الشهادة منحة إلهية    تضحياتٌ الشهداء أثمرت عزًّا ونصرًا    في وقفات شعبية وفاءً لدماء الشهداء واستمرارًا في التعبئة والجهوزية..قبائل اليمن تؤكد الوقوف في وجه قوى الطاغوت والاستكبار العالمي    فيما الضامنون يطالبون بنزع سلاح المقاومة الفلسطينية .. كيان الاحتلال يواصل انتهاكاته وخروقاته لوقف إطلاق النار في غزة    مرض الفشل الكلوي (27)    فتح منفذ حرض .. قرار إنساني لا يحتمل التأجيل    تيجان المجد    الزعوري: العلاقات اليمنية السعودية تتجاوز حدود الجغرافيا والدين واللغة لتصل إلى درجة النسيج الاجتماعي الواحد    الدولة المخطوفة: 17 يومًا من الغياب القسري لعارف قطران ونجله وصمتي الحاضر ينتظر رشدهم    نجاة برلماني من محاولة اغتيال في تعز    سقوط ريال مدريد امام فاليكانو في الليغا    الأهلي يتوج بلقب بطل كأس السوبر المصري على حساب الزمالك    الدوري الانكليزي: مان سيتي يسترجع امجاد الماضي بثلاثية مدوية امام ليفربول    الرئيس الزُبيدي يُعزي قائد العمليات المشتركة الإماراتي بوفاة والدته    قراءة تحليلية لنص "مفارقات" ل"أحمد سيف حاشد"    الأرصاد يحذر من احتمالية تشكل الصقيع على المرتفعات.. ودرجات الحرارة الصغرى تنخفض إلى الصفر المئوي    شعبة الثقافة الجهادية في المنطقة العسكرية الرابعة تُحيي ذكرى الشهيد    محافظ العاصمة عدن يكرم الشاعرة والفنانة التشكيلية نادية المفلحي    قبائل وصاب السافل في ذمار تعلن النفير والجهوزية لمواجهة مخططات الأعداء    هيئة الآثار تستأنف إصدار مجلة "المتحف اليمني" بعد انقطاع 16 عاما    وزير الصحة: نعمل على تحديث أدوات الوزارة المالية والإدارية ورفع كفاءة الإنفاق    في بطولة البرنامج السعودي : طائرة الاتفاق بالحوطة تتغلب على البرق بتريم في تصفيات حضرموت الوادي والصحراء    تدشين قسم الأرشيف الإلكتروني بمصلحة الأحوال المدنية بعدن في نقلة نوعية نحو التحول الرقمي    جناح سقطرى.. لؤلؤة التراث تتألق في سماء مهرجان الشيخ زايد بأبوظبي    صنعاء.. البنك المركزي يوجّه بإعادة التعامل مع منشأة صرافة    اليمن تشارك في اجتماع الجمعية العمومية الرابع عشر للاتحاد الرياضي للتضامن الإسلامي بالرياض 2025م.    شبوة تحتضن إجتماعات الاتحاد اليمني العام للكرة الطائرة لأول مرة    رئيس بنك نيويورك "يحذر": تفاقم فقر الأمريكيين قد يقود البلاد إلى ركود اقتصادي    وزير الصناعة يشيد بجهود صندوق تنمية المهارات في مجال بناء القدرات وتنمية الموارد البشرية    الكثيري يؤكد دعم المجلس الانتقالي لمنتدى الطالب المهري بحضرموت    بن ماضي يكرر جريمة الأشطل بهدم الجسر الصيني أول جسور حضرموت (صور)    رئيس الحكومة يشكو محافظ المهرة لمجلس القيادة.. تجاوزات جمركية تهدد وحدة النظام المالي للدولة "وثيقة"    خفر السواحل تعلن ضبط سفينتين قادمتين من جيبوتي وتصادر معدات اتصالات حديثه    ارتفاع أسعار المستهلكين في الصين يخالف التوقعات في أكتوبر    علموا أولادكم أن مصر لم تكن يوم ارض عابرة، بل كانت ساحة يمر منها تاريخ الوحي.    كم خطوة تحتاج يوميا لتؤخر شيخوخة دماغك؟    محافظ المهرة.. تمرد وفساد يهددان جدية الحكومة ويستوجب الإقالة والمحاسبة    سرقة أكثر من 25 مليون دولار من صندوق الترويج السياحي منذ 2017    نائب وزير الشباب يؤكد المضي في توسيع قاعدة الأنشطة وتنفيذ المشاريع ذات الأولوية    أوقفوا الاستنزاف للمال العام على حساب شعب يجوع    هل أنت إخواني؟.. اختبر نفسك    عين الوطن الساهرة (1)    أبناء الحجرية في عدن.. إحسان الجنوب الذي قوبل بالغدر والنكران    الدوري الانكليزي الممتاز: تشيلسي يعمق جراحات وولفرهامبتون ويبقيه بدون اي فوز    جرحى عسكريون ينصبون خيمة اعتصام في مأرب    قراءة تحليلية لنص "رجل يقبل حبيبته" ل"أحمد سيف حاشد"    الهيئة العامة لتنظيم شؤون النقل البري تعزّي ضحايا حادث العرقوب وتعلن تشكيل فرق ميدانية لمتابعة التحقيقات والإجراءات اللازمة    مأرب.. فعالية توعوية بمناسبة الأسبوع العالمي للسلامة الدوائية    المستشفى العسكري يدشن مخيم لاسر الشهداء بميدان السبعين    في ذكرى رحيل هاشم علي .. من "زهرة الحنُّون" إلى مقام الألفة    مأرب.. تسجيل 61 حالة وفاة وإصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام    على رأسها الشمندر.. 6 مشروبات لتقوية الدماغ والذاكرة    كما تدين تدان .. في الخير قبل الشر    الزكاة تدشن تحصيل وصرف زكاة الحبوب في جبل المحويت    صحة مأرب تعلن تسجيل 4 وفيات و57 إصابة بمرض الدفتيريا منذ بداية العام الجاري    ضيوف الحضرة الإلهية    الشهادة في سبيل الله نجاح وفلاح    "جنوب يتناحر.. بعد أن كان جسداً واحداً"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثورة 26 الوليد الشرعي المكتمل النمو لثورة 48
نشر في الجمهورية يوم 25 - 09 - 2012

الحديث عن الثورة ومن كانوا في تيارها حديث سهل لأن تاريخها جاهز ومعروف مسبقاً طالما أحدثت التحولات.. فهي أحداث نبتت في دهاليز السرية ونضجت على كسر عتبات حياتنا المتحجرة لتعطينا امتداداً لنهضة فكرية وأدبية وتاريخية .. في عبق تلك سنعبر خط الشفرات المستبدة التي فكتها ثورة 48 وتوجت نجاحها ثورة (26) سبتمبر .. من خلال هذه التناولة سنعيد قراءة ماضينا المكفن بدماء الشهداء, ونعرض أحداثًا ووقائع في تعداد مراحلها بدأت بالفشل وانتهت بالنجاح.
تكتسب الثورة – أي ثورة - أهميتها من خلال عاملين اثنين .. حجم الإزاحة من التركة المثقلة للأنظمة السابقة التي يتحتم عليها إزالتها من طريق تطور المجتمع والأهداف والآفاق, والأهداف المحتملة التي تندرج فيها, وتصل إليها وحدث سبتمبر يكتسب العاملين معاً, مما يجعلاها ثورة بكل معاني الكلمة نظرياً وعملياً وعلمياً .. حسب توصيف الباحث محمد سعيد شكري.
يقول الدكتور سلطان عبد العزيز المعمري: لقد شكلت الثورة اليمنية حدثاً سياسياً واجتماعياً متقدماً ومتناغما في أدائه, ومنسجماً في توقيته وزمانه, وكان الحدث الأبرز في القرن العشرين تكاملاً ونجاحاً, في سفر طويل من محاولات اليمنيين التي لم تتوقف يوماً للخروج من عهود الانحطاط والتخلف تلك التي فرضتها مشيئة المتحكمين من الطغاة والمستعمرين الذين توارثوا حكم البلاد بالجور والظلم والاستبداد , ولذلك لم تكن الثورة سبتمبر الوطنية التحريرية عام 1962م إلا تتويجا طبيعيا لمجموعة النضالات والمحاولات والحركات الوطنية خلال التاريخ لسبتمبر 1962م ضد الظلم وضد السياسات الاضطهادية والقهرية للسلطة الإمامية الكهنوتية المتحجرة من جهة, ومن أجل التحرر من الاستبداد والاستعمار ومخلفاتهما من جهة ثانية, وإقامة الوحدة من جهة ثالثة.
هيئة النضال
بعد تلك التراكمات من الفاقة والاضطهاد التي نسجتها عناكب الحكم الإمامي القائمة على التحجر والانغلاق وما وصلت إليه من تخلف وتأخر.. بدأ المستنيرون من أبناء اليمن يفكرون بإخراج اليمن من وضعها السيئ, وبدأت مراحل النضال ضد الإمامة وكانت اللمسات الأولى مع المناضل محمد المحلوي, وهو من أقام أول منظمة سرية تحت مسمى (هيئة النضال) التي تمركزت في صنعاء ومدت فروعها في بقية المحافظات عن طريق الكشف عن مدارس اليمن الذي كلف بها المحلوي بالإشراف عليها, ومع النجاح الذي التي حققته الهيئة في التوعية وهز جهاز الحكم اعتقل رئيس الهيئة, بسبب ذلك الخطب وفي تلك الظروف برز على مسرح الأحداث اليمنية العديد من الشباب, منهم القاضي محمد محمود الزبيري الذي قض مضاجع الإمام بخطبه الشجاعة حتى زج به في السجون وأفرج عنه بعد عام, وطلبه الإمام أحمد لتعلقه وحبه للشعر بعكس أبيه ولبى طلبه, وأثناء تواجده بالقصر تسربت الدسائس والأوهام إلى قصر الإمام عن تكوين حزب الأحرار وحولت حياته إلى يأس وقنوط جعلته يفر إلى عدن وكوّن فيها منظمة الأحرار في جمادى الآخرة من عام (1363ه).
- استمر حزب الأحرار بنشاطاته التي تدعو إلى الوقوف في صف واحد لإيقاف حكم الكهنوت, وكان هذا الحزب يعد أمل الكثيرين ومناط الرجاء, وبدأت التجمعات الأولى للأحرار في سنة (1350)ه وأرجعها الأستاذ محمد الفسيل إلى عام (1337)ه وبعد التقاء أبناء الجنوب وأبناء الشمال في عمل نضالي مشترك يأخذ على عاتقه النضال ضد الاستعمار والإمام معا, ألغي اسم حزب الأحرار وتم استبداله باسم (الجمعية اليمانية الكبرى).
- وفي يوم الثلاثاء السابع عشر من شهر فبراير من عام (1948م) كانت أول ثورة مسلحة في اليمن ضد التحجر والاستبداد وكهنوت الحكام, بدأ الناس المستنيرون بتجمعاتهم السرية لإعتاق الوطن, من ضمنهم جمعية الأحرار وضعت مخططاتها ومصيدتها بالنسبة للإمام يحيي لتكون أول مقلب تنظف فيها بؤر الفساد, نفذ العملية كل من الشيخ علي بن ناصر القردعي ومحمد بن قائد الحسيني ورفاقهما قتل الإمام في (سواد حزيز) على بعد عشرة كيلو مترات من صنعاء وهو في طريق عودته من جولته التفقدية اليومية.
ووكّل آخرون بقمع الشطر الآخر للحكم منهم العقيد حمود الجائفي ومحمد بن أبو رأس ورفاقهما بقتل ولي العهد الإمام أحمد وهو الأهم والمهمة الأصعب, فهو البطل الأسطوري كما كانت تزعم له البلاد لمواقفه الخيالية في العديد من الحروب والشطر الآخر للدولة حسب توصيف الزبيري في كتابه, لكن المكلفين بقتل ولي العهد لم يصيبوا الهدف بسبب إعلان صحيفة صوت اليمن التي كانت تابعة لتنظيم الثوار قتل الإمام يحيى وبلغ الخبر للإمام أحمد بسبب إعلان الصحيفة, وعيونه المدسوسة في كل مكان التي تطلعه على الأمر أولاً بأول, وعن طريق تحريض القبائل لنهب صنعاء والعمل على تشويه الثورة, ساعد ولي العهد على الإفلات والنجاة من القتل في تعز, فألاعيب الإمام أحمد ونهجه السياسي جعلها مسرحية مبرمة أصولها، محكمة أدوارها فهو يغضب من أبيه ويثور عليه, ويبكي أحياناً ويتواعد أحياناً, الأخ الحميم للسجناء حيث يطلقهم ويعود بهم مرة أخرى إلى السجون, واستطاع أن يخمد الثورة, ويعطل المسار الثوري مما جعل بعض الكتاب يصفونها بالانقلاب.
فكرة الجمهورية
لم يتعطل مسير ثورة (48) التي حددت هدفها بالقضاء على الحكم الملكي الفردي والانتقال إلى الحكم الملكي الدستوري وباءت بالفشل, وبتحدث عدد من زعماء الثورة وعن آثارها التي أجمع فيها جميع المحللين بأنها أثمرت كل الحركات والانتفاضات التي تليها في جملة من التصريحات نأخذ منها تصرح عبد الرحمن الأرياني بقوله: إن ممارسة الأحرار لم تكن تملك القدرة على التبشير الجماهيري بفكرة جمهورية مما جعلها عاجزة عن التصادم مع القيمة الدينية لموضوع الإمامة وحتمت استبدال إمام بإمام, بل هي امتداد لنهضات قادمة..) وصرح أحمد محمد نعمان: (إن إخفاقاتنا في المحاولة الأولى هو الذي سيبصرنا كيف نبني الأمة من جديد وسنحاول أن نستعرض بعض الإخفاقات حتى نتبين السبيل ونسير على هدي وبصيرة).
- الثورة لم تصل إلى هدفها المرموق غير نقل حكم من أسرة إلى أسرة لسببين, أولهما الوهن وثانيهما عدم تقبل فكرة الثورة ذاتها, أبعدتهم آنذاك عن الحكم الجمهوري وكانت الشكوك وعدم التقبل عوامل ساعدت الإمام في إثارة القبائل وإخماد الحركة التي لم توضح أهدافها وتؤمن بها بعد أن أعلن تشكيل المجلس الثوري وسهل الأمر للإمام واصطيادهم واحداً بعد واحد.
ثورة 1955م
قدم الكثير من الفدائيين إلى الساحة, وتوالت عليهم أوامر الإعدام من الأحرار والزعماء, ممن أحدثوا ثورة (48) ومن نجا منهم فالمعتقلات مصيره حتى حركة (1955) ثاني ثورة مسلحة في اليمن تستهدف القضاء على الحكم الفردي الذي لم يحقق شيء من الوعود الفائضة غير الكذب والتحايل .. فالأحرار اعتنقوا فكرة التضحية بكل شيء, فالوعود المعسولة لا تجدي نفعا, وبهمتهم العالية لن يخضعوا إرادة الشعب لمقتضيات المصلحة الشخصية أو العائلية, فأحرار تعز وصنعاء وإب قرروا أن يضعوا كل اعتبار شخصي تحت أقدامهم, وأن يخرجوا مهاجرين لإعلان إرادة الشعب, وإقامة حركة (55).
التنازل عن الحكم
بعد رصد التحركات ودراسة عوامل فشل ثورة (48) قرر بعض من تتجسد فيهم الحرية كأمثال الزعيم السلال والثلايا وحمود الجائفي وغيرهم من الأحرار والجنود البواسل أن يطلقوا من ثكناتهم رصاص بندقياتهم واستبعدوا اليأس من طريقهم وفقهوا مرة أخرى للتخلص من جبروت الإمامة, ونجحوا في إعادة الأمر واستقبال الكثير من العسكريين والمدنيين إلى صفهم ,وشكلوا ضربة قاسمه للإمام ووجهوا مدفعية تعز ومدفعية نوبة العكابر على القصر .. وأطلقوا عددًا من الطلقات الشرسة التي أرعبت الإمام وحطمت القصر ومعنوياته, حيث وافق على مطالب الجيش والأحرار وتنازل عن الحكم بوثيقة رسمية عاد بها الوفد إلى الجيش, وأصدرت وزارة الخارجية اليمنية إلى وزارات خارجية الحكومات العربية والجامعة العربية بلاغاً تنازل به الإمام عن منصبه نظراً لانحراف صحته يلبي رغبتهم ويفوض الحكم لأخيه الشقيق سمو الأمير عبدالله بتنصيبه ملكا للمملكة المتوكلية اليمانية وأن البيعة عامة من قبل أصحاب السمو وهيئات العلماء والجيش وأعيان البلاد.
استئناف الحكم مرة أخرى
وكان موقف الحكومات الخارجية موقفاً ايجابيًا, حيث اهتمت الحكومة المصرية والسعودية وأرسلتا الوفدين, لكنهما وصلا بعد فوات الأوان, فالإمام خلال الخمسة الأيام بين قيام الحركة وفشلها وبعد الاطمئنان للوثيقة التي كانت ليست إلا مراوغة, غير الموقف لصالحة, واتصل بأنصاره وأدخل المؤن من الباب الخلفي وأعطى الذهب لبيت المحجاني واستولى على مدفعية تعز مرة أخرى وقطع الماء والنور عن الثكنات العسكرية وهجم هجومه الشرس حتى انحلال معنويات الجنود وإخمادهم, استأنف الحكم وأعدم في تعز الشخصيات العسكرية والمدنية منهم قائد الحركة محمد الثلايا التي باءت بالفشل وهنأته السعودية على انتصاره وعودته مرة أخرى لكرسي الحكم, إلا أن جذوة الحرية من نفوس اليمنيين مازالت تشتعل وتضيء بأنها خطوة واضحة تصدرت تماماً إعلان دولة الجمهورية اليمنية.
تنظيم الضباط الأحرار
في حصيلة تلك الامتدادات السابقة التي كان منبتها ثورة (48) ثورة كسر الخوف وتثبيت عوامل النجاح اكتسبت القوى الثورية التجارب الموصلة لقمع نظام الإمامة ونهجت الخطط السليمة لتنظيم الضباط الذي تكون في عام (1954) بشكل منظمة سرية منبثقة من الجيش لتتخذ شكلها النهائي ضمن (تنظيم ضباط الأحرار).
وفي نهاية عام (61)م حيث تساندت جميع القوى الشعبية العسكرية والمدنية بجميع فئاتها, بدأت بالتخطيط ووضع اللمسات الأولى للتصورات والطموحات التي يريدها تنظيم الضباط الأحرار لتحقيقها على كافة المستويات وفي كافة المجالات, مستحضرين أسباب فشل الثورات السابقة مستفيدين من خبرتهم وتجاربهم, عقدت اجتماعات الجنة القيادية بصنعاء, استمر النقاش ما يقرب من ثلاثة اجتماعات من ست ساعات متواصلة, حيث أقر الحاضرون وضع الصيغة النهائية للجنة القيادية وتشكيل أعضاء القاعدة الأساسية المكونة من 16 عشر عضوا وتفجير الثورة مرة ثالثة.
موت الإمام
وبعد أسابيع قليلة وفي نهاية يونيو فوجئت اللجنة القيادية بوصول الأخ علي الضبي, وقد كلف من قبل الفرع بطرح فكرة تفجير الثورة من تعز, مؤكدًا أن الخطة قد وضعت لهذا الغرض ودرست في خلية تعز الذي يرأسها عبد الغني مطهر صاحب الدور السياسي والفعلي بدعم الثورة, هنا دخل التنظيم مرحلة جديدة وأكثر جدية وخطورة من المراحل السابقة حيث بدأ الاهتمام يصب على مدينة تعز باعتبارها مركز تجمع عناصر السلطة, وبدأ الدعم لفرع تعز بما يلزمها من الذخيرة الخفيفة وكانت ترسلها بكراتين مغلفة مكتوب عليها هدية (للسيد النائب الجليل حمود الوشلي ) بواسطة سعيد الجناحي الذي يعمل في الخطوط الجوية, وفي وسط تلك التحركات فوجئ الجميع بموت الإمام أحمد عقب حادثة الاغتيال التي مر عليها نصف عام التي نفذها عبدالله اللقية، ومحمد العلفي, ومحمد الهندوانة, بمستشفى الحديدة بعد أن قيده الألم.
قوى مغايرة
على إثر موت الإمام أعقبت التحولات فانقلب الموقف رأساً على عقب وبويع الإمام البدر خلفاً لوالده وتحول الاهتمام إلى صنعاء حيث كان مقر الإمام الجديد, لكن ثورة ستة وعشرين لم تمهله أكثر من أسبوع , وفي أسبوع واحد أُعد كل شيء لتفجير الثورة, مما يجعلها ثورة عظيمة بمعنى الكلمة تحمل غضب الثوار وقوة العزيمة, وبينما كان ينتظر الشعب اليمني عودة البدر من منفاه في أمريكا حدث ما لم يكن بالحسبان من التفاف العناصر الحسنية التي كانت مناوئة للبدر, تدعوه للعودة وأعلنت تأييدها له بالخلافة وجر ذلك التأييد للاتحاد مع بقية أسرة حميد الدين الذين لم يعترفوا له حتى بالولاية لما لها من شراكة بالسلطة, ووقفوا صفا واحد في مواجهة القوى الوطنية لضربها والقضاء عليها.
توزيع الأسلحة
بعد عودة البدر من منفاه وفي أول خطاب له بعد تربعه على العرش ثارت وطنية الضباط الأحرار لخطابه الذي يهدد كل من يحاول التآمر بالقضاء على الحكم, وبأنه سيضرب بيد من حديد وسيسير على نهج آبائه وأجداده, وتجلت ردة الفعل من أحرار الثورة حيث أحسوا بالخطر, وفي ليلة السادس والعشرين أحس الثوار بضرورة وجود رتبة عسكرية جديرة تقود القوة لتحقق النصر, اتجهت الأنظار إلى السلال وعينوه قائدًا للثورة نظراً لرتبته العسكرية ونضاله المعروف وكان يشغل حينها قائدًا لحرس الأمير بدر, وافق السلال على الفور وبدأت تسير العملية وتنفيذ الخطط.
وفي الساعة الثامنة من ليلة (26) أمر مجلس قيادة الثورة بفتح مستودعات الذخائر والأسلحة الخفيفة وتوزيعها على الضباط ونقل ذخائر الدبابات إلى الدبابات عن طريق ثكنات الكلية الحربية وفوج البدر من خلال منفذ صغير يؤدي إلى مقر القيادة, وكانت من أخطر المراحل التي تحتاج إلى حسن التصرف خوفاً من أن ينكشف الأمر فتلحق متاعب بالثوار لا حصر لها , وتم نقل الذخائر وإنجاز مهمة النقل.
وفي الساعة التاسعة مساءً اجتمعت جميع الخلايا التنظيمية المتواجدة بصنعاء وأعلنت المهام للحاضرين وكانت أول مهمة مناطة للنقيب حسين السكري بقتل البدر بعد خروجه من الاجتماع وعند سماع الرصاص سوف يبدأ الهجوم , لكن القيادة لم تسمع حتى الساعة العاشرة والربع, وطلبت من عبدا لله صبره أن يسأل أخاه عن سماع صوت الرصاص, وكان بيت أخيه بجوار القصر, فرد حينها بأنه لم يسمع وتأكدت القيادة بأن البدر قد عاد سالماً إلى بيته, وتعثرت مهمة السكري, وقامت بإصدار الأوامر بالهجوم في الساعة الحادية عشر ليلاً ليصنعوا مجدهم.
ساعة النصر
بجرأة ونفوس تواقة انطلق الثوار ليسطروا ملحمة التاريخ الأسطورية بقصر البشائر بسبع دبابات ولأول مرة تستخدم فيها الذخيرة الحية, بعد إجراء محاولة لمناداة الحرس بميكرفون خاص تدعوهم بأن يقفوا مع الثوار إلا أن ذلك لم يكن مجدياً, فقد استطاع الحرس الملكي استخدام أسلحته لتواجه التيار المضاد, وفي تلك اللحظات التاريخية قدمت قوافل من الشهداء مطالبةً بإعتاق وطنها بدمائها الحرة, لتخلع جلباب الإمامة وتأخذ حياة جديدة, بقيت الدبابات تواصل بعناد وشراسة رمي جمراتها المحرقة وضرباتها المدمرة على القصر حتى طلوع الفجر, حدث انخفاض حدة القتال تدريجيا بتبدد الظلام ومجيء الضوء, فر من كان يقاتلون مع البدر عن طريق البيوت الملاصقة للقصر, وأيضاً لاذ البدر بالفرار وخرج متنكراً بملابس أخفت معالمه بعد أن رأى القصر كالصريم منهارا.
بعد تلك التضحيات والمراحل المحرجة التي مرت بها الثورة بمراحلها المرة واكبتهم لحظة النصر ودخول اليمن في عصر جديد ومنعطفات أرقى وتم إعلان الجمهورية وانتصار ثورة (26) سبتمبر في الساعة الثامنة صباحاً على إطلالة يوم جديد وبكر, يبشر بولادة يمن جديد.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.