باريس سان جرمان بطلا للدوري الفرنسي    طلاب جامعة حضرموت يرفعون الرايات الحمراء: ثورة على الظلم أم مجرد صرخة احتجاج؟    كيف يزيد رزقك ويطول عمرك وتختفي كل مشاكلك؟.. ب8 أعمال وآية قرآنية    عودة الحوثيين إلى الجنوب: خبير عسكري يحذر من "طريق سالكة"    "جيل الموت" يُحضّر في مراكز الحوثيين: صرخة نجاة من وكيل حقوق الإنسان!    مذكرات صدام حسين.. تفاصيل حلم "البنطلون" وصرة القماش والصحفية العراقية    جماعة الحوثي تعلن حالة الطوارئ في جامعة إب وحينما حضر العمداء ومدراء الكليات كانت الصدمة!    النضال مستمر: قيادي بالانتقالي يؤكد على مواجهة التحديات    أسئلة مثيرة في اختبارات جامعة صنعاء.. والطلاب يغادرون قاعات الامتحان    كيف حافظ الحوثيون على نفوذهم؟..كاتب صحفي يجيب    الدوري الانكليزي الممتاز: مانشستر سيتي يواصل ثباته نحو اللقب    هيئة عمليات التجارة البريطانية تؤكد وقوع حادث قبالة سواحل المهرة    يوميا .. إفراغ 14 مليون لتر إشعاعات نووية ومسرطنة في حضرموت    الوزير الزعوري يطّلع على الدراسة التنموية التي أعدها معهد العمران لأرخبيل سقطرى    قيادات الجنوب تعاملت بسذاجة مع خداع ومكر قادة صنعاء    كل 13 دقيقة يموت طفل.. تقارير أممية: تفشٍّ كارثي لأمراض الأطفال في اليمن    طوارئ مارب تقر عدداً من الإجراءات لمواجهة كوارث السيول وتفشي الأمراض    البنك الإسلامي للتنمية يخصص نحو 418 مليون دولار لتمويل مشاريع تنموية جديدة في الدول الأعضاء    ميسي يقود إنتر ميامي للفوز على نيو إنجلاند برباعية في الدوري الأمريكي    بايرن ميونيخ يسعى للتعاقد مع كايل ووكر    الدوري الانكليزي الممتاز: ارسنال يطيح بتوتنهام ويعزز صدارته    اشتراكي الضالع ينعي رحيل المناضل محمد سعيد الجماعي مميز    العلامة الشيخ "الزنداني".. رائد الإعجاز وشيخ اليمن والإيمان    العليمي يؤكد دعم جهود السعودية والمبعوث الأممي لإطلاق عملية سياسية شاملة في اليمن    - نورا الفرح مذيعة قناة اليمن اليوم بصنعاء التي ابكت ضيوفها    على خطى الاحتلال.. مليشيات الحوثي تهدم عشرات المنازل في ريف صنعاء    من هنا تبدأ الحكاية: البحث عن الخلافة تحت عباءة الدين    الشبكة اليمنية تدين استمرار استهداف المليشيا للمدنيين في تعز وتدعو لردعها وإدانة جرائمها    الفنانة اليمنية ''بلقيس فتحي'' تخطف الأضواء بإطلالة جذابة خلال حفل زفاف (فيديو)    قضية اليمن واحدة والوجع في الرأس    بالصور.. محمد صلاح ينفجر في وجه كلوب    مئات المستوطنين والمتطرفين يقتحمون باحات الأقصى    وفاة فنان عربي شهير.. رحل بطل ''أسد الجزيرة''    أسعار صرف العملات الأجنبية أمام الريال اليمني    ضبط شحنة أدوية ممنوعة شرقي اليمن وإنقاذ البلاد من كارثة    مجهولون يشعلون النيران في أكبر جمعية تعاونية لتسويق المحاصيل الزراعية خارج اليمن    طالب شرعبي يعتنق المسيحية ليتزوج بامرأة هندية تقيم مع صديقها    شرطة أمريكا تواجه احتجاجات دعم غزة بسلاح الاعتقالات    تضامن حضرموت يحسم الصراع ويبلغ المربع الذهبي لبطولة كرة السلة لأندية حضرموت    فريدمان أولا أمن إسرائيل والباقي تفاصيل    دعاء يغفر الذنوب لو كانت كالجبال.. ردده الآن وافتح صفحة جديدة مع الله    اليمنية تنفي شراء طائرات جديدة من الإمارات وتؤكد سعيها لتطوير أسطولها    مصلحة الدفاع المدني ومفوضية الكشافة ينفذون ورشة توعوية حول التعامل مع الكوارث    وصول أول دفعة من الفرق الطبية السعودية للمخيم التطوعي بمستشفى الأمير محمد بن سلمان في عدن (فيديو)    القات: عدو صامت يُحصد أرواح اليمنيين!    وزارة الحج والعمرة السعودية تحذر من شركات الحج الوهمية وتؤكد أنه لا حج إلا بتأشيرة حج    «كاك بنك» يدشن برنامج تدريبي في إعداد الخطة التشغيلية لقياداته الإدارية    الذهب يتجه لتسجيل أول خسارة أسبوعية في 6 أسابيع    القبض على عصابة من خارج حضرموت قتلت مواطن وألقته في مجرى السيول    الزنداني لم يكن حاله حال نفسه من المسجد إلى بيته، الزنداني تاريخ أسود بقهر الرجال    «كاك بنك» يشارك في اليوم العربي للشمول المالي 2024    أكاديمي سعودي يلعنهم ويعدد جرائم الاخوان المخترقين لمنظومة التعليم السعودي    من كتب يلُبج.. قاعدة تعامل حكام صنعاء مع قادة الفكر الجنوبي ومثقفيه    نقابة مستوردي وتجار الأدوية تحذر من نفاذ الأدوية من السوق الدوائي مع عودة وباء كوليرا    الشاعر باحارثة يشارك في مهرجان الوطن العربي للإبداع الثقافي الدولي بسلطنة عمان    - أقرأ كيف يقارع حسين العماد بشعره الظلم والفساد ويحوله لوقود من الجمر والدموع،فاق العشرات من التقارير والتحقيقات الصحفية في كشفها    لحظة يازمن    لا بكاء ينفع ولا شكوى تفيد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء أحمد قرحش:
آلاف المتطوعين من جنوب الوطن هبوا لنصرة ثورة سبتمبر بأموالهم وأسلحتهم والتحقوا بميادين التدريب في صنعاء والحديدة
نشر في الجمهورية يوم 27 - 09 - 2012

لايزال يحتفظ بتفاصيل اللحظات الأولى للثورة باعتباره أحد صانعي تلك اللحظات من خلال موقعه العسكري في جبهات القتال في جبال الشرفين والمحابشة، مشيرا إلى دور تنظيم الضباط الأحرار في التخطيط للثورة أولاً وإيقاد شرارتها الأولى والنضال الدؤوب في مختلف جبهات القتال التي وصلت إلى أربعين جبهة تدعمها قوى إقليمية مسنودة بتوجه غربي آنذاك، إلا أن هذا التنظيم قد تنكر له البعض وحكم عليه بالموات، اللواء أحمد قرحش يتذكر تفاصيل اللحظات الأولى وما تبعها..
- نحتفل اليوم بمرور خمسين عاماً على اندلاع شرارة ثورة السادس والعشرين من سبتمبر 1962م، وباعتباركم واحداً من تنظيم الضباط الأحرار مهندس الثورة ومشعل شرارتها الأولى.. حبذا لو سلطنا الضوء على التفاصيل الأولى لهذا الحدث العظيم؟
قبل أن أتكلم عن الثورة لابد أن أتكلم عن مقدماتها، وبالطبع فقد جاءت من معاناة أمة كما هو حال كل الثورات في العالم، وقد دافع اليمنيون عن كرامتهم وحرياتهم بعد أن أسدلت الإمامة على اليمنيين ستاراً مظلماً وجعلته يعيش بمعزل عن العالم، وسقط اسمه الشهير من ذكريات حضارته إلا عند النادر من المهتمين بالتاريخ، والنادر لا حكم له.
تنظيم الضباط الأحرار الذي بدأ التفكير في تأسيسه من العام 1960م كتوجه جاد، وقد وجدت أفكاره وأدبياته بجدية تامة منذ تأسست الكلية الحربية والطيران، وتتالت على بعضها وتوسعت، وكان للإعلام الخارجي دور مهم وخاصة إعلام مصر، مصر الثورة، خاصة بعد أن وصلت القناعات إلى أنه لابد من تأسيس تنظيم عسكري يحسم الثورة؛ لأن القوى المدنية الأخرى كانت ضعيفة، وكان بعضهم في السجون، كان المعول على الجيش الذي وجدت طلائعه في الكلية الحربية التي فتحت عام 57م بعد أن أغلقت عقب ثورة 48م، وكذا طلائع كلية الطيران وكلية الشرطة، ومدرسة الأسلحة.
في هذه المدارس تكونت فكرة تنظيم الضباط الأحرار هدفه الأسمى إخراج البلاد من وضعها المتخلف الذي كاد أن يجعلها في مقام اللاآدمية فيها كما وصفها الزبيري: جهل، وأمراض، وفقر، ومجاعة، ومخافة، وإمام.
- من هم رواد الفكرة والتأسيس لهذا المشروع؟
هناك الكثير من الأشخاص وفي أوساط الجيش وكان من أبرزهم محمد مطهر زيد، وكان شعلة متوهجة من النشاط والثورية التي لا تمل ولا تكل، وعلي عبدالمغني، وأحمد الرحومي، وصالح الأشول، وفي تعز محمد مفرح وسعد الأشول وأحمد الكبسي وأحمد الوشلي ومحمد الخاوي ومحمد صلاح الهمداني وكثيرون تناولهم كتاب أسرار ووثائق الثورة اليمنية وإن لم يكن فيه التحري الكامل لكل الشخصيات..
- واللواء (الملازم حينها) أحمد قرحش؟
أحمد قرحش كان ممن أسهم في التأسيس لهذا الكيان، وقد عملت في القطاع المدني والعسكري معاً حينها، كنت مسئولاً عن المشايخ والتنسيق معهم، على أساس التعرف على آرائهم ومعرفة ما لديهم ومن أبرزهم عبدالولي القيري ومحمد أحمد القيري وعلي بن علي الرويشان وأحمد ناصر الذهب ومحمد أبو لحوم وعبدالوهاب دويد وحسين الحماني وعلي عبدالله القوسي وعبدالله محمد القوسي وعلي النفيش وأحمد حمود حرمل وعبده كامل وعلي شويط والقائفي وأحمد ناجي السوادي وعبدالواحد العذري ويحيى صوفان وناصر الخذلاني وآخرون، كان عندي بيت في صنعاء استأجرته مع الزميل يحيى المتوكل - رحمه الله - وكان المشايخ يجتمعون فيه، المهم نشأ التنظيم في أكثر من مكان في مدن اليمن، وأعلن عنه في 61م داخل القوات المسلحة مع الضباط الخريجين والذين توزعوا على مدرسة الإشارة ومدرسة صف ضباط، وإلى المدفعية والفوج، ثم إلى المدن الأخرى، وأصبح رسمياً أو شبه رسمي، وأعلن عنه في شهر ديسمبر 61م وكانت أولى تكويناته ممثلة في الخمسة عشر ضابطاً المؤسسين في هذا الاجتماع المشار إليهم في كتاب أسرار ووثائق الثورة اليمنية، وقد دعيت إلى هذا الاجتماع مع الأخ عبدالوهاب الحسيني - رحمه الله - ولم نحضر ذلك الاجتماع؛ لأننا لم نكن قد تسلمنا الرتب رسمياً، مع أن البدر قد كان أعلن ترقيتنا إلى ملازم ثاني في خطاب حفل التخرج، مع أننا حضرنا إلى منزل الاجتماع وكانت الأقدمية عندنا مقدسة وتفاهمنا مع صاحب المنزل والداعي للاجتماع عبدالله المؤيد، واعتذرنا، وقبل ذلك الاعتذار، وقد حضرت الاجتماعات الأخرى التي كانت تتم في بيت محمد مطهر، وبيت عبدالسلام صبرة، وفي هذه المرحلة انتقلت الفكرة إلى المدارس العلمية والثانوية والمتوسطة التي تخرجنا منها.
- هل ضم التنظيم شخصيات أخرى غير عسكرية؟
لا. لم يضم شخصية مدنية أبداً بالرغم من اطلاع عدد منهم ماعدا عبدالوهاب جحاف الذي كان قد سبق في منزله اجتماع لطرح فكرة تكوين تنظيم عسكري.
- كم عدد تنظيم الضباط الأحرار؟
وصلوا في الأخير إلى مائة وعشرين ضابطاً تقريباً.
- ما موقف السلطة الحاكمة يومها من هذا التنظيم الذي لم يكن خافياً عنها؟
الحقيقة لم يكونوا يحسبون لنا حساباً؛ لأن هذه النخبة الجديدة من العسكريين هي التي كان البدر متكئاً عليها، وكانت ركيزته الأساسية الكلية الحربية وكلية الطيران والشرطة ومدرسة الأسلحة؛ لأنه هو الذي تبنى إعادة فتحها، لم تكن هذه النخبة أو الجماعة هي المعارضة من وجهة نظر ولي العهد البدر إنما كان عمه الحسن وأنصاره أظهروا معارضتهم الحقيقية له.
والحقيقة أننا كنا نؤمل على البدر أملاً كبيراً في الإصلاح خاصة وبيننا ثقة متبادلة، لكن بدأ البدر يضعف كثيراً أمام معارضة عمه الحسن خاصة بعد أحداث الحديدة التي تبناها الشهيد العلفي في مستشفى الحديدة، حتى نحن لم نكن خائفين من البدر مثلما كنا خائفين من الحسن وجماعته الأكثر تشدداً وتطرفاً، والذي بدأ يقوى وينتشر ويتواصل مع المشايخ كالشيخ الغادر من خولان وغيره، وكان الغادر متعصباً مع الإمام الحسن حد الجنون، وكذا القاضي الحجري الذي كان رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويحيى النهاري ويحيى محمد عباس المتوكل رئيس الاستئناف.
وقد سمعت الغادر يوماً يتكلم عن البدر بكلام بذيء عندما كنت في المستشفى الأحمدي بصنعاء – الجمهوري اليوم - وكان راقداً به مثلما كان يتكلم هو وغيره عن “العصريين” وهم نحن وعلى رأسهم البدر، وكانت “العصرية” تهمة، تشبه تهمة “الدستوري” بعد 48م.. تبعتها حملات رقابة علينا من قبل الحسن وفريقه، ولهذا السبب كانت إرادة تنظيم الضباط الأحرار قوية وتسابقت مع الزمن وسبقته.
- حبذا لو عرفنا ولو جانباً من أدبيات وأهداف تنظيم الضباط الأحرار حينها؟
أهدافه هي أهداف ثورة 26 سبتمبر التي أعلن عنها صبيحة ذلك اليوم..
- لكنكم كنتم على علاقة جيدة بالإمام البدر وتلك الأهداف الستة تتعارض كلياً مع توجهات البدر ومشروعه؟
تم الاتفاق مؤخراً في اجتماع بمنزل عبدالله المؤيد على إنهاء الملكية من أساسها بدرية وحسنية، وذلك قبل الثورة بعام، ولم يتم إطلاع البدر على ذلك، ومُنعنا من التحزب، أنا كنت سأنتظم في حزب البعث، وقد نظمني فيه عبدالله الراعي، وكان مسئولاه في صنعاء حينها عبدالعزيز المقالح وأحمد الرحومي، وقد صدرت الأوامر التنظيمية لنا أن الالتقاء على أساس تنظيمي محظور علينا تماماً أو الالتقاء سياسياً بالمدنيين في تلك المرحلة وكنت سأقسم يمين الانضمام على يد المقالح، إلا أن أوامر التنظيم حالت دون ذلك..
- هذا عن تنظيم الضباط الأحرار.. ماذا عن الثورة “الحدث” نفسه؟
قبل هذا أقول لك: إن الثورة لم يكن مخطط لها أن تكون في صنعاء، بل في تعز، حيث كان يقيم الإمام أحمد، وقد تم استدعاء بعض الضباط من تعز إلى صنعاء لحضور الاجتماع الأخير قبل الثورة، حضرت أنا هذا الاجتماع في مقر الكلية الحربية على أن تتم العملية في فترة أو في أيام ما قبل موته.
وكان الأخ محمد الناضري هذا الجندي المجهول وهو مدرس أولاد الإمام أحمد اقترح ألا نقدم على ذلك؛ لأن الامام ميت وكان يوافي الضباط بكل المعلومات الأولية عن الإمام وعن حالته الصحية، وقال لهم أخيراً الإمام ميت أو شبه ميت، ولا داعي لأن تقوموا بثورة، انتظروا أياماً فقط وسيموت، لا تحتاجون للثورة عليه لكي لا تكون مثل ثورة 48م ضد الإمام يحيى الطاعن في السن وتستغل وكان رأياً صائباً، وكان يتواصل معه، سعد الأشول، محمد مفرح، علي الضبعي، وآخرون، وفعلاً مات الامام خلال أسبوع من بعد اقتراح الأخ الناضري.
وقد تعطلت جميع وظائف جسمه الحيوية يوم 14 سبتمبر، وقد فارق الحياة يوم 17 سبتمبر كما أبلغنا ولم يعلن عنه في يومه، وتم دفنه يوم 19 سبتمبر، وقد أعلن البدر حالة الطوارئ، وكنا نحن مستعدين للثورة في صنعاء، وقد استعجلنا قيامها خشية من عودة الحسن، وكانت خطة ناجحة بالفعل، وقد تم استغلال حالة الطوارئ من قبل الضباط وكانت فرصة للتجمع في الكليات والمدارس وإعداد وتجهيز القوة المتوفرة وتحت اليد تحت غطاء حالة الطوارئ..
- من هم القادة الأوائل للتنظيم وللثورة قبل اندلاع شرارتها الأولى؟
كان يقود التنظيم في تلك الأيام محمد مطهر، وعلي عبدالمغني، وأحمد الرحومي، وصالح الأشول، وبعد الثورة مباشرة تم استدعاء السلال، وكان على مستوى المسئولية الوطنية والحدث وله يد طولى في إنجاح الثورة بالفعل..
- هل كان للسلال علاقة بالتنظيم من قبل؟
كان السلال مديراً لكلية الطيران، وكان قدوتنا فيها، لكن لا علاقة له بتنظيم الضباط الأحرار ولم يكن فيه.
- هل كان مطلعاً عليه؟
ربما كان مطلعاً عليه أو على بعض تفاصيله. وكنا نشعر أن ثقته بنا كبيرة جداً، وأذكر أنه استدعى مجموعة منا (ضباط كليه الطيران) للعرض العسكري عقب الإعلان عن موت الإمام أحمد وعلى أساس الانضمام للخدمة في صفوف حرس البدر، واشتركوا في العرض أمام الإمام البدر يوم الجمعة الأولى والأخيرة له، وقد خطب البدر ذلك الخطاب الشهير، الذي قال فيه: إذا كان أبي يفصل الرأس عن الجسد فإني سأقسم الجسد نصفين! فعمد بخطابه هذا شعلة الثورة وزاد من وهجها، خلال أقل من أسبوع. وقد حصل خلاف عسكري بين الضباط الصغار من جهة وبين الضباط الكبار أيضاً من جهة أخرى، كنا نحن الضباط الصغار، نسعى لإنشاء مجلس عسكري يحمي الثورة ومسارها، بينما الضباط الكبار يرفضون ذلك، وذلك خوفاً من أن يسيطر الصغار في الرتب على الموقف؛ لأنهم الأكثر والأقوى، هذا الخلاف أدى لمحاولة الاتصال بحمود الجايفي، حيث كلف بالمهمة الأخ أحمد الرحومي والأخ عبدالله جزيلان الذي لم يكن الأخير قد انضم للتنظيم لترؤسه – أي الجايفي - وهو بالطبع شخصية وطنية قوية لكنه امتنع عن ذلك، لأسباب موضوعية سبق له أن امتنع عن الانضمام للتنظيم؛ لأنه شخصية معروفة في أوساط الحكم والجيش والشعب، خشية أن ينكشف أمر التنظيم؛ لأنه مراقب وعند رفضه للرئاسة كان يرى أن المجلس العسكري هو الأفضل، وسيكون من أوساط تلك النخبة المستنيرة التي أسهمت في تكوين تنظيم الضباط الأحرار بالجهد والمال والمخاطرة، ولم يكن يتوقع أن السلال سيكون رئيساً، إلا أنه لم يمتنع عن النضال والعمل مع الجمهورية، فكان الخيار الثاني علي عبدالله السلال نزولاً عند رغبة الضباط الأقدمين وخوفاً من أن يفشلوا الموقف بالأخص عندما هدد الأخ حسين الدفعي بعد اجتماع في منزل عبدالسلام صبرة بأنه لن يقبل مجلساً عسكرياً مكوناً من الضباط أصحاب الرتب الصغيرة، وقد تردد السلال في البداية إلا أنه قبل بعد ذلك، وكنا نتوقع مقاومة البدر إلا أنه فر، وبعد فراره اشتعلت المعارك في أكثر من مكان، فاضطر الضباط من مختلف الرتب بعد ذلك إلى قيادة المعارك ميدانياً، وفي المقدمة الضباط أصحاب الرتب الصغيرة، ولأن الإمام البدر توجه إلى حجة فكنا نخاف من حجة كي لا يعود سيناريو 48م و55م، وكنت أنا ممن توجه إلى حجة بقيادة محمد مطهر، وبقي السلال في صنعاء قائماً بالواجب فيما يتعلق بالقيادة السياسية والعسكرية، ولم نلتق نحن الضباط الذين كنا منتظمين قبل الثورة في صنعاء إلا بعد سنة، وبعضنا قتل، أو جرح، ومن هنا بدأ عقد تنظيم الضباط الأحرار يتفكك، كان عندنا أصلاً هاجس 48م حين بقي الثوار داخل صنعاء والإمام أحمد يصول ويجول في البلاد كلها، فخرجنا هذه المرة كلنا لمواجهة البدر الذي توجه إلى حجة وبقيادة العنصر الأهم في قيادة الثورة الملازم محمد مطهر.
- أين كنت أنت؟
أنا كنت قائد محور الشرفين حجة، وقد اشتعلت المعارك واحتدت بصورة كبيرة خاصة بعد التدخل السعودي الإيراني الأردني، ومن ورائهم الغرب الذين دخلوا الحرب في اليمن لمواجهة عبدالناصر، وللعلم فقد كانت كل البلاد تقريباً مسلمة بالأمر الواقع وبالثورة والجمهورية والنظام الجديد، خاصة وقد تم القبض على الحكام الإماميين في كل مدينة من مدن الجمهورية، وخلال الأسبوعين الأوليين وحينه ظهر الحسن معلناً عن نفسه إماماً ونزل في الطائف؛ لأنه كان متأكداً من أن البدر قد قتل، ولكن ظهر البدر في لواء حجة مختبئاً، لكن القوى الإقليمية رأوا في البدر أنه الإمام الشرعي للبلاد فدعموه دعماً كبيراً، وقد استطاع أن يجمع بعضاً من الملتفين حوله من همدان وحجة ومن مناطق أخرى عند خروجه من صنعاء وكانوا يأملون أن يذهبوا يتسلحون من حجة ويعودوا إلى صنعاء لينهبوها كما فعلوا في 48م مع والده، ولم يكن لهم خبرة ولا معرفة بالسلاح الثقيل الذي كان مع الثوار كالمدفع والدبابة والرشاشات الثقيلة، وقد صحبناها معنا إلى حجة، وكنا نضرب بها القرى في مسور التي تمركز فيها البدر أول مرة، ولأول مرة يرى القبائل الرشاشات والمدافع وهي تضرب بالليل ولهبها يضيء فارتهبوا منها، وفر البدر منها حتى وصل إلى الحدود السعودية وتمركز فيها.
- طبعاً بعد هذا جاءت القوات المصرية فمتى وصلت اليمن لأول مرة وكيف؟
نعرف أن القوات المصرية جاءت لأول مرة بطريقة التطوع الشخصي من قبل بعض الجنود والضباط المصريين، بعضهم كان ضمن البعثة التدريسية والتدريبية في اليمن قبل الثورة الذين طردهم الإمام أحمد عقب عودته من روما، وكانوا على معرفة جيدة بظروف اليمن وطبيعتها وعلاقتهم بالضباط الأحرار كانت قوية، ومن ضمن هؤلاء الشهيد البطل نبيل الوقاد، وهو ضابط بالمظلات، ذهب إلى قيادة الثورة المصرية وطرح عليهم ما يعرفه عن اليمن والثوار وقال لهم: أنا متطوع، فقبلوا تطوعه، وجمع معه بعض الرجال من المتطوعين المصريين أصحاب روح قوية وهمة عالية، وقد وصلوا يوم سبعة أكتوبر تقريباً، أي بعد الثورة بأقل من أسبوعين إلى صنعاء محمولين على طائرة عسكرية، ولمعرفته المسبقة بمحافظة مارب؛ لأنه قد زارها مسبقاً على جمل، فقد اختار القتال فيها لمواجهة الإنجليز المتواجدين في بيحان، ونزل في صرواح، طبعاً وأخذت الحمية علي عبدالمغني في صنعاء للحاق به، وقد كان الضابط الوحيد قبل ذلك الذي بقي في صنعاء مكلفاً من التنظيم بالبقاء فيها فقال: إذا كان نبيل الوقاد قد جاء متطوعاً من مصر، وذهب للقتال إلى مأرب لماذا لا نذهب نحن أولاً؟ ولحق به وقتل هناك في صرواح، مثلما قتل نبيل الوقاد وعدد من أفراد الكتيبة، وقد خطط لقتلهم خبراء تدريب أردنيين كانوا موجودين في المنطقة.
كانت قيادة الثورة المصرية لم تحسم أمرها بعد بالتدخل العسكري في اليمن لمعارضة بعض أعضاء مجلس قيادة الثورة مثل: حسين الشافعي وخالد محيي الدين.
- هل شارككم هنا في ثورة الشمال بعض الإخوة من الجنوب؟
نعم، كثيرون شاركونا الثورة، الذين التحقوا بالحرس الوطني في تعز التي كانت مركزاً مهماً لحركة القوميين العرب ولليسار، ولن ننسى الدكتور أبو بكر السقاف، وأيضاً عمر الجاوي، وسلطان أحمد عمر، وغيرهم كثير، وجاء آلاف المتطوعين منهم بعد ذلك بأموالهم وأسلحتهم والتحقوا بميادين التدريب في صنعاء والحديدة أيضاً.
- قلت سابقاً سلمت معظم البلاد بالثورة والجمهورية والنظام الجديد، وتم القبض على كل عمال الإمامة، فكيف احتدت المعارك وتطورت الحرب بعد ذلك؟
لا تنس الجانب الروحي الذي كانت تسوقه الإمامة كثقافة في ذهنية الشعب، وللإمامة عدد من المراكز العلمية في هذه المناطق، من ذمار إلى صنعاء، إلى حجة إلى عمران، إلى صعدة إلى شهارة وغيرها، هذه أثرت في بنية الثقافة العامة للناس، وجعلوا من الإمام شخصية مقدسة أو أقرب إلى المقدس وبأن حكمه من إرادة الله ومشيئته وأنه خليفة الله في الأرض، هؤلاء كانوا مشبعين بروح الإمامة، وكان الجهل سائداً إلى حد كبير، فاستغل الإمام هذا الجهل لدى العامة وسلح الجهلة منهم وأغراهم بالمال، خاصة بعد دخول المصريين الذين سماهم الفراعنة، والذين يريدون أن يحاربوا الدين، ومعهم أيضاً عصريون ويدعمون العصريين في الداخل، وغير ذلك من الدعايات التي انطلت على ذهنية الجهلة من الناس، كما يدعمون ناكثي العهود من الضباط الذين غدروا بالإمام بعد أن بايعوه.. ثم انتشر الراديو بعد ذلك وكانوا يستمعون إلى إذاعات السعودية ولندن والإذاعة الملكية والتي أقيمت على الحدود اليمنية من الجانب السعودي، واتسعت الحرب الإعلامية التي كان لها تأثيرها واستمات بعض الناس استماتة كبيرة لأنهم اعتبروها حرباً عقائدية ودينية، واستمرت هذه الروح العقائدية حتى العام 64م تماماً وبعدها بدأت الأمور تتضح شيئاً فشيئاً ثم أخذت الحرب من قبل كثير من الأتباع طابع البيع والشراء، ولم تكن ذا عزيمة كما كانت سابقاً..
- إحصائيات القتلى اليمنيين والعرب من الجانبين غير معروفة حتى الآن، فكم العدد ولو التقريبي للخسائر البشرية؟
الحقيقة لا يوجد عندي كما هو الحال عند الكثير عدد معروف ومحدد لحجم الخسائر وقد زرت القاهرة قبل شهرين وطلبت إحصائية من هناك فوعدوني إلى زيارة قادمة، والحقيقة أن إحصائية الجيش المصري المقاتل في اليمن قد وصل إلى سبعين ألف جندي فعلاً، لكن عدد القتلى لا أدري بوجه التحديد، وإن كان البعض يذكر أنهم عشرون ألفاً وبعضهم يقول سبعة عشر ألفاً، وأنا شخصياً أرى أن ثمة نوعاً من المبالغة في هذا الرقم.
أنا أمضيت في المحابشة سنة وتسعة أشهر لم يُقتل عندي إلا مصري واحد فقط، وأُسر منهم خمسة، وآخر قتلوه هم، ولا ندري لماذا قتلوه! وإن كان قد قتل منهم كثيرون في المناطق الأخرى مثل: خولان والجوف ومأرب والحيمة وبني مطر. وحتى اليمنيين فقد كان القتلى منهم غير كثير، في الشرفين عندي قتل خمسون مقاتلاً خلال سنة معظمهم من ريمة، وكلها في حالة هجوم، وهؤلاء كانوا من المنتمين للحرس الوطني، وهم من أبناء ريمة كما ذكرت، وأيضاً من تعز ومناطق أخرى..
- هل تستطيع تحديد إحصائية ولو مقاربة لعدد القتلى من كلا الجانبين؟
لا توجد عندي إحصائية، ولا أحد يستطيع إحصاءهم بدقة؛ لأننا حقيقة لم نكن نهتم بذلك، صحيح أننا كنا نبلغ عن كل حالة، وكانت العمليات في القصر الجمهوري التي كانت البرقيات ترسل إليها عند كل حدث قتلى أو جرحى أو انتصار أو حصار، وقيل: إن الوثائق المتعلقة بهذا الجانب أحرقت في عهد أحمد الغشمي، كما أتلفت كل الأفلام الوثائقية لتلك الفترة، قد يكون في حدود عشرات الآلاف تقريباً من كلا الجانبين، وهذا رقم تقريبي فقط، وقد يكون أيضاً مبالغاً فيه من وجهة نظري؛ لأنني اشتركت في معظم جبهات القتال في الجمهورية، وكانت الخسائر البشرية فيها محدودة، وأكبر القتلى ما حدث في الخوبة عندما هاجم طيران الجمهورية العربية المتحدة ذلك المعسكر الذي قام بإنشائه البدر عند الحدود السعودية عند هروبه إليها وتمركزه فيها، وقيل: إن القتلى تجاوز المائتي قتيل.
- الملاحظ في أدبيات الكثير ممن كتبوا مذكراتهم خلال الفترة الأخيرة تجاوز الدور المصري في اليمن إلى حد ما، وإن من إشارة إليه فهي خجولة، وبعضها تكاد تكون منعدمة، ما حقيقة الدور المصري الكبير في اليمن؟
كان للدور المصري شعباً وقيادة وجيشاً مردوده الكبير من حيث دعم ومساندة الثورة الوليدة في اليمن، حيث كان ذلك الدور منبعه الشعب المصري بكل فئاته المشبع بروح الثورة العربية القومية، ذلك النصر الذي تحقق بفضل الدعم المصري بواقع 50% من ذلك الانتصار إن لم يكن أكثر، من ذلك دور مصر جذب إلى جانبه شعوب العالم المتحرر لدعم ثورة اليمن وفي المقدمة الشعوب والحركات التحررية والاشتراكية من الاتحاد السوفييتي فالصين إلى برلين فمنظومة حلف “وارسو” وقوى التحرر في دول الغرب من العمال والاشتراكيين وقوى الفكر.
وقد كان كل فرد وكل أسرة وكل إدارة في عموم مصر تدفع مساعدة لليمن مالاً ودماً وسياسة. وقد بلغ عدد الجيش المصري في اليمن أكثر من سبعين ألفاً استشهد وجرح عشرات الآلاف منهم في سبع سنوات من الكر والفر حتى كتب الانتصار لليمن الجمهوري وللثورة.
وللأسف الشديد لم يعط الشعب المصري حقه في الكتابة التاريخية عن دوره في اليمن، وأشعر بالتقصير لكل الذين قرأت لهم ممن كتبوا من الإخوة الزملاء عن ذكرياتهم للخوض في الوجود المصري لخمس سنوات في حروب مريرة ذلك التجنب أستطيع أن أقول عليه إما إنه لعدم وجود معلومات أو وثائق، أو لوضع سياسي، ولا أعتقد أن ذلك وضع سياسي لكي لا يعكس وضعاً سياسياً مغايراً قد يضر بالعلاقات.
إن الحديث عن وضع اليمن في تلك الفترة قد يغير الموقف مع من هم مع أو ضد؛ لأنه ظرف سياسي كانت لكل طرف فيه رؤيته وموقفه الدولي؛ ولاسيما في زمن كانت حربه تسمى “الحرب الباردة” مع أنها كانت حرباً حامية بين قوتين رأسمالية واشتراكية، الأخيرة كانت تقود حرباً من أقصى غرب الكرة الأرضية إلى أقصى شرقها في فيتنام وتدعم حركات التحرر في القارتين اللتين تعرضتا للاستبداد والاستعمار أفريقيا وآسيا، ودعماً للتحرر، بينما الأولى كانت تحارب من أجل التعددية للأحزاب وحرية الفرد. وكانت الحرب الباردة أكثر بشاعة في الحرب سقط فيها الملايين من القتلى وأشدها كانت في فيتنام والكوريتين.
إننا كيمنيين عشنا هذه الأحداث وتمت على أرضنا وسالت فيها تلك الدماء وأنفقت فيها الأموال لابد أن نعطي هذا الجانب المزيد من البحث والكتابة والقراءة والكثير من الوقت ومزيداً من التمعن في ذلك الجهد الكبير لمصر الثورة، ولابد أن نعرف عن الشهداء ونقدر كم من دموع سالت وسكبت على المآقي والتي لو جمعت لكونت على أقل تقدير “ترعه” من ترعات النيل!! وكَم الآلام التي تركت وكم من الأيتام خلفت؟
هذا السؤال كبير ولا يستطيع من سئل عنه أن يجيب عليه – وهو أنا - ولكن أستطيع أن أقول:إنني نبهت لهذا الدور الكبير، وأنا كواحد من المهتمين أحمل نفسي مسئولية البحث ما استطعت؛ لأني شاركت في كل المعارك التي شارَكَنا فيها ذلك الجندي المصري البطل.
ولك أن تتصور حجم الجيش الذي نزل في اليمن والحرب التي انتشرت في مناطق شمال الجمهورية العربية اليمنية وهي جبال لم تكن قد عرفت طرق السيارات حتى ذلك الوقت.
بلد ليس فيها نهر ولا بحيرة ولا ماء كيف كان حال الجندي الذي يحمل الماء على ظهره في كثير من المواقع التي كانت يصعب فيها وجود دابة من الدواب البغال والحمير والجمال لتنقل إلى تلك المواقع مياه شرب إما لعدمها أو عدم قدرة صعودها، وفي مواقع كانت تموت لعدم توفر أكلها، ناهيك عن الاستحمام وفي مواقع إذا تيسر حصول مثل ذلك كان من الصعب حمايتها من القنص، لذا كان الفرد معنياً بحمل ذلك على ظهره، تصور حال الجندي القادم إلى هذه المعركة، وهو من الذين يعيشون على ضفاف النيل أو من أعالي النيل أو من الصعيد ومن معسكرات القاهرة والاسكندرية، أو من معسكرات المدن الرئيسة التي تدرب فيها على الجندية، وفيها وسائل الحياة متوفرة بما فيها الترفيهية كيف به عندما يقابل مع هذه الصعوبة التي أعجز عن وصفها كما يجب. كذلك بلد فيه الحطب وهو الوسيلة الوحيدة للطهي. بلد ليس فيها غاز أو وقود، وليس فيها أجهزته، تصور عملية الإعداد فقط للوجبة الواحدة؟ تصور كيف يعيش الجندي لمدة عام في موقع من هذه المواقع ويده على الزناد ينتظر بين لحظة وأخرى الاستشهاد وهو مدافع لا مهاجم، ولأنها جاءت إلى هذه المواقع في معظمها بخطة عسكرية أو بطلب من المواطنين.
دخل الجيش المصري أكثر من موقع دونما مقاومة وتحولت تلك المناطق إلى جبهات قتال ضد الوجود المصري، وكانت معظم الجبهات لا يوجد فيها الجندي أو الضابط اليمني وتتعامل قيادات القوات المصرية مع أبناء المنطقة المؤيدين للثورة، ولكن قوتهم القتالية ليست بقوية والكثير من الموالين كانوا يتوارون في جبهات القتال خوفاً من ثأر المستقبل وبالأخص في جبهات مأرب والجوف.
وسائل النقل المتحركة إلى الجبهات وبين مواقعها كانت حركتها كحركة النمل.. تصور كم يحتاج سبعون ألف مقاتل من محتاجاتهم اليومية من الأكل والشرب والذخيرة في بلد جبلية كاليمن لا طريق إسفلتية ولا ممهدة، وهناك طرق شقت بالأيدي وتمر بها سيارات النقل الكبيرة؛ لأن وسائل الشق غير متوفرة، سائق السيارة عليه أن يحافظ على السيارة والذهاب والإياب بها في كل تحركاته وعنده وفي حسبانه إيصال السيارة بما عليها وعينه على من سينقل إليهم حمولته، ويحسب أن سلامته من سلامة من سينقل إليهم ذلك المحمول، وفي نفس الوقت ينتظر انفجار لغم في الطريق الوعرة أو القنص أو الهجوم عليه، كل هذه الأشياء عاشها الجندي المصري في الجبهة في اليمن، وتصور حالة من يعول أو يرتبط بهذا الجندي الذي أرسل إلى بلد مثل اليمن يقاتل وفي مثل هذا الحال لم يكن متر واحد من الطرقات قد تعبد غير طريق الحديدة - صنعاء التي أقامتها الصين الشعبية والتي كان لها فضل كبير في إمداد تلك القوات وإمداد الجمهورية الوليدة بشكل عام.
مصر ضحت بمصير سيناء في حرب 1967؛ لأن دفاع مصر عن اليمن شمالاً وجنوباً دفع ثمنها هزيمة الحرب المصرية مع إسرائيل.
لقد انتصر الشعب اليمني شماله وجنوبه بفضل ذلك الوجود، موقف يجب أن يعطى حقه على أقل تقدير في التاريخ، وشرعية ذلك الوجود المحمود والمشكور، ناهيك عن التعويض الفردي أو على المستوى الشعبي الذي يجب أن تقدمه اليمن في تقديم شيء مخلد لأمجاد المصريين الذين حاربوا لخمس السنوات.
في إحدى المناسبات الاحتفالية بثورة 26 سبتمبر قدمت مقترحاً بأن يقوم فريق من التوجيه المعنوي، ويرافقه ضباط من الذين شاركوا بتصوير المواقع التي تواجد بها الجيش المصري وشرح ما حصل فيها، وتقدم للشخصية التي دعيت لا أذكر عند زيارة خالد عبدالناصر أو شخصية مصرية أخرى، لكنها رفضت من قبل الرئيس علي عبدالله صالح، مع أن التصور كان مكتوباً ومفصلاً على أن يفتح المجال للتوجيه المعنوي في مصر أن يأتي إلى اليمن وعلى أساس أن تقام نُصب تذكارية لشخصيات كان لها دورها مثل نبيل الوقاد والفنجري وآخرين..
- أتفق معك على كل هذا الدور الكبير الذي قدمته مصر الشقيقة، مصر عبدالناصر.. لكن بالمقابل كانت هناك أخطاء فادحة كان لها أثر في إطالة أمد الحرب؟
لابد أن تكون هناك أخطاء ترافق هذا الجيش الكبير بعدته وعتاده والجبهات التي فتحتها القوى المضادة للثورة وفي أكثر من أربعين جبهة ابتداء من سنحان إلى بيحان شرقاً، ومن صنعاء إلى الحيمتين وبني مطر غرباً، ومن صنعاء إلى صعدة شمالاً، بما فيها المنطقة الشمالية الغربية كاملة، لم استثن من هذه الجهات غير بعض من حاشد مثل خارف وبني صريم وبعض العصيمات، وفي بكيل الشمال برط ذو محمد.
في وضع مثل هذا لابد أن تظهر الكثير من الأخطاء، وكانت الأخطاء سببها ضعف الجانب اليمني سياسياً وعسكرياً، سببه خروج الضباط كما أشرت آنفاً، وأصبحت القيادة العربية تتصرف وكأنها تمثل مصر، وهذا شيء طبيعي؛ لأن الرد المضاد إقليمياً ودولياً كان رداً قوياً لمواجهة مصر عبدالناصر بالدرجة الأولى، والحقيقة أننا نشارك القوات المصرية في تلك الأخطاء؛ كوننا لم نستوعب الحقائق مثلاً:
النظر إلى الجيش النظامي بأنه جيش القوى الرجعية الإمامية، ولم يتم الاهتمام به، ولقد كان لقوى سياسية يمنية يد في ذلك؛ لأن القبائل هاجمته وأخذت منه أسلحته وهي الأسلحة الشخصية وهربت إلى قيادة الثورة ولم يهتم بها ولهذا فقدناه، وكان أكثر ثورية وأكثر إيماناً بالثورة، ولهذا لبى النداء وقام بحفظ الأمن في كل أماكن تواجده.
تم استبدال الجيش النظامي بالحرس الوطني القادم متطوعاً إلى معسكرات المدن الرئيسة من مناطق مختلفة، وبالأخص من عدن والجنوب وتعز وإب والبيضاء... إلخ، وكانت أيادي يمنية سياسية ترى أن استبدال الجيش بالحرس الوطني هو الشيء المطلوب بدلاً عن الجيش الموجود.
وقد بلغ عدد الحرس عشرات الآلاف إن لم يكن قد تجاوز المائة ألف، وقد قدم واجباً كبيراً وتضحية كبيرة، وكانت تنقصه الخبرة القتالية؛ لأن مكوثه كان في معسكرات التدريب لا يتجاوز الأسبوعين بالكثير.
بعد ذلك تم استبدال الحرس بعدة ألوية تم تدريبها في مصر لا يتجاوز عددها ثلاثة آلاف مقاتل، وهي ألوية دُربت ولكنها لم تُسلح بتسليح قتالي كافٍ.
كانت القيادة المصرية تعمد إلى الاستيلاء على الأسلحة والمعدات التي كانت تأتي من الدول الاشتراكية مساعدة للجيش اليمني ولم تسلم له.
أفرغت القيادة العسكرية من القيادات والضباط اليمنيين ولم يبق لها أي وجود كقوة فاعلة وتحولت إلى القبائل وبقيادات مصرية، وهمش ضباط الثورة؛ فمنهم من ألحق بالسلك الدبلوماسي، ومنهم من التحق بالتعليم في الدول الشرقية، وبالأخص الاتحاد السوفيتي وأنا واحد منهم!!
الضربة الأخيرة والموجعة كانت في 1966م تلك الغلطة الكبرى عند اعتقال القادة والحكومة والشخصيات في مصر والتي كان معظم رجالاتها معرضين للإعدام، لولا تدخل الرئيس الجزائري “بومدين” وبقوة لإيقاف الإعدامات، وإن كان قد أعدم من أعدم في صنعاء.
وكان في مقدمتهم المناضل البطل محمد الرعيني، وانحازت قيادة القوات العربية إلى جناح يمني يعتبر وصولياً للثورة وليس أصولياً، كانت هذه الأخطاء مؤثرة على المسار الثوري في اليمن، وهذه ملاحظة مختصرة من كتابة موسعة لي حول هذه الأحداث.
- أخذت حرب السبعين جدلاً واسعاً بين من تحدثوا عنها وانقسم بشأنها الضباط إلى قسمين، الضباط القدامى والكبار الذين فروا من صنعاء أثناء اشتداد الحصار عليها، والضباط الجدد الذين صمدوا وثبتوا حتى أحرزوا النصر.. ماذا ترى؟
عن دور الضباط الصغار في حرب السبعين خريجي ما بعد الثورة فقد تعاملوا معنا مثلما تعاملنا نحن مع الأقدمين، لكننا تعاملنا مع أقدميينا بقبولنا رؤيتهم وإن كانوا تآمروا علينا فيما بعد وتخلصوا منا؛ لكن الضباط الصغار – أي خريجي ما بعد الثورة - فقد تعاملوا معنا بقسوة شديدة كانت نتيجتها أحداث أغسطس 1968م المشئومة.
وقد كنت أحد ضحاياها، وأنا أدرس في موسكو، وهذا حديث يطول شرحه حول مشروعية ما كان يحمل كل طرف، إلا أن الضباط الصغار كان كثير منهم يصفون ضباط الثورة بالخونة وأنهم ملكيون، وهذا موضوع شرحه يطول، وهو مهم جداً، ولقد كان لهم دور جيد ينبغي ألا نقلل من شأنه، لاسيما في الصمود في حرب السبعين يوماً؛ لأن القوة العسكرية كانت قد تم بناء وحداتها على يد الضباط الصغار، بينما ضباط الثورة لم يعد بيدهم حتى جندي مرافق أو مرتب يقتات به في أبسط الوجبات مع من يعول..


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.