تتجه اليمن نحو المصالحة الوطنية لتضميد الجراح المتوارثة خلال الخمسين عاما الماضية، ومن أجل ذلك شكل مؤتمر الحوار الوطني فريق عمل خاص بالعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية، للتخلص من مختلف الأزمات السابقة، من أجل بناء اليمن الجديد الخالي من مختلف العقد والترسبات السابقة، في هذا الإطار أجرت "الجمهورية" عدة لقاءات مع عدد من أعضاء مؤتمر الحوار الوطني الشامل لمعرفة رؤاهم وأفكارهم، حول مفهوم العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية.. تضميد الجراح البداية كانت مع الدكتور أحمد عبيد بن دغر، وزير الاتصالات وتقنية المعلومات، عضو مؤتمر الحوار الوطني الشامل، حيث أكد على ضرورة أن يكون أولاً هناك تصالح وتسامح والمصالحة الوطنية، تسبق العدالة الانتقالية، وقال: إذا أردنا أن نقيم عدالة حقيقية وأن نعطي للناس حقوقهم لا بد لنا أن نجبر الأضرار، التي حدثت للناس خلال الأزمة التي عاشتها البلد، لذلك لا بد لنا من الإعلان عن مصالحة وطنية شاملة، تشمل كافة القوى السياسية وفي كل الفترات الزمنية ولكل الأزمات، مصالحة وطنية تضمد الجراح، التي ورثناها خلال الفترات الماضية وتعالج الأضرار والأحقاد، التي نشأت نتيجة للصراعات والتدافع السياسي وتدافع القوى فيما بينها البين، وأظن أن المصالحة هي قضية رئيسية، وإن لم تطرح حالياً بشكل قوي، أو لم تأخذ الحيز الكافي من النشاط الإعلامي ومن النشاط الحزبي والسياسي، لكن في تقديري الشخصي أنها المدخل الرئيس للأمن والاستقرار والوحدة والتنمية في اليمن، ولا يمكن الحديث عن الوحدة أو الاستقرار والتنمية، وما إلى ذلك في ظل التناحر لأن البلد سيذهب لا سمح الله نحو خيارات أخرى، لا نريدها خيارات ليست في صالح اليمن أرضاً وإنساناً. بناء الدولة أولاً الكاتب والمحلل السياسي منير الماوري، عضو فريق العدالة الانتقالية بمؤتمر الحوار الوطني والذي قال: بداية لا بد أن أوضح بأن الفريق الذي أشارك فيه ليس خاصاً بالعدالة الانتقالية فحسب، وإنما بالمصالحة الوطنية وكذلك القضايا ذات البعد الوطني، مشيراً بأن العدالة الانتقالية موضوع حساس وشائك، فإذا كان تطبيق العدالة سيعيق بناء الدولة حينها علينا أن نقدم التنازلات كما قدمناها في موضوع الحصانة، لأن فتح الملفات القديمة سيعيق بناء الدولة حسب اعتقادي، وأرى أن المهمة الأساسية لنا جميعاً هي بناء الدولة أولاً، وأن نرسم لهذه الدولة الخطوط العريضة من أجل تطبيق العدالة بصورة دائمة، لا نريد الاستمرار في فترة انتقالية وحكم انتقالي وعدالة انتقالية، وما إلى ذلك، وإنما عدالة دائمة من خلال بناء الدولة، ولأجل ذلك أطالب الرئيس عبدربه منصور هادي أن يرشح نفسه للفترة القادمة وأن نبدأ في العمل الجاد بصورة ملائمة. وحول القضايا التي سيتم مناقشتها في فريق العمل الخاص بالعدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية قال: حتى اليوم لم نناقش أية قضية، وشخصياً أرى أنه لا يجب علينا فتح ملفات الماضي إلا في ظل وجود قضاء عادل، وهذا لن يأتي إلا بعد بناء الدولة، أما بالنسبة لملفات المخفيين قسراً فهي ليست من الماضي، ومن المهم جداً فتح هذه الملفات حتى يتم الكشف عن مصيرهم، وهذه من القضايا المهمة التي علينا مناقشتها. لم نخرج انتقاماً أما حمزة الكمالي، ممثل الشباب في فريق عمل العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية قال: كما يعلم الجميع أننا خرجنا في ثورة وقدمنا التضحيات الكبيرة، ليس انتقاماً من أحد أو للثأر من أحد، وإنما من أجل العدالة، لأن العدالة هي اللبنة الأولى لإرساء مداميك الدولة المدنية الحديثة، لذلك عندما نتحدث عن انتهاكات جسيمة حدثت بحق الإنسانية في الفترة الماضية منذ أكثر من خمسين عاماً، اليوم علينا مراجعة جميع هذه الملفات ومعاقبة مرتكبي الانتهاكات وتعويض الضحايا التعويض العادل، وجبر الضرر وهذه نقطة أساسية ومحورية يجب أن يفهمها الجميع، وهذا هو موقفنا كشباب ثورة ، وقال: هناك الكثير من يتحدث أن لنا مواقف معادية لأحزاب معينة كحزب المؤتمر الشعبي العام أو لبعض الشخصيات، لذلك أقول للجميع: ليس لنا خصومة أو عداوة مع أي حزب أو أي شخص، وأن مشكلتنا الأساسية هي مع مرتكبي الجرائم بحق الإنسانية، ومن أفسد في المال العام سواء كان في المؤتمر الشعبي العام أو في أي حزب آخر، وقضية العدالة هي قضية أساسية لأننا نؤمن بأن تحقيق العدالة هي التي ستعيد للشعب اليمني حريته وكرامته، وهناك نقطة مهمة يجب التأكيد عليها، وهي أن للعدالة الانتقالية خمسة أركان أساسية، أولاً تشكيل لجان لكشف الحقائق، ومن ثم فتح باب التحقيق، ثالثاً جبر الضرر وذلك من خلال أن يذهب الناس إلى الضحايا، وأن يحاولوا أن يصلحوا ما حصل من انتهاكات، ثم إرساء السلم الاجتماعي وضمان عدم تكرار هذه الحوادث، وهذه الانتهاكات في المستقبل، وذلك من خلال إعادة هيكلة أجهزة الدولة والأجهزة الأمنية، حتى لا يتم استخدام السلطة لارتكاب مثل هذه الجرائم، وإحياء ذكر هؤلاء الذين قدموا أرواحهم ودمائهم رخيصة من أجلنا نحن، وهنا نقول لهم بأننا لن نتنازل عن حقهم وسنعمل على تعويضهم من خلال إرساء العدالة وجبر الضرر، وسنعمل على حث الحكومة على معالجة كافة الجرحى خاصة أن هؤلاء الجرحى ليسوا جرحى حوادث مرورية، وإنما جرحى وشهداء وطن قدموا أرواحهم من أجل التغيير ومن أجل الدولة المدنية التي لن نتنازل عنها. رؤية الشباب للعدالة الأخ مطلق الاكحلي أيضاً أحد ممثلي شباب الثورة في فريق العدالة الانتقالية أشار إلى أن مفهوم العدالة الانتقالية هو من المفاهيم الحديثة على الواقع اليمني، وعلى الجانب المعرفي في اليمن، وقد نجح هذا المفهوم في الكثير من الدول باعتباره من الحلول المناسبة في مراحل الانتقال السياسي كالمرحلة الانتقالية التي تمر بها اليمن حالياً، وقال: إن الشباب لهم رؤية واضحة حول العدالة الانتقالية وسيتم مناقشتها مع فريق العمل بما يرضي ضحايا الصراعات السياسية السابقة، وكذلك بما يعطي الاستمرارية لبناء الدولة اليمنية المدنية العادلة بعيداً عن هيمنة الماضي وصراعاته السياسية السابقة. تصفير المشاكل السابقة أما همدان الحقب أحد ممثلي الشباب في الحزب الاشتراكي اليمني وعضو فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في مؤتمر الحوار الوطني قال: فيما يتعلق بقانون العدالة الانتقالية كان من الواضح أن هناك نوعاً من الاصطفاف عندما بدأت بعض القوى تتحدث عن قانون العدالة الانتقالية، هذه القوى للأسف الشديد استطاعت إجهاض هذا القانون، وحالت دون صدوره لأنها تدرك أن هذا القانون سيكون على حساب الكثير من المصالح التي يرتكز عليها، لذلك تريد أن تطمر الجرح الغائر وتجتازه، ونحن كشباب ثورة وقوى تغيير نرى أنه لا يمكن أن نسير بشكل جدي نحو المستقبل ما لم يتم تصفير مشاكل الماضي بقدر المستطاع، والتي تبدأ أولاً من خلال جبر الضرر على الأقل، والعدالة الانتقالية ستأخذ أكثر من صورة أهمها ما حدث في العام قبل الماضي 2011م من اعتداءات وانتهاكات للإنسانية وقتل وتدمير، وكذلك ما يتعلق بحرب صيف 94م في الجنوب الظالمة، الذي يجب أن يكون هناك اعتذار وأن تعاد الحقوق المغتصبة إلى أهلها، وأن يتم محاسبة من قام بنهب الجنوب، وكذلك حروب صعدة وما إلى ذلك، وقد تمتد إلى الأحداث التي حدثت في الثمانينات أو السبعينات كأحداث المناطق الوسطى وغيرها، والبعض يرى أنه لا يجب نبش ملفات الماضي، وأعتقد أن اجتياز المرحلة الحالية بعيداً عن العدالة الانتقالية سيضر كثيراً بالمستقبل لأننا سنحمل معنا مشاكلنا إلى المستقبل، وهذا مالا نريده، أما بالنسبة للضحايا فيجب تعويضهم التعويض العادل ومعالجة جميع الجرحى دون استثناء، خاصة أن هناك العديد من الشباب، الذين قدموا إلى ساحات الحرية والتغيير وهم في كامل صحتهم، واليوم هم معاقون عن الحركة، بل وهناك من يموت ونحن نتحاور، والجميع يتفرج عليه كالثائر البطل وليد الريمي، الذي توفي متأثراً بجراحه الغائرة، كذلك أسر الشهداء لا يجدون من يعيلهم، كل هؤلاء لا يجب أن يتحولوا إلى مشاريع للتسول ولا يجب أن تكون إعانتهم عبر جمعيات خيرية، وإنما يجب أن يحصلوا على الدعم الذي يستحقونه من الدولة بما يضمن لهم الحياة الحرة الكريمة والمستقرة، وأن يتم محاسبة كل من ارتكب كل تلك الجرائم بحقهم بمحاكمات عادلة. خصوصية اليمن الأخت سماح فيصل ردمان، إحدى القيادات الشابة في الحزب الوحدوي الناصري، وعضو فريق العدالة أيضاً من جانبها قالت: إن العدالة الانتقالية حسب مفهومها كشف الحقائق والاعتراف بالذنب مقابل العفو. وأشارت بأن لكل بلد خصوصيته فيما يتعلق بالعدالة الانتقالية وأنها وغيرها قد اطلعت على العديد من التجارب في هذا الجانب كالمغرب وجنوب أفريقيا وغيرها من الدول، وكان لكل هذه الدول تجارب ورؤى خاصة بالعدالة الانتقالية حسب طبيعة وخصوصية كل بلد، وقالت بالنسبة لليمن إذا أردنا فعلاً الذهاب نحو يمن جديد يسوده العدل والديمقراطية والحرية والمساواة لا بد من تطبيق العدالة الانتقالية بحذافيرها ليس من أجل الانتقام أو الثأر، وإنما من أجل المصالحة الوطنية. كما أشارت إلى أن فريق العدالة الانتقالية سيتفق أولاً على ماهي المناطق الجغرافية التي ستشملها العدالة الانتقالية وأيضاً الفترة الزمنية، وقالت: بالنسبة لرأيي الشخصي أرى أنه من الضرورة أن يشمل جميع مناطق الجمهورية بما فيها المناطق الوسطى والجنوب وصعدة وغيرها، وأن تمتد الفترة الزمنية من عام 1962م حتى اليوم كما أنه لا بد من فتح ملفات المخفيين قسراً، وهذا أمر مهم جداً معرفة مصير المفقودين لتحقيق العدالة المنشودة. لا دولة بدون عدالة الأخت سميرة علي قناف زهرة، عضو فريق العدالة الانتقالية، وابنة الرائد علي قناف زهرة المختفي قسرياً حتى اليوم قالت: فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية هو الفريق الذي أحببت أن أكون أحد أعضائه لأنه لا دولة بعيداً عن العدالة ولا عدالة حقيقية بعيداً عن المصالحة الوطنية، وعندما نتحدث عن المصالحة علينا أن نتحدث أيضاً عن الانتهاكات السابقة، ومن ضمنها التأكيد على ملف المخفيين قسرياً في عام 77م أو قبله أو بعد، وعن أهمية الكشف عن مصيرهم، وهذا من حق أسر الضحايا، ومن حق جميع فئات المجتمع أن تعلم بالحقيقة لتهدئة النفوس على الأقل وحتى يكون هناك نوع من الرضى، وبعد الكشف ستكون هناك مصالحة وطنية من خلال الاعتراف والاعتذار عن تلك الانتهاكات السابقة لفتح صفحة جديدة،س ومن أجل استمرار الحياة. معالجة مشاكل الماضي وأخيراً الأخت شذى الحرازي، عضوة فريق العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية في مؤتمر الحوار الوطني والتي أشارت بأن المفهوم العام لطبيعة مؤتمر الحوار الوطني هو أن نتاج كل فريق عمل سيكون بالتوافق بين ممثلي المكونات المختلفة في إطار فريق العمل، والتوافق بالمعنى الأساسي هو أن يتنازل كل طرف عن تشدقه عن نتيجة معينة يريد الوصول إليها حتى نصل جميعاً إلى توافق يرضي الجميع، وفي إطار العدالة الانتقالية يغيب عن الرؤية المثالية لمثل هذا النوع من التوافق، لأننا نتحدث عن حقوق منتهكة لسنوات متعاقبة، ولا نعلم حتى الآن ما هو نوع التوازن الذي سيقدم ، لكني كشابة مستقلة من شباب وشابات الثورة لا أعتقد أننا نستطيع التنازل عن الحد الأقصى من إرضاء أسر الشهداء وأسر كافة الضحايا سواء من العام 2011م أو من انتهكت حقوقهم في السنوات السابقة، والحديث عن العدالة الانتقالية سيعيدنا حتماً للغوص في أعماق الماضي بشكل معمق، ومن الإسفاف القول إننا سنتوجه إلى المستقبل دون معالجة جذور المشاكل والقضايا التي حدثت في الماضي, وكما نعلم جميعاً بأن العدالة الانتقالية تقوم على مفاهيم أساسية أبرزها تقصي الحقائق.. كما لا يمكن التعاطي مع مفاهيم العدالة والمصالحة دون أن تكون هناك لجان مستقلة لتقصي الحقائق والكشف عن قصص الانتهاكات بشكل حقيقي وواقعي، لأنه لا توجد عدالة دون اعتراف من قاموا بهذه الانتهاكات ولا مصالحة دون اعتذار, وهذا كما أعتقد ليس صعباً أو مستحيلاً، وقد طبق ذلك في الكثير من البلدان، التي مرت بظروف مشابهة لما تمر به بلادنا حالياً، ولا نوعد الضحايا بأي شيء لكن ما استطيع التأكيد عليه أننا سننزل إلى الضحايا للاستماع لهم وإلى كل من تعرض للانتهاك أو الظلم، وسنعمل على ضم أصوات الضحايا، لأننا لا يمكن أن ننصب أنفسنا وكلاء لهم فهم وحدهم من لهم الحق في العفو بعد سماع إقرار المذنبين بما اقترفوه من انتهاكات في الماضي.