احتفل اليمن في الثالث من الشهر الجاري بإطلاق تقرير الإفصاح الثاني للشفافية في الصناعات الاستخراجية للأعوام 2008 - 2010 الذي أطلقه بصنعاء المجلس اليمني للشفافية في الصناعات الاستخراجية. ويأتي هذا التقرير بعد حدوث طفرة نوعية في المكاشفة بحجم احتياطات اليمن من الثروات الأحفورية، وما صاحبها من تدفق غير مسبوق للشركات العالمية الراغبة بالاستثمار في مجال الصناعات الاستخراجية في اليمن، الأمر الذي يكسب تقرير الإفصاح الثاني أهمية استثنائية، خصوصاً أن اليمن يمر بمأزق اقتصادي حاد منذ العام 2011م. إلا أن التقرير لم يقابل بالكثير من التفائل عند بعض المواطنين، والذين أبدوا في أحاديثهم مع «الجمهورية» مخاوف من أن يصبح لدينا المزيد من الفساد المدعم بشفافية دولية في مجال الصناعات الاستخراجية، حيث يقول عارف عبدالوهاب - مدرس جغرافيا لطلاب المرحلة الثانوية - إنه سبق لليمن أن قدمت تقريرها الأول عن حجم تعاملها من الصناعات الاستخراجية، وكيفية إنفاق موارد النفط والغاز، إلا أن ذلك لم يفد شيئاً بالنسبة للمواطنين، بينما يرى محمد طربوش - محام وناشط حقوقي أن التقرير الأول الذي أطلقته اليمن في العام 2011 لم يعنِ شيئاً عملياً بالنسبة للداخل اليمني، بينما تم الاحتفاء به ومنحت على أساسه اليمن عضوية كاملة في مبادرة الشفافية العالمية.. وأضاف طربوش: هناك الكثير من الفساد الذي يحدث في اليمن، يجعلنا نشك في صحة نوايا مبادرة الشفافية على أنها لا تتجاوز مصالح كبرى الشركات العالمية العاملة في مجال الصناعات الاستخراجية والتي باعتقادي أنها لم تكترث يوماً بحقوق الإنسان بقدر اهتمامها بتحقيق الأرباح.. ويبدو أن شكوك المواطنين تجد ما يبررها على صعيد الواقع العملي فقد كشفت رؤية الحراك حول محتوى القضية الجنوبية المقدمة لمؤتمر الحوار الوطني في ال 26 من مايو الماضي عن كثير من ممارسات الفساد التي ارتكبت في مجال استخراج وبيع النفط والغاز على يد شخصيات نافذة في الدولة ، وبشكل يبطل أي إدعاء للنزاهة في إدارة الثروات المملوكة للشعب، ويبدو أن تقارير الشفافية التي تصدر عن اليمن في مجال الصناعات الاستخراجية تقتصر فقط على عمليات البيع الرسمية ولا تتضمن الأسس التي دخلت بها تلك الشركات للبلاد وعمليات الفساد التي دارت في الكواليس لصالح النافذين، ومن ذلك وثيقة كشفت أواخر مارس الماضي عن مذكرة مرفوعة من المدير العام التنفيذي لشركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج إلى وزير المالية عن صرف مبلغ 9900 مليون دولار إتاوات لمشروع الغاز الطبيعي المسال، وأشارت الوثيقة الصادرة عن الشركة والمعنونة بإتاوة المنبع المتعلقة بمشروع الغاز الطبيعي المسال، إلى عدم مسؤوليتها عن إبرام هذه الاتفاقية من قريب أو بعيد، وكون هذه الاتفاقية تم التواصل إليها بين شركة هنت وشركائها (أكسون وSK) وخالد بحاح، وزير النفط الأسبق لتحديد المبلغ ب(900) مليون دولار ثم دفعها كلياً أو جزئياً.. ونقلت صحيفة «الجمهورية» في 28 مارس الماضي عن مصدر مطلع في وزارة النفط والمعادن بوجود ضغوطات كبيرة من شخصيات معروفة خارج الوزارة، لم يسمها، تمارس على الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة والهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد لتمييع القضية، وعدم إثارتها أو مناقشتها. وكان الرئيس السابق للهيئة الوطنية العليا لمكافحة الفساد المهندس محمد أحمد الآنسي قد أشار في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) في الثاني من يناير الماضي أي بعد صدور تقرير الشفافية الأول لليمن في الصناعات الاستخراجية إلى أن قطاع النفط والغاز هي من أكثر بؤر الفساد في اليمن. مجلس النواب كان قد وجه في ال (24) من يونيو الماضي عدداً من التوصيات للحكومة على ضوء مصادقته على اتفاقية المشاركة في الإنتاج بين وزارة النفط والمعادن وكل من شركة (أو إم في) ميريه قطاع 86 أبستري مجي إم بي إتش وشركة سينوبك انترناشونال بتروليم اكسبلوريشن أند برودكشن كربوريشن وشركة سمت بتروليوم ليمتد والمؤسسة اليمنية للنفط والغاز بالقطاع رقم 86 منطقة (جنوب العقلة) محافظة شبوة والمقدرة مساحته ب ( 652 ) كم2.. حيث أكدت التوصيات أن تعمل وزارة النفط والمعادن على تحسين نصوص الاتفاقيات القادمة بحيث تكون النصوص واضحة وغير قابلة للتفسيرات المختلفة وتكون متطابقة باللغتين العربية والإنجليزية وتُضمن الاتفاقيات القادمة نصوصاً واضحة تؤكد بأن تتم عمليات الشراء للشركات النفطية والتي تُحمَل على نفط الكلفة وفقاً للائحة المشتريات الصادرة بالقرار الوزاري رقم (1) لسنة 2011م. فأي مصداقية يفترض بالشعب اليمني أن يحتفي بها جراء إطلاق اليمن لتقريره الثاني عن الصناعات الإستخراجية؟