«العنوسة» لفظ عام يُطلق على الإناث اللائي تعدّين سن الزواج المتعارف عليه، وتختلف من بلد إلى آخر، وهي كلمة مؤلمة على النفس تخاف منها معظم الفتيات الواقعات أصلاً بين مطرقة الآباء وسندان العادات والتقاليد ونظرة المجتمع، آهات تخرج من أفواههن وقلوبهن تعبّر عن حزن عميق يخيّم على نفوسهن حتى وإن لم يفصحن عن ذلك؛ لكنها تبدو واضحة في إيماءاتهن وملامحهن ولسان حالهن يقول: «من جفّف زهور أحلامي، من بستان أيامي، النفوس أم الفلوس..؟!» ولكي نقترب أكثر من هذه الظاهرة؛ كان هذا الاستطلاع.. فاتني القطار..!! تحدّثت الأخت «م . ع - مدرسة» تقول: أنا الآن في بداية العقد الرابع من عمري أخواتي الأصغر مني تزوجّن وأنا لم أتزوّج؛ وبالتالي أصبحت ضحية زواج البنت الصغيرة قبل الكبيرة، الأمر الذي أوصلني إلى مرحلة اليأس, تقدّم لي عندما كنت في العشرين من العمر شخص لكن ظروفه المادية كانت صعبة، موظف بسيط، لكن والدي رفضه؛ بعدها لم يتقدّم لي أحد، والآن وصلت إلى مرحلة صعبة، وقد أوفق برجل في عمر والدي هرباً من العنوسة ومن مستقبلي المجهول. الأخت «ج.م - موظفة حكومية» تحدّثت إلى بمرارة: فاتني القطار، وهذا أثّر على حياتي وجعلني أموت كل يوم، خاصة عندما أرى من تصغرني في السن بعقد تُزف الواحدة تلو الأخرى، ولهذا كرهت حضور الأعراس، لكن هذا قدري، والسبب طمع والدي في معاشي، ولم يعمل حساباً لمشاعري الذي حطّمها وحطّم معها كل أحلامي. أحلام مبالغ فيها الأخت فاطمة الدغشي أكدت أن من أهم أسباب العنوسة هو انصراف الفتاة إلى الدراسة وإصرارها على عدم الزواج إلا بعد إتمامها، كما أن بعض الفتيات يبالغن في تصوّر مواصفات فارس أحلامهن، حيث يضعن في خيالهن صفات أسطورية له، ولا يفكرن بأمر جدّي في مثل هذا الأمر حتى يفوتهن القطار، وبهذا لا تلوم الفتاة المجتمع من كلامه ونظرته لها؛ بل الشك فيها؛ وهذا الأمر يسبّب لها ضغطاً نفسياً كبيراً، وتريد التخلُّص من هذه العبار ة المؤلمة، لكن لا جدوى. وتواصل حديثها بالقول: وإذا تقدم لهذه الفتاة رجل فإنه يقلّل من قيمتها، ويشترط عليها أن تتحمّل جزءاً من مصاريف البيت بقوله: «أحمدي الله أني بأتزوجك أفضل من أن تجلسي مرجومة..!!». المعوّق الأكبر يشاطرها الرأي الأخ حاتم محمد «طالب في كلية التربية جامعة صنعاء» حيث قال: التعليم هو المعوّق الأكبر بالنسبة للفتاة، واستمرارها في التعليم يؤدّي إلى عدم قبول الشباب بالزواج منها؛ لأنها على حد قولهم لا تسطيع أن تقوم بأعمال البيت بشكل كامل، وهناك شباب يرضون الزواج من غير المتعلّمة، وهذا حسب فكر الشاب نفسه، وهنا لابد من توعيه الشاب بضرورة أن تكون الزوجة متعلّمة، وعلى الدولة أن تسن قوانين خاصة بتخفيض المهور. الأخت فوزية السويدي إعلامية تقول: ظاهرة العنوسة ليست منتشرة بكثرة في اليمن؛ لكنها تتوسّع وهي موجودة، وغلاء المهور هو السبب الرئيس لارتفاعها في اليمن، كذلك البطالة وتدنّي مستوى المعيشة وعدم توافر فرص العمل، وأحياناً قد تحمل المرأة كرهاً للرجال بسبب موقف سابق، أو رغبتها في إكمال الدراسة الجامعية ومواصلة الدراسات العليا، أو انشغال الفتاة ببعض الأعمال التي قد تبعدها عن التفكير في الزواج، ويمكن معالجة هذه الظاهرة بعمل الأعراس الجماعية ومساعدة الأفراد الذين لا يستطيعون دفع تكاليف الزواج، كذلك تشجيع بعض العادات والأعراف التي تحدّد مهراً معيناً للفتاة. تجارة خاسرة الطاف الرداعي تؤكد أن هناك أسباباً أخرى لانتشار وتفشّي ظاهرة العنوسة من ضمنها الميراث، لأن بعض أولياء الأمور يرفضون تزويج بناتهم بحجة أن الزوج سوف يستولي على ميراثها، فتبقى الفتاة دون زواج أو عليها أن تتنازل عن الميراث.. بينما حفظ الله البكير يقول: إن السبب الرئيس من وجهة نظري هو ارتفاع عدد الإناث عن الذكور، كذلك عجز الشباب عن دفع المهر وتكاليف الزواج الذي تزيد عن المهر بأضعاف، نتيجة لبعض الظواهر والعادات والتقاليد في الولائم والتفاخر بها، والمعضلة هي أن الناس قد نسوا قول الرسول صلى الله عليه مسلم: «أولم ولو بشاة». أما الحاج محمد عبدالله الدغار، فقال: على الآباء أن يتقوا الله في بناتهم؛ لأننا نجد الكثيرين من الآباء يثقلون على الشاب المتقدّم بالشروط الذي ما أنزل الله بها من سلطان، وبفعلهم هذا يدمّرون حياة فلذة أكبادهم؛ لأنهم ماديون لا يهمهم سوى المال؛ وكأن بناتهم تجارة، ولا شك أنها تجارة خاسرة، وربما يجنون منها ما لا تُحمد عقباها، والمهم في الشاب هو الأخلاق، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «من أتاكم من ترضون دينه وخُلقه فزوّجوه». أما صالح سعيد البري «طالب جامعي» فيرجع سبب المشكلة إلى أن من أسباب عزوف الشباب عن الزواج هو الخوف من الدخول في النضج الكامل، ويخاف أن ينظر إليه المجتمع أنه أصبح كبيراً وصعوبة تحمل المسؤولية، وأيضاً الظروف الاجتماعية وتكاليف الزواج وما بعد الزواج وتحمّل أسرة؛ هذه المشكلة يمكن حلها من خلال التوعية عبر كافة وسائل الإعلام، لأنها أصبحت عقدة نفسية عند كثيرين من الشباب. «من دق بابك لا تردّه» صدام بادي «طالب دراسات عليا في جامعة صنعاء» قال: إنها مشكلة اجتماعية من الدرجة الأولى، فقد يتقدّم للفتاة شخص أقل منهم في مستوى المعيشة أو من أسرة فقيرة فيرفض الأب لأنه يريد أن يكون المتقدّم غنياً، حتى لو كان غير مناسب؛ لأن الآباء والأمهات يحبون أن يفتخروا بزوج بنتهم، ويضيف: «إحنا مناسبين بيت فلان» ولو تقدّم شاب متعلّم صاحب دين وأخلاق يُرفض تماماً برغم قناعة الفتاة أنه الشخص المناسب، نصيحتي لأولياء الأمور أنه «من دق بابك لا تردّه» المهم أن يكون ذا أخلاق ودين وتعليم وكفاءة، فالواحد يتوكل على الله ولا يهتم بقضية الغنى والفقر، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: «تزوجوا فقراء يغنكم الله». ونصيحتي للفتاة ألا تنظر إلى المسلسلات، وألا تقارن ما يحدث فيها بما يحدث بمجتمعنا، لأن ما تراه غزو فكري، وقصصها فيها إفراط في الرومانسية، وهي عالم افتراضي وحب كاذب وخيالي، وتحدث في مجتمعات غير مجتمعنا، وعاداتهم مختلفة عننا تماماً. تعدُّد الزوجات الدكتورة هبة الهاشم تحدّثت بقولها: تقل فرص الفتيات في الزواج بسبب أن الشاب يبحث عن الصغيرات في السن، ولا يمكن ان يقبل بالزواج من فتاة تسبقه في العمر حتى لو بسنة واحدة، فقط لأن نظرته دونية، وقد يقول: "لو كانت فتاة جيدة لخُطبت من قبل ولما بقيت من دون زواج، وبالتالي يوجد بها عيب جعلها تتأخر عن الزواج" وهذا ليس رأي الشاب بل قد يكون رأي الأهل في أغلب الأحيان. من خلال الاستطلاع وجدت أن أهم أسباب ظاهرة العنوسة تكمن في غلاء المهور وتعنت الآباء والتمييز الطبقي، وتزويج البنت الصغيرة قبل الكبيرة, ورغبة الفتاة في إكمال التعليم، وحلم الفتاة في رجل أسطوري، وطمع الآباء، وارتفاع معدل الإناث، والعادات والتقاليد، والميراث، وتكاليف العرس، والظروف المعيشية الصعبة، والفقر، وتلخصت حلولهم في الزواج الجماعي، ووضع قوانين تحدّد المهر، والتقليل من مظاهر الترف في الأعراس، والتكافل الاجتماعي، وتقبُّل المجتمع لتعدُّد الزواجات، وأرى ان تزويج الأكفاء وتيسير سبل الزواج، وترسيخ المعايير الشرعية لاختيار الزوج، فالمهم في الشاب أخلاقه، ودينه، وقدرته على تحمُّل المسؤولية، وعلى الآباء أن يتقوا الله.