العليمي يتحدث صادقآ عن آلآف المشاريع في المناطق المحررة    نصيب تهامة من المناصب العليا للشرعية مستشار لا يستشار    على الجنوب طرق كل أبواب التعاون بما فيها روسيا وايران    ما هي قصة شحنة الأدوية التي أحدثت ضجةً في ميناء عدن؟(وثيقة)    العليمي يكرّر كذبات سيّده عفاش بالحديث عن مشاريع غير موجودة على الأرض    كيف طوّر الحوثيون تكتيكاتهم القتالية في البحر الأحمر.. تقرير مصري يكشف خفايا وأسرار العمليات الحوثية ضد السفن    رفع جاهزية اللواء الخامس دفاع شبوة لإغاثة المواطنين من السيول    مقتل مغترب يمني من تعز طعناً على أيدي رفاقه في السكن    انهيار منزل بمدينة شبام التأريخية بوادي حضرموت    وفاة الكاتب والصحفي اليمني محمد المساح عن عمر ناهز 75 عامًا    صورة تُثير الجدل: هل ترك اللواء هيثم قاسم طاهر العسكرية واتجه للزراعة؟...اليك الحقيقة(صورة)    صور الاقمار الصناعية تكشف حجم الاضرار بعد ضربة إسرائيل على إيران "شاهد"    عاجل: انفجارات عنيفة تهز مدينة عربية وحرائق كبيرة تتصاعد من قاعدة عسكرية قصفتها اسرائيل "فيديو"    الدوري الايطالي: يوفنتوس يتعثر خارج أرضه ضد كالياري    نادي المعلمين اليمنيين يطالب بإطلاق سراح أربعة معلمين معتقلين لدى الحوثيين    وزير سابق يكشف عن الشخص الذي يمتلك رؤية متكاملة لحل مشاكل اليمن...من هو؟    مبنى تاريخي يودع شبام حضرموت بصمت تحت تأثير الامطار!    رئيس الاتحاد العربي للهجن يصل باريس للمشاركة في عرض الإبل    تظاهرات يمنية حاشدة تضامنا مع غزة وتنديدا بالفيتو الأمريكي في مجلس الأمن    شبوة.. جنود محتجون يمنعون مرور ناقلات المشتقات النفطية إلى محافظة مأرب    شروط استفزازية تعرقل عودة بث إذاعة وتلفزيون عدن من العاصمة    اليمن تأسف لفشل مجلس الأمن في منح العضوية الكاملة لدولة فلسطين في الأمم المتحدة مميز    لماذا يموتون والغيث يهمي؟    تعز.. قوات الجيش تحبط محاولة تسلل حوثية في جبهة عصيفرة شمالي المدينة    - بنك اليمن الدولي يقيم دورتين حول الجودة والتهديد الأمني السيبراني وعمر راشد يؤكد علي تطوير الموظفين بما يساهم في حماية حسابات العملاء    الممثل صلاح الوافي : أزمة اليمن أثرت إيجابًا على الدراما (حوار)    بن بريك يدعو الحكومة لتحمل مسؤوليتها في تجاوز آثار الكوارث والسيول    المانيا تقرب من حجز مقعد خامس في دوري الابطال    الحوثيون يفتحون مركز العزل للكوليرا في ذمار ويلزمون المرضى بدفع تكاليف باهظة للعلاج    لحظة بلحظة.. إسرائيل «تضرب» بقلب إيران وطهران: النووي آمن    بعد إفراج الحوثيين عن شحنة مبيدات.. شاهد ما حدث لمئات الطيور عقب شربها من المياه المخصصة لري شجرة القات    تشافي وأنشيلوتي.. مؤتمر صحفي يفسد علاقة الاحترام    الأهلي يصارع مازيمبي.. والترجي يحاصر صن دوانز    العثور على جثة شاب مرمية على قارعة الطريق بعد استلامه حوالة مالية جنوب غربي اليمن    اقتحام موانئ الحديدة بالقوة .. كارثة وشيكة تضرب قطاع النقل    طعن مغترب يمني حتى الموت على أيدي رفاقه في السكن.. والسبب تافه للغاية    سورة الكهف ليلة الجمعة.. 3 آيات مجربة تجلب راحة البال يغفل عنها الكثير    عملة مزورة للابتزاز وليس التبادل النقدي!    مولر: نحن نتطلع لمواجهة ريال مدريد في دوري الابطال    الفلكي الجوبي: حدث في الأيام القادمة سيجعل اليمن تشهد أعلى درجات الحرارة    رغم وجود صلاح...ليفربول يودّع يوروبا ليغ وتأهل ليفركوزن وروما لنصف النهائي    شقيق طارق صالح: نتعهد بالسير نحو تحرير الوطن    نقل فنان يمني شهير للعناية المركزة    تنفيذي الإصلاح بالمحويت ينعى القيادي الداعري أحد رواد التربية والعمل الاجتماعي    ريال مدريد وبايرن ميونخ يتأهلان لنصف نهائي دوري ابطال اوروبا    بمناسبة الذكرى (63) على تأسيس العلاقات الدبلوماسية بين اليمن والأردن: مسارات نحو المستقبل و السلام    قبل قيام بن مبارك بزيارة مفاجئة لمؤسسة الكهرباء عليه القيام بزيارة لنفسه أولآ    وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات جراء المنخفض الجوي في حضرموت    آية تقرأها قبل النوم يأتيك خيرها في الصباح.. يغفل عنها كثيرون فاغتنمها    "استيراد القات من اليمن والحبشة".. مرحبآ بالقات الحبشي    دراسة حديثة تحذر من مسكن آلام شائع يمكن أن يلحق الضرر بالقلب    تصحيح التراث الشرعي (24).. ماذا فعلت المذاهب الفقهية وأتباعها؟    السيد الحبيب ابوبكر بن شهاب... ايقونة الحضارم بالشرق الأقصى والهند    ظهر بطريقة مثيرة.. الوباء القاتل يجتاح اليمن والأمم المتحدة تدق ناقوس الخطر.. ومطالبات بتدخل عاجل    أبناء المهرة أصبحوا غرباء في أرضهم التي احتلها المستوطنين اليمنيين    وزارة الأوقاف تعلن صدور أول تأشيرة لحجاج اليمن لموسم 1445ه    تأتأة بن مبارك في الكلام وتقاطع الذراعين تعكس عقد ومرض نفسي (صور)    النائب حاشد: التغييرات الجذرية فقدت بريقها والصبر وصل منتهاه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التاريخ الثوري إنْ لم يوثَّق.. يموت بموت معاصريه
نشر في الجمهورية يوم 14 - 10 - 2012

إن كتب التاريخ تأخذ أهميتها من توثيق أحداث التاريخ المعاصر لليمن من عصر الدولة المتوكلية وحتى قيام ثورة 26 سبتمبر وثورة 14 أكتوبر ونوفمبر.. وهي فترة اختلفت فيها الروايات وتعددت بشأنها الأقوال والادعاءات، وصار لكل تيار تحليله الخاص بها ورؤيته لفصولها ومشاهدها.. مما فرض استيعاب ما كتب عن هذه الفترة واستقراء نقاط الاتفاق والحكم على الروايات بعرض بعضها على بعض، ومن ثم تقييم المرحلة وتقييم أبعادها.. وبالتالي فإن هناك ممن عاصروا تلك المرحلة ولكن لأن أيادي المؤرخين والمؤلفين لم تطالهم فقد رحلوا، والأحداث دفنت في مخزن ذاكرتهم، وبالتالي فإننا نفقد العديد من رجالات الثورة الذين عاصروا الحكم الإمامي وزمن التغيرات السياسية والثورات. التوثيق التاريخي والفوتغرافي والسينمائي للثورات اليمنية إلى متى سيظل حبيس العقول التي عاصرت الوضع حينها؟ وإلى متى ستظل أفلامنا الوثائقية حبيسة مكتبات الدول الشقيقة، ولا يوجد لدينا إلا التصوير اليسير منها؟!.
.. أين هو دور المرأة في الثورة؟
المعروف أن المرأة اليمنية لها موقف إيجابي ومشرف في نصرة ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، وكذلك مشاركتها الفاعلة إبان فترة الكفاح المسلح جنباً إلى جنب مع أخيها الرجل؛ كونها عاشت كما عاش أخوها الرجل حياة قاسية ومأساوية عانيا فيها أشكال الذل والاضطهاد والفقر والتخلف والظلم من قبل المستعمر البريطاني وأعوانه والحكم الإمامي المستبد لفترة طويلة من الزمن حتى الفرج بقيام الثورة السبتمبرية وإعلان الجمهورية وبزوغ فجر الحرية صبيحة ال 30 من نوفمبر 67م برحيل آخر جندي بريطاني من الجزء الجنوبي من وطننا الحبيب.
أماني سيف المريري - أستاذة تاريخ – قالت: ((لقد اختارت المرأة اليمنية أن تكون بجانب أخيها الرجل؛ كونها جزءاً لا يتجزأ من هذا الوطن الغالي، لقد وقفت وقفة فاعلة ومشرفة وأسهمت إسهاماً عملياً لنصرة الثورة على مستوى المدينة والريف، بالرغم من محاولات الاستعمار البريطاني وأعوانه تجميدها وإبقائها في جهلها المطبق والمظلم، بحيث لا تعي شيئاً مما حولها، فقد كان شعورها الوطني أقوى من محاولات الاستعمار البريطاني؛ إذ لبّت نداء الواجب الوطني لتؤدي دورها البارز الفاعل رغم أنف الاستعمار وأعوانه، مما جعل التاريخ والثورة والجماهير تحفظ لها دورها وإسهامها الفاعل والمشرف مع مناضلي الجبهة القومية والثورة، ولكن أين تلك الأفلام والتوثيقات التي تؤرخ تلك الأعمال الثورية للمرأة وتعطيها حقها؟)).
فيما تشاركها الرأي سلوى سالم - موظفة تربوية – بالقول: ((لقد سمعت وقرأت الكثير عن دور ووقائع قصة العديد من النساء المناضلات المشاركات في حرب التحرير، وأشعر كما يشعر غيري وكل أبناء الوطن بالاحترام والإجلال لبطولة تلك الوقائع المدهشة التي تدعو إلى الدهشة والاحترام للعديد من نساء اليمن الكثيرات اللواتي أسهمن في العملية الثورية، ومع شريط هذه الذكريات الجميلة في قلوبنا علينا أن نعود إلى سرد تلك الذكريات الرائعة عن دور المرأة في الثورة والكفاح المسلح منذ أول انطلاقة ثورة ال 14 من أكتوبر عام 63م ومشاركتها الفاعلة في النضال خلال حرب التحرير، وسجل لها التاريخ حقائق ملموسة للأدوار التي اضطلعت بها لا تقل فعاليتها معنوياً ومادياً عن أدوار الرجال المناضلين من أبناء جلدتها في الثورة المسلحة، بل إن دور المرأة حينها كان ذا أهمية كبيرة بالغة لكسب الانتصار للثورة في عملياتها العسكرية، كما أن المرأة اليمنية قد استطاعت حينها في المناطق الريفية رغم ضعفها وجهلها أحياناً بالأسلوب العسكري أن تؤدي واجباتها المناطة بها نحو الثورة بكل نجاح وذكاء ودهشة.. والحديث عن تلك الذكريات والبطولات مع النساء اللاتي عاصرن الثورات واللاتي أصبحن مسنات جداً وحول الدور الذي قامت به المرأة خلال فترة الكفاح المسلح حديث متشعب وطويل، ولكني سأحاول نقل صورة مختصرة؛ لقد قامت المرأة بتقديم العون والمساعدة للفدائيين خلال انتقالهم إلى القرى وأعالي الجبال لتغطية عمليات فدائية ضد معاقل الجيش الاستعماري، حيث كانت النساء في منازلهن يقدمن للثوار كل ما يحتاجونه من طعام، كما حملن الأطعمة فوق رؤوسهن من المنازل إلى مواقع الثورة السرية في الكهوف وأعالي الجبال بكل سرية تامة.
كما قدّمن الإسعافات الأولية للثوار وتمزيق بعض ملابسهن كمرابط لإيقاف نزيف بعض الثوار المصابين، والاحتفاظ ببعض الأدوية في منازلهن لمثل هذه الأمور، والتوجه إلى المدن لشراء متطلبات الثوار من أدوية، والقيام بتمريضهم حتى يتم شفاؤهم، كما يقمن بإخفاء السلاح الذي يستولي عليه الثوار لاستعماله عند الحاجة، وأيضاً إخفاء الثوار في حقولهن ومنازلهن أثناء مرور دوريات الاحتلال، كما قامت النساء بنقل المؤن على رؤوسهن بعد إخفائها في ملابسهن ويضعنه في «أتناك» وأوعية نحاسية ومعدنية بين طحين الحبوب، وتمر من أمام جنود العدو في المكان الذي يحدده الثوار.. وكذلك كان الأمر بالنسبة لنقل الأسلحة الثقيلة، والذي كان يصعب بل يتعذر نقلها إلى الثوار كمدافع الهاون والرشاشات، وكانت تفكك أجزاءها وقطعها وتقوم النساء بوضع تلك القطع داخل أعواد القصب، وحمل شدات القصب المربوطة جيداً ونقلها إلى المواقع المحددة، كما قامت المرأة بنقل الرسائل الخاصة والمعلومات السرية بين الفرق الثورية المنتشرة في عدد من المناطق الريفية أو المدن، وكانت بمثابة ساعي البريد أيضاً بين القيادات وأفرادها وبين الثوار والمعتقلين السياسيين، ويخفين الرسائل بين خصلات شعر رؤوسهن خاصة عند ذهابهن لزيارة المعتقلين في السجون أو خلال تنقلهن من منطقة إلى أخرى، بالرغم من وجود التفتيش الدقيق والرقابة المشددة.
كما شاركت المرأة في عدن بمظاهرات صاخبة منذ عام 1959م قبل اندلاع ثورة 14 أكتوبر، منددات بوسائل الاستعمار البريطاني الإرهابية ضد جماهير الشعب وأبنائه من الوطنيين الشرفاء، إضافة إلى المظاهرات العديدة والاعتصامات وغيرها من أشكال النضال بهدف طرد المستعمر.. كان لنساء عدن الدور الريادي والمشرّف، أسوة بإخوانهن الرجال في تحمل المسئولية.. بالتأكيد هناك الكثير من المواقف النضالية للمرأة لا يتسع المجال لذكرها هنا. ولكن أين دور الإعلام والثقافة في توثيق تلك الأعمال وإصدارها بعمل يليق بالمرأة اليمنية)).
بعد أن حصدت العديد من الجوائز العالمية لتميزها الإبداعي المخرجة اليمنية خديجة السلامي تفوز بفضية مهرجان دبي السينمائي فيلم أمينة للمخرجة السينمائية اليمنية خديجة السلامي بالجائزة الفضية لفئة الأفلام الوثائقية المشاركة في مهرجان دبي السينمائي، وأعلنت إدارة المهرجان جوائز الأفلام الفائزة في مهرجان دبي خلال حفل ضخم أقامته في منتجع الصحراء، وتبلغ قيمة الجائزة الفضية 30 ألف دولار. فيلم «صرخة»، هو عمل وثائقي سجل نضال المرأة خلال الثورة وبعدها في مجتمع يمني محافظ وضمن مفاهيم تعمل نساء الفيلم الوثائقي على تغييرها يومياً عبر تجربتها الذاتية الخاصة.
وقد شهد العرض السينمائي لفيلم «أمينة سجينة» للمخرجة السينمائية اليمنية المتألقة خديجة السلامي حضوراً جماهيرياً كبيراً أثناء عرضه في مهرجان دبي السينمائي الدولي، ونفدت تذاكر العرض السينمائي للفيلم الذي خطف الأضواء في المهرجان الذي يشهد مشاركة دولية كبيرة. أول أعمالها فيلم نساء اليمن الذي أعدته للتخرج في 1990. تشمل الأفلام الوثائقية التي أخرجتها خديجة من مقر عملها في باريس:
فيلم «أرض سبأ» (1997)، «اليمن ذو الألف وجه» (2000)، «غريبة في موطنها» (2005)، الذي افتتح المهرجان الدولي لأفلام حقوق الإنسان في جنيف، وفازت عنه بست جوائز في المهرجان ذاته.
«أمينة» 2006، وهي ديبلوماسية، مخرجة وكاتبة يمنية، مستشارة إعلامية للسفارة اليمنية بباريس، هي المخرجة اليمنية الوحيدة التي أنجزت عدداً من الأفلام الملتزمة بشأن المرأة في بلدها، أولها نساء اليمن.
كما كان قد صدر للفنانة خديجة السلامي كتاب بعنوان (دموع سبأ) باللغة الفرنسية - وهو يروي سيرة خديجة السلامي الذاتية على خلفية تاريخ اليمن الحديث، ويرصد خطواتها منذ طفولتها في صنعاء خلال الستينيات من القرن الماضي ومعايشتها لحصار (السبعين يوماً) من قبل الملكيين والتحاقها بالتعليم وحصولها على منحة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية وعودتها للعمل في التلفزيون اليمني ودخولها العمل في السلك الديبلوماسي ووصولها إلى باريس للعمل في السفارة اليمنية كمديرة لمركز الإعلام اليمني.
السؤال الذي يترك نفسه أين هو دور المرأة في المشاركة بالثورات السبتمبرية والأكتوبرية؟ وكأن الأفلام الوثائقية لم توفها حقها!! فهل هو بسبب عدم الاهتمام بالأعمال الوثائقية التي صورتها الدول الشقيقة أم بسبب إهمال القيادات في اهتمامهم بتوثيق التاريخ؟!.
السينما العربية ظلمت الرجل العربي
«أبداً لم تظهر صورة الرجل العربي بما تستحق من أشكال على شاشة السينما منذ بداياتها وحتى 2009 بعيداً عن مجموعة الأفلام الوطنية أو التاريخية أو تلك التي عكست بطولات عسكرية وانتصارات»، استنكرت فائزة أحمد غانم - أستاذة تربوية - ظلم السينما العربية للعربي فأضافت مستغربة بالقول: ((والغريب أن تلك الأفلام التي قدمت الرجل العربي إما أنها قدمتها في لقطة أو مشهد سريع قصير أو قدمتها في صورة كوميدية هزلية لا يمكنها أن ترسم الصورة الحقيقية له بسمات الكرم والوفاء والنجدة التي عرف بها تاريخياً الرجل العربي، فهل يمكن أن تتغير تلك الصورة التي سارت فيها السينما العربية للأسف في نفس مسار السينما العالمية؟
.. وهل يمكن أن نجد فيلماً عربياً بأموال عربية أو إنتاج عربي مشترك يغير من أبعاد تلك الصورة التي دأبت السينما على تقديمها؟.
قدمت مجموعة من الأفلام الوطنية أو القومية - إذا صح التعبير - المسؤول العربي في صورة متميزة لصاحب الحس العربي البطولي:
فيلم ثورة اليمن عن (ثورة 26سبتمبر1962م) من بطولة عماد حمدي وماجدة وحسن يوسف وصلاح قابيل والقدير صلاح منصور في دور الإمام، كتب قصة الفيلم صالح مرسي وأخرجه عاطف سالم عام 1966، القصة تحدثت عن الثورة ضد الإمام والتي تعاون فيها الجيش المصري مع اليمنيين، الفيلم عرض قصة كفاح الشعب اليمني الشقيق وثورته بقيادة عبدالله السلال ورفاقه من قادة الجيش والمثقفين من خريجي الجامعات، ومنهم خريجو الجامعة المصرية على نظام الحكم الإمامي في اليمن، ويحكي الفيلم نضال الشعب من أجل نيل حريته ودعم مصر لثورة اليمن، وقد حصل عاطف سالم على ميدالية ذهبية عن إخراجه فيلم ثورة اليمن.
حينما نتحدث عن صورة العربي على شاشات السينما العالمية أو العربية فالغريب أن الصورة التقليدية التي اعتادت على إظهارها السينما العالمية والمصرية للشخصية العربية صورة ظالمة تماماً، قاصرة على الجوانب السلبية التي أخذت في التراجع واعتراها التغيير والتطور، ولا عذر للسينما المصرية يجعلها تسير في ركاب السينما الأمريكية؛ ذلك لأنها الأكثر قرباً تاريخياً وجغرافياً ويزور أبناؤها من المخرجين والمؤلفين دول الخليج ويلمسون حجم التطور فيها، والتنمية البشرية والاقتصادية التي غيرت شكل الحياة فيها وجعلتها مقصداً للزوار.
ولأنه لا يخفى على أحد أهمية هذه الصناعة لما تؤثر به على الرأي العام العالمي في عصر العولمة، ولأن صناعة الأفلام يمكنها أن تلعب دوراً إيجابياً في تعريف العالم على مختلف جوانب الحياة والعرقيات والبلدان والتاريخ والثقافات فإني أدعو أصحاب الأموال العربية والجهات الحكومية لإنتاج أفلام مميزة ضخمة الإنتاج تقدم النموذج العربي المشرف، وكم هي كثيرة ومتعددة تلك القصص التي يمكنها أن تعكس ذلك)).
يضيف على نفس السياق د.هشام العامري - أستاذ الأدب العربي جامعة تعز – قائلاً: (( فيلم ثورة اليمن الذي صور في عام 1966م وقام بهذا العمل كوكبة من ألمع الممثلين المصريين، وقد تقمص دور الإمام صلاح منصور الذي عادة ما يمثل الأدوار الشريرة، بينما تقمص دور الطالب اليمني الممثل حسن يوسف الذي مثل الطالب اليمني الذي كان يدرس في مصر، وعاد لليمن يحمل أفكار التحرر والثورية، ونلاحظ أن لهجة الممثلين كانت تقريباً أقرب إلى المصرية، ومن الممثلات ناهد سليم التي مثلت دور أم حسن يوسف وصلاح قابيل، وعماد حمدي والذي كان يلمح من طرف خفي أنه تقمص دور السلال وإن لم يحمل نفس الاسم، ودار تصوير الفيلم من مواقع في مدينة تعز لعل من أبرزها موقع صالة، وقد كانت عبارة عن منتجع سياحي، والمطار القديم الذي هبطت فيه الطائرة، وكذلك حمام جامع المظفر وهو جامع يعود للدولة الرسولية والذي كان وكراً لتجمع الثوار وأيضاً مثل في الدور الأرضي للقصر، والذي هو الآن متحف، واستخدمت الإكسسوارات والملابس التي كانت بداخله لإظهار هالة الملك التي كان يعيشها الإمام، وطبعاً هذا من الناحية الشكلية، والفيلم أساء كثيراً لليمنيين قبل أن يسيء للإمام أحمد، ولعل من أبرز المآثر على الفيلم هو أنه صوّر اليمنيين على أنهم أشباه عبيد للإمام، وصوّر اليمنيين على أنهم كانوا يعيشون جهلاً في كل شيء، وصورهم على أنهم شعب ينتمي إلى ما قبل التاريخ سواء من حيث الملبس والتصرفات والهمجية التي صور المخرج فيها اليمنيين، وهذا يتناقض مع طبيعة اليمنيين الحضارية القديمة، وقد يكون اليمنيون على قدر من الجهل ولكنهم كانوا على علم كبير بالزراعة والدين، علاوة على ذلك صوّر الإمام على أنه ساذج يلعب بالقطار، مع أن الإمام له سيئاته وحسناته؛ فقد كان على قدر كبير من العلم والمعرفة ولاسيما في الأمور التشريعية والدينية. والمؤرخون هم من سينصفونه أو لا.
والفيلم بصريح العبارة كان سياسياً أكثر مما هو فني؛ فعبدالناصر حول كثيراً من الجنود المصريين إلى اليمن، وقد ثارت عليه شرائح كبيرة من المصريين، كيف تذهب بالجيش المصري إلى اليمن وتترك العدو الإسرائيلي؟ مما يدلل على أن الفيلم لم يكن لليمنين بل كان للمصريين؛ كي يقنعهم من أنه ذهب ليخرج الناس من ظلمات الجهل والحكم الكهنوتي، وقد نتفق ببعض الآراء ولكن ليس بالشكل الذي صور فيه اليمنيين، لاسيما أن عبدالناصر رفع شعار تحرير كثير من البلدان العربية التي كانت ترزح تحت الاستعمار، فالمستهدف كما قلنا المشاهد المصري؛ كي يقتنع أن جيشة ذهب لتحرير شعب كان يعيش في عصور ما قبل التاريخ وبمقاييس ذلك العصر سنلاحظ أن الحكومة المصرية أنفقت الكثير من المال حينها لإنتاج الفيلم، بل إنها غامرت بكوكبة من ألمع نجومها وممثلي الصف في ذلك الوقت، على اعتبار أن الإعلام كان ومازال هو السلاح الفتاك الذي يستطيع أي نظام سياسي أن يسوق فكرته لشعبه، أو للشعوب الأخرى.
بينما الفيلم الوثائقي هو الذي يعتمد على وثائق وليس على وجهة نظر، وقد وجدنا مسلسلين تناولا حياة الإمام، وقد تناولهما التلفزيون اليمني، ونستغرب حقيقة التقصير في نقل مجريات الثورة، وكيف تمت؟ مع أنه يوجد مؤرخون للثورة اليمنية، ولكن لا ننسى أن أي نظام سياسي في أية بقعة من بقاع العالم يسوق لأطروحته وثقافة المنتصر في إلغاء ثقافة غيره، ولم نصل بعد إلى درجة النضج الحيادي لكي نظهر للناس ما حصل في ثورة 26 سبتمبر من كل الأطراف، وطبعاً ثورة 26 سبتمبر هي ثورة بكل ما تحمله الكلمة من معنى؛ إذ قامت ضد نظام ظالم ومستبد، ويرى أن الإمامة حق إلهي مكتسب لفئة من الناس دون فئة أخرى، وهي أفكار عفا عليها الزمن، لا يمكن أن نتقبل من أن الحكم أعطي لفئة أو شريحة أو سلالة دوناً عن الأخرى، بل إن هذا يتناقض مع الإسلام الذي أمر أن يكون الحكم شورى بين المسلمين، ولكن أن يحكم إنسان أناساً باسم الله أو أنه خليفة الله على الأرض أو أن قوله تشريع فهذا لا يعقل)).
يضيف الدكتورهشام مستنكراً ومتألماً: ((نحن دخلنا الآن بالعيد الذهبي وحقيقة في الثمانينيات كان هناك قفزة نوعية في التلفزيون اليمني، وكان هناك برنامج من البرامج الرائعة التي كانت توازن بين منجزات الثورة وحكم الإمام ويعرض الصورتين بوثائقية الصورة القديمة، وما يناظرها من منجزات الثورة، ولكن ما حدث في السنوات الأخيرة تم إغفال ثورة 26 سبتمبر وتم التركيز فقط على ذكرى الوحدة اليمنية على حساب الثورة الأم التي تفجرت من خلالها أو امتداداتها ثورة 14 أكتوبر، و30 من نوفمبر، حتى 22 مايو.
وأتمنى أن يكون هناك مؤتمر يجمع المثقفين والكتاب والمؤرخين والفنانين ومن بقي على قيد الحياة ممن عاش تلك الفترة والشخصيات التي عاشت تلك الفترة من الأسماء النزيهة التي عرفت حينها أنها ما كانت تبغي من وراء الثورة قصداً شخصياً، وتجمع بورشة عمل أو مؤتمر مصغر، ويتفق على رؤية للخروج بعمل يضم تاريخ اليمن، فهناك ثورات وانتفاضات على مدار التاريخ اليمني، وكثير من الناس من لا يعرف تاريخ الدولة الرسولية والطاهرية والزيادية ودولة بني نجاح، حقب كثيرة وفترات زمنية مرت على هذه الأرض الطيبة، وهناك مفاخر قام بها اليمانيون؛ فعلى سبيل المثال كسوة الكعبة كانت تنسج في تعز، وكانت تحمل للبيت الحرام أيام الدولة الرسولية، وبالتالي نحن نحتاج إلى عمل يقوم بعرض الواقع كما هو دون مبالغة أو تصحيح أو إقصاء؛ لأننا نتمنى أن نكتب تاريخنا كما هو لا أن يكتبه غيرنا، ونتمنى أن يؤتى بممثلين محترفين وليست تلك الوجوه التي سئمها الناس ممن ينساقون وراء الأعمال الهابطة وإنما نريد ممثلين جادين؛ كي يظهر العمل الذي ستخرج به تلك اللجنة والورشة الفنية على أنه وثيقة تاريخية، وكما قلنا بالبداية فالفيلم أقوى بتأثيره من عشرات الكتب فليس الجميع يقرأ)).
الأستاذ الدكتور عبدالله الذيفاني - رئيس دائرة المكتبات في جامعة تعز - يعد شاهداً لتلك المرحلة التاريخية وزمن عرض الفيلم حينها في ميدان الشهداء نستمع إلى شهادته ونترك التاريخ ليقول كلمته: ((الموضوع هذا يعود بنا إلى مرحلة الطفولة حين كنا صغاراً في مطلع الستينيات، الفيلم الذي صور اليمن ما قبل الثورة، شاهدناه في ميدان الشهداء وكانت السينما الوحيدة التي فتحت أمامنا فلم نكن نعرف هذا الشيطان المارد الذي يتحرك في الجدران، فهو شيء ومدهش، حيث كان يجتمع الناس بالميدان ويكتظ بالناس، وكانت القيادة العربية في المركز الثقافي المصري مسئولة على هذه السينما، وكنا في مرحلة من العمر، وكنا بالابتدائية ولم نكن على معرفة ووعي بالتفاصيل أو بالمضامين التي يعرضها الفيلم بقدر انشدادنا إلى الفيلم وإلى الصور المتحركة والناطقة التي تتحرك وتنطق، فالقليل جداً حينها من استمع إلى راديو، ناهيك عن مشاهدة سينما، والفيلم مازلت أتذكر بعض مشاهده، فقد كان حينها قوياً يصور فترة الإمامة بكل أساطيرها وخرافها يعني الإمام الخرافة الإمام الأسطورة والذي تحميه آلة غريبة عجيبة لا يعلمها أحد ويرقص الحيات ولا يخاف الأسود، وهذه حقيقة رغم أنها كانت أسطورة، إلا أنه حقيقة كان يصدقها كثير من الناس نتيجة العزلة المطبقة التي كان يعيشها الشعب ونتيجة المستوى التعليمي الذي كان متدنياً إلى مستوى كبير، ولكنني لست مع الذين يقولون: إن الشعب اليمني كان أميا100% فقد كان هناك المعلامة والكتاب في كل قرية، وكان الناس يقبلون عليها أقل شيء لتعلم القرآن الكريم ويؤدوا واجباتهم العبادية في أضعف الأحوال، إلا أنه لم يكن هناك متعلمون بالصيغة المعاصرة عبر مؤسسات تعليمية ونظامية، ولذلك عندما شفنا الفيلم يجسد هذه الصورة المظلمة والقاتمة من حياة الناس، بالغ فيها لا شك من ذلك، ولكنه نقل جانباً من الحقيقة التي كان الناس يعيشون فيها حينها، فقد كان هناك فقر مدقع وبؤس صحي واجتماعي والتعليم لم يكن نظامياً ولكنه أهلي لا تديره إلا مكاتب الأحمدي.
وكان في تعز المدرسة الأحمدية والفلاح والنجاح والفوز بصالة، إلا أن الأحمدية كانت المدرسة الإعدادية والثانوية الوحيدة في تعز، ولكن لم يكن هناك نظام تعليمي متكامل نستطيع أن نبني عليه ونكون فيه رأياً، الأمر الذي جعل من كتب الفيلم يصور أن هذا الشعب يعيش جهلاً مطبقاً ويقبل كل خرافة.
في حدود علمي وعمري حينها كنت ألمس تقديساً للإمام كما صوره الفيلم لدى الناس بسبب ما يحمله، وامتداد من صفة تجعل له جلالاً، ويمثل آل البيت وأمير المؤمنين، وبالتالي على الناس أن يؤمنوا بهذا الإمام، وبعضهم يقول: إنه كان لديه سينما ويوهم الناس أنه لديه جن.
والإمام لم يكن على تلك الصورة التي صورها الفيلم، ولكن كان الخيار الشعبي يضيف له أشياء والإشاعة التي كانت تبث لكي تثير الرعب في أوساط الناس؛ لأنه كان لديه من الجند غير المنظورين وقد سموه حينها(أحمد يا جناه)، وقد كان فقيهاً شاعراً أديباً قارئاً، ولكنه لم يعمل بما لديه من علم ومعرفة في تطوير الناس والبلد، وأنا على يقين لو كان عمل بشكل صحيح لما كانت قامت الثورة التي كان من أسبابها هو إرادة الناس للدخول إلى العصر لأنه كان في حالة من العزلة، ولذلك لو نظرنا لمن قاموا بالثورة سواء في عهد الإمام يحيى أو الغمام أحمد فقد قاموا بها؛ لأنهم أناس سافروا للخارج فقد كانت هناك بعثة مرسلة للعراق وعندما شافت العراق رجعت عملت ثورة 1948م، وكذلك أصحاب حركة 48 ومنهم الثلايا قاموا بحركة 1955م، فالعلم دائماً يحدث التحول، فالفيلم بالغ كما قلنا وليس المصريون هم بالغوا ولكن ما وصل إليهم من معلومات من الجانب اليمني لأنه لم يكن هناك شيء مكتوب في التاريخ لأنه فقط كان مجرد محكيات وليس مؤرخاً ومكتوباً، وهذا التقصير لأنه المادة العلمية ليست موجودة وتتعدد، ورغم ذلك كتب عنها الكثير الآن ولكن في مرحلة صناعة الفيلم لم تكن سوى كتابات أوروبية كتبت باللغات الفرنسية والإيطالية والروسية والأوروبية ولكن صورة الثورة باللغة العربية لم يكن قد كتب عنها أحد.
إما أن يكون الفيلم سياسياً وتسويقاً لأفكار عبدالناصر؛ فصراحة عبدالناصر وقتها لم يكن محتاجاً لتسويق أفكاره فهو كان يكفيه أن يلقي خطاباً لكي يتوقف العالم كله، فأنا أذكر وأنا في تلك المرحلة العمرية أن الناس عندما كان يلقي خطاباً تتجمد الحياة في المقاهي والشوارع، وهذا في كل بلد عربي فقد كان يمثل ظاهرة ثورية عروبية جاءت في زمنها وحينها ربما لو كان موجوداً اليوم، لم يكن في نفس التأثير، فقد كان الوطن العربي ممزقاً بين الإنجليز والفرنسيين والبريطانيين وأفريقيا كانت تعيش حالة من الظلام والظلمة.
المبالغة موجودة، ولكن لا يعني أنه كان خالياً من الحقيقة فلم يكن لدينا دولة مؤسسات، ولكنه كان موجود فقر مدقع ولو شفنا فيلم الفرنسي الذي صور اليمن في عام 1936م الوثائقي، لا يختلف عما صوره الفيلم)).
وعن التقصير في دور بعض الوزارات وتلمسها لأهمية الأفلام الروائية يضيف الذيفاني: ((توجد إدارة سينما في وزارة الثقافة، وأعتقد ليس لها دور فعال؛ فالسينما لدينا مازالت بعيدة عن المشهد الثقافي، ولكن لا يمنع أن يعمل حتى فيلم تلفزيوني، وصراحة سؤالك في غاية الأهمية فرجالات الثورة والذين عاصروا الثورة قد مات بعضهم ومنهم من ينتظر والحقائق الدابغة موجودة في رؤوسهم، وصحيح كتبوا مذكرات ولكن المذكرات لم تكن كافية، وأنا أزعم بأنني متخصص وأقرأ في هذا الجانب ولدي ماجستير في التاريخ المعاصر وأقرأ في هذا الجانب لأكثر من 25 سنة، وقابلت أكثر من 35 شخصية من الشخصيات التي عاصرت سبتمبر وما قبل سبتمبر ولديهم تفاصيل دقيقة وحقائق ما لا عين قرأت ولا أذن سمعت وكثير منهم الآن بدأ يودع ويموت.
والسؤال يتوجه بقوة الى المسئولين الى متى تنتظرون فهناك أجيال لا تعرف شيئاً عن الثورة، وقد حضرت محاضرة في إحدى الجامعات في إحدى الندوات بمناسبة سبتمبر وسألت الشباب في القاعة من منكم يعرف الزبيري والنعمان؟...فلم يجبني إلا اثنان ..!!! فهذا دليل لوجود مأساة إعلامية وثقافية، وأنا أوجه عبر صحيفة (الجمهورية) أن السؤال هذا ينبغي أن يبرز ويرفع إلى الجهات المعنية سواء وزارة الثقافة أو الإعلام أو مراكز البحوث: أين دورها وأين دور المؤرخين واين دور اتحاد الأدباء والكتاب؛ لأن الثورة تعتبر ثورة مفصلية نقلت المجتمع من حال إلى حال..!
الدراسات الحديثة في الدول المتقدمة تقول: إن الوسيلة الأكثر تأثيراً هي الوسيلة السمع بصرية لأنه الصورة المتحركة التي يريدها الانسان فالمشاهد يتفاعل معها بعقله وأعصابه وعواطفه لدرجة ان المتابع يخرج عن المحيط الذي حوله ولذلك تأثيرها قوي وكبير وما تقرأه في كتب ممكن تشاهده في فيلم واحد..
لقد مرت على الثورة 50 سنة أي اننا اصبحنا على بعد جيلين ف25 سنة هو عمر جيل، وما ينقل للطلبة في المدارس لا تفي الثورة حقها ولا الحدث لدرجة أن الناس لا يتصورون عظمة هذا الحدث، ومع أن الفيلم صور ذلك الحدث رغم سلبياته، لذلك نتمنى من القيادة القائمة على تلك الوزارات بعمل لجنة أو مؤتمر يتم انتقاء اعمال ترتقي الى مستوى اهمية الحدث وكذلك انتقاء كوكبة من المبدعين للخروج بفيلم روائي ينقل ثورة سبتمبر بصورتها الحقيقية كما كانت .
كما اننا صراحة نحن بحاجة الى اعادة كتابة تاريخ اليمن السياسي المعاصر لأنه لم يكتب بمنهجية بل عبثت به الأهواء ولويت الأحداث بما ينسجم واتجاهات السلطات المتعاقبة وبما يتواءم احيانا وقناعة الباحث وماتزال كثير من الوثائق محفوظة سواء في بيوت او في مراكز وايضا في عقول بعض المعايشين والمعاصرين.
ولذلك نتمنى ان تتشكل محايدة ومعاصرة ومنحازة للعلم والتاريخ والمنهج ولهذا البلد فقط وان تكتب التاريخ بمصداقية وموضوعية كما يحكيه منهج البحث التاريخي وبعيدا عن تضخيم ادوار البعض وتقزيم الأدوار الأخرى. وعلى سبيل الدعابة كنا أنا والأخ عبدالكريم الرازحي في قاعة مركز البحوث والدراسات اليمني نشهد ندوة توثيق في تاريخ الثورة فاختلف الثوار حينها وقد كانت القاعة مليئة بالأشخاص الذين كان كلهم يدعي بأنه ثائر ووقتها تحدث الأخ عبدالكريم بسخرية لاذعة: «يا اخواني انتم فجرتم قلوبنا ولا فجرتم ثورة ولا شيء» نتيجة لأن الأحاديث كانت متضاربة وعليه نريد فريقاً من المؤرخين الذين يعلون هذا الوطن فوق رؤوسهم ويكتبون تاريخاً بكل ما فيه سلبياته وايجابياته كي نؤصل لجيل يأتي بعدها باحثاً حقيقياً)).
بالنسبة لعدم عرض الفيلم في القنوات الفضائية وربما توقيفه من العرض ومن ثم عرضه مرة أخرى في الفترة الأخيرة فأنا أعتقد أنه ما من سبب لمنع عرضه؛ فاليمن لا تحتاج الى شهادة الغير او شهادة كاتب ومؤلف فيكفي انها ذكرت في كتاب الله وذكرت في القرآن واليمن مشهود له وليس مشهودا عليه، ولكنها مرت بلحظة ضعف وعانى الشعب اليمني حينها ومثله مثل الشعوب الأخرى فقد كانت عناك شعوب غارقة ولا يوجد حينها في تلك الفترة لا توجد شعوب غير غارقة في الظلام والأمية وقد كانت فترة الجزيرة حينها ودول الخليج تعاني من الجهل المطبق ولم يكن لها صوت واليمني فقط كان القامة الكبرى وكان ولايزال وسيظل لأنه يقف على تاريخ وعمق حضاري لا ينساه أحد)).
صلاح منصور.. عمدة السينما المصرية!
الجماهير حاولت قتله في اليمن بسبب ملابس الإمام
قصة حياته أقرب ما تكون إلى سيناريو فيلم سينمائي مثير.. صلاح منصور مدرس التربية المسرحية وقع في حب التمثيل من أول حصة وانتقل بسرعة إلى صفوف عمالقة الأداء الرفيع والصادق على الشاشة.. وبرغم تخرجه في أول دفعة من معهد الفنون المسرحية عام 1947 مع فريد شوقي وعبد الرحيم الزرقاني وحمدي غيث إلا أن نجوميته تأخرت، حتى انطلق في أفلام بداية ونهاية والزوجة الثانية وثورة اليمن..
ومن أهم الأفلام التي لعب بطولتها فيلم ثورة اليمن الذي لعب فيه دور الإمام، ولهذا الفيلم قصة طريفة فعندما تصدى المخرج عاطف سالم لإخراج هذا العمل لم يجد من يجسد شخصية الإمام الطاغية الذي فاق جبروته كل حد وعاث في الأرض بالفساد والخرافات سوى الفنان الراحل الكبير صلاح منصور، فكما كان الإمام طاغية في جبروته وقسوته ووحشيته، كان الفنان القدير طاغية هو الآخر في قوة إدائه وتقمصه لهذه الشخصية الكريهة شعبيا وسياسياً.. وعندما سؤال الفنان الراحل عن سر قبوله لتجسيد هذه الشخصية المكروهة.. ((قال كراهيتي للشخصية هي التي دفعتني إلى تجسيدها، وكان لابد من ان نكتشف مأساة اليمن في ظل حكم الأئمة وإشراقة الثورة التي اطاحت بهذا النظام البشع، فمن خلال وجودي في اليمن أثناء التحضير وتصوير الفيلم عرفت عن قرب بشاعة الحياة التي فرضتها فترة حكم الائمة طوال مئات السنين، وكان من الصعب أن نختصر ونكشف كل هذه الجرائم التي تم ارتكابها في ساعتين من الزمن هي مدة الفيلم.. ويقول أيضاً: لا أنسى اثناء تصوير بعض المشاهد في السجن الذي دفن فيه كثيرون وماتوا دون أن يعلم أحد بموتهم، أصابني الرعب والفزع من هول ما شهدت في هذا السجن من آلات التعذيب الوحشية.
- وقال صلاح منصور لا انسى أيضاً وأنا بملابس الإمام وكنا نصور مشهداً في شوارع مدينة تعز اليمنية ان اندفع الناس من البسطاء نحوي يريدون قتلي وهم يقولون: الإمام عاد من جديد اقتلوه.. اقتلوه ولم ينقذني من ايديهم سوى رجال الأمن الذين كانوا يرافقوننا اثناء التصوير ودهشت وقتها قائلاً: إلي هذا الحد.. هل أنا شبيه الإمام وإلي هذا الحد كان الرجل مكروها من شعبه؟!
مما لاشك فيه أن عبقرية تقمص شخصية الإمام عند صلاح منصور ما كان ممكناً أن يجيدها فنان آخر غيره خاصة في مشاهد حرب الخطاط التي كان يبيحها الإمام لقبيلة للقضاء على أخرى تستبيح أموالها إلى جانب مشاهد نظام الرهائن الذي كان يفرضه الإمام علي كل قبيلة بأن ترسل إليه بعض أبنائها الصغار ليظلوا لديه رهينة يضمن من خلالها ولاء القبائل له..
رحم الله هذا الفنان القدير الذي آمن بأن كشف الظلم هو رسالة يجب أن يؤديها الفنان حتى لو دفعه ذلك لتجسيد شخصية كريهة وغير محبوبة. كان رحيل صلاح منصور صدمة كبيرة للجمهور والفنانين فقد ظل الراحل يعاني من سرطان في الرئة وتليف في الكبد.. وظل يقاوم آلام المرض أكثر من ثلاثة أعوام دون أن يصارحه أحد بحقيقته، وقد قدم الفنان الراحل انجح وأكبر أعماله الفنية خلال فترة مرضه.. وكان آخر هذه الأدوار دور أبي لهب في مسلسل على هامش السيرة وكانت آخر كلماته لأفراد أسرته الذين التفوا حول سريره بمستشفى العجوزة.. أرجوكم لاتحزنوا.. لقد عشت كل عمري لا أحب رؤية الدموع في عيونكم ولن أحبها بعد وفاتي.
وكان الرئيس أنور السادات قد وافق في شهر مارس عام 1981 على الاستجابة لمطلب أرملة الفنان القدير الراحل صلاح منصور ومعاونتها على مواجهة أعباء المعيشة،، وكانت السيدة محاسن درويش كامل أرملة الفنان تقدمت إلى الرئيس راجيه معاونتها وقد قرر الرئيس الاستجابة لطلبها تقديراً لجهود زوجها وتقديراً لما قدمه للفن المصري.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.