للشهر الثالث على التوالي أقرت اللجنة الأمنية العليا تمديد حظر حركة الدرجات النارية في العاصمة اليمنية صنعاء إلى نهاية شهر فبراير الجاري، لأثره الإيجابي - كما تقول- على مستوى الحياة العامة. وتوعدت اللجنة بإجراءات رادعة بحق المخالفين.. لكن هذا القرار الذي لجأت إليه السلطات الأمنية، كإجراء وقائي بعد عمليات اغتيال نفذها مسلحون يستقلون دراجات نارية في العاصمة، ضاعف من أعباء العاملين في هذه المهنة الذين يقولون إنهم يستخدمون الدراجات كمصدر للعيش ويعولون منها عشرات الأسر اليمنية الفقيرة.. مصدر رزقنا يقول الشاب مجيب فؤاد الحمادي، سائق دراجة نارية: إن حظر حركة الدراجات النارية قرار تعسفي واضطهاد بحقهم، يضيف: «طبعاً أنا كطالب في جامعة صنعاء ليس لدي أي دعم ولا لي أي طرف يدعمنا ويوصلنا إلى هذه المرحلة الدراسية غير هذا الموتور (دراجة نارية)، أنا سأعاق بجميع المراحل سواء دراسة أو بأي مرحلة ممكن أن أبنيها». ولا يعترض مجيب، على قرار السلطات هذا لكنه يطالب الحكومة في المقابل بتوفير فرص عمل تمكنهم من العيش وتخرجهم من دائرة البطالة. - يوافقه الرأي الشاب عمار علي الفتاحي، هو الآخر سائق دراجة نارية في العاصمة صنعاء: «يدبروا لنا عمل ويشلو الموتورات لهم. بالنسبة للموتورات والله ما معانا غير الشغلة هذه، وين نروح لي ثلاثة أسابيع أدور عمل ولا حصلنا عمل ولا شيء. هذا قده مصدر رزقنا أنا شاقي على أسرة 8 أنفار، معي بالبيت أسرة ما معيش غير الشغلة هذه..». يضيف إلى ذلك طه أحمد السنفي، الذي التقيناه منتصف شهر يناير الماضي أمام بوابة جامعة صنعاء، إلى جانب عدد محدود من سائقي الدراجات،: «هؤلاء اشغلونا في أرواحنا كنا نشتغل من أول واحنا مرتاحين ذلحين أين نشتغل ما بش زلط ما بش مصاريف ولا معانا أي حاجة داخل البيت، عندي 4 أطفال وأمي وأبي اشقي عليهم بالموتر ليس لدي أي عمل ثان..». فقراء يغامرون بحياتهم! وشهدت العاصمة صنعاء طوال شهر يناير الماضي هدوءاً نسبيا مع توقف حركة الدراجات النارية وفقا للقرار الأمني، وخوف العاملين في هذه المهنة من رجال الأمن المكلفين بملاحقة الدراجات المخالفة ومصادرتها، لكن ذلك لم يمنع بعض السائقين الفقراء من الاستمرار في هذه المغامرة، التي قد تودي بحياة السائق والراكب في حال ما قرر جندي متهور تصنيفهم كمشتبه لا يجب أن يمروا. وحول ذلك قال مجيب الحمادي، أنهم يتخفون في الحارات ويحاولون بقدر الإمكان عدم المرور في الشوارع العامة التي تتواجد فيها نقاط أمنية، يضيف: «عادنا خارج من باب البيت وقد الأُبل تطاردنا (الأُبل سيارة تابعة لشرطة النجدة)، أنا الأن بيني وبين الجنان شعره من الفجائع حق الأُبل دائما وهم بعدي». يوافقه الرأي طه السنفي، ويضيف: «يضربوا علينا رصاص واحنا ماشيين، نحن نغامر بأنفسنا الآن ما بش معانا حل ثان». عدم التزامهم بقواعد المرور ويؤيد قرار الحظر عديد سائقي سيارات الأجرة الذين كانوا موضع منافسة من قبل الدراجات النارية، التي يفضلها الكثيرون في تنقلاتهم، لقدرتها على تجاوز الاختناقات المرورية وسرعتها ورخص تكاليف التنقل بها مقارنة مع سيارات الأجرة. يقول عبدالله البارقي، وهو سائق سيارة أجرة في العاصمة صنعاء: «أنا مؤيد لقرار منع الدراجات النارية لعدة أسباب منها عدم التزامهم بقواعد المرور وتجاوز السرعة المسموح بها داخل الشوارع وعدم لبس الخوذة وعدم اتباع الطرق السليمة لقيادة الدراجات النارية». مقتل 92 شخصاً بسبب الدراجات وتشير تقديرات شبه رسمية إلى أن عدد الدراجات النارية في البلاد ارتفع من نحو 100 ألف دراجة نهاية عام 2010م إلى نحو 300 ألف دراجة نارية في الوقت الحالي.. وتزايدت في الآونة الأخيرة الحوادث المرورية التي راح ضحيتها بسبب هذه الدراجات العشرات، وكشفت وزارة الداخلية اليمنية مقتل 92 شخصاً بين سائق ومستخدم للدراجات النارية في حوادث سير بمختلف محافظات الجمهورية خلال شهري أغسطس وسبتمبر الماضيين, فيما أصيب 672 آخرون معظمهم كانت إصاباتهم بليغة. ورصد تقريران منفصلان أعدهما مركز الإعلام الأمني بأن الفترة نفسها شهدت وقوع 509 حادثة سير كانت الدراجات النارية طرفاً فيها؛ توزعت ما بين 305 حادثة صدام دراجات نارية مع سيارات أسفرت عن وفاة 60 شخصاً وإصابة 412 آخرين، و42 حادثة صدام دراجات نارية ببعضها نجم عنها وفاة 11 شخصا وإصابة 75 آخرين، فيما أودت 221 حادثة دهس مشاة بحياة 10 أشخاص وإصابة 135 آخرين، وتسببت 41 حادثة انقلاب دراجات نارية في وفاة 11 شخصاً وإصابة 40 آخرين. حوادث الاغتيالات في شهر يناير من العام الجاري 2014م، تم رصد حوالي 10 عمليات اغتيال استهدفت غالبيتها ضباطا في الجيش والشرطة والاستخبارات اليمنية، 4 من هذه العمليات استخدم منفذوها دراجات نارية عند ارتكاب جرائمهم في محافظات تعزوحضرموت وعدن ولحج. ولا تشمل هذه العمليات ضحايا الهجومين اللذين شنهما مسلحون مجهولون على نقطة تفتيش عسكرية بمحافظة حضرموت وأخرى أمنية في البيضاء يوم الجمعة الماضية، وقتل على إثرهما قرابة عشرين جنديا وأصيب سبعة آخرون. وخلال العامين الماضيين لقي عشرات الضباط في الجيش والأمن اليمنيين مصرعهم في عمليات اغتيال منظمة كان عدد كبير منها بأيدي مسلحين يستقلون دراجات نارية، فيما توزعت بقية العمليات على سيارات مفخخة وعبوات ناسفة وغيرها. ونقلت مواقع إخبارية عن مصدر أمني قوله إن عدد من تم استهدافهم بواسطة دراجات نارية خلال العامين الماضيين بلغ أكثر من 150 شخصية. وتكتفي السلطات اليمنية باتهام تنظيم القاعدة بتنفيذ معظم هذه العمليات، لكن الأجهزة الأمنية لم تتمكن من إلقاء القبض على أحد منفذي هذه العمليات وتقديمه إلى المحاكمة. الحل الوحيد المتاح نظريا كل هذا وغيره دفع بالسلطات الأمنية إلى اتخاذ قرار حظر حركة هذه الدراجات كخيار وحيد بحسب أستاذ الاقتصاد الدكتور محمد الميتمي: «من سوء الحظ أن الحكومة اليمنية أمام خيارات صعبة، خيارات تتنوع بين مجابهة هذا الحجم الهائل من البطالة العميقة والواسعة الانتشار بين اليمنيين، هناك نحو 2 مليون ونصف إنسان عاطل عن العمل، سنوياً ينتسب إلى سوق العمل نحو 200 ألف شاب جديد، وسوق العمل اليمني لا يوفر سوى 30 ألف فرصة عمل كأقصى تقدير.. الوضع الاقتصادي اليمني والوضع الأمني يقيد تأمين فرص عمل، والحكومة لا تستطيع استيعاب مزيد من الناس للعمل، أصبحت متشبعة إلى درجة كبيرة...». وتابع الدكتور الميتمي: «الحل الوحيد المتاح نظريا لتأمين فرص عمل هو القطاع الخاص سواء كان محلياً أو أجنبياً وهو يحتاج إلى بيئة استثمارية سليمة وأهمها البيئة الأمنية، وفي ظل القلاقل الأمنية والتخريب والاغتيالات التي كانت تستخدم الموتورات جزءاً منها في سبيل استحقاقات سياسية أو لي ذراع المجتمع والدولة، لم تجد الدولة خيارات أخرى سوى أنها تمنع الدراجات النارية لأنها حلقة مرتبطة في غياب الأمن لا يمكن أن يكون هناك استثمار وفي غياب الاستثمار والبيئة الاستثمارية الجيدة لا مجال لتأمين فرص عمل، إذ لا بد من ضبط المجال الأمني». وقال الميتمي: «ليست الوسيلة المثالية ولا الناجعة لا شك أنها أضرت بعدد من الأسر التي تعتاش على الدراجات النارية لكن لا يوجد خيار آخر. هناك خيارات أقل الخسائر ما هي؟، هي منع هذه الدراجات في سبيل تأمين حياة الناس وفي سبيل الاستقرار الأمني الذي سيؤمن بيئة استثمارية في المستقبل أفضل مما يعطي فرص عمل أفضل لليمنيين وهذا هو الخيار المتاح». حظر حمل السلاح أولا على الرغم من ذلك يقول الصحفي سامي نعمان، أن هناك قصورا واضحاً في التعامل مع هذه القضية وإن الإجراءات المتخذة تتجاهل التحدي الأهم المتمثل في الانتشار الواسع لثقافة السلاح، لكنه لم يخف ضرورة تنظيم هذه المهنة شريطة عدم إغفال أن هناك عشرات الآلاف من اليمنيين العاطلين عن العمل يعملون عليها، حد قوله. وأضاف نعمان: «الدراجات النارية ليست سوى عامل مساعد يوفر هروباً آمناً في حوادث الاغتيالات وليس أداة الاغتيالات المباشرة. السلطات الأمنية اتخذت إجراءات صارمة ضد الدراجات النارية بحظرها لكنها لم تتخذ إجراءات بحق حاملي السلاح وهم بالمئات ويتجولون في شوارع العاصمة والأماكن العامة». يتابع: «هذه الإجراءات تطال الطرف الأضعف، والفئات الكادحة، لذلك يجب أولا البدء بإجراءات حظر حمل السلاح قبل الشروع بحظر الدراجات النارية». النقمة تبدو أكثر خطورة ربما تحقق القرارات الأمنية الأخيرة ضد الدراجات النارية بعض النجاح، بما في ذلك منعها نهائياً في العاصمة صنعاء، لكن المخاوف من إثارة المزيد من الاحتجاجات وأعمال العنف كما حصل مؤخرا في صنعاء، كوسيلة عبر بها سائقو الدراجات النارية عن عدم رضاهم عن هذه الإجراءات، فضلاً أن النقمة تبدو أكثر خطورة من الظاهرة نفسها، وفقا لمراقبين.