جاءت إلى اليمن للعمل كخادمة منزل محاولة نسيان معاناتها الجسدية والنفسية من زواج مبكر تبعه انفصال ومعاناة مريرة مع الفقر والعوز وغياب من يعولها وكل أفراد أسرتها. انهكها التفكير وهي تبحث عن مخرج ونهاية لمعاناتها, اهتدت أخيراً إلى فكرة السفر خارج وطنها (أثيوبيا) بحثا عن عمل .. كانت اليمن هي وجهتها, باعت كل ما تملك لتوفر متطلبات السفر, وبالفعل كان لها ذلك حيث رتبت أوراقها وغادرت. وفي صنعاء ساقتها الأقدار للعمل في أحد المنازل ك(شغالة) واستقر بها الحال نوعا ما لكنها لم تكن راضية عن الأجر الضئيل الذي اعتمدته لها الأسرة لذلك ضلت تبحث عن فرصة عمل أخرى .. وبعد مرور شهرين تواصلت معها إحدى صديقاتها التي كانت تعمل في المملكة العربية السعودية وعرضت عليها السفر إلى السعودية عن طريق التهريب مؤكدة لها أن هناك فرصاً كثيرة للعمل براتب يقدر بأضعاف راتبها باليمن, وأكدت لها أيضاً أنها ستدفع لها أجرة المهرب دين عليها لحين يتيسر حالها. المغريات كانت كثيرة, لذلك أخذت الأحلام تكبر في مخيلة (مريم الأثيوبية) ابنة ال(20) عاما في الحصول على دخل أكبر من شأنه أن يختصر لها سنوات غربتها ويعينها على تلبية احتياجات أسرتها التي لا عائل لهم سواها, لذلك قبلت بعرض صديقتها. وبواسطة سماسرة من أبناء جلدتها انتقلت (مريم) إلى منطقة (حرض) الحدودية. وهناك سلمها السماسرة فريسة لأحد (العرب) الذين يعملون في مجال التهريب, والذي بدوره نقلها إلى أحد الأحواش التابعة له على أساس أن يقوم بتهريبها إلى السعودية وتحديداُ إلى مقر إقامة صديقتها, وبعد وصولها إلى ذلك الحوش المشئوم باشر (المهرب) باغتصابها بعد أن اعتدى عليها بالضرب المبرح, وظل يمارس نزوته الشيطانية معها مستغلا وحدتها وبساطتها بشتى الطرق الوحشية مستعينا بالظرب والتعذيب عدة أيام مرضت خلالها وأضربت عن الأكل والشراب حتى كادت تفارق الحياة. خشي المهرب أن يدركها الموت في حوشه فقام بنقلها على سيارته الخاصة في تاريخ (21 /8 /2013م) وتحديدا في تمام الساعة الواحدة ظهرا حيث قام برميها جوار مستشفى حرض العام تاركا لها مبلغ (500)ريال سعودي ولاذ بالفرار .. العاملون في المستشفى شاهدوا المهرب الوحش وهو يلقي ب(مريم) ويلوذ بالفرار فأدخلوها المستشفى ونظرا لخطورة حالتها أمر الأطباء بنقلها إلى العناية المركزة. وتم إبلاغ الجهات الأمنية التي باشرت التحقيق في الحادثة حيث اكد العاملون في المستشفى أنهم رأوا الجاني وهو يخرج (مريم) من سيارته ويهرب ووصفوه لهم بدقة حيث تبين فيما بعد انه من أصحاب السوابق وقد سبق وأن تم القبض عليه بتهمة خطف وتعذيب قبل حادثة (مريم) إلا أنه تم الإفراج عنه من قبل النيابة العامة بحرض التي اعتبرته مشتبها غير مدان.. ونظراً لتدهور حالة (مريم) الصحية والنفسية حيث تم نقلها في (28 -8- -2013بعد أسبوع واحد من قبل إحدى المنظمات الدولية بحرض لتلقي العلاج النفسي بأحد المستشفيات الحكومية بصنعاء, والذي لا تزال قابعة فيه حتى اليوم. زرت (مريم) إلى حيث تمكث بإحدى غرف مستشفى الأمراض النفسية والعصبية فوجدتها صامتة لا تكلم أحداً, في حين الجاني لا يزال حرا طليقا واضحا, وتخاذل المنظمات الإنسانية التي تتاجر بمعاناة الناس مستغلة الفقر والاختلالات الأمنية والظواهر الإجرامية لتصدر التقارير ونداءات الاستغاثة التي تجني من ورائها الملايين تحت مسمى إغاثة اليمن دون أن نلمس منها شيئاً على أرض الواقع .. لم يكن أمامها سوى الصمت ردا على مجتمع انتهك كرامتها وآدميتها .. رمقتني بنظرات شاردة وجسد أنهكه المرض والتعب والمعاناة ولم ترد على أسئلتي ببنت شفه. (مريم) ليست الضحية الأولى أو الأخيرة التي يضيع الأمن والمنظمات حقها القانوني .. بل أن مأساتها تتكرر كل يوم والغالبية يدركون ذلك .. والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ترى من المسئول عن هذه المآسي؟! والى متى سيستمر حال الإهمال والتفريط والتغاضي عنها من قبل الجهات الرسمية؟!