) في عهد مملكة سبأ وذي ريدان وحضرموت ويمنت مابين 300 320 بعد الميلاد ، وفي العهد الاسلامي تعرضت المدينة للتهديم أكثر من مرة أولها في الدمار الذي لحقها بعد سقوط الدوله الاباضية الاولى حين قدم الى حضرموت شعيب البارقي أحد قادة جيوش الأمويين في 131 ه فهدم سورها وكثير من دورها والثاني كان بعد200 ه عندما تحاربت قبائل كنده وحضرموت فتهدم نصف المدينة التي كان بها آنذاك 30 مسجدا ، أما الثالثة فكان حين اجتاحها سيل يسمى ( جاحش) في عام 656ه وثم السيل العظيم المسمى (الهميم) في 698 ه . * البناء المعجزة: أقيمت مدينة شبام على شبه أكمة مرتفعه عند الوادي أواخر القرن السابع الهجري، أحيطت بسور ولم يتعد ارتفاع مبانيها آنذاك الدورين والثلاثه. وفي العقد الثاني من القرن التاسع الهجري بدأ أبناء المدينة يفكرون ببناء مدينه على مساحه صغيرة فوجدوا في الفضاء مجالا للبناء فتم الاعمار من بنايه الى اخرى بطبقات متعدده حتى اصبحت المدينه تضم 500 منزل يصل ارتفاع بعضها إلى 30 مترا . يبدأ البناء عادة بمسح الارض وفي موضع منزل قديم تهدم ، وفي نفس المساحة يتم جلب الطين من ارض تمر فيها السيول ويخلط بماده تسمى(التبن) تأخذ من قصب القمح والذرة بعد سحقها ويشكل في قوالب ويعمل منه لبنات ، طول اللبنة من 40 50 سم وعرضها من 20 30 سم . يعرض اللبن للشمس حتى يجف تماما ثم يبدأ البناء به بعد وضع الاساس من الحجارة، ويتم بناء الطابق الاول الذي يخصص لحفظ الغلال والتمور، ثم الثاني الذي غالبا ما يخصص للأغنام والثالث لجلوس الرجال ، ثم الرابع المخصص للنساء والذي به المطبخ الذي يحتوي على (التنور) الطيني ، ثم الخامس الخاص بجلوس العائله مجتمعه، والسادس بالابناء حديثي عهد بالزواج . والملاحظ ان اغلب بيوت المدينه تكاد ان تكون متشابكه يفتح بينها باب يسمى (المسلف) تنفذ منه النساء من طابقهن والرجال من طابقهم الى البيت المجاور حتى ان الشخص يستطيع ان يمر من 10 بيوت دون ان يخرج الى الشارع . بيوت المدينة متراصة يزينها تاج من الجير الأبيض ( النوره) يتدلى من رؤوس منازلها ويستعمل الجبر في تبييض المنازل من الداخل ايضا . يعتمد البناء على الطين والاعشاب وجذوع النخيل ، ولا يصلح غير نوع واحد من الأخشاب هو من شجر السدر كون الارضة لاتأكله اوتنخر فيه ويسمى خشب حمر يستعمل لصنع الباب الرئيسي (الضيقة) وفي صنع النوافذ (الخلاف)، ويستعمل ايضا في عمل الاسهم الروافع التي يقوم عليها سقف الغرف . داخل الغرف تعمل فتحات فوق النوافذ خاصه بالتهوية ولدخول أشعة الشمس ، ولحماماتها هندسة عجيبة خاصه منفذ المخلفات الذي يسمى (مخوال) ، حيث كل فتحة في حمام طابق تختلف عن الفتحة التي تعلوها ولكن الكل يصب في مكان واحد.