كم تبدو ذمارالمدينة جميلة وهي تحاول شدك نحوها كأم رؤوم.. إن ذهبت عنها لزاما عليك أن تعود لحضنها مشتاقا رغم قساوة بردها.. فذمار قصة عشق تحكي الطقوس وتلهي المهوس.. إنها قصة حب أبدية تسرد التاريخ واقعا لا افتراضاً، ومن عشقها عشقته وتيمته ومات بحبها.. ذمار اسم اشتق من أحد ملوكها القدامى فصارت العاشقة والمفتونة لذلك فإن الزائر لها ولأول وهلة، ستدهشه حتماً أسواقها الشعبية وطراز معمارها القديم الذي لا يختلف كثيراً عن صنعاء القديمة، بل ربما أجواؤها الساحرة الممتزجة بعبق التاريخ وأصالته ستشعرك وكأنك في صنعاء.. إذ لا فرق!! أجواء روحانية باكرا والجو ملبد بالضباب، وأشعة الشمس تخترق نسيجه بصعوبة؛ ولأنني من عشاق الصباح قمت بجولة إلى مدينة ذمار القديمة، أتنفس هواءها العليل حتى استقر بي المقام في المدرسة الشمسية والأجواء الروحانية مازالت لم تبارح المكان بعد، وعدد من كبار السن يستعدون لصلاة الضحى والابتسامة لا تفارق محياهم، استوقفني المنظر الروحاني وأقبلت نحوهم متمتما بالسلام لأحظى بدعوة مسن يتعبد الله بإخلاص. يا فتاح يا عليم! كانت قدماي المرتعشتان من جو البرد هناك تقودانني نحو المدرسة الشمسية، لتستقرا من الارتعاش حين صافحت يدي مسن مشع روحانية وبهاء، وعلى مقربة من المدرسة الشمسية تتواجد أسواق شعبية قديمة، كسوق الربوع، سوق الحب، وسوق الجنابي، سوق القشر، سوق اللقمة، وسوق السلب، وتعد هذه الأسواق بمثابة تجمع وحدوي يجمع الكل من أبناء المدينة وعددا من القرى والضواحي القريبة للمدينة. في الحقيقة أدهشني المنظر، وأنا أدخل تلك الأسواق وأصحاب تلك الحوانيت يفتحون أبواب حوانيتهم طلباً للرزق منذ وقتٍ مبكر رغم قساوة صقيع ذلك الصباح، هناك يشعرك الجو بديناميكية الحياة ودفئها، وأنت تجوب تلك الأسواق، متنقلاً في تناغم كبير، وهي تتقاسم أدوارها وتتوزع في مهامها وبعض أصحاب تلك المحلات ينظر إليك ويرمقك بنظراتٍ وأنت تشاهد منظر السوق بلقطة عامة ككاميرا تلفزيونية تلتقط مشاهد أفقية حية ببطء، يرمقك هو ظاناً منه أنك أحد زبائنه وكلٌ يقول (يافتاح ياعليم.. يارزاق يا كريم، ياالله طلبناك) وعبارات أخرى لم تسعفني الذاكرة لسردها هنا. أسواق أصيلة بما أن السوق يتوسط الأحياء القديمة، فإن عدداً من الأسواق خصصت للمنتجات الشعبية كسوق البز (الأقمشة)، وما زالت بعض الملابس القديمة التراثية تحتفظ بأصالتها وجودتها بحسب البعض كما تنتشر أيضاً عدد من الصناعات الحرفية، التي مازال عدد منهم يمارسون صناعتها بإتقان، وكأنك في متحفٍ قديم مفتوح، زائروه يدخلونه كل يوم دون قطع تذاكر. وبالقرب من سوق المدينة توجد عدة سماسر قديمة، وهي بمثابة فنادق لاستقبال المسافرين والتجار الوافدين إلى المدينة، وبحسب الدليل السياحي للمحافظة، فإنه بكل سمسرة مكان خاص لإيواء الحيوانات المستخدمة في السفر، إضافة إلى غرف خاصة بالنزلاء.. طبعاً هذا كان قديماً، قبل الثورة. وعن الأسبلة المنتشرة في أحياء المدينة، وخصوصاً في الأسواق وجوار المساجد والأسبلة هي أماكن لشرب الماء، وأما السبيل فعبارة عن بناء مربع الشكل تعلوه قبة وأعلى القبة شكل زخرفي منحوت من الحجر يشبه الهلال، تتم تعبئته من مياه الأمطار المتجمعة على أسطح المساجد، وفي أوقات الجفاف يجلب الماء إليها من البئر الملحقة عادة بالمسجد. - وقبل أن ترتفع الشمس إلى منتصف السماء وتشتد حرارتها، بعد تبديدها لذلك الضباب، والوقت يأخذنا قررت العودة إلى الفندق لأخذ أمتعتي واللحاق بباص النقل الجماعي، وأنا أودع ذلك المنظر البديع في أصالته وقلبي يطاوعني المكوث في ذمار المعشوقة لولا أجل الرحيل.. وقبل أن أغادرها أزحت الستار عن شباك الباص وأنا أكحل عيني بها كمن يودع محبوبته.