المهرة يواصل مشاركته الناجحة في بطولة المدن الآسيوية للشطرنج بروسيا    الذهب يستقر مع انحسار مخاوف تصاعد الصراع في الشرق الأوسط    تحذير حوثي للأطباء من تسريب أي معلومات عن حالات مرض السرطان في صنعاء    خبير أرصاد يحذر: منخفض الهدير في اليمن ليس الأول ولن يكون الأخير (فيديو)    إصابة ثلاثة أطفال جراء انفجار مقذوف من مخلفات المليشيات بالضالع    نخبتنا الحضرمية... خط أحمر!    ضبط 54 متهمًا في قضايا جرائم جنائية    أول قيادي مؤتمري موالي للحوثيين بصنعاء يعزي عائلة الشيخ "الزنداني" في وفاته    تغير جديد في أسعار صرف الريال اليمني مقابل العملات الأجنبية    بشرى سارة للمرضى اليمنيين الراغبين في العلاج في الهند.. فتح قسم قنصلي لإنهاء معاناتهم!!    دعاء قضاء الحاجة في نفس اليوم.. ردده بيقين يقضي حوائجك ويفتح الأبواب المغلقة    شعب الجنوب أستوعب صدمة الاحتلال اليمني وأستبقى جذوة الرفض    رشاد العليمي حاقد و"كذّاب" تفوّق على من سبقه ومن سيلحقه    ليس وقف الهجمات الحوثية بالبحر.. أمريكا تعلنها صراحة: لا يمكن تحقيق السلام في اليمن إلا بشرط    الحوثيون يراهنون على الزمن: هل ينجحون في فرض حلولهم على اليمن؟ كاتب صحفي يجيب    شيخ بارز في قبضة الأمن بعد صراعات الأراضي في عدن!    الأمل يلوح في الأفق: روسيا تؤكد استمرار جهودها لدفع عملية السلام في اليمن    قيادة البعث القومي تعزي الإصلاح في رحيل الشيخ الزنداني وتشيد بأدواره المشهودة    «كاك بنك» فرع شبوة يكرم شركتي العماري وابو سند وأولاده لشراكتهما المتميزة في صرف حوالات كاك حواله    دوري ابطال آسيا: العين الاماراتي الى نهائي البطولة    تشييع مهيب للشيخ الزنداني شارك فيه الرئيس أردوغان وقيادات في الإصلاح    كلية القيادة والأركان بالعاصمة عدن تمنح العقيد أديب العلوي درجة الماجستير في العلوم العسكرية    «كاك بنك» يكرم شركة المفلحي للصرافة تقديراً لشراكتها المتميزة في صرف الحوالات الصادرة عبر منتج كاك حوالة    نزوح اكثر من 50 الف اثيوبي بسبب المعارك في شمال البلاد    أعلامي سعودي شهير: رحل الزنداني وترك لنا فتاوى جاهلة واكتشافات علمية ساذجة    بن دغر يوجه رسالة لقادة حزب الإصلاح بعد وفاة الشيخ عبدالمجيد الزنداني    مركز الملك سلمان يدشن توزيع المساعدات الإيوائية للمتضررين من السيول في الجوف    كان يدرسهم قبل 40 سنة.. وفاء نادر من معلم مصري لطلابه اليمنيين حينما عرف أنهم يتواجدون في مصر (صور)    إعلان موعد نهائي كأس إنجلترا بين مانشستر يونايتد وسيتي    مفسر أحلام يتوقع نتيجة مباراة الهلال السعودي والعين الإماراتي ويوجه نصيحة لمرضى القلب والسكر    الاعاصير والفيضانات والحد من اضرارها!!    إنزاجي يتفوق على مورينيو.. وينهي لعنة "سيد البطولات القصيرة"    "ريال مدريد سرق الفوز من برشلونة".. بيكيه يهاجم حكام الكلاسيكو    صحة غزة: ارتفاع حصيلة الشهداء إلى 34 ألفا و183    السعودية تضع اشتراطات صارمة للسماح بدخول الحجاج إلى أراضيها هذا العام    مكان وموعد تشييع جثمان الشيخ عبدالمجيد الزنداني    التضامن يقترب من حسم بطاقة الصعود الثانية بفوز كبير على سمعون    مؤسسة دغسان تحمل أربع جهات حكومية بينها الأمن والمخابرات مسؤلية إدخال المبيدات السامة (وثائق)    دعاء مستجاب لكل شيء    ديزل النجاة يُعيد عدن إلى الحياة    من هو الشيخ عبدالمجيد الزنداني.. سيرة ذاتية    مستشار الرئيس الزبيدي: مصفاة نفط خاصة في شبوة مطلبا عادلًا وحقا مشروعا    ارتفاع الوفيات الناجمة عن السيول في حضرموت والمهرة    تراجع هجمات الحوثيين بالبحر الأحمر.. "كمل امكذب"!!    مع الوثائق عملا بحق الرد    لماذا يشجع معظم اليمنيين فريق (البرشا)؟    الزنداني يكذب على العالم باكتشاف علاج للإيدز ويرفض نشر معلوماته    الدعاء موقوف بين السماء والأرض حتى تفعل هذا الأمر    الحكومة تطالب بإدانة دولية لجريمة إغراق الحوثيين مناطق سيطرتهم بالمبيدات القاتلة    المواصفات والمقاييس تختتم برنامج التدريب على كفاءة الطاقة بالتعاون مع هيئة التقييس الخليجي    لحظة يازمن    بعد الهجمة الواسعة.. مسؤول سابق يعلق على عودة الفنان حسين محب إلى صنعاء    المساح واستيقاف الزمن    - عاجل فنان اليمن الكبير ايواب طارش يدخل غرفة العمليات اقرا السبب    وفاة الاديب والكاتب الصحفي محمد المساح    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء علي عبدالله السلال:50عاماً ولم نقضِ على الجهل والفقر والمرض
نشر في الجمهورية يوم 27 - 09 - 2012

الحديث مع اللواء الوالد المناضل علي عبدالله السلال - نجل أول رئيس يمني بعد الثورة اليمنية - ممتع لاسيما أن الرجل صاحب تجربة سياسية وعسكرية منذ نعومة أظفاره مع والده المشير السلال رحمه الله، على مختلف جبهات النضال.. ذهبت إليه وفي ذهني الكثير من الأسئلة والمحاور المهمة التي قررت تناولها معه في حوار مطول إلا أن ظروفه الصحية قد حالت دون ذلك، وقد تحدث إلينا وهو على فراش المرض متفاعلاً مع هذا اليوم الوطني العظيم الذي كان يوماً ما أحد صانعيه.
- بداية نبذة مختصرة عن نشأة ومسيرة الوالد المناضل اللواء علي عبدالله السلال؟
أنا من مواليد صنعاء عام 1941م، بدأت دراستي في مدرسة الزمر ومدرسة الإصلاح، ثم اتجهت إلى مدينة حجة أدرس عند والدي، فدرست عنده سنتين في سجن القاهرة مع أبناء المسجونين وأبناء السجانين “الرسم” الذين أصبحوا ثواراً بعد ذلك، وقد انتقلت إلى الحديدة بعد ذلك للتعليم وخضعت لاختبار تحديد المستوى فتم تعييني بعد ذلك في الصف الثالث الثانوي مباشرة، كنا ندرس دروساً مكثفة في السجن وفي أكثر من مجال حتى الإنجليزي، درسنا إياه الأستاذ أحمد المروني، وفي العام 1953 التحقت بكلية الشرطة وتخرجت منها عام 1955م برتبة ملازم ثاني، بعدها دخلت الكلية الحربية ومدرسة الأسلحة في العام 1960م، وهذه المدرسة هي التي حضرت للثورة، كان يوجد آنذاك كلية الشرطة، والكلية الحربية، وكلية الطيران.
- نحتفل اليوم باليوبيل الذهبي لثورة السادس والعشرين من سبتمبر بقيادة والدكم المشير عبدالله السلال رحمه الله، ما الذي يود أن يقوله اللواء علي السلال بهذا الشأن؟
والله يا أخي لو أحكي لك عن أحلامنا وتطلعاتنا أيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر عام 62م ربما ما صدقتني! كنا قبل الثورة بيومين مجموعة من الشباب نفكر ونتجادل حول اليمن كيف ستكون بعد عشر سنوات، أحد الشباب يقول مثل إيطاليا، فقلنا له: لا تبالغ قليلاً .. خليها مثل مصر. واتفقنا على أن اليمن بعد عشر سنوات من الثورة ستكون مثل مصر حينها، فيما البعض غير راضٍ عن ذلك، وكانت طموحاتهم أكبر. وللأسف لم يتحقق شيء ولم تكن اليمن لا مثل إيطاليا ولا مثل مصر!! وهذا لا يعتبر مخيبا لآمال الشباب، لكنه إحباط بالنسبة لنا نحن، لأننا لم نحقق ما كنا نريده كاملاً، إنما أهم ما حققناه هو استمرار النظام الجمهوري رغم الهجمة الشرسة عليه.
- قلت: لم تحققوا أنتم الرواد جيل الثورة تلك التطلعات التي كانت تراودكم .. ما هي الظروف أو المبررات التي حالت دون ذلك؟
لا تنس الحرب الأهلية من سنة 62م إلى سنة 70م وبعدها حرب المناطق الوسطى، وبعدها حرب الشمال والجنوب، وبعدها حرب الحوثي، وخلال هذا كله التمردات القبلية، التخلف عرقل الثورة اليمنية عن تحقيق أهدافها وتطلعاتها، شعبنا كان متخلفا جدا، كان أمياً جاهلاً .. وللأسف خمسون عاما مرت علينا ونحن لم نستطع أن نقضي على الجهل أو الفقر أو المرض، طبعا هناك أشياء كثيرة تحققت بفضل جهود اليمنيين والشرفاء المخلصين وهناك أشياء كثيرة لم تتحقق، فما يتعلق بوضع التعليم لا يزال الوضع متردياً رغم آلاف الخريجين والمتعلمين لكن نسبة كبيرة منهم عاطلة عن العمل، لم يعملوا، الدولة في قضية التعليم فشلت فشلا كاملا، حتى نوعية التعليم أيضا رديء جداً وغير مجدٍ.
- هل تحققت أهداف ثورة 26 سبتمبر 62م؟
ربما تحقق الهدف الأول المتمثل في التخلص من الإمامة في الشمال والاستعمار في الجنوب، وإلى حد ما تم بناء جيش يمني هو أحسن مما كان موجوداً لدى الإمامة لأنه لم يكن لدينا جيش وطني، جذرنا مفهوم الدولة المدنية ورسخناه في ذهنية الكثير، لأن الإمام سابقاً كان هو كل شيء، كان المشير السلال يتطلع بقوة لإقامة الدولة المدنية المؤسسية وإنهاء الثارات والمظاهر القبلية المتخلفة.
- الجيش اليوم هل هو جيش وطني؟
الجيش اليوم ليس جيشاً وطنياً، اليوم الجيش تابع لمراكز القوى بالمكشوف، وقد كان قبل اليوم جيشا وطنيا، أيام السلال كان الجيش وطنيا، أيام الإرياني كان الجيش وطنيا، أيام الحمدي كان الجيش وطنيا، لم تكن هناك أية شللية داخل الجيش أو انتماءات مناطقية أو غير ذلك، كان الجيش وطنيا خالصا، حتى الطائفية لم تكن موجودة، أنا لم أسمع بأي تعصب شافعي أو زيدي تلك الأيام أبداً، كان الجيش كله واحداً موحدا من كل البلاد ولو رأيت حجم التضحيات التي قدمها أبناء المناطق الوسطى من ريمة وإب وتعز وكلهم كانوا في الحرس الوطني لذهلت من تلك الروح الوطنية العالية التي كانت تسكنهم، هؤلاء كانوا من أشجع الناس وأكثرهم إقداماً وقتالا بعد الثورة مباشرة، كانت عندي سرية كاملة من ريمة, كنا نقاتل في خولان وكانوا من الأبطال الشجعان ومنهم من درس الكلية الحربية وتدرب على الصاعقة، على المظلات, ولا زلت أتذكر شخصا منهم كنا نلقبه “صائد العدو” كان يستطيع أن يصيب أهدافه بمدفع الهاون مباشرة بطريقة عجيبة وقد قتل بجانبي ولا زلت أتذكره إلى اليوم.
- يبدو لي أن حجم تضحياتكم كانت كبيرة قياساً إلى سنّكم آنذاك .. ماذا عن الروح الوطنية التي كانت تسكنكم آنذاك؟
كان عمري حوالي عشرين سنة، وكان أكبرنا علي عبدالمغني عمره خمسة وعشرون سنة، وأغلبنا في هذا السن. شاركت في الثورة ولم أكن في تنظيم الضباط الأحرار من أول ليلة لها, حيث استدعاني أحد الإخوة الشهيد علي بن علي علاية وكان من ضباط الشرطة، قال لي: توجه إلى باب اليمن معك مهمة، ولم أكن أعرف المهمة، فتوجهت، مباشرة.
- لم تكن على علم بساعة الصفر وقيام الثورة؟
إلا عندي علم بذلك. نزلت إلى باب اليمن وتسلمت مهمتي من اللواء حسين الدفعي وهي قائمة الاعتقالات لبيت حميد الدين وكان معي الملازم محمد الأشموري رحمه الله والملازم علي الخولاني ومجموعة من ضباط الصف في كلية الشرطة والجنود، واستطعنا تنفيذ العملية واعتقلنا حوالي خمسين شخصاً من بيت حميد الدين خلال الثلاثة الأيام الأولى للثورة.
- يقول البعض من الطرف المناوئ أنكم أعدمتم أناساً على ذمة الهوية .. أي قتلتم الهاشميين لأنهم هاشميون فقط؟
أنا شخصياً رفضت حتى تعييني في محكمة الثورة التي تأسست خلال تلك الأيام، أنا لم أرضَ من يومها عن قتل أحد، ولم أشارك في قتل شخص ما أبداً. ربما حصلت بعض التجاوزات البسيطة جداً في أيام الثورة الأولى من قبل بعض الأشخاص بدافع الحفاظ على الثورة والانتصار للجمهورية والثورة، وكانت هناك محكمة كان رئيسها اللواء غالب الشرعي رحمه الله كان يحاكم الناس محاكمة عادلة، بعض التجاوزات حصلت بالفعل والثورة لابد لها من تجاوزات، لكنها قليلة قياساً إلى ما كان يفعله الأئمة في الشعب وقياساً إلى المجازر المهولة التي حصلت عقب ثورة 48م وانقلاب 55م، يا أخي هؤلاء الناس الإماميون ليس لهم حسنة واحدة تجاه الشعب، أذكر لي حسنة واحدة لهم، هؤلاء أذاقوا الشعب الويلات والجهل والفقر، هؤلاء قتلوا الشعب اليمني .. عقب ثورة 48م أعدم بالأمر المباشر واحد وسبعون شخصاً وليسوا من الأشخاص العاديين بل خيرة رجالات اليمن وأفضلهم، وبلا محاكمة. إذا كنا بعد الثورة كانت لدينا محكمة فهؤلاء لا يعرفون محكمة أبداً. ومن ناحية ثانية أنا شخصيا لم يكن لدي أي سلطة سياسية أبداً بعد الثورة كنت في جبهات القتال مع الزملاء خارج صنعاء منذ انفجرت الثورة، تفجرت 42 جبهة قاتلت في أكثر من خمس عشرة جبهة منها خارج صنعاء في حجة وخولان والمحابشة وآنس، خلال سنتين أو ثلاث سنوات وأنا في جبهات القتال متنقلاً بين جبهة وجبهة، جاء مرة عمي “أبو الزوجة” يتوسط لي بدون علمي عند الوالد أن أعود من جبهات القتال إلى صنعاء, فقال الوالد: أتمنى أن يموت ابني شهيدا في سبيل الوطن، فقال له عمي: طيب خليه يطلق بنتي وبعدها يموت!! لم أتسلم أي عمل سياسي، عدا عملي في الجانب العسكري حيث تسلمت كلية الشرطة في نهاية 63م وكنت مشرفاً عاماً على إذاعة صنعاء في 64م وقبلها تسلمت قيادة مناطق، قائداً للواء حجة، قائداً للواء الحديدة.
- لم تكن تفكر بوراثة الكرسي بعد أبيك؟
والله ما كان هذا لا ببالي ولا ببال الوالد أبداً على الإطلاق، والله ما فكرت يوماً واحداً أن أكون رئيساً بعد أبي، النظام الجمهوري قام أصلاً ضد التوريث الملكي فهل سنعيده نحن الجمهوريين؟ معقول أن يكون في النظام الجمهوري وراثة؟!! مش معقول. التوريث محرم في النظام الجمهوري. “والحمدلله أننا لم نصل عند التوريث”!!
- ما ذا عن علاقة الوالد بتنظيم الضباط الأحرار قبل الثورة، البعض ينفي صلته بهم، فيما يرى آخرون أنه كان على علاقة وتنسيق معهم.. ما الحقيقة؟
والدي كان على اتصال بالتنظيم من عام 1960م عندما نزل علي عبد المغني ومحمد مطهر إلى الحديدة إلى الميناء وجلسوا معه هناك وتكلموا معه حول التنظيم وبارك خطواتهم، وقال لهم: أنا معكم، بس خلوني بعيد لأني مُراقب من قبل أتباع النظام الإمامي، وأخاف أن أتسبب لكم في حرج, خاصة وأن التنظيم سري، ثم تبعت ذلك رسالة من التنظيم للوالد بواسطة محمد الجرموزي، أرسلها المناضل حمود بيدر، وكان من القيادات التنظيمية، وعاد الوالد إلى صنعاء وبدأ التواصل عن طريق المرحوم صالح الرحبي، الذي استشهد في قصر السلاح ثاني أيام الثورة مباشرة.
- فيما أعلم أن صالح الرحبي وأحمد الرحومي هما من أتوا للوالد بالمدرعة التي استقلها إلى الكلية الحربية ساعة الصفر وقد أخذت جدلاً كبيراً بعد ذلك بخصوص تأخيرها عن الوقت المرسوم لها .. ما هي الحقيقة هنا؟
هناك مقولات كثيرة، بعضها تقول: إنهم كانوا ينتظرون اللواء حمود الجايفي الله يرحمه، يأتي من الحديدة، والمقولة الثانية تقول إن ضباط الثورة كانوا قد أوهموا عبدالله جزيلان أنه قائد الثورة، فأخرها حتى تنجح، وبعدها “مش مشكلة” لكن الظروف تأزمت بقوة خلال تلك الساعات وكان الظرف حرجاً للغاية فاضطروا أن يرسلوا المدرعة للوالد، وكان الوالد المناضل عبد السلام صبرة هو أداة التواصل بين تنظيم الضباط الأحرار وبين الوالد، وكان هو الذي يستعجل على المدرعة ويتصل بالقيادة بين الحين والحين، وأقول لك بصراحة أنه لولا وصول المشير السلال في الفجر إلى مقر القيادة بالكلية الحربية لكانت ربما الثورة فشلت. وصل ولم نكن قد اعتقلنا أمراء الجيوش لأنهم هربوا إلى المدفعية، وكانوا سيضربون الكلية الحربية من المدفعية، حضر وبدأ يشرف على العمليات الميدانية بنفسه، ففتح قصر السلاح واتفق مع المجموعة التي بالقصر أن يعطيهم أمراً - كونه أمير الحرس - بفتح قصر السلاح بحجة الدفاع عن الإمام حتى لا تكون عليهم أية مسئولية، وكان الأخ هاشم صدقة هو المسئول عنه، حتى أنا وزملائي عندما أخذنا المعتقلين من بيت حميد الدين كنا نقول لهم: تعالوا دافعوا عن الإمام بيت الإمام يُضرب وأنتم هنا لا يصح.
- قام بالثورة تنظيم الضباط الأحرار برئاسة المشير السلال، وكان المقرر وفقاً لتقاليد أي ثورة أن يتشكل مجلس عسكري بعد ذلك للحكم، لكن ما حصل هو العكس، سرعان ما تماهى التنظيم وانساح في جبهات القتال في الوقت الذي حضرت القوى التقليدية والقبلية وخطفت الثورة.. ما ذا ترى؟
مثلما خطفوا ثورة الشباب اليوم!! هذا الذي حصل، وقد زرت الشباب وقلت لهم: سيسرقون ثورتكم كما سرقوا ثورتنا. وقلت لهم: ما رجعنا من جبهات القتال ونحن نطارد الإمام البدر في جبال حجة إلا وقد الشيخ فلان وزير الداخلية والثاني وزير الزراعة والثالث وزير الحكم المحلي، فقلنا للمشير السلال ما هذا الذي حصل؟ وما علاقة هؤلاء بالثورة؟ فقال هؤلاء وجاهات اجتماعية ونحن نريد التعاون مع الناس كلهم.
- أين ذهب تنظيم الضباط الأحرار؟
كانت غلطة كبيرة انسحاب تنظيم الضباط الأحرار ليلة الثورة، فيما أعرف أن اللواء حمود بيدر طلب من علي عبد المغني أن يظل تنظيم الضباط الأحرار مثل تنظيم الضباط في مصر مشرفاً على كل شيء كمجلس أعلى ومجلس قيادة الثورة منه، لكن علي عبد المغني كان صاحب فكرة مثالية غلبت عليه نزعة “المدينة الفاضلة” قال: خلاص نحن قمنا بالثورة وانتهى دورنا نحن عسكر نرجع ثكناتنا، كان يظن أن الثورة قد نجحت تماماً، ولم يكن يتوقع للأسف أننا سنقاتل بعدها ثماني سنوات، وقد رفض البقاء في صنعاء وقرر الانتقال إلى جبهات القتال مباشرة وقتل في الأسبوع الثاني تقريبا للثورة في صرواح بمأرب. المهم ما هي إلا سنوات وانقلب هؤلاء القوى التقليدية على المشير السلال في خمسة نوفمبر 67م لكن أركان الجمهورية قد تثبتت إلى حد كبير. وتخيل لو عاد بيت حميد الدين إلى صنعاء بعدها لكانوا أبادوا الشعب ونهبوا صنعاء مرة ثانية كما حصل في 48م.، وللأمانة فأغلب ثوار تلك الفترة وخاصة من الشباب كانت عندهم أخلاق المدينة الفاضلة، قاتل الحرس الوطني قتال الشجعان ولولا هم لما انتصرت الثورة، إخواننا في الجنوب تركوا أعمالهم وبيوتهم وأهلهم والتحقوا بالثورة في الشمال، نسبة كبيرة من الحرس الوطني كانوا من المحافظات الجنوبية ومن إب وتعز وريمة وعتمة والبيضاء ورداع.
- ما ذا يعني انقلاب خمسة نوفمبر 67م الذي تبنته إلى حد ما القوى التقليدية مسنودة برضا إقليمي بعد خمس سنوات على الثورة؟
كانوا يقولون إن السلال مع المصريين، وكان البعض يقول إنه لو خرج السلال من الحكم لتحسنت الأمور بمن فيهم بعض من ضباط الثورة، لكن الأمور زادت سوءا، وهناك من ذهب إلى السعودية من المشايخ يبحثون عن الدولة الإسلامية، وقصتها معروفة، وكانوا يأخذون على السلال أنه رفض اتفاقية السودان، لأن هذه الاتفاقية كانت تسعى إلى الاستفتاء الشعبي حول الإمامة والجمهورية، ومؤكد أن أغلب هذه القبائل الشمالية كانت معظمها مع الملكية ومن ثم ستضيع الجمهورية وستضيع الثورة ويعود بيت حميد الدين من جديد، فكانت وجهة نظر الوالد أنه بدلاً من أن يرجع الإمام باستفتاء شعبي يضفي عليه الشرعية نقاتل حتى آخر نفس وآخر رجل في الثورة أفضل لنا، الوالد السلال رفض هذا المقترح فأغضب عليه الكثير من القوى الداخلية والخارجية بمن في ذلك مصر، وبعده جاء انقلاب خمسة نوفمبر 67م ولا زلنا نصارع أشباحها إلى اليوم.
- نعود الآن إلى مفردة قلتها سابقاً وهي أن ثورة الشباب اليوم خطفت.. كيف؟
والله سرقت بالأصح، بدلاً عن أن أقول خطفت، كلمت الشباب وجهاً لوجه في اجتماع معهم بمنزل الأخ محمد أبو لحوم، طلبوا نصيحتي يومها قلت لهم: لا تركنوا إلى الآخرين فإنهم سيسرقون ثورتكم كما سرقوا ثورتنا ووضحت لهم ذلك، والآن يتصل بي البعض منهم يقول لي: سرقوا ثورتنا! الشباب مساكين، تحملوا المطر والحر والبرد على مر السنة.
- برأيك كيف تم السطو أو سرقة الثورة كما تذكر؟
أصلاً من يقوم بالثورة في الغالب لم يكن عنده وعي كافٍ بالمسارات السياسية، عند من يقوم بالثورة حماس ثوري، وعنده صدق وإخلاص، كنا نعتبر علي عبد المغني زعيما من زعماء التنظيم، بعدها “فلت” وخرج، لما رأى زملاءه ذهبوا إلى جبهات القتال، قال: وأنا لماذا لا أذهب أقاتل؟ مع أن الوالد كان قد نصحه بالبقاء في صنعاء ضمن القيادة السياسية إلا أنه رفض. الأستاذ علي حسن الأحمدي، قال له الأسودي: أنا خائف عليك بسبب منصبك، أنت وزير للإعلام وتذهب إلى جبهات القتال غير معقول؛ لكنه نزل إلى قيفة برداع وغدروا به هناك وقتلوه، وهو الذي لم يستلم مكتبه بعد تعيينه وزيرا أبداً، واستشهد عقب ذلك على الفور وقد كان تاجراً كبيراً في عدن ومن الطبقة التجارية الميسورة الحال لكنه أثبت وطنيته الكبيرة بهذا الموقف الكبير..
- لعب الدكتور البيضاني دوراً مزدوجاً في الثورة خدم من خلال بعض مواقفه الإمامة من جهة في الوقت الذي أضر بالجمهوريين من حيث أراد لهم نفعاً، حبذا لو أشرنا إلى حقيقة مواقف هذا الرجل العجيب في أدواره السياسية؟!!
البيضاني كان يشتغل مع المخابرات المصرية وكان يريد أن يكون الناطق الرسمي باسم المصريين، وكان صديقه الحميم أنور السادات، وقد استلم الجمعية اليمانية من الزبيري والنعمان في وقت لاحق لها في القاهرة، وقد كانوا مسئولين عن التواصل مع الضباط الأحرار ومع القيادات الشابة والوطنية وحل محلهم وأحرمهم حتى من حقوقهم، الرجل استعجل في أمور كثيرة، فتح لنا مشكلات لم تكن موجودة، أثار المناطقية والمذهبية بصورة لم تكن موجودة من قبل، وكان يهدد المملكة في كل خطاباته ويقول إنه سيحول المعركة إلى الرياض، ويدعوهم إلى لزوم الملاجئ، مع أنه لم تكن هناك ملاجئ في ذلك الوقت، ولم يكن قادرا على عمل شيء من هذا!! عمل لنا مشاكل مع السعودية وللأسف الشديد فإنه قد ذهب بعد ذلك مهرولاً إلى الملك فيصل، واستطاع الحصول على مبلغ مالي كبير، وانتهى كل ذلك الحماس وكل تلك الخطب الرنانة التي كان يتفوه بها!
- تقول بعض المعلومات أنه كان على ارتباط ببعض الضباط الكبار الذين لا يزالون على وفاق مع القوى الرجعية المصرية نفسها، أي القوى المحسوبة على الملك فاروق والتي كانت تعمل على الإساءة إلى الجمهوريات والعمل ضدها وبعض هؤلاء ضباط كبار داخل الجيش المصري فدفعوه إلى تبني ذلك الدور الذي أغاض المملكة كثيراً؟
بشكل عام البيضاني كان سيئا جدا، وقد أثار فينا لأول مرة السلالية والمذهبية ونادى بالقحطانية والعدنانية، والشافعية والزيدية، كما علمنا الرشوة، أنا أذكر أول رشوة تلقيناها بدون أن نعرف ونحن في الإذاعة منه، ولم نكن نعرف شيئا اسمه الرشوة أبداً خاصة في وسط ضباط الثورة.
- كيف؟
أتى لنا إلى الإذاعة لكل مذيع ساعة وراديو مجاناً منه من أجل أن نذيع خطاباته بصورة دائمة ومتكررة ثلاث أربع مرات في اليوم، ونحن بحسن نية أخذنا هذه الهدايا منه وكانت هذه أول رشوة في حياتنا، وعموما الله يرحمه. لا نريد أن نتكلم في هذا الموضوع انتهى مع صاحبه.
- أين هي مذكرات الرئيس السلال التي لم ترَ النور حتى الآن؟
“يضحك” مذكرة الرئيس السلال في الشنطة هنا جنبك!!
- لِمَ لم تنشر حتى الآن على طول الفترة التي مرت عليها؟
بدأنا منذ فترة مع الدكتور عبد العزيز المقالح نفكر بنشرها، وقد بوبناها ورتبناها، وقد حصل خلاف بين الأولاد، أولاد المشير نفسه، وقالوا والدنا لم يترك لنا شيئا إلا هذه المذكرات فقط ولم يترك لنا مالاً، فلنحسن إخراجها بالصورة اللائقة، وتواصلنا مع دور نشر لبنانية وكان أن رسا أمر الطباعة على أحد الناشرين اللبنانيين، وقال: أنا مستعد أن أدفع حتى مليوني دولار لكن على شرط أنكم تزيلون منها ما يتعلق بالسعودية، فرفضنا ذلك وقلنا له هذه وصية الوالد ولا يمكن أن نخالفه أو نسقط من المذكرات أي شيء، وأنت إما تطبعونها كاملة أو تتركونها، فقال: السعوديون هم من يمولونني دائما فكيف أنشرها وفيها ما هو ضدهم!! مع أن الوالد لم يخطئ أبداً في حق السعودية أبداً فقط ذكر الحقيقة.
- هل نأمل أن ترى النور قريبا؟
في الحقيقة نحن تأخرنا عن نشرها كثيرا، وما كان ينبغي، وكان المفترض أن تنزل مع احتفال بلادنا بالعيد الخمسين للثورة، وأنا نادم على هذا التأخير والله، والحقيقة أننا لا نستطيع طبعها طبعة لائقة على نفقاتنا الخاصة، لا يوجد لدينا المال. مثلما نحن حريصون على ألا نحذف منها سطرا واحدا. دور النشر ممكن تطبع إنما سيكون البيع بأسعار كبيرة لا تناسب الجمهور اليمني، ونحن حريصون على إيصالها لكل الناس. سعرناها قبل عشر سنوات تقريبا بخمسين ريالا فقط، ولا نريد أن تتجاوز هذا المبلغ آنذاك. وأعدك أنه لن يمضي هذا العام إلا وقد نزلت إن شاء الله تعالى.
- هل عندكم إحصائية عن عدد القتلى في الحرب التي جرت منذ بداية الثورة حتى المصالحة الوطنية عام 70م من الجانبين، وأيضا حتى من الأشقاء والأجانب؟
هم يقدرونها بثلاثمائة ألف قتيل، وأنا أراها أكثر، كانت المناطق كلها ملتهبة في 42 جبهة قتالية، راحت خسائر كثيرة من الحرس الوطني لأنهم لم يكونوا على خبرة عالية في القتال، وكانوا يتدربون في ظرف أسبوع أو أسبوعين على السلاح في العرضي هنا في صنعاء، ثم ينطلقون إلى جبهات القتال، ولا زلت أتذكر حالة من الحالات التي لن أنساها وهي سقوط أخ من الجنود قتيلا برصاص الملكيين ونحن في آنس وبيده العلم اليمني، علم الجمهورية، فلم يفكر أخوه أن ينقذه أو يسعفه بل هرع مسرعا إلى العلم ورفعه بسرعة البرق من الأرض، كانت هناك عزيمة قتالية ثورية عالية وإيمان بالمبادئ الثورية قوي جدا، ولولا هذا الإيمان القوي ما نجحت الثورة، إضافة إلى حنكة وقوة القيادة السياسية، نحن لم نكن ندوّن يوميا في مذكراتنا أبدا، ولم نكن نعير هذه الأمر اهتماما أبدا، على عكس المصريين الذين كانوا يكتبون ويدونون يومياتهم بشكل دقيق.
- كم حجم الخسائر البشرية المصرية؟
هم يقدرونها بخمسة آلاف مصري بمن فيهم المفقودون. لأن هناك مفقودين منهم فروا من المعارك، وقد عاد البعض منهم بعد فترة لأنه كانت قد صدرت بحقهم أحكام عسكرية كونهم فارين من الخدمة.. وكل هذه الأرقام تقديرات فقط.. لا يستطيع أحد أن يؤكدها أبدا.
- كلمة ختامية؟؟
أحييك وأحيي صحيفة الجمهورية لأنها وقفت بجانب الثورتين السابقة واللاحقة، لأننا بعد ثورة 26 سبتمبر ما كنا نقرأ إلا صحيفة الجمهورية، كانت تكتب مقالات رائعة عقب الثورة ضد الرجعية وضد الإمامة والاستعمار، وأيضا ما قامت به من دور عقب قيام ثورة الشباب اليوم في 2011م وتحديداً من مطلع العام 2012م بدأنا نقرأ الجمهورية بروح جديدة أعادت لنا تلك الروح الثورية بعد ثورة 26 سبتمبر 62م.
وبدأت تتكلم عن القوى التقليدية الفاسدة والعهد البائد مع أنها كانت موالية إلى قريب.
حصل فيها تحول نوعي مهم وجميل جداً جداً، تحول الجميع بدافع حب التغيير الذي ينشده الجميع، مثلما حصل التحول بعد ثورة سبتمبر 62م وقد كانت “جريدة النصر” فتحول نفس الطاقم بعد الثورة من تمجيد النظام السابق إلى الكتابة عن النظام الجمهوري وعن الثورة بصورة مدهشة.
- بم تنصح الشباب اليوم؟
أن يواصلوا ثورتهم ويصروا على تحقيق أهدافهم، وأن يتشكلوا كقوة وطنية في حزب سياسي مستقل حتى لا يخرجوا من الزحمة بلا نتائج، وأتوجه بالتحية في هذه المناسبة إلى شعبنا اليمني العظيم الذي ناضل وصبر في تلك الثورة العظيمة التي فتحت لليمنيين الأفق في تلك المرحلة المظلمة، وللأسف لا تزال قوى ظلامية اليوم تهاجم تلك الثورة العظيمة وتتنكر لها، مثلما تتنكر لرموزها العظيمة وقيادتها التاريخية، متناسيةً أن الأتراك سلموا اليمن للإمامة وهي خمسة ملايين يمني، وتسلمتها الجمهورية أربعة ملايين يمني بنقص مليون مواطن ماتوا من الجوع والمرض.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.